صلاة السيد المسيح: لا تكونوا كالمرائين

شارك بالموضوع
saif
مشاركات: 35
اشترك: أكتوبر 27th, 2005, 3:26 pm

مارس 5th, 2006, 1:10 pm

قال السيد المسيح

’’ ومتى صليتم فلا تكونوا كالمرائين، فإنهم يحبون أن يصلوا قياماً في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم.
أما أنت فمتى صليت فادخل مخدعك وأغلق بابك وصلَ إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك. ،،
الإنجيل حسب متى 5:6-6

قبل أن يشرع السيد المسيح بالكلام عن الصلاة بشكل ايجابي نراه يلفت نظر التلاميذ وبواسطتهم سائر الذين سيؤمنون به عبر العصور وفي شتى البلاد إلى وجوب تجنب بعض الأخطار التي تعيق بالصلاة. فالإنسان الذي يصلي إلى الله ليس بالإنسان الكامل الطاهر بل إنه إنسان قد أثرت عليه الخطية، إنسان قد تغلغل الشر إلى قلبه وإلى سائر نواحي حياته حتى أضحى بحاجة ماسة ليس فقط إلى معرفة إرادة الله بل على تحرير إلهي من ربقة الخطية والشيطان. ولكن كون الإنسان خاطئا لا يعني أنه أصبح مخلوقا بدون دين أو تديَن. إن الإنسان لا يقدر أن يعيش بدون شعور ديني وعلاقة مع كائن أعظم منه. هذا الذي قاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى التكلم عن بعض المخاطر التي ترافق حياة الصلاة . وسنكتفي بذكر خطر واحد في هذه العظة وهو خطر الوقوع في النفاق أو الرياء. أما الخطر الآخر الذي ذكره يسوع المسيح في نفس المناسبة فإنه كان تقليد الأمم الوثنية في عاداتها الخاطئة في العبادة والصلاة وسنأتي على ذكر ذلك في عظة مقبلة بإذن الله.
طلب المسيح من تلاميذه أن لا يتشبهوا بالمرائين الذين كانوا يُظهرون إفلاسهم الروحي بشكل خاص في موقفهم من الصلاة. "ومتى صلّيتم فلا تكونوا كالمرائين، فإنهم يحبون أن يصلّوا قياماً في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم."

ومع أن السيد المسيح لم يذكر اسم الفريسيين أثناء هذا التعليم إلا أنه كان يعنيهم. وهؤلاء كانوا جماعة دينية متطرّفة ناصبت المسيح العداء لأنهم لم يودّوا بأن يخسروا مكانتهم المحترمة في المجتمع. أما المسيح فإنه تكلم عنهم بكل صراحة وأفهم الجميع بأنهم كانوا ذات ديانة سطحية وقشرية وأن قلوبهم كانت بعيدة كل البعد عن الله تعالى. أحب الفريسيون التظاهر بتديّن كبير ولذلك أساؤوا استعمال الصلاة وحوّلوا هذا الامتياز الذي منحه الله للإنسان حوّلوه إلى مجرّد تمثيلية يُراد منها لا التقرب من الله وعبادته بل الظهور أمام الناس بمظهر التقوى والصلاح. وهكذا عندما كانوا يذهبون إلى المجامع في أيام السبت للاستماع إلى تلاوة الكتاب المقدس وتفسيره وترنيم المزامير الكتابية كانوا يتنافسون فيما بينهم على الصلاة. نعم كان هؤلاء الفريسيون ينهضون في تلك المجتمعات الدينية للصلاة وعوضاً عن أن يصلّوا وهو شاعرون بخطاياهم الكثيرة والكبيرة وعوضاً عن أن يطلبوا الرحمة والغفران كانوا يظهرون لسائر المتعبّدين مقدار صلاحهم ويلقون محاضرات مطولة عن تقواهم المزعومة بشكل صلوات.
وكذلك كان الفريسيون يصلون في زوايا الشوارع لا نظراً لشعورهم بحاجة قوية للصلاة أثناء حادث طارئ بل للظهور أمام المارة بمظهر التقشّف والزهد عن هذه الدنيا. ولكن جميع هذه الصلوات لم تكن بالحقيقة صلوات لأنها لم تُقبل من الله تعالى. وليس ذلك فقط بل إن الله تمجّد اسمه يمقت هكذا صلوات لأنها في جوهرها تنكر معرفته لكل شيء وحتى لخفايا القلوب. من يصلي للظهور بمظهر الصلاح والتقوى أمام الناس ينال أجراً دنيوياً من بني البشر ولكن الله لا يسمع صلاته ولا يصغي إلى دعائه.
وقد حذّر السيد المسيح تلاميذه من مغبّة الوقوع في هذه الخطية لأنه من السهل جداً أن ينحرف المؤمن من حياة الصلاة السليمة إلى حياة التظاهر واستعمال الصلاة للحصول على رضى الناس ومدحهم. فانزلاق جماعة الفريسيين إلى هوّة الرياء كان تدريجياً وكان طريق السقوط معبّداً بأفكار جذّابة وغايات ذات مظاهر جيّدة. فليحذر إذاً تلاميذ المسيح وسائر المؤمنين من الوقوع في خطية الفريسيين.
لكن السيد المسيح لم يكتفِ بالتحذير أو بإعطاء تلاميذه تعليمات سلبية بخصوص الصلاة بل إنه أعطاهم المبادئ الإيجابية التي يجب أن تقودهم في صلواتهم فقال: "أما أنت فمتى صلّيت فادخل مخدعك وأغلق بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك."

في إتباع تعليمات السيد المسيح نجد الطريقة الحيدة التي تمكننا من التغلب على خطية الرياء في الصلاة. لأنه من المستحيل أن يكون الإنسان مرائياً وهو منفرد مع الله. على الإنسان أن يكون ظاهراً إذ ذاك كما هو على حقيقته وفي وحدانيته مع الله ليس هناك من بشري آخر يريد أن يظهر أمامه بمظهر مخالف للواقع. والله يرانا دوماً كما نحن في قلوبنا لا كما نحاول أن نظهر أمام الآخرين. فما هو الدافع للتظاهر بأننا أحسن مما نحن في حقيقتنا لدى ظهورنا أمام الله؟ إننا قد نستطيع أن نخدع الآخرين ولكننا لا نقدر أن نخدع الله العالم بخفايا قلوبنا.
من يريد أن يصلي وأن يسكب قلبه أمام الله عليه أن يقوم بذلك في مكان منفرد حيث يسود الهدوء وحيث لا توجد تجربة الرياء والتظاهر. من يقوم بذلك بشكل طبيعي ومستمر لا بد من أن يجد أن حياته قد أصبحت غنية لأنه لا شيء مثل الصلاة يساعدنا على الشعور بالقرب من الله ولا شيء مثل الصلاة يمكّننا من الحصول على النّعم والبركات التي نحن بحاجة إليها.
ومن الجدير بالملاحظة أن السيد المسيح بكلماته هذه لم يكن يمنعنا من الصلاة علانيةً في المجتمعات الدينية أو في بيوتنا ضمن عائلاتنا. كلا إن السيد المسيح بكلماته هذه إنما كان يلفت أنظار تلاميذه وأتباعه الأوفياء إلى الكيفية التي أياء بها الفريسيون وأتباعهم استعمال امتياز الصلاة. كان الفريسيون يصلّون صلواتهم الخاصة الفردية في مناسبات غير ملائمة، لأنه كيف يمكن للإنسان من أن يقترب من الله بصورة فردية وهو يصلّي علانيةً أمام الناس؟ هذا أمر مستحيل هناك صلاة فردية في حضور أفراد العائلة وصلاة عامة أو جمهورية في بيت الله حيث يجتمع سائر المؤمنين. لم يمنع إذاً السيد المسيح المؤمنين به من أن يُصلّوا كأُسر أو كجماعات بل أراد منهم أن يقوموا بأداء صلواتهم بكل لياقة وأن لا ينظروا إلى امتياز الصلاة الفردية كوسيلة للظهور أمام الناس بمظهر مخالف للحقيقة التي يراها الله في كل حين. لتكن الصلاة صلاة لا محاضرة دينية فريسية.
وكذلك علينا أن نلاحظ أن السيد المسيح استعمل في تعليماته الإيجابية بخصوص الصلاة كلمة أب أو آب بالنسبة إلى الله. "صلّ إلى أبيك الذي في الخفاء وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك!". الإنسان في حالته الساقطة لا يقدر أن ينظر إلى الخالق كأب له إذ أن كل بشري خسر هذه العلاقة الروحية التي تربط الإنسان بالله في البدء. كيف يقول المسيح إذاً للمصلّي بأن يصلّي إلى الآب السماوي؟
الجواب الذي يعطينا إياه الكتاب المقدس هو أن كل إنسان يتصالح مع الله بواسطة المسيح يسوع يُمنح المقدرة والصلاحية بأن ينظر إلى الله كأبيه السماوي. ففي مقدمة الإنجيل حسب يوحنا نقرأ هذه الكلمات:
"أما جميع الذين قبلوه - أي الذين قبلوا وآمنوا بيسوع المسيح- فقد أعطاهم سلطاناً بأن يصيروا أبناء الله، وهم يؤمنون باسمه، الذين لم يولدوا من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله".
فالله ذاته هو الذي يعطي المؤمنين هذه الميزة التي لا تقدّر بثمن ليصيروا أولاده فيقتربون منه ويصلّون إليه قائلين: أبانا الذي في السموات! ولكي يعطي الله المؤمنين هذا السلطان كان عليه أن يرسل ابنه الوحيد إلى هذا العالم ليكفّر عن خطاياهم بموته على الصليب.
عندما نفكّر ملياً بالثمن الذي دفعه الله ليصالحنا مع ذاته ليمكننا من الاقتراب إليه كآب سماوي، عندما نأخذ بعين الاعتبار التضحية العظمى التي قام بها سيدنا يسوع المسيح للتكفير عن خطايانا ولإعطائنا التبنّي أي أن نُدعى بأولاد الله، هل يبقى إذ ذاك أي تفسير منطقي لسوء استعمالنا لميّزة الصلاة الفردية؟! إن السيد له المجد مات عنا على الصليب وفدانا بدمه الزكي لتكون حياتنا الروحية حياة صحيحة وخالية من سائر العيوب، وخاصةً من خطية الرياء التي كان السيد ولا يزال يمقتها مقتاً تاماً.
"أما أنت فمتى صلّيت فادخل مخدعك وأغلق بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك".

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر