ابناء النور... أهل الصفاء والخفاء

شارك بالموضوع
faraj
مشاركات: 249
اشترك: يونيو 16th, 2006, 12:45 am
المكان: yemen

إبريل 19th, 2009, 10:33 pm

ابناء النور... أهل الصفاء والخفاء
لماذا لا نرى ابناء النور الحقيقيين في العلن وبين البشر؟؟

لماذا يختبئون وعن الناس يحتمون؟

ابناء النور وأهل الصفا هم أهل الحقيقة لمن اصطفى... يستخدمون طاقتهم بكل حكمة وخبرة دون ضياع منها ولو ببذرة... يجمعون طاقتهم ويبدعون وفي كل عمل يعبدون... لا يسعون إلى شهرة ولا شهوة بل إلى كل خطوة نحو الجلوة... يستخدمون كل ما يملكون لنشر مزيد من النور لمَن يبحث عن البذور وأصل الزهور والعطور... فلماذا يسرفون في ما يملكون على هذا المخبول أو ذاك المسطول؟؟

هناك عدة أنواع للبشر وكل نوع على هذه الأرض انتشر...
منهم الفضول الذي يبحث في كل الفصول عن أي أمر أو خبر، يبحث في ظاهر الأمور ليطفئ في قلبه الفضول دون اهتمام لما نتج أو حصل... فلا قيمة لوقتٍ أو علمٍ وبالنتيجة على ماذا حصل؟

ومنهم الساعي خلف حقيقة الأمور ولكن بقلب يملأه الفتور فلا فرق إن وصل أو على أي شيء حصل... وهم أفضل من سابقيهم لأن نموهم ممكن ولكنه مجرّد فرصة بعيدة عن الجهد والعمل...

أما النوع الثالث وهم الباحثين وخلف الحقيقة راسخين... يبحثون بلا ملل أو كلل ودون خوف من موت أو من أجَل... جاهزين لدفع حياتهم ثمناً لما ليس له ثمن...

أهل الطريق والصفا يهتمون بالنوع الثاني والثالث... ويختفون عن أهل الفضول والفصول...
يعلمون بأن وقتهم على هذا الممر محدود فلا وقت يقضونه دون عمل أو في ملل... يعلمون بأن هذه هي زيارتهم الأخيرة لهذه الأرض لذلك يقضونها في زرع مزيد من بذور النور لتزهر وتنشر العطور بين بني البشر... يقضون ثلاثين، أربعين أو حتى ستين عاماً من عمرهم في هذا الممر، ولكن ما تلك الفترة أمام الوقت الموصول مع أصل الأصول؟... لذلك في هذه الرحلة القصيرة يمكنهم العمل لوقت محدود وعلى عدد قليل من البشر... فلماذا قضاء الوقت بين مَن يسمع ولا يصغي ويرى ولا يبصر... لماذا نثر البذور في أرض من الصحراء... لماذا ضياع الوقت مع جمهور من الناس لا تملك من الإنسان إلا اسمه؟؟...

لذلك هم يختارون بعض الناس ممن لديهم العشق للحق والحقيقة... وغير ذلك هو غباء وهباء... و ابناء النور بالتأكيد بعيدين كل البعد عن الغباء... حكماء ويعلمون كيف يستخدمون طاقتهم لذلك فهم يعتزلون وعن الناس يختفون... ولعمل ذلك لا يحتاجون إلا لبعض الأشياء التي ليس لها قيمة ولكن تشكل أهم الأشياء عند أغلب الناس...

حدث في زمان ومكان على هذه الأرض أن صديقنا "حمار" وهو في تأمله العميق وصل إلى ذاته واكتشف حقيقة كيانه... وبدأ يعلّم جميع الحيوانات عن التأمل وأصوله... فقام جميع أهل الغابة بالقدوم إلى حمار لتسمع كلامه وترى بنيانه... وازدادت الأعداد وخاصة من الحمير الآخرين الذين كانوا يفاخرون بأنه ينتمي إلى أصلهم وهم مميزون عن باقي الحيوانات والدليل هو ذاك الحمار صاحب الجاه والخِمار... سمع الحمار المختار هذا الكلام فبدأ يتكلّم عن أهمية الجري السريع وهو مخالف لقانون الحمير... فذهب كل الحمير وبقي مَن وجد في كلامه الدليل... ثم بدأت الأحصنة بالقدوم فهي المشهورة بالركض والجري السريع... وبدؤوا يفاخرون بسرعتهم وكيف على أهل الغابة أن يتعلموا منهم كيف يجرون... وعندها أيضاً قام حمار بالحديث عن أهمية الجلوس والتأني بالعمل... ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة... عندما سمعت الأحصنة هذا الكلام غضبت وكان رحيلها هو البرهان... وبقي منهم من اختبر النصيحة ولم يقتصر على سمع الكلام من اللسان إلى الآذان...

البشر الفضوليون هم كالأعشاب الضارة بالحقل، يجب التخلّص منها باستمرار إذا كان الاهتمام بالزهور والعطور... بالطبع ستعود الأعشاب من جديد لذلك فالتخلّص منها عمل مستمر إلى وقتٍ بعيد...

يجب على المعلّم أن يكون خفياً عن ذلك النوع من البشر حتى يحافظ على طاقته ويبقي مكاناً شاغراً لمن يبحث عن الحقيقة بكل صدق وأمانة...
ومن هو الباحث عن الحقيقة بصدق وأمانة؟؟ هو ذلك الإنسان الجاهز لكي يضحي بكل ما يملك وما لا يملك... الإنسان الذي أصبحت لديه الحياة مثل الموت ما لم يحصل على ما يبحث عنه... الإنسان الذي يغوص في أعماق نفسه ليجد الجذور ولا يبقى على السطح يبحث عن أي موضوع يشفي الفضول والغرور...


كل شيء لا قيمة له عند طالب الحق والعرفان... إلا الحقيقة التي عطشها يملأ الكيان ويبقيه في حال من البحث والبرهان...

لذلك يختفي أبناء النور عن أهل الفضول... لكن تلك نصف الحقيقة... فهم لا يكتفون بالتخفي بل يحتمون من جهة ويحرصون أن يكونوا ظاهرين من جهة أخرى لأهل البحث عن المجهول... وذلك هو الأهم بالنسبة لأهل الطريق والصفا... لأنه إذا كان مرادهم الاختفاء فقط سيكونون بحكم الأموات... بعيدين عن كل الناس خلف الجدران... وكأنهم في قبر واسع... لذلك فهم يختفون عن أهل الفضول من جهة ليكونوا مع أهل البحث عن المجهول من جهة ثانية... يحافظون على هذا التوازن بشكل مستمر ليكونوا حاضرين لنشر مزيد من البذور في أي إنسان يملك التربة لتحضن تلك البذور... ومنها تخرج الجذور لتكوّن الزهور والعطور...

فإذاً نحن أبناء النور في هذا الجسد... اختلفت اللغات ولكن الصّمت واحد... اختلفت الأواني ولكن المعاني من الواحد الأحد... وفي هذا السرّ يوجد كينونة أو وجود حيّ إسمه الشّاهد..
ولكلّ شاهد عملٌ ونشاط وحيوية مميزة وفريدة ولكن الذي يشهد ويشاهد على هذا الشّاهد هو الله الذي لا يتغيّر لأنه أبدي وسرمدي وأزلي في ثبات مستمر مدى الدّهر...

من النفس اللوّامة إلى الراضية والمرضيّة والشفّافة.. ولكل طبقة طبقات من أسرار المعرفة ونحن عن الحقيقة جاهلون...
أنا لست حال ولا عقل ولا مقال... بل نفسي هي بداية وجودي وهي رحلة الحج إلى وجودي مع الوجود... وهذا هو الثبات واليقين... ويقيني يقيني من الجهل ومن الحال

لماذا السّفر إلى البعيد وهو الأقرب إلينا من حبل الوريد... إعرف نفسك تعرف العالم والمعلوم وترضى بالتسليم إلى أعلم العالمين...

هذا الشعور والوصال هو الذي يحوّل ابن النور من بِركة راكدة إلى نهر مندفع نحو المحيط
كلما ازددتُ علماً ، كلما ازدادت مساحة معرفتي بجهلي
شكراً لكل من قرأ الكلمة وعاش النعمة...

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر