مواقيت القيام إلى الصلاة و هيئتها في القرآن

شارك بالموضوع
alanar
مشاركات: 221
اشترك: إبريل 7th, 2006, 3:35 pm
المكان: ارض الله الواسعه

يوليو 5th, 2006, 6:36 am

مواقيت القيام إلى الصلاة و هيئتها
في القرآن

لنلخص ما توصلنا إليه في الجزء السابق (الصلواة شعيرة أم مفهوم) قبل الدخول في موضوع بحثنا.
الصلواة مفهوم يدل على الإلتزام بالحدود في التفاعل مع الآخرين دون تعدي ولا تجاوز، وكنّا سجلنا الفرق بين مفهوم إقامة الصلواة و القيام إلى الصلواة. فإقامة الصلواة هي بناء آليات التفاعل ووسائله وحدوده و الحفاظ عليها دون تعدي أماّ القيام إلى الصلواة فهي القيام لحد موجود أصلا و هو الحد الفصل بين المخلوق و الخالق.

نجد معنى الحد و الإلتزام به من فئة الأعراب التي هي أقل الفئات السياسية ارتباطا بالميثاق السياسي في تعاملها و هي أشبه في عصرنا بالدول التي ترفض الدخول في مواثيق الأمم المتحدة مع فارق مهم و هو أنّ الأمم المتحدة تتقاذفها القوى العظمى و لا تخضع دوما لمبادئها المعلنة عكس مثال النبي المديني و لنقرأ :

"الأعراب أشدّ كفرا و نفاقا و أجدرُ ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، والله عليمـ حكيم(97) و من الأعراب من يتّخذ ما يُنفق مغرما و يتربص بكمـ الدوآئر؛ عليهمـ دآئرة السوء، والله سميع عليمـ (9 و من الأعراب من يُؤمن بالله و اليوم الأخر و يتّخذ ما يُنفق قربات عند الله و صلوات الرسول؛ ألآ إنّها قربة لهمـ ؛ سيدخلهمـ الله في رحمته، إنّ الله غفور رحيم(99)"
التوبة

الصنف الثاني من الأعراب لا ينفق منتظرا المقابل و لا يتحالف مع العدو لتقويض الرسالة و العودة إلى حالة الكفر، حالة الإكراه العقائدي و الفكري و منع الحوار و التفاعل. بل هذا الصنف يعرف حدود تفاعله مع الرسالة لا يتعدّاها و لا يتجاوزها و يتفاعل معها إيجابيا مريدا رفعتها و مساندتها. فصلوات الرسول هي صلة هؤلاء الأعراب بالرسالة من جوانب عدّة يتخذونها قربة عند الله و دخرا. و لا يورد القرآن لفظ الصِلة للتعبير عن التفاعل بين الناس لبنيته اللفظية الخاصة، فلو أورد القرآن لفظ "الصِلة" لكان دليلها الخفاء، إذ حركة الكسر تدل على الخفاء.
و النبي على كل مأمور بمراقبة من حوله من المؤمنين و التفاعل معهو دون أن يتعدى حدود التفاعل و دون أن يتجاوزه. فهو مأمور بأخذ النفقات مصدقا من يعطيها بأنّه يدفع النسبة الأدنى 20% من دخله دون أن يبحث عن تفاصيل مصارفه و أمواله و دون أن يراقبه فالضريبة في مجتمع المدينة تُدفع طواعية من دون إكراه و لا مراقبة وتلك حالة لا تصل إليها المجتمعات الإنسانية إلاّ إذا ارتبطت بالله صدقا و حقّا و ليس عبثا أن جاء لفظ إنفاق المال ب "الصدقة" لما يحمله من اشتقاق الصدق بين المعطي و الآخذ :

"خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم و تزكّيهم بها و صلّ عليهم، إنّ صلواتك سكن لهم، والله سميع عليمـ (103) ألم يعلموا أنّ الله هو يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات و أنّ الله هو التواب الرحيمـ (104)" "
التوبة

فالنفقة من غير صدق ليست صدقة، وهي بهذا غير مقبولة عند الله و مردودة على صاحبها و أنّ قانون قبول النفقات في دولة المدينة هو صدق عطاءها و إلاّ خرج صاحبها من دولة "الذين آمنوا" إلاّ أن يتوب و يصدق في نسبة عطاءه.

إنّ الصلواة في البلاغ المبين هي المقابل العكسي للعزلة و الإنحسار و هي تعني إقامة جسور التفاعل مع الكائنات الموجودة في الكون دون تعدي و لا تجاوز، ولا يمكن إقامة آليات التفاعل بوجود مُهَيمن عليه و مُهَيمن بل الأمر بإقامة الصلواة في القرآن هو أمر بتحديث الوسائل و مسايرة العصر في رقيه و السير في ركب الصدارة دائما، و من لا يصلّي و لا يقيم الصلواة على نفسه و على من حوله يتولّى و يتخلف و ينحدر و يصبح مأكولا أو عالة على الناس.

فحين تأتي الآيات بلفظ الصلواة دون أن ترتبط بفعل الإقامة أو فعل القيام فهي تدل على إنشاء آليات التواصل التي هي غير موجودة أصلا ليأتي بعدها الأمر بإقامتها و الحفاظ عليها و تجديدها ليتمّ التفاعل مع الآخرين بفاعلية كبرى و لنقرأ نصيحة الأنبياء :

"فأشارت إليه، قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّا(29) قال إنّى عبد الله ءاتاني الكتاب و جعلني نبيّا(30) و جعلني مباركا أين ما كنت و أوصاني بالصلواة و الزكواة ما دمت حيّا(31) و برّا بوالدتي و لم يجعلني جبّارا شقيّا(32) و السّلام عليّ يوم ولدت و يوم أموت و يوم أُبعث حيّا(33)"
مريم 19

" واذكر في الكتاب إسماعيل؛ إنّه كان صادق الوعد و كان رسولا نبيا(54) و كان يأمر أهله بالصلواة و الزكواة و كان عند ربّه مرضيا"
مريم 19/ 55

و إسماعيل في هذا يحقق أمل أبيه إبراهيم في إقامة التفاعل مع الآخرين :
"ربّنا إنّى أسكنت من ذريتى بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصلواة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم و ارزقهم من الثمرات لعلّهم يشكرون(37)"
إبراهيم

إنّ فعل الصلواة هو البحث عن آليات التواصل مع الآخرين دون تعد، وفعل الصلواة ينبغي أن يتمّ بأرقى الوسائل و أعلاها و هي ما يسميه البلاغ المبين الزكواة كما سبق تبيينه في البحث السابق. و يجد الإنسان صعوبة مجهدة في الصبر على بلايا هذا التفاعل و ربّما فكر في اعتزال الناس أو طائفة منهم و الركون إلى الدعة السلبية و هذا ما يرفضه البلاغ المبين بل يحثنا على التواصل و التفاعل و إن كان فيه سلبيات و لنقرأ :


"فاصبر على ما يقولون و سبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها، و من ءانآءى الليل فسبح و أطراف النهار لعلّك ترضى(130) و لاتمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحيواة الدنيا لنفتنهم فيه؛ ورزق ربّك خير و أبقى(131) و أمر أهلك بالصلواة و اصطبر عليها، لا نسألك رزقا، نحن نرزقك، والعاقبة للتقوى(132)"
طه

إنّ النبي مطالب بالصبر على أقوال الناس و اتهاماتهم و مطالب بتجديد طاقته الروحية مستمدا قوته بحمد ربه قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و في أثناء ليله و أطراف نهاره، فهو في تبليغه للرسالة لا يطلب أجرا و لا ينبغي أن تستهويه حياة بعض الناس المترفة فينزلق إليها تاركا الرسالة، و مع هذا فهو مطالب أن لا يعتزل أي فئة من الناس و أن يؤسس لآليات التفاعل مع الناس و يأمر أهله بها و يصطبر على عواقب هذا التفاعل. و في معنى الإصطبار قوة التحمل و هذا ما يزيد في اطمئناننا بما ذهبنا إليه في تحديد مفهوم الصلواة. إذ في أمر الأهل بالصلواة دفعا لهم لرؤية الآخرين و حسن معيشتهم ممّا قد يدفع بأهل النبي إلى المطالبة بتحسين أوضاع عيشهم و لذلك جاء أمر الإصطبار للنبي و ليس لأهله إذ هذه المطالبة بتحسين الأوضاع يصعب ردّها و قد لا يكون الصبر كافيا لمنعها و كبح جماحها بل لا بد لها من الإصطبار.


ونختم هذه التوطئة بنصيحة لقمان الحكيم لإبنه لتحضيره لمواجهة الحيواة و الحرث لآخرته :

"يا بنيّ أقمـ الصلواة و أمر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر على مآ أصابك، إنّ ذلك من عزم الأمور(17) و لا تصعر خدّك للناس و لا تمش في الأرض مرحا، إنّ الله لا يحب كل مختال كفور(1 و اقصد في مشيك و اغضض من صوتك؛ إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير(19)"
لقمان

هكذا ينبغي على الإنسان أن لا يعتزل الحيواة أيّا كانت الصعوبات و يتفاعل مع الناس و مع المحيط و كلّما تعب من هذا التفاعل عليه أن يقيمه ثانية "أقمـ الصلواة" و هو في هذا التفاعل يلتزم الحدود و لا يتعدّى و لا يتجاوز و يأمر بما عرفّه الله له من خير معروف بما بثه الله فيه من نفخ الروح، فالمعروف فينا معرفا و عليه أن يسجل استنكاره للمنكر و يصبر على المصائب التي تلحقه من هذا التفاعل، إنّ هذا السلوك لا يستطيعه جميع الناس "إنّ ذلك من عزم الأمور". وليس عبثا أن تُربط الصلواة في كتاب الله في غير ما موضع بالصبر :

"وأقيموا الصّلواة و ءاتوا الزّكواة و اركعوا مع الراكعين(43) أتأمرون النّاس بالبرّ و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب؛ أفلا تعقلون(44) واستعينوا بالصبر و الصّلواة؛ و إنّها لكبيرة إلاّ على الخاشعين(45)"
البقرة

"يأيّها الذين ءامنوا استعينوا بالصّبر و الصّلواة؛ إنّ الله مع الصابرين"
البقرة :153

"و لكلّ أمّة جعلنا منسكا لّيذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعامـ ، فإلهكمـ إله واحد فله أسلموا، و بشّر المخبتين(34) الّذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم و الصّابرين على مآ أصابهم و المقيمي الصّلواة و ممّا رزقناهم ينفقون(35)"
الحج

إنّ العزلة قد تحمي الإنسان من مصائب و بلايا التفاعل مع الناس و الكائنات و لكن وظيفة الخلافة في الأرض تجعل من الصلواة ضرورة حتمية. وعلى الإنسان أن يعطي و يأخذ في تفاعله مع الناس على أن يكون عطاءه العلمي دون خوف من الإنقطاع و التأخر بل غاية تفاعله الوصول إلى حقيقة ربّه بالإنطلاق رويدا رويدا إلى إنشاء المراكب الفضائية و الخروج من المجرة إلى بث الحيواة في الكون الفسيح و الذي يفهم الرسالة خطأً فيشنأ حقائقها أو يجحدها دون معرفتها منقطع الأثر :

"إنّا أعطيناك الكوثر(1) فصلّ لربك وانحر(2) إنّ شانئك هو الأبتر(3)"
الكوثر

ففي دليل الكوثر الكثرة لدخول الواو التي هي دليل الضم و الجمع، و لعلّ فعل "انحر" دفع المفسرين إلى اعتبار الكوثر بنت النبي أو نهر في الجنة أو غيرها، على أنّ فعل النحر ليس فعل الذبح، ووروده مرّة واحدة في يحتاج منّا إلى فهم بنية القرآن اللفظية لتحديد دليله وهذا ما لا أزعم معرفته. و إن أخذنا بدليل النحر الحسي ووسعناه لجعلنا النحر مرادفا للإزهاق أي دليلا على التواصل دون طلب المقابل ولا انتظاره.

خطر العزلة كبير جدّا إذ يؤدي إلى الإنغلاق الذاتي و الإمتناع من الإستفادة من علم الآخرين و تجاربهم، فالصلواة مع ما تحمل من مصاعب و تتطلبه من صبر و تحمل أفضل من الإنعزال ولنقرأ:

"فلا صدّق ولا صلّى(31) و لكن كذّب و تولّى(32)"
القيامة
فمقابل الصدق الكذب و مقبل الصلواة التولّي الذي يحمل دليل الإنصراف و الترك و الإمتناع، وكان أحرى به أن يسمع و يتفاعل و يدرس، فهو يتحصر من عزلته السلبية التي أوردته الهلاك :

"كلّ نفس بما كسبت رهينة(3 إلاّ أصحاب اليمين(39) في جنّات يتسآءلون(40) عن المجرمين(41)ما سلككمـ في سقر(42)
قالوا لمـ نك من المصلّين(43) و لمـ نك نُطعم المسكين(44)و كنّا نخوض مع الخائضين(45) و كنّا نكذّب بيوم الدين(46) حتّى أتانا اليقين(47)"
المدثر

دليل الصلواة يعطيه لفظ "المجرمين" الذي يدل على التعدي و التجاوز في التفاعل مع الكائنات و المحيط. وبهذا فالذي يتعدى لا يصلّي بل يهدم و يُجرم. فهو يهدر طاقته ويدخل في براثن الفوضى و يهدر ماله في العبث.

إنّ الذي يسهو عن الصلواة و يغيب غياب الفاقد لوعيه في غمرته يمتنع عن الرقي و يجهل مواضيع صرف طاقته و ماله فهو لا يعين المسكين و يدخل في غياهب الفوضى الفكرية التي يصورها فعل الخوض ، و هذا ما تصوره الآيات :


الماعون

الذي يكذب بيوم الدين لا يشعر بمسؤولية في الحيواة و حد لا مبالته تصل إلى دفع اليتيم عن حقّه و تصل إلى إهمال أبسط حقوق المساكين وهو الطعام، وأمة هذه حالها خربة لا حيواة فيها و عليها إن أرادت بث الحيواة في عروقها أن تعود إلى الصلواة و إلاّ تعاقبتها الأزمات التي يصورها لفظ "ويل" المركب من فعل ولّى التي تمدها الياء بيدها فوييل يصور تعاقب الازمات، كلّما خفت واحدة أعقبتها أخرى.

إلى هذا الحد نصل إلى تثبيث مفهوم الصلواة و إقامة الصلواة و الآن ندخل موضوع هذا الجزء و هو القيام إلى الصلواة.

و أول الملاحظات أن لا وجود لمواقيت القيام إلى الصلواة في البلاغ المبين، والآيات التي يُستشهد بها في تعيين مواقيت الصلواة تحتاج إلى وقفة متأنية لتبيين دليلها :


الإسراء
إنّ سياق الآيات يتحدث عن الأثر الذي يسببه مخالطة الناس من ذوي العقول المريضة، و الآيات تصور مقدار ما عانى النبي من هؤلاء و حملاتهم النفسية لتثنيه عن واجب تبليغ الرسالة، وتصور المخاض العسير الذي انتهى بثباث النبي و صموده. و مع نكد هؤلاء القوم الذين يريدون بكل وسيلة تقويض الرسالة إلاّ أنّ القرآن يطالب النبي ببناء العلاقة ثانية و التفاعل و عدم الإعتزال و مراعاة الحدود دون تعدّي أو تجاوز مختصرا له كل هذه الأوامر بجملة "أقمـ الصلواة".
و لو كان المقصد في هذه الآيات هو وقت معين لجاءت أداة "حين" بدل أداة "لِ" و لكان منطوق الآية "حين دلوك الشمس" و ليس "لدلوك الشمس" و مع أنّ أداة "ل" تفيد حد فعل إقامة الصلواة وهي ترسم لنا أقصى حالة جوية يستطيع تحملّها الإنسان المعبر عنه ب "الدلوك" الذي يحمل دليل الحر الشديد، و ترسم الآية أقصى نهاية زمنية لهذا التفاعل حين تغيب الرؤية و يصعب التمييز بجملة "غسق الليل" على أنّ يوم الإنسان يبدأ من الفجر الذي يدل على الإنفجار الآتي من الشمس بفعل التفاعلات النووية في قلبه، وهذا اليوم ينبغي أن يبدأ بقراءة آيات البلاغ المبين و الغوص فيه لتتضح حقائقه في الواقع "إنّ قرءان الفجر كان مشهودا" ويُدرك المرء أنّ للكون رقيب عالم حفيظ حكيم مهيمن، و ينتهي يوم الإنسان كذلك بقراءة ثانية لآي البلاغ المبين المعبر عنه بجملة "فتهجد به" الدال على الإرتفاع و الرقي،
على أنّ فهم دلالة لفظ "التهجد" تبدأ من فهم بنية الكتاب اللفظية، ذلك أنّ هذا اللفظ ورود مرةّ واحدة و دون اشتقاق. على أنّ جملة "عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا" توضح المقصد من التهجد و غايته و هو الرقي إلى مستوى الرضى عن النفس و الفعل.

ومن الآيات التي يُستشهد بها على مواقيت النسك البلاغات القرآنية التالية:


هود
إنّ نفس الملاحظة السابقة تنطبق هنا فالتفاعل مع الناس تُذهب حسناته سياءته و هو عمل دؤوب متصل طول اليوم و قليلا من الليل لا يفتر و مع كل مصاعبه ينبغي فعله و يلزم الصبر و العفو عن إساءات الآخرين و تجاوزهم و تعدّيهم للحدود فغلية هذا الصبر ما عند الله "إنّ الله لا يضيع أجر المحسنين"، و أمر "أقمـ الصلواة" بالميم الناقصة الدال على استمرار فعل الإقامة يكفي للتدليل على أنّ المقصود ليس النسك.

وممّا يُستشهد به كذلك آيات سورة النور :


النور

تتحدث الآيات عن مواقيت إستئذان الإنسان من ملك يمينه و ممن لم يبلغ الحلم، وملك اليمين ليس هو العبد أو الأَمة و إن كانا فيهما ضمنيا بل هو مفهوم يتعلق بكل من لا يستطيع إبداء رأيه و رفض قرارات و تصرفات من يتحكم فيه، و من الأطفال الذين ينبغي أن يعودوا على احترام عورة الإنسان مما لا يريد كشفه من عمل أم فعل أو غيرها. و ترسم الآيات حدود هذا الإستئذان بخنوع الإنسان إلى فراشه بين العشاء و الفجر أو في قيلولته إن وضع ثيابه. على أنّ لو كان المقصود ب "صلواة الفجر" و "صلواة العشاء" مواقيت النسك لأتت بقية أسماء المواقيت الأخرى واضحة مفصلة.

على أنّ هناك محاولا ت أخرى لضبط مواقيت النسك من البلاغ المبين بجعل ألفاظ التسبيح و الحمد مرادفة للنسك، فقد ذهب الكثير إلى أنّ التسبيح في آيات البلاغ المبين قد يرد بمعنى نسك القيام إلى الصلواة، و ربّما كانت آيات النور هي الدافع إلى تصورهم هذا :


النور
فالبيوت التي أذن الله أن تُرفع هي البيوت التي يكشف فيها مثال الآية 35 أنّ الله نور السماوات و الأرض، فليست البيوت هنا بمعنى أماكن النسك ممّا نسميه خطأ "مساجد"، إذ لو كان الأمر كذالك لما أتى فعل "أَذِنَ" الذي يحمل دليل السماح برفعتها وعلو قدرها و بقاء عملها وهي أشبه بالمراصد الفلكية في زمننا هذا، ففيهاذكر الله أي استحضار عظمته و الذكر ليس تلفظا شفويا بل استحضارا لهيمنة الله و إبداع خلقه :
"فاذكروا الله كذكركم أباءكم أو أشد ذكرا"
فذكرنا للأباء استحضار لعنايتهم بنا ممّا حفظته الذاكرة فلا يُنسى.

إنّ فعل التسبيح أعقبته أداة "ل" التي تدل على الغاية من الفعل و أفقه ففي القرآن تعددت أدوات الدخول على فعل التسبيح :
"سبّح لله"
"سبح بحمد ربّك"
"نسبّحك كثيرا"
"سبّح اسم ربّك الأعلى"
"سبّح باسم ربّك العظيم"

و دخول أداة "ل" على فعل التسبيح ترسم غايته، فغاية المسبحين في هذه البيوت هي معرفة السنن الكونية التي بثها في كونه ليجددوا بها الطاقة في الأرض بالوصول إلى تخزين طاقات النجوم البعيدة التي لم نعرف بعد طريقة تخزينها و هذا ما ترسمه جملة "بالغدو و الآصال" و هؤلاء المسبحون ينطلقون من غايات سامية لا يربطها كسب دنيوي زهيد "لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله"، وهم لا يفترون من التفاعل مع الغير مراعين في ذلك الحدود و بأزكى الوسائل و أرقاها "إقامـ الصلواة و إيتآء الزكواة"، ذلك هو المجتمع الراقي الذي ينشده و يدفع إليه البلاغ المبين دفعا، مجتمع البحث العلمي و السعي له و تكريس كل القوى من أجله.


هذا الخطأ في فهم دلالة التسبيح الذي قاد إلى اعتباره متعلقا بالنسك حصرا جعل البعض يظن أنّ البلاغات التالية دليلا على تحديد مواقيت النسك ولنتأمل :

"و يوم تقوم السّاعة يومئذ يتفرّقون(14) فأمّا الّذين ءامنوا و عملوا الصالحات فهم في روضة يُحبرون(15) وأمّا الّذين كفروا و كذّبوا بآياتنا و لقآئ الأخرة فأولئك في العذاب محضرون(16) فسبحان الله حين تُمسون و حين تصبحون(17) و له الحمد في السّماوات و الأرض و عشيّا و حين تُظهرون(1 يخرج الحيّ من الميّت و يخرج الميت من الحيّ و يحي الأرض بعد موتها؛ و كذالك تُخرجون(19)"
الروم

التسبيح في البلاغ المبين هو قانون تجديد الطاقة وقد كنت تطرقت إليه في بحث (الإسراء و المعراج) المنشور في المنتدى فليرجع إليه من شاء. والآية تتحدث هنا عن منكري البعث ممن يظنون أن لا شيء بعد الموت، فلماذا يمتنعون عن رؤية تداول الخروج بين الميت و الحي و إحياء الأرض بعد أن ماتت فيها الحياة و لماذا لا يتفكرون كيف تتجدد طاقتهم في كل صباح بعد أن تبددت حين خنوعهم إلى النوم. و لا أرى في الآيات ما يدل على النسك إلاّ أن تجعل "تظهرون" مرادفة لوقت نسك الظهيرة و "عشيا" وقت نسك العشاء ، و ذلك محال في دلالة الآيات، إذ الحمد هنا ليس مقتصرا على من أدى النسك بل على كل الكائنات فلم تأمر الآيات الناس بالحمد بل جعلت الحمد خبرا مطلقا لله. و لو فرضنا أنّ التسبيح مرادف للنسك فهل الحمد مرادف له كذالك، وليقل قائل أنّ التسبيح و الحمد هما ما يجب على المرء قوله في نسكه من عبارات :
الحمد لله في قراءته لسورة الفاتحة
و سبحان الله و حمده في حال انحناءه.
فالآية هنا تطلق مفهوم التسبيح و الحمد على المصدق بالرسالة و المكذب لها فكيف انحصر التسبيح فيها و الحمد على فئة من الناس.

إنّ تسبيح الله هو استمداد الطاقة منه، أي من كونه الذي خلقه بما بثّ فيه من سنن، وهذه الطاقة التي تجددها الكائنات قد تكون مادية و قد تكون روحية في الكائنات العالمة.

لم يأت إذن في كل ما عرضناه من آي البلاغ المبين بيان لمواقيت نسك القيام إلى الصلواة و لم يأت بيان لعدد "ركعات" كل نسك كما اصطلح عليه في كتب "الفقه" على أنّ آيات البقرة التي سأعرضها ربّما جُعِلت دليلا على مواقيت النسك الخمسة :


البقرة
إنّ هذه الآيات هي ممّا يتخذه البعض مطية لإتهام البلاغ المبين بأن لا ارتباط بين آياته و لا سياق ذلك أنّ الآيات 238 ـ 239 توحي و كأنّها مقحمة في السياق و لا صِلة لها بموضوع الطلاق و العلاقات الزوجية. وقد تأتي التبريرات المضحكة لتحاول إزالة الإشكال زاعمة أنّ الإقحام تنبيه لخطورة النسك و أهميته!!
إنّ الوسط فيه دليل الأفضل و الأحسن، ولنقرأ شواهد البلاغ المبين :

"و كذالك جعلناكم أمة وسطا" البقرة 2:143
"فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطععمون أهليكم" المائدة : 89
"قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون" القلم :28

فالصلواة الوسطى هي العلاقة الأحسن و الأرفع و الأرقى و هي خاصة بين الزوج وزوجه و كل منهما يُطالب بالحفاظ على حدود هذه العلاقة فلا يتعدّى و يكشف أسرار زوجه ممّا لا يصح كشفه و لا يتجاوز بانتقاد من سيفارقه فيترك العنان لحبل النقد السلبي و التجريح. فالذي ينوي الإقتران مع زوج ثمّ ينوي الفراق قبل أن يحدث المس و المعاشرة الجنسية عليه أن لا يتجاوز فيكشف سبب فراقه ليجعل مستقبل من فارقه على جرف هار، و مُطالب بالحفاظ على العلاقات الودية التي كانت تربطه بمن نوى قربهم قبل الفراق، فليس الفراق سببا في قطع الأواصر و هدم الصلات السابقة مع مراعاة حدود هذاه العلاقات و عدم التجاوز. أن إنّ الصلواة بما هي تفاعل مع الكائنات بإحترام الحدود و دون تجاوزها تُصبح وسطى في حالة العلاقات الزوجية أو التي كان من الممكن أن تكون كذلك و حدث ما سبب الإفتراق. و المرء مُطالب فيها للقيام لله دون غيره أي مخلصا في شهادته و كلامه و خطابه بقنوت و في دليل القنوت التركيز و الصمت و الكتمان.

أمّا في حالة الخوف وعدم الإطمئنان من أنّ السر قد يُكشف من عيب أو غيره فيجب التأكد بكل وسيلة من أنّ الجهة المقابلة حافظت على السر و رعته "فإن خفتم فرجالا أو ركبانا" ، و عند اطمئنان المرء و أمنه بحفظ سره من الذيوع فيجب عليه أن يلتزم هو حدّه بما علّمه الله إياه من التعبير بأحسن الحديث و خير العبارات عمّن اختار فراقهم.
إنّ السورة في القرآن و حدة موضوعية و كل آية مرتبطة برباط عضوي مع التي تسبقها و التي تليها و القرآن كائن حي يخاطب كائنا حيّا عليه أن يتفاعل معه ليجد الروابط و العلاقات بين الآيات، وأي تساهل في قبول التناقضات و عدم فحصها بجد يقود إلى نسف آيات البلاغ المبين و تحريف مفاهيمه.

إلى هنا لم يأت في البلاغ المبين ذكر لمواقيت النسك الذي جاء حصرا وجودها و شروط أداءها من تطهير للنفس من الجنابة و السكر و من تنشيط للنهايات العصبية في الجسم بالغسل أو التيمم. ولم يأت ذكر هيئتها إلاّ إذا اعتبر الناس أنّ الركوع و السجود حركات جسمية و ذلك مستحيل إثباثه و لقد كتبت في دليل الركوع و السجود في موضوع "الإسراء و المعراج" بتفصيل فليرجع إليم من شاء.

و يبقى السؤال الذي سأفصل فيه في الجزء الثالث و الأخير و هو :

كيف اتفق الناس من قوم النبيين الكريمين موسى و محمد على عدد نسك القيام إلى الصلواة في اليوم؟
كيف اتفقت المذاهب الإسلامية على هيئة النسك عامة و مواقيتها مع عدم ورود هذه التفاصيل في القرآن؟
و مسائل أخرى تدور حول مفهوم القبلة و الآذان و المحراب في البلاغ المبين

تحياتي
قال تعالى (ومن اصدق من الله حديثا)

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر