معجزة القرآن

خاص بمناقشة القضايا والمسائل التي تهم الحوار المسيحي الإسلامي من إيمان و عقيدة و فكر إلخ
شارك بالموضوع
AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

أغسطس 17th, 2021, 11:14 am

بسم الله الرحمن الرحيم


** ما هي معجزة القرآن ..

القران الكريم هو كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والمتعبد بتلاوته والمتحدی به الأنس والجن والعالمين .. ولم يتحد الله الملائكة .. لأن الملائكة ليس لهم اختیارات يعملون بها .. انما هم يفعلون ما يؤمرون... {{ ومن هنا فان القرآن يتحدى كل القوى المختارة .. أو التي لها اختیار... أو التي ميزها الله بقدرة العقل والفكر والاختيار }} .. على أننا قبل أن نتحدث عن معجزة القرآن .. فاننا يجب أولا أن نحدد المعجزة ؟.. المعجزة هي خرق لنواميس الكونى.. أو لقوانين الكون .. يعطيها الله سبحانه وتعالى لرسله ليدل على منهجه .. ويثبتهم به .. ويؤكد للناس انهم رسله تؤيدهم السماء وتنصرهم.. والسماء حين تؤيد وتنصر .. تقف قوانين البشر عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيئا ..

ولكننا حين يأتي انسان ويقول انه رسول من عند الله جاء ليبلغ منهجه .. أنصدقه ؟ .. أم أننا نطالبه باثبات ما يقول ؟ اذن كان لا بد أن تجيء مع كل رسول معجزة تثبت صدقه في رسالته وفي بلاغه عن الله ..

ومعجزات الله تتميز عن اية معجزات اخرى تمييزاً واضحا قادراً .. فهي اولا تأتي وتتحدى من أرسل فيهم الرسول فيما نبغوا فيه .. لماذا ؟ لأن التحدي فيما لا ينبغ فيه القوم لا يعتبر تحديا .. فمثلا اذا جئنا ببطل العالم في رفع الأثقال.. وتحدینا به رجلا عاديا .. لا يكون هناك مجالا للتحدي .. لماذا؟ لان المتحدي لم ينبغ في نفس جنس العمل الذي أريد أن يتم فيه التحدي .. ولكننا اذا جئنا ببطلين من أبطال العالم.. فان التحدي يكون بينهما واضحا .. ويكون له معني فيمن يثبت أنه هو الأقوى ..

واذ جئنا بانسان نبغ في الطب مثلا.. وأرسلناه إلى بلد ليس فيه طبيب .. فلا يعتبر هذا تحديا ... لأنه لا يمكن أن يجد هذا الطبيب من ينافسه بحيث يكون هناك مجال للتحدي .. ولكننا اذا جئنا بهذا الطبيب وارسلناه إلى أكبر عواصم الطب في العالم .. {{ هنا يكون تحديا لهذا الطبيب }} .. هو تحد بقوة العقل حيث اننا وضعناه في اختبار مع اكبر ما في عصره من قوة يمكن أن تواجهه ..

نكون بذلك قد وصلنا الى نقطتين .. النقطة الأولى .. أن المعجزة يجب أن تكون خرقا لقوانين البشر ولا يقدر عليه الى الله سبحانه وتعالى الذي وضع هذه القوانين .. وثانيتهما أن المعجزة معجزة كل نبي يجب أن تكون مما نبغ فيه قومه حتى يكون التحدي نابغا وقويا .. واثباتا على قدرة الله سبحانه وتعالى .. فلا آتي بقوم قد نبغوا في الطب مثلا وأرسل لهم معجزة في البلاغة... أو آتي بقوم نبغوا في البلاغة وأرسل لهم معجزة في الطب .. هنا الاحساس بالمعجزة لا يكون فيه التحدي القوي للانسان .. فالتحدي يجب أن يكون في أمر نبغ القوم فيه حتى لا يتحدى الله قوما بأمر لا يعرفونه .. ولا موهبة لهم فيه .. وحتى يكون للتحدي قيمة .. ومن هنا كانت معجزة كل رسول فيما نبغ فيه قومه ..

على أن المعجزة لا تأتي فقط بخرق القوانين.. والتحدي .. وانما توفر أسباب هذا التحدي .. بمعنى أن القوم الذين يريد الله أن يتحداهم يمكنهم من الأسباب كلها.. {{ ثم بعد ذلك يعطل الأسباب }} .. فلا يتم الفعل .. ولنعط أمثلة سريعة على ذلك .. مثلا معجزة نجاة ابراهيم عليه السلام .. ومعجزة نجاة موسی عليه السلام .. كلتاهما معجزة.. وضعت فيها الأسباب .. {{ ثم عطلت }} .. معجزة ابراهيم جاءت تحديا في قوم يعبدون الأصنام .. ويسجدون لها ويقدسونها.. ولذلك عندما أرادوا احراق ابراهيم كانوا يريدون أن ينتقموا لآلهتهم وهي الأصنام .. وكان الانتقام معداً بالشكل الذي يمجد هذه الأصنام.. ويجعل ابراهيم عبرة لكل انسان تسول له نفسه أن يهينها أو يكفر بها..

وجاء ابراهيم ولم يحترق ..


جاءوا بابراهيم .. وأمام آلهتهم وفي حمايتها.. أوقدوا ناراً هائلة ليحرقوه .. والحرق هنا أمام الآلهة وعلى مشهد منها ليكون الانتقام من ابراهيم انتقاماً تبارکه الآلهة مصدر قوتهم .. وأوقدوا النار الهائلة .. كل شيء هنا لتمجيد آلهة غير الله سبحانه وتعالى .. وأتوا بابراهيم ...

** والسؤال هنا لماذا جعلهم الله يأتون بابراهيم ليحرقوه في النار أمام آلهتهم ..

كان من الممكن أن يختفي ابراهیم في أي مكان .. ولا يظهر.. وكانت هذه مسألة ممكنة تقي ابراهيم الحرق وتجعلهم لا يعثرون عليه .. ولكنه لو حدث هذا لقالوا لو أننا قبضنا على ابراهيم لاحرقناه .. وكانت ستظل قوة الآلهة المزيفة التي يعبدونها مسيطرة عليهم في أن لها قدرة النفع والضر.. وأنها تنفع من يعبدها ... وتضر من يؤذيها .. وأنه لولا هرب ابراهيم لاحرق في النار ودمرته آلهتهم وهي الاصنام تدميراً .. ولذلك كان لا بد ألا يهرب ابراهيم بل يقع في أيديهم ليشهد القوم جميعا سفاهة معتقداتهم وعجزها أمام قدرة الله ..

وكان من الممكن أن تنطفىء النار لأي سبب من الأسباب .. كأن ينزل المطر من السماء فتنطفىء النار .. ولكن هذا لم يحدث .. لماذا ؟ .. لنفس السبب .. لأنه لو انطفأت النار لقال الكفار أن آلهتنا كانت قادرة على أن تحرق ابراهيم .. ولكن السماء أمطرت .. ولو أن السماء لم تمطر لانتقمت آلهتنا منه بالحرق ..

فابراهيم لم يهرب .. بل وقع في أيديهم .. والنار لم تنطفىء .. بل ازدادت اشتعالا ثم ألقوا بابراهيم في النار .. فاذا الله سبحانه وتعالى يبطل خاصية الإحراق في النار .. وتكون برداً وسلاماً على ابراهيم ..

*** اذن فمعجزة ابراهيم ليست أن ينجو من النار .. ولو أراد الله أن ينجيه من النار ما أمكنهم القبض عليه .. أو لنزلت الأمطار لتطفيء النار .. ولكن الله شاء أن تظل النار متأججة محرقة قوية .. وأن يؤخذ ابراهيم عياناً أمام الناس ويرمى في النار .. ثم يعطل الله ناموس أو قانون احراقها ..

" قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) " سورة الأنبياء.

فتعطل ارادة الله خاصية احراق النار .. وتقف آلهتهم تلك التي حطمها ابراهيم والنار متأججة .. وابراهيم ملقى في النار .. تقف آلهتهم التي أرادوا الانتقام لها أمام الملأ أجمع .. تقف عاجزة عن أن تجعل ابراهيم يحترق أو تناله بأي سوء ..


وموسی علیه السلام أوحى الله إلى أمه أن تلقيه في اليم لينجو .. وآخر شيء يمكن أن يقوم به أب وأم حين يريد أن ينجي طفله هو أن يلقيه في الماء ..

فالطفل عاجز صغير وليد .. والقاؤه في الماء يعرضه لطير جارح يقتله أو يهاجمه وهو لا يملك لنفسه دفاعاً ولا بأساً فيقتله .. وقد تأتي موجة صغيرة من الماء فتطيح

بالسلة التي فيها موسى فينقلب في الماء فيغرق في الحال .. فهو لا يعرف شيئا عن العوم ولا يستطيع أن يفعل شيئا اذا سقط في الماء .. واذا لم يسقط في الماء فقد تأتي الأمطار لتملأ السلة التي هو بها.. فيختنق ويغرق.. وقد تأتي ريح تقلب هذه السلة في الماء فيموت .. اذن فكل الاخطار موجودة في القاء موسى في اليم ما عدا فرصة الحياة ... والمنطق والأسباب والعقل كلها تقول انه اذا أرادت أم أن تنجيه فلتفعل أي شيء في العالم إلا ان تلقيه في الماء ..

كان يمكنها أن تأخذه إلى مكان بعيد يختفي فيه .. وكان يمكنها أن تهاجر بابنها إلى خارج مصر .. وكان يمكنها أن تخفيه في منزلها في مكان حصين لا يصل إليه جنود فرعون .. {{ ولكن الله أمرها بماذا }} .. بأن تلقيه في اليم .. حيث يواجه خطر الموت أكثر مما يواجه احتمال الحياة .. وجعل في هذا الخطر خطر موت موسی غرقاً .. أو بطير جارح .. أو بريح قوية .. جعل هذه الأخطار كلها الطريق الوحيد المضمون لنجاة موسی .. لماذا ؟ ..

*** لأن الله الفاعل .. وهنا تتعطل الاسباب .. ويصبح الالقاء نفسه هو النجاة والامان والاطمئنان ..

وللحديث بقية ..

احوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

سبتمبر 19th, 2021, 6:48 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


لماذا سجد السحرة ؟

نعود مرة أخرى إلى المعجزة .. لقد جاء كل نبي إلى قومه بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه .. قوم موسی نبغوا في السحر فجاء موسی عليه السلام بمعجزة السحر.. وتحدى قومه.. {{ فكان أول من آمن به هم السحرة }} .. لماذا ؟

لأنهم هم الذين يرهبون عيون الناس ويسحرونها.. فلما رأوا معجزة موسی ( كانوا أقدر الناس على فهمها ) .. والسجود لها نظرا لما رأوه من الفرق الهائل بين قدرة الله .. وقدرة البشر .. ولما أحسوه برهبة وهو يقابل ما نبغوا فيه من السحر بما أعطاه الله له ..

﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) ﴾ سورة الأعراف.

هكذا كان أول من آمن هم اولئك الذين نبغوا في المعجزة .. وهم أولئك الذين أراد الله سبحانه وتعالى أن يتحداهم فيما نبغوا فيه .. فلما رأوا عظمة التحدي خروا ساجدين .. لماذا ؟ (( لأن لديهم جزءاً من العلم الارضي في السحر .. ))

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ [[ الْعُلَمَاءُ ]] إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) ﴾ سورة فاطر.

فلما رأوا المعجزة أحسوا بروعتها .. أحسوا بجلالها .. أحسوا بأنها من عند الله سبحانه وتعالى .. فنسوا فرعون ووعوده .. ونسوا الذهب والفضة وجاه الدنيا الذي ينتظرهم.. بل نسوا أن فرعون سيسومهم سوء العذاب .. وأنه جبار في الأرض ... تلاشی كل هذا عندما رأوا المعجزة .. وخروا ساجدين لله .. وكانوا هم الذين أراد فرعون أن يتحدى بهم .. دين الله فاذا بهم أول من يسجد لهذا الدين ..

تلك روعة المعجزة .. تستطيع أن تتبينها اذا عرفت ان السحرة كانوا موعودين بالجاه والسلطان والمال .. وكانوا هم اعوان فرعون الذين يروجون له وكان في أيديهم حكم الدنيا اذا غلبوا .. أو اذا اتهموا موسى بأي إتهام باطل يروج له فرعون وجنوده .. ولكنهم بهتوا وذهلوا أمام معجزة فخروا ساجدين .. وتركوا كل هذا مضافاً اليه عذاب فرعون عندما رأوا آية من آيات الله ..

** والمسيح عيسى عليه الصلاة والسلام جاء إلى قومه وقد نبغوا في الطب فأبرأ الأكمة والأبرص .. وزاد على ذلك بأنه احيا الموتى {{ باذن الله }} .. اذن عیسی تحدي قومه في شيء {{ نبغوا فيه }} .. فجاء لهم بما تجاوز علمهم .. وزاد علیه باحياء الموتى {{ باذن الله }} .. فكان التحدي من جنس ما نبغ فيه قومه ..

ومحمد عليه الصلاة والسلام جاء والعرب قوم بلاغة وفصاحة .. فجاء لهم بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه .. وهو بلاغة القرآن التي تحدتهم وأعجزتهم .. فقالوا ساحر.. وقالوا مجنون .. حيث أن اعجاز القرآن ليس لغويا فقط .. ولكن له جوانب كثيرة من الاعجاز الذي يتحدى به الله سبحانه وتعالى الانس والجن {{ إلى يوم القيامة }} .. والقرآن له عطاء (((( يتجدد مع كل جيل من الأجيال )))) ..

واذ كانت المعجزة هي خرقا للعادة مقرونة بالتحدي .. ولا يستطيع أحد معارضتها.. فقد تأتي المعجزة خرقا للعادة .. ولكنها ليست مقرونة بالتحدي .. أي أن الله سبحانه وتعالى لا يتحدى بها البشر ولا يطالبهم أن يأتوا بمثلها .. { بل أن هذه المعجزة تأتي لاثبات طلاقة قدرة الله في كونه } .. بحيث لا يخضع الانسان كل الأشياء للأسباب والمسبات .. بل أن الانسان المؤمن يجب أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى فيما تعجز عنه الأسباب .. فالله قادر قاهر ( ليس ) لقدرته قيود ( ولا ) حدود ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

أكتوبر 10th, 2021, 3:18 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


قدرة الله ..

والقرآن يعرض مسألة المعجزة لاثبات طلاقة القدرة الإلهية في سورة مريم يأتي ليثبت قضية من القضايا التي اعتاد فيها الناس الاسباب والمسببات .. وهي مسألة بقاء النوع .. وبقاء النوع مشروط بالتقاء رجولة وانوثة

لينشأ اخصاب وحمل .. ولا بد أن تكون الرجولة مكتملة .. والأنوثة غير ناقصة ليتم ذلك ..

فيأتي الله سبحانه وتعالى ليثبت لنا طلاقة قدرته الالهية بلا حدود ولا قيود.. {{ حتی لا يفهم الإنسان أن الخلق مقرون بأسباب ومسببات }} لا بد من وجودها.. ومن هنا فان الله في قضية الخلق يريد المسألة من زواياها الأربع .. فليس بقاء النوع او ايجاد النوع رهنا بوجود ذكر وانثي .. بل هو رهن بمشيئة الله سبحانه وتعالى((( يخلق رجلا بلا ذكر ولا انثي .. ويخلق من رجل بلا أنثي .. ويخلق من رجل وأنثي .. ويخلق من أنثى بلا رجل.. وبذلك تكون أركان الخلق الأربعة قد اكتملت .. )))

ولنشرح ذلك قليلا ..

**** الله خلق آدم أول الخلق من لا ذكر ولا أنثي فآدم لم يكن له أب ولا أم وانما خلقه الله سبحانه وتعالى .. ونفخ فيه من روحه .. هذه واحدة .. خلق من لا ذكر ولا أنثى ..

*** وخلق الله حواء على الأرجح من الذكر دون الانثى .. ثم خلق البشرية كلها من الذكر والانثى .. بقي شيء في الخلق أن يخلق الله الأنثى بلا ذکر... {{ فتأتي مسألة المسيح عليه السلام }} .. وتأتي بقية الكون كله من البشر ويأتي المسيح علیه السلام من أنثى لم يمسسها رجل .. ومن هنا تكون القسمة للخلق أربعة .. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكون النشأ من غير وجودهما معا .. فخلق آدم.. ومن وجود الرجل وحده .. فخلق حواء آدم .. ومن وجودهما معا فخلق الكون كله .. وجعله يتناسل ..
ومن وجود الأنثى دون الرجل .. فخلق المسييح .. وبذلك تكون أوجه الخلق كلها اكتملت ..

** الا اننا يجب أن ننتبه إلى شيء هام .. خلق الانسان .. بدون ذكر أو انثى .. معجزة تخضع لله سبحانه وتعالى .. خلق الانثى من الرجل وحده معجزة تخضع لارادة الله سبحانه وتعالى .. خلق الرجل من الانثى وحدها دون أن يمسسها رجل .. معجزة من الله سبحانه وتعالى .. خلق الانسان من ذكر وانثي .. معجزة جعلها الله تمضي في الدنيا بالأسباب والمسببات .. ولكنه لم يطلقها لتتم بالأسباب والمسببات وحدها .. فأدخل فيها المشيئة .. وقال سبحانه وتعالى :

﴿ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا (50) ﴾ سورة الشورى

اذن كل معجزة الخلق التي تمت أنها تخضع لمشيئة الله سبحانه وتعالى .. فلیس وجود النوعين موجبا لأن يوجد الخلق ..

﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ .. يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا .. وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا .. وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا (50) ﴾ سورة الشورى ..

{{ المسألة }} ليست وجود مسببات.. بل أن الله سبحانه وتعالى حين يريد للأسباب أن تفعل .. تفعل.. وحين يريدها أن تتعطل تتعطل .. وحين يريد أن تأتي بالعلل دون الأسباب يأتي بها فلا قيود ولا حدود لقدرة الله سبحانه وتعالى ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

نوفمبر 14th, 2021, 12:38 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


** واذا تعطلت الأسباب ..

هذه قضية في أصل الكون .. وهي قضية طرحها الله سبحانه وتعالى للبشر ليدخل الإيمان إلى قلب المؤمن فيضع فيه السكينة .. فالله سبحانه وتعالى يقول للمؤمن إذا ضاعت الأسباب فلا تيأس .. فأنا الذي خلقت الأسباب .. وانا القادر على ايجاد المسببات دون القانون.. فلا تيأس أن عزت الأسباب ومن هنا يأوي المؤمن إلى ركن شديد .. ويحس بالطمأنينة تملأ قلبه .. ولا يمزقه الفزع خوفا أو رعبا .. حينما يفقد أي شيء.. ذلك أنه يأخذ بالأسباب أولا.. اذا عزت الأسباب أو تعذرت ووجد كل الطرق مغلقة في وجهه .. اتجه إلى الله سبحانه وتعالى .. فالمؤمن لا ييأس من روح الله ابدا .. ولا تنهار نفسه .. ويضيع أمنه عندما يرى انهيار الأسباب ..

وتعرض لنا هذه القصة في سورة مريم .. میلاد مریم عليها السلام له ضجة .. يحكي ذلك القرآن الكريم :

﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى (36) ﴾ سورة آل عمران .


كلمة اني وضعتها انثى التي قالتها امرأة عمران .. تحسر على أنها لم تضع ذكرا ... أي أن الوليد الذي جاء لا يؤدي الغرض الذي وهب من أجله لأن امرأة عمران نذرت ما في بطنها لله سبحانه وتعالى .. وكيف تستطيع مریم أن تؤدي الخدمة في المعبد وهي أنثي .. وامرأة عمران {{ تقول }} أن الرجل أفضل من الأنثى في ذلك .. فيقول لها الله سبحانه وتعالى انك ما زلت تحسبين أن الذكر أحسن من الانثى .. هذه العملية التي تفكرين فيها هي منطق الدنيا الخائب .. ويضيف الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى (36) ﴾ سورة آل عمران .

{{ أي أن الأنثى التي جاءت أفضل من الذكر الذي تمنيته }} .. وكأنما الانثى لها مكانة اكثر مما تظنين .. فلا تقولي أن الله قد اعطاني انثى ولم يعطني ذكرا .. لأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق .. ولأنه يعرف أن هذه الانثي سيصبح لها شأن آخر.. وبعد ذلك {{ نعرف }} أن والد مریم متوفي .. حيث انها حين ولدت {{ ارادوا }} أن يكفلوها .. وكلمة من يكفلها دليل على أن وليها الطبيعي وهو الوالد غير موجود ..

ويكفلها زکریا .. ومعنى أن يكفلها زكريا وفيه نبوة أنه يأتي اليها بكل مقومات حياتها .. فعندما يدخل عليها المحراب يجد عندها رزقا ومعنى أن زكريا يجد عندها الرزق عند دخوله المحراب او المكان الذي تصلي فيه مریم وتسجد .. معناه انه لم يأت بهذا الرزق .. وانما الذي اتي به هو الله سبحانه وتعالى .. {{ بدليل }} آن زكريا يسألها :

﴿ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّه (37) ﴾ سورة آل عمران.

وابتدأت الصغيرة المكفولة مريم بفطرتها تفهم أن الله سبحانه وتعالى ليس له قانون يحكمه .. وأنه يرزق من يشاء بغير حساب .. وهنا نتوقف قليلا لنعرف أن الله سبحانه وتعالى حين اعد مريم للمهمة التي ستقوم بها جعلها أولا منذورة لله سبحانه وتعالى ولعبادته .. ثم جعل من يكفلها نبيا هو زکریا .. ثم بعد ذلك اراد الله سبحانه وتعالى أن يمهد لها فبين لها أن لكل شيء في الكون سببا .. {{ الا }} أن هناك اشياء تحدث بلا أسباب .. أو يعطل الله فيها الأسباب .. {{ وبدأ }} بمسألة الرزق الذي يرزقها به .. فاكهة {{ في }} غير أوانها .. ورزق ليس موجودا في الأرض .. تمهيدا لما هو قادم .. اعلانا لها بأن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء .. ثم بعد ذلك أتى الله سبحانه وتعالى بقضية أخرى هي دعاء زكريا بالولد .. عندما رأى الرزق بلا حساب عند مريم .. {{ هنالك }} دعا زکریا ربه .. وطلب زكريا ولدا فاستجاب الله لدعائه .. وبشره بالغلام .. هنا تذكر زكريا عند هذه البشرى .. انهيار الاسباب عنده .. فقال ربي انني رجل عجوز .. وامرأتي عاقر.. أي أن الأسباب الكونية لامكان الانجاب غير موجودة .. فكيف استطيع أن أنجب طفلا .. فقال الله سبحانه وتعالى :

﴿ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) ﴾ سورة مريم.

فاذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق زكريا .. ولم يك شيئا يذكر فهو يستطيع أن يعطيه الغلام دون التقيد بالاسباب .. هنا تذکیر مرة أخرى لمریم بان الله سبحانه وتعالى اذا أراد فانه يوجد الأشياء بدون الاسباب نفسها .. أولا .. أعطاها الرزق بلا أسباب للرزق .. ثم استجاب لدعوة زكريا التي دعاها في المحراب .. فقال الله سبحانه وتعالى :

﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ (38) ﴾ سورة آل عمرن.

وكلمه هنالك أن الدعاء تم في المحراب عند مريم لتشهد مرة اخرى ما يثبت فؤادها فيما أعده الله لها .. فترى الخلق يتم بدون اسباب الخلق .. فزکریا عجوز .. وامرأته عاقر .. ومع ذلك فان الله قادر على أن يرزقه بولد .. وكل هذا هدفه الا تهتز مریم مما ستتعرض له من ولادة دون ذکر .. ومع ذلك .. ومع كل هذه المقدمات اهتزت مریم حين رأت جبريل عليه السلام ..

﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) ﴾ سورة مريم.

أي أنه بعد كل هذه المقدمات من رزق بلا اسباب .. ومن ولد لزكريا مع انتفاء الأسباب.. مع كل هذه المقدمات اهتزت مریم عندما رأت جبريل حتى أن الله سبحانه وتعالى ليثبتها قال لها :

﴿ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ ﴾ سورة مريم.

والله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لمريم بعد كل هذه المقدمات من رزق بلا أسباب .. ومن خلق مع اختفاء الأسباب تتعجبين ما يحدث .. لقد قلت یا مریم :

﴿ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ سورة آل عمران.

شهدت یا مريم أن الله سبحانه وتعالى حين يريد تعطيل نوامیس الكون .. وايجاد المسببات بلا أسباب .. يستطيع أن يفعل ذلك .. شهدته في زکریا .. ومع ذلك تعجين ..

** معجزة ولكن ليست للتحدي ..

على أن هذه المعجزة .. معجزة خلق عيسى عليه السلام .. لم يكن مقصودا بها التحدي .. فالله سبحانه وتعالى لم يتحد بها أحدا .. لكن المقصود بها هو{{ طلاقة القدرة }} .. أي أن الله يفعل ما يشاء .. ومقصود به استكمال الخلق بحيث يصبح الخلق بدون ذكر أو أنثي .. ومن ذکر بلا أنثي .. ثم من ذكر وانثي لمن شاء الله .. ثم من أنثي بلا ذکر .. وبذلك تكتمل مراحل الخلق ..

ومعجزة أخرى {{ لم }} يتحد بها الله بشرا.. وهي معجزة شق موسى للبحر بعصاه .. فعندما طارد فرعون وجنوده موسى عليه السلام .. ووصل أتباع موسی إلى البحر.. والبحر أمامهم .. وجنود فرعون وراءهم .. قال قومه انا المدركون .. وهذه مسألة طبيعية في قوانين ومسببات البشر .. فجنود فرعون على بعد قريب .. والبحر أمام قوم موسی .. فهم لا يستطيعون مواصلة الفرار او الهرب .. وحينئذ رفع موسى الأمر إلى الله سبحانه وتعالى .. {{ لم }} يقل سنصعد إلى جبل ليحمينا من فرعون وجنوده .. {{ ولم }} يقل سنستقل سفينة ضخمة نهرب بها من فرعون وجنوده .. {{ ولم }} يقل اننا سننجو بطريقة كذا وكذا .. وانما حينما قال له قومه انا المغرقون .. {{{{ رد الامر الى الله سبحانه وتعالى .. وقال بملء فيه .. }}}

﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ سورة الشعراء.


ومن هنا فانه نقل المسألة من قانون الانسان .. أو البشر.. إلى قانون الله سبحانه وتعالى .. فكأنه قد نقل القدرة من القدرة البشرية المحدودة .. إلى قدرة الله سبحانه وتعالى التي ليس لها حدود ولا قيود .. {{{ والتي تتم بكلمة كن }}} .. وما دام قد نقل القدرة منه هو الى قدرة الله سبحانه وتعالى فقد أصبحت هذه القدرة ينطبق عليها (( لفظ سبحان الله وليس كمثله شيء )) .. أي أنه لا عجب فيما سيحدث ولو خالف كل قوانين البشر .. لأن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى .. فأصبحت النجاة نابعة من قدرة الله وليس من قدرة البشر .. فقال الله سبحانه وتعالى له :

﴿ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ﴾ سورة الشعراء.

والمعروف أن الماء لا ينفلق لأن قوانين الماء هي الاستطراق .. أي لا يكون عاليا في مكان ومنخفضا في مكان آخر .. لا بد أن يتساوى سطحه .. فاذا ضرب موسی بعصاه البحر فهو لا يستخدم قوانين الأرض .. ولا قوانين الماء .. ولا قدرات البشر.. لأنه رفع الأمر إلى الله سبحانه وتعالى .. {{ ومن هنا }} تكون القدرة والفعل لله فينشق البحر .. وينجو موسى وقومه ..

هذا هو معنى المعجزة في انجاز بالغ .. فالمعجزة هي خرق لنواميس الكون .. تتحدى .. ولا يستطيع احد معارضتها .. والمعجزات نوعان .. معجزات أعطاها الله سبحانه وتعالى لرسله ليتحدوا بها قومهم .. ويثبتوا أنهم جاءوا بالهدى وبالرسالات من عند الله .. ويثبتوا الايمان في قلوب الناس .. ويبينوا لهم الطريق المستقيم المؤدي إلى الحياة السليمة .. وهو قوانين الله في الارض ... وليعرف الجميع أن هؤلاء رسل جاءوا من عند الله .. {{ بمنهج وضعه الله للانسان }} .. وهناك معجزات أخرى في الكون .. لم يرد الله بها التحدي .. {{{ ولكنه اراد اثبات طلاقته في الكون في انه هو الخالق }}} .. وانه هو الموجد للاسباب والمسببات .. وانه يقول كن فيكون بلا مسببات ... ما دام الأمر قد رفع إلى الله سبحانه وتعالى بعيدا عن قدرات البشر وقوتهم ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر