نقد كتاب الإعجاز الخبري

خاص بمناقشة القضايا الإسلامية من عقيدة، و فكر، و فقه، و فتاوى، الخ.
شارك بالموضوع
رضا البطاوى7
مشاركات: 2402
اشترك: يناير 12th, 2010, 8:27 pm
المكان: طنطا مصر
اتصل:

مايو 30th, 2020, 5:14 am

نقد كتاب الإعجاز الخبري
المقال الذى تحول لكتاب فى المكتبة الإباضية مؤلفه أحمد بن حمد الخليلي وهو مفتيهم الحالى والعنوان الإعجاز الخبرى هو مخالف لمعنى الآيات وهى المعجزات فى قوله تعالى "وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وأتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا"
فالمعجزات هى معجزات مرئية أى أشياء ملموسة أو تتحول إلى أشياء ملموسة فى نفس العهد والمعجزات الكلامية نادرة وهى معجزة يوسف (ص) فى تفسير الأحلام فقد كان يفسر الأحلام وبعد مدة فى حياة السامعين للتفسير يتحول التفسير إلى حقيقة معاشة وفى هذا قال تعالى " ولنعلمه من تأويل الأحاديث"
وأما الإعجاز الخبرى للوحى سواء قرآنى أو ما قبله ليس إعجازا فيما بعد انتهاء القرآن أو الوحى فالناس لا يرون أى لا يلمسون أى لا يرون تحقق مثلا أخبار القيامة فى حياتهم كما ان الناس لا يرون صحة أخبار الماضين بأعينهم لكونهم ماتوا وأصبح من المحال إحياءهم وسؤالهم عما حدث كما قال تعالى " "وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون"
النوع الوحيد الذى كان من الممكن التأكد منه هو ما يحدث فى عهد النبى(ص) كهزيمة الروم وفتح مكة ومعرفة السارق الذى رمى غيره بسرقته وقد انتهى هذا النوع
إننا نطلق كلمة المعجزة على القرآن مجازيا ومعجزته هى صدقه أى عدله الذى لا ريب فيه عند المسلم
استهل الخليلى المقال بتقسيم الأخبار الغيبية لثلاثة أنواع فقال :
"إن القرآن الكريم حافل بالأخبار الغيبية وتنقسم إلى ثلاثة أقسام : خبر عما مضى ، وخبر عن حاضر ، وخبر عن مستقبل ، أما خبر الماضي فهو الإخبار عن النبيين وما كان يلقاه المرسلون من عنت قومهم ، والأمم الماضية وأحداثها المتنوعة مع أن هذه الأخبار لم تكن معروفة في المحيط الأمي الذي نشأ وعاش فيه رسول الله (ص)وهو (ص)لم يكن على اتصال بأهل الكتاب اتصالا يمكنه من معرفة ما في الكتاب من أخبار الأمم وتواريخها وأحداث النبيين مع قومهم ، ولم يكن النبي (ص)يتلو قبل القرآن من كتاب ولا يخطه بيمينه ، وقومه كانوا بعيدي العهد بالنبوات وأخبارها ، وأهل الكتاب المنبثون في جزيرة العرب كانوا أشبه بالأميين في الوصف ، إذ جلهم كانوا معدودين في عوام أهل الكتاب ، وقليل منهم كان يعنى بقراءة الكتاب كما أوضح ذلك ابن خلدون في (العبر) ، ومع هذا كله فقد جاء القرآن المنزل على رسول الله (ص)بأخبار النبيين والأمم التي لا مجال لتكذيبها ولا مكان لتقيدها لوضوحها وضوح الشمس في رابعة النهار ، فضلا عما جاء فيه من بيان كثير مما يخفيه أهل الكتاب وتفنيد كثير من مزاعمهم وضلالاتهم وتبيين أحوال أحبارهم الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا "
وقد دلل الرجل على أن البعض من أخبار الماضين لم تكن معروفة لمن يعيشون فى عهد النبى(ص) فقال :
"وفي القرآن نفسه ما يدل دلالة قاطعة على أن هذه الأخطار لم تكن معلومة في المحيط الذي نشأ فيه (ص)ففي سورة آل عمران نجد بعد قصة مريم ما يثبت أنها من الغيبيات التي لم تكن معلومة لقوم الرسول (ص)حيث قال تعالى (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) (آل عمران/44) وفي سورة هود عليه السلام بعد ذكر قصة نوح يأتي قول الله سبحانه (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين)(سورة هود/49) مع العلم أن سورة هود من السور المكية ، فلو كانت هذه الأنباء أو بعضها مما تعمله قريش لبادرت إلى تكذيب الرسول (ص)ورد ما جاء به بإثبات أنها على علم بهذه الأخبار أو ببعضها ، وفي سورة يوسف ما يؤكد قصة يوسف عليه السلام مع إخوته لم تكن معلومة لدى قريش ، وذلك قول الحق تعالى (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) (سورة يوسف/102) ونحو ذلك ما جاء في سورة القصص بعد ذكر قصة موسى عليه السلام مع فرعون لعنه الله ومع بني إسرائيل "
وكلامه عن كون قريش لم تكذب النبى(ص) فى تلك الأخبار وهم فقد كذبوه فى كل ما كان يتعلق بالوحدانية فمثلا القصص فى سورة الأعراف كلها لها محتوى واحد وهو أن رسالة كل رسول طاعة أى عبادة أى اتقاء الله وحده وهو ما كذبه الكفار كما قال تعالى فى سورة ص "وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب وانطلق الملأ منهم أن آمنوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشىء يراد ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم فى شك من ذكرى بل لم يذوقوا عذاب"
وبين الخليلى أن الكفار اتهموا النبى(ص) بتعلم الأخبار من غيره من الناس وهو العجمى فقال :
"فهل يبقى مع ذلك شك أن الرسول (ص)موحى إليه بهذه الأخبار لما أدخله أحبارهم ورهبانهم من التحريف والتبديل في الكتاب وقد حاول المشركون أن يجدوا ما يتشبثون به في تكذيب الرسول (ص)زاعمين تارة أن النبي (ص)يهذي بهذه الأخبار التي في القرآن من قبل نفسه ، وتارة أنه يستند إلى من يلقنه إياها ، والله تعالى يرد عليهم هذه الدعوى بقوله (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) (النحل/103) فأنى للأعجمي أن يستطيع صياغة هذه القصص والأخبار والمواعظ والأمثال إلى ما وراء ذلك مما في القرآن هذا الصوغ العجيب الذي تلاشت بين يديه بلاغة بلغاء العرب مع أن الرجل الأعجمي الذي زعموا أن الرسول (ص)يستمد منه القرآن لم يكن يعرف من اللغة العربية إلا ما يدور من حديث المجاملات فحسب وقد اختلف المفسرون في اسمه ووصفه ، ومنهم من قال اسمه (يعيش) ، ومنهم من قال اسمه (جبر) ومنهم من قال اسمه (بالعام) وقيل كان أعجميا بياعا بمكة وقيل كان قينا روميا وهذا الاختلاف لا يضير الاتفاق أنه لم يكن يحسن العربية كما يدل على ذلك القرآن نفسه"
وبالقطع هم لا يتهمونه بتلقى الأخبار من الأعجمى وحدها وإنما بتلقى كل الوحى لقوله تعالى " وهذا لسان عربي مبين" فالوحى كله عربى كما قال تعالى "وكذلك أنزلناه حكما عربيا"
ثم بين الخليلى ان كفار عهد النبى(ص) يشبههم كفار عصرنا من الملاحدة ومن سماهم المستشرقين فقال :
"وإذا كان أولئك المكذبون يتشبثون بهذه الدعوى الواهية في تلك العصور فإن ملاحدة اليوم يعيدونها في صورة أخرى ، فنجد في مقررات الروس الشيوعيين زعما بأن مسيلمة الكذاب –لعنه الله- كان من أساتذة الرسول (عليه السلام) وأن كثيرا من سور القرآن من وضع مسيلمة وإنما استأثر رسول الله (ص)بهذا الأمر دونه وزعموا أن القرآن الكريم تضافرت عليه جهود كثير من الناس لفوا بالكرة الأرضية وأحاطوا بما فيها من العجائب واستظهروا ما أمكنهم من الأخبار وكانت حصيلة ما جمعوه هي مصدر ما في هذا القرآن من عجائب يتعذر على الفرد أن يحيط بها وهذا كله إنما وهذا كله إنما هو ناجم عن مكابرة الحقيقة التي لا يمكن إنكارها وإلا فكيف يمكن لأبناء جزيرة العرب -في الوقت الذي تتعذر فيه وسائل النقل التي تمكن من الدوران بالكرة الأرضية- أن يحيطوا علما بأخبار الأرض وعجائبها مع أنهم قليلا ما كانوا يخرجون من جزيرتهم ولم يكونوا على علم بما يدور في العالم من حولهم
وأحفظ أنني قرأت لمستشرق نصراني دعوى أن رسول الله (ص)لم يكن على علم بأخبار النبيين كإبراهيم وموسى وعيسى قبل هجرته إلى المدينة المنورة وإنما بدأ يقتبس بعد الهجرة أخبارهم من أهل الكتاب في المدينة وقد فات هذا المستشرق أن أكثر سور القرآن خبرا عن النبيين هي السور المكية لا المدنية كسورة يونس وهود وإبراهيم والإسراء والأنبياء والقصص وغيرها "
وهو كلام صحيح فكل ما قاله الكفار من أقوال فى القرآن فى عهد النبى (ص) يقوله من بعدهم كما قاله الذين من قبلهم فى الوحى الإلهى للرسل(ص) الأخرين كما قص الله علينا فى العديد من المواضع مثل قوله تعالى : "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون"
وقال "وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون"
ثم تحدث الرجل عن أخبار الحاضر فى عهد النبى(ص) فقال :
"وأما خبر الحاضر فهو الإخبار عن الشؤون المعاصرة للرسول (ص)مما لا يمكن لبشر أن يجزم فيه بشيء كقوله تعالى (غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) (الروم/3،2) فقد كان نزول هذه الآيات في حال ما اشتد الصدام بين الإمبراطوريتين الكبيرتين آنذاك الإمبراطورية الرومانية التي كان على رأسها قيصر ، وانحدرت جموع بني الأصفر أمام الزحف الساساني وسر العرب المشركون لكون الروم يشاركون المسلمين الإيمان بكتاب عقيدة سماوية بينما الفرس كانوا مجوسا يشاركون مشركي العرب في الوثنية وساء المسلمين هذا الانتصار الوثني على قوم من أهل الكتاب فأنزل الله تعالى هذه الآيات تحمل بشرى إلى المؤمنين بأن المنتصرين لا يلبثون أن ينحدروا وأن الروم المغلوبين سوف يظهرون على عدوهم في بضع سنين ولم يكن ذلك يدور بخلد أحد من الناس فمن الذي يستطيع أن يجزم بأن المغلوب سيصبح غالبا وأن الغالب سينقلب مغلوبا ؟ وقد كانت ثقة المؤمنين بالوحي ثقة لا تعادلها ثقة وهذا الذي دفع أبا بكر الصديق إلى مراهنة المشركين على ما وعد الله به وذلك قبل حرمة الرهان في الإسلام فقد راهنهم على أربع قلائص لمدة سبع سنين فمضت السبع ولم ينتصر الروم على الفرس فشق ذلك على المسلمين فأمره رسول الله (ص)أن يزايدهم في الرهان وأن يستزيدهم سنتين فلم تمض السنتان حتى جاءت الأخبار بانتصار الروم على مجوس فارس وثبت ما وعد الله به المؤمنين من هذا الانتصار الذي يفرحون به فلو أن هذا الوعد كان ناتجا عن تفكير إنسان يعتمد على مقاييس الناس في تجاربهم لكان ذلك معدودا من الأوهام التي لا يعتمد عليها عاقل ، فإن الحرب وإن كانت سجالا ينتصر فيها المغلوب ويهزم فيها الغالب فقد يكون الانتصار في بعض المواقف لعدو على عدوه مفتاحا لنصر طويل حتى يتمكن الغالب من القضاء على المغلوب وقد حدث ذلك كثيرا في تاريخ الحروب القديمة والحديثة فلا يمكن الجزم بظهور المغلوب على الغالب ، وخصوصا مع تحديد الزمن ببضع سنين إلا بوحي ممن يعلم السر وأخفى ، وتصديق الواقع للخبر في الزمن المحدد دليل جازم على أن هذا القرآن جاء بالخبر من عند الله تعالى فإن ذلك من معالم إعجازه البارزة "
وما قاله الرجل صحيح والأخطاء فى الفقرة هى :
الأول تصديق أن هزيمة الروم كانت على يد الفرس وهو ما لا يوجد عليه دليل فى السورة وإنما هو هزيمة الروم على يد المسلمين لقوله تعالى "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله"
فالفرحون هم المسامون والناصر هو الله والله لا ينصر الكفار كما قال تعالى "إن ينصركم الله فلا غالب لكم"
الثانى تحليل الحرام وهو المراهنة المزعومة بين أبى بكر وأحد الكفار والحرام لا يحلل مهما كانت الظروف ثم كيف يأمن مسلم كافر محارب فى قوله والله يقول " لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة"
ثم تحدث الخليلى عن أخبار المستقبل فى القرآن فقال:
"أما خبر المستقبل فهو في القرآن كثير جدا ونكتفي بالإشارة إلى بعض المواضع راجين من الله سبحانه أن يمن علينا بالتوفيق للإطالة في شرح هذا الإعجاز عندما نصل إلى هذه المواضيع في التفسير فمن ذلك ما في سورة الفتح من بشائر متعددة وأخبار متنوعة وكان نزول السورة على الرسول (ص)في جو عابس مكفهر بعد ما كان المسلمون يكاد يستحكم في نفوسهم اليأس ويستولي على قلوبهم الشعور بالهزيمة وذلك أن الرسول (ص)أري في منامه أنه داخل مع أصحابه المسجد الحرام وهم محلقون رؤوسهم ومقصرون بعد تأدية الشعائر –ورؤيا النبيين حق- لأن الشيطان لا يتمثل لهم ، فاستنفر الرسول (ص)المؤمنين ليذهبوا معه محرمين إلى البيت العتيق الذي تحدوهم إليه لواعج الشوق بعد طول عهدهم به لحيلولة المشركين بينهم وبينه وكان ذلك في العام السادس الهجري فاستبشر مرضى القلوب من أهل المدينة بهذه المبادرة من المسلمين التي كانوا يتصورونها مغامرة جنونية ستؤدي بهم إلى الفناء ، وكانت ألسنتهم تجري بما تفيض به قلوبهم المريضة من ظنون ، فتردد أن قريشا قد غزت النبي (ص) في عقر داره ورزأته في كثير من أصحابه فكيف وهو يذهب بأصحابه إلى دارهم فهل ترضى الأنفة القريشية والحمية العربية التي تتأجج نارها في صدورهم أن يمر بهم خصومهم ويطأوا ترابهم من غير أن يبيدوهم عن بكرة أبيهم؟ هذه الخواصر كانت تعتمل في نفوس المنافقين في المدينة ويتحدثون بها فيما بينهم هذا ولم يكد رسول الله (ص)والمؤمنون يستنشقون عبير البيت الحرام ويشمون العرف الذكي من التربة الحرمية المقدسة حتى وقف بين أيديهم المشركون سدا منيعا يحولون بينهم وبين ما يطمحون إليه ، وبركت ناقته (ص)مكانها بالحديبية ولم تتقدم خطوة إلى الأمام وأخبر النبي (ص) على أي خطة تسألها منه قريش فتمت بينه وبينهم المعاهدة المعروفة بصلح الحديبية وكان ظاهر هذا الصلح استعلاء المشركين على المسلمين إذ كان من بنوده ، إن كان هارب من جانب المسلمين إلى المشركين فللمشركين أن يلجئوه وإن كانت هذه مصيبة نزلت كالصاعقة على رؤوس المسلمين وقد كبر عليهم الأمر حتى أن الرسول (ص)كان يأمرهم ثلاث مرات أن ينحروا الهدي ويحلوا إحرامهم بالحلق أو التقصير فتلكأوا في امتثال أمره مع ما عرفوا به من المبادرة إلى طاعته (ص)فدخل مهموما على زوجه (أم سلمة) فأشارت إليه أن يخرج ولا يكلم أحدا وينحر هديه ويدعوا حالقه فيحلق له ، ففعل النبي (ص)ما أشارت به عليه ، فتبادر أصحابه إلى بدنهم ينحرونها ثم أحلوا إحرامهم بالحلق والتقصير وكاد بعضهم يقتل بعضا من الغم ، وفي هذا الجو العابس نزلت هذه السورة على رسول الله (ص)تحمل بشائر المستقبل الباسل وحسبك بفاتحتها (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا) (الفتح/3،2،1)
وكان الصحابة في منتهى التشاؤم فجاء أحدهم إلى النبي (ص)وقال له : (إي وربي فتح وأي فتح) ولقد صدق الله ما وعد به رسوله (ص)إذ لم يمض شهران من صلح الحديبية حتى فتح الله عليه خيبر وغنم المسلمون غنائم كثيرة وقضوا على الخطر اليهودي الذي يهددهم في قلب جزيرة العرب وأخذ الناس يدخلون في دين الله فوجا بعد فوج ، ولم يمض عامان من تاريخ هذا الصلح حتى دخل في الإسلام أضعاف عدد المسلمين من قبل ويدل على ذلك أن النبي (ص)خرج في عمرة الحديبية بألف وأربعمائة ودخل (ص)مكة بعد سنتين ومعه عشرة آلاف مقاتل وقد أخذت الدعوة الإسلامية بعد هذا الصلح تتدفق في أنحاء الجزيرة كالسيل الآتي وقد تخطت حدود الجزيرة حتى قرعت مسامع كسرى وقيصر عندما أوفد النبي (ص)وفوده حاملين كتبه إلى كثير من ملوك الأرض من بينهم الإمبراطوران الكبيران كسرى وقيصر وقد أقلقت هذه الدعوة قلب قيصر حتى شعر بعرشه يتزلزل من تحته ، وبالأرض تميد به وبسلطانه وقال قولته المشهورة أمام أبي سفيان بعد أن سأله عن صفات النبي (ص)وأحوال دعوته : (إن كنت صادقا فيما تقول ليملكن موضع قدمي هاتين ولو كنت أعلم أنني أخلص إليه لتجشمت إليه حتى أغسل عن قدميه) أما جزيرة العرب فقد ملأت سمعها هذه الدعوة وبلغت أقصى مكان منها وهو عمان ببعدها عن مكة المكرمة وقد أسلم أهلها عن بكرة أبيهم عندما وصلهم عمرو بن العاص رسول النبي (ص)فكان هذا كله هو الفتح الذي وعد الله به رسوله الأمين وقد أنجزه الله له في أقل من سنتين من نزول السورة وفي نفس هذه السورة كثير من الأخبار عن المغيبات منها ما أخبره الله به عما سيقوله المخلفون في قوله (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا) (الفتح/11) وهؤلاء هم أسلم وغفار وغيرهم من الأعراب حول المدينة وكانوا قد تلكأوا في الخروج مع الرسول (ص)والمؤمنين لما يتوقعونه من عدم انفلاتهم من قبضة قريش إذا وطئوا تراب مكة وقد أخبر الله رسوله (ص)عما كان يدور في أدمغتهم من ظنون في قوله كما أخبره –سبحانه- عما سيطمع فيه المخلفون من اللحاق بالمؤمنين لإحراز المغانم التي تفيئ إليهم بعد ذلك وما يجب أن يجابوا به حيث قال (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذالكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا) (الفتح/15) وهذه المغيبات التي لا يدركها إلا الله سبحانه وفي نفس السورة إنذار المخلفين بأنهم سيدعون إلى قوم ولبأس شديد يقاتلونهم أو يسلمون وذلك مما وقع في عهد أبي بكر في حروب الردة مع بني حنيفة وغيرهم ، وفي سائر الحروب التي تلاحقت بعد ذلك حتى ظهر دين الله في الأرض ومن ضمن ما في السورة من مغيبات هذه البشارة التي يحملها إلى النبي (ص)وإلى المؤمنين قول الحق تبارك وتعالى (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) (الفتح/27) ، ولم يمض عام واحد حتى أقرالله عيون المؤمنين بدخولهم المسجد الحرام محرمين بعمرة القضاء وهم آمنون مطمئنون محلقون رؤوسهم ومقصرون بعد ما أحلوا الإحرام وقد اشترك في هذه العمرة جميع المؤمنين الذين صدوا عن المسجد الحرام في عمرة الحديبية وفي السورة نفسها وعد من الله للمؤمنين بغنائم متتابعة وقد تحقق ذلك وكانت غنائم خيبر في مقدمتها ، كما وعد الله فيها رسوله (ص)بظهور دينه على كل دين في قوله (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) (الفتح/28) وقد أنجز الله هذا الوعد فعلت كلمة الله في الأرض وأشرق نور دينه الحق فمزق ظلمات الأديان الباطلة "
والأخطاء فى الفقرة هى :
الأول تفسير الفتح القريب بكونه فتح خيبر وعمان وهو كلام يخالف كون الفتح فتح مكة فمعنى فجعل من دون ذلك فتحا قريبا هو فجعل من بعد دخول الكعبة فتح مكة ولا يوجد ذكر لعمان ولا لخيبر فى القرآن
الثانى كون حروب الردة فى عهد أبى بكر ذكرت فى سورة الفتح وهو تخريف لا ريب فيه لأن من دخل برضاه فى الإسلام كما قال تعالى "ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا" لا يمكن أن يرتد ولا توجد حروب ردة وقعت فإنما هى اختراع من الكفار فى كتب التاريخ والغريب هو أن الخليلى فى الفقرة التالية استشهد على تمكين المسلمين وحكمهم الأرض بحكم الله بآية تنقض ما قاله وهو قوله"وبجانب هذه الأخبار الغيبية في السورة وعود وبشائر أخرى في سائر القرآن ، منها ما في قول الحق تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) (النور/55) والآية نزلت بشارة للمؤمنين في ظرف حرج ووقت عصيب إذ كانت جزيرة العرب ترميهم بأفلاذ كبدها والدولة الإسلامية وليدة مهددة بالقضاء عليها في مهدها ولكن هذا الوعد وأمثاله مما كان ينزل به القرآن ينزل في قلوب المؤمنين السكينة ويبعث فيها الطمأنينة ويستثير العزائم ويوقظ الهمم وكما أن المسلمين كانوا بمكة المكرمة مهددين من قبل رؤوس الكفر في نفوسهم ظلوا كذلك في المدينة المنورة مهددين في دولتهم الفتية ونظامهم الناشئ وكانوا لا يكادون يضعون أسلحتهم خشية أن تستباح بيضتهم ، وتداس كرامتهم لا سيما والعرب تتناوشهم وقريش تؤلب عليهم "
ويذكر الخليلى حكاية ويرتب عليها نتيجة فيقول:
"ويذكر أنه في هذا الظرف القاسي جاء رجل إلى النبي (ص)يسأله متى يؤمنون فيضعون أسلحتهم ؟ فبشره النبي (ص)بأنه سيعيش حتى يرى الملأ الكثير من الناس ليست بينهم حديدة ، ونزلت الآية تصديقا لما بشر به النبي (ص)والآية مسبوقة بآيات مبشرات نزلت بمكة المكرمة ، منها قول الحق سبحانه (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (غافر/51) والمؤمنون لثقتهم بوعد الله كانوا لا يخفون هذه البشائر عن أعدائهم المشركين ، وقد اتخذ منها المشركون مادة للسخرية والاستخفاف والهزء بالمؤمنين ، فإذا رأوهم مقبلين قالوا : جاءكم ملوك الأرض الذين سيغلبون غدا ملك كسرى وقيصر ، والنبي (ص)كان يبشر بهذا الوعد حتى في أحرج المواقف التي تضيق منها الصدور ، ويضطرب فيها البال فعندما خرج (ص)مهاجرا من مكة ومعه الصديق وكان المشركون يكادون يأخذون عليهما جميع المسالك بالرصد والتتبع ، إذ كانوا يعدون من يأتيهم به حيا أو ميتا بمائة قلوص ، كان رسول الله (ص)في هذه اللحظات الحاسمة ينظر إلى وعد الله القاطع بالنصر والتمكين وظهور هذا الدين على كل دين ، حتى كأنه من ثقته بهذا الوعد ينظر إلى الموعود به أمام ناظريه ، وعندما لحق به سراقة وصده الله تعالى عنه وطلب منه كتاب الأمان قال النبي (ص)(كيف بك إذا لبست سوار كسرى ؟) إن كل لبيب ليدرك بأدنى تأمل أن هذا المنطق ليس منطقا بشريا عاديا وإنما هو منطق النبوة الخالدة والرسالة الصادقة ، فالبشر العادي في مثل هذه الساعات الحرجة تضيق به الأرض بما رحبت ، وتتبخر آماله ، وتتصدع عزائمه ، وتتلاشى هممه ، كيف وهو (ص) تلفظه أرضه التي هي مسقط رأسه ومنبت أبائه ، ومسرح خيالاته ، ويخرج منها مع أحد أصحابه يقطعان رحلة الصحراء تزيد عن أربعمائة وخمسين كيلو مترا ، ويكاد يكون على كل تلعة أو هضبة رصد من المشركين ، فضلا عن الأفواج التي خرجت من ورائهما آملة اللحاق بهما ، فكيف يداعب خياله (ص)في هذه الحالة أمل أن تفتح لأصحابه ممالك كسرى ، حتى يلبس رجل عادي لا يزال في ذلك الوقت على ملة الجاهلية سواري كسرى ؟ وإنما ذلك تعبير منه (ص)عن وعد الله الذي لا تبديل لكلماته ولا اختلاف لميعاده ولقد أنجز الله تعالى هذا الوعد
فانطلق المسلمون في أرجاء الأرض حاملين معهم لواء دعوة الحق ، وأطاحوا بالإمبراطورية الأولى في العالم آنذاك ، كما قضوا على السلطة القيصرية في أكثر مستعمراتها ، وكادوا يأتون عليها في كل مكان ، وأذاقوا الشعوب المقهورة المحرومة التي كانت تئن تحت وطأة الظلمة وسياط العسف والجور نعمة العدل والحرية والكرامة وعندما جاء الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- بخزائن كسرى وتاجه وسواريه دعا بسراقة وألبسه السوارين تحقيقا لما وعد به الرسول (ص) ، فمن الذي يصدق أن هذه الشراذم القليلة سوف تواجه في آن واحد أكبر دولتين في ذلك الوقت مثلهما كمثل روسيا وأميركا في عالم اليوم وتتغلب عليهما لولا أن الأمر أمر إلهي والوعد وعد رباني ؟ ولو قال قائل إن الرسول (ص)كان يستدل بقرائن الأحوال لما يقوله شأن الأذكياء النابهين فإن ذلك يرده أن موازين العقل ومقاييس التجارب تقضي باستحالة أو شبه استحالة تحقق تلك الوعود ، كيف لهذه الأعداد القليلة من المؤمنين أن تواجه الدول الكبرى من غير أن تسند ظهرها إلى دولة ذات قوة كقوتها ؟ فمن يصدق في عصرنا هذا أن جزيرة العرب مع ما يفيض فيها من الثراء ويتفجر منها من الطاقة تستطيع أن تتحرش بإحدى الدولتين الكبريين في هذا العصر بغزوها في عقر دارها اعتمادا على قوتها فضلا عن التحرش بهما معا ؟ مع أن أصحاب الرسول (ص)الذين رفعوا لواء الجهاد لم يجمعوا قواهم لغزو دولة واحدة فحسب حتى يتغلبوا عليها ثم ينقلبوا إلى غيرها ، بل انقسموا لتواجه طائفة منهم هذه القوة وتواجه الطائفة الأخرى القوة الأخرى والعرب وإن عرفوا بالبأس وقوة المراس فإن ذلك لا يعني قدرتهم من قبل أنفسهم لمواجهة القوى العالمية لا سيما أن العرب لم تكن حروبهم حروبا منظمة وإنما كانت حروبا قبلية ضيقة ، والروم والفرس قد مارسوا الحروب وخبروها لمدة ثلاثة قرون واعتادت جيوشهم الانضباط العسكري وأبدى كل جيش من هذين الجيشين الكبيرين في المعارك التي دامت بينهما هذه المدة من مهارة الحرب وفنون القتال ما لم تكن قبائل العرب على خبرة به فأنى للجيش العربي أن يسحق جموع بني ساسان وبني الأصفر وهو يتكون من القبائل المتفرقة التي دأبت على التنافر والتناحر وعرفت بالأنفة والإباء بحيث ترفض كل قبيلة إمرة القبيلة الأخرى ؟! "
وما قاله الخليلى من حكايات عن سوارى كسرى ووضع السلاح هو من ضروب الوهم المبنى على تصديق روايات صنعها الكفار ليضلونا عن كلام الله فالنبى(ص) لم يكن يعرف الغيب كالاستيلاء على سوارى كسرى كما قال تعالى على لسانه " ولا أعلم الغيب " وقال " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
وحكاية سراقة وغوص أرجل فرسه حكاية لم تقع لا هى ولا قول السوارين لأن الله نصره فى رحلة الهجرة بآيات أى جنود غير مرئية وسراقة وأخوه طبقا للحكاية رأوا الآيات وهو ما يناقض قوله تعالى" إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها"
واما حكاية وضع السلاح فهى أمر لايقوله النبى(ص) أو مسلم فسلاح المسلم دوما مستعد كما قال تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " فالكفار المحاربون موجودون فى كل عصر ولا يمكن أن يكون هناك أمان فى حالة وضع السلاح ولذا قال تعالى " خذوا حذركم "
رضا البطاوى

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر