مطلوب نقش مع إخواني المسلمين

خاص بمناقشة القضايا والمسائل التي تهم الحوار المسيحي الإسلامي من إيمان و عقيدة و فكر إلخ
AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

أكتوبر 15th, 2019, 6:48 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


قضية الصلب

ننتقل الآن لمناقشة قضية هامة وخطيرة هي قضية الصلب ...

وأقولها الآن - بأمانة - إن من أكبر معجزات القرآن أنه نفي نفيا قاطعاَ القول بصلب المسيح .. لقد قالها في آية واحدة .. هي الآية رقم (157) من سورة النساء ..


" وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا "

لكن قضايا أخرى مثل القول بأن الله هو المسيح أو أن المسيح ابن الله ، ذكرها القرآن في مواضع كثيرة وتكفل بالرد عليها باعتبارها كفراً صريحاً .. ولقد استغرق الحديث عن قضية التوحيد وما يرتبط بها نحو ثلث الكتاب الكريم .. ومن المعلوم أن سورة الإخلاص التي تقول :


" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) "

تعدل ثلث القرآن .

ويحق لنا أن نقول : لو أن القران كان من عند غير الله وأن بشراً من الأرض قد افتراه كذبا على الله وادعى أنه أوحي إليه ، أما كان الأولى به والأيسر لرواج دعوته أن يقول بصلب المسيح .. باعتبار ذلك شائعاً ومعروفاً بين الناس .. وفي تلك الحال فإنه يستميل النصارى إليه ويقلل من المشاكل والعقبات التي تعترض قبولهم الإسلام .


إن الشواهد القريبة تبين أن تحول المسيحي من طائفة مسيحية إلى أخرى يمكن أن يحدث دون ضجة .. وذلك لاشتراك تلك الطوائف في أصول عقائدية كثيرة .. لقد بينت الشواهد البعيدة - في الزمن - أن تحول أصحاب العقائد التي شاعت في العالم الروماني الوثني إلى المسيحية كان يرجع بالدرجة الأولى إلى التشابه الكبير بين أصول تلك العقائد والعقيدة المسيحية التي شاركتها فكرة الإله المتجسد وأفكاراً وطقوسا أخرى سوف نتحدث عنها بشيء من التفصيلفيما بعد ..

أما تحول المسيحي إلى الإسلام فإنه يعتبر انقلاباً في حياته ومعتقداته لأنه غير مفاهيم وعقائد كثيرة ترسبت في عقله ووجدانه ..

لكن القرآن - کتاب الإسلام - لم يجار النصارى على معتقداتهم وما تعارفوا عليه .. لكنه حدد المواقف تحديدا واضحا فجعل القول بأن { الله هو المسيح } أو أن { المسيح ابن الله } كفراً لا يقبل المغفرة .. حتى إذا جاء الحديث
عن قتل المسيح - وكم قتل اليهود من أنبياء قبله - نجد القرآن ينفي قتل المسيح وينفي صلبه نفيا قاطعا لا لشيء إلا لأن ذلك ما حدث فعلا ..

فالقرآن لا يقول إلا الحق بصرف النظر عما إذا كان ذلك الحق يتفق وما شاع بين الناس وصار من المسلمات بينهم أم أنه جاء مخالفاً لما توارثوه عبر قرون عديدة ..

وبما أن الصلب قضية ، وما نناقشه هنا عبارة عن مجموعة من القضايا .. فالأولى بنا أن نذكر بقاعدة بسيطة متفق عليها تحكم أحكام الناس في مختلف القضايا على مختلف المستويات - وهذه القاعدة تقول :


** كل ما تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ..

فحين تختلف شهادة شاهدين أمام قاض في محكمة .. فإن ما تفرضه عدالة المحكمة هو عدم الاعتداد بأي من الشهادتين إلى أن يأتي شاهد ثالث يؤيد شهادة أحد الشاهدين .. وإلا امتنع صدور حكم عادل ..

والآن نذهب لمناقشة قضية الصلب كما تعرضها الأناجيل ، وهي التي تبدأ بمجموعة من الأحداث الخاصة بمحاولة قتل المسيح إلى أن تنتهي بتعليق شخص يصرخ يائساً على الصليب .. وما أعقب ذلك من تكفينه ودفنه ..



1- 1- مسح جسد المسيح بالطيب :

لقد اختلفت الأناجيل في هذه الحادثة البسيطة التي تعتبر مقدمة لأحداث الصلب .. يقول إنجيل مرقس :

" كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه .. وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكئ جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن فكسرت القارورة وسكبته على رأسه . وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب هذا. لأنه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء وكانوا يؤنبونها " (14: 1-5)

وقد ذكر متى هذه الحادثة في (26: 6-9 ) .. ولوقا في (7: 36-39) .. ويوحنا في (12: 1-6) .. مع اختلافات بينهم في توقيتاتها وعناصرها الرئيسية ..

يقول نينهام في هذه القصة :

** نجد القديس يوحنا يذكرها مبكراً عما أورده القديس مرقس ببضعة أيام .. وكذلك يضعها القديس لوقا في موقع مختلف تماما من سيرة يسوع .. فبينما نجدها في إنجيل مرقس قد حدثت في منزل سمعان الأبرص من قرية بيت عنيا .. نجدها في إنجيل يوحنا قد حدثت في بيت مريم ومرثا ولعازر
( تفسير انجيل مرقس ص 370) ..

ويمكن تلخيص اختلاف الأناجيل في هذه القصة كالآتي :

مكان الحادث :

في بيت سمعان الأبرص ( مرقس ومتي ) - ( في بيت فريسي (لوقا) - في بيت الإخوة لعازر ومريم ومرثا ( يوحنا ) .

شخصية المرأة :

مجهولة ( مرقس ومتي ) - خاطئة (لوقا) - امرأة صديقة هي مريم أخت العازر (يوحنا).

ماذا فعلت :

دهنت رأس يسوع بالطيب ( مرقس ومتي ) - دهنت رجليه بالطيب (لوقا ويوحنا ).

رد الفعل عند المشاهدين :

اغتاظ قوم لإسرافها (مرقس) - اغتاظ التلاميذ ( متي) - كان تساؤل الفريسي مع نفسه حول معرفة يسوع لشخصية المرأة (لوقا) - اغتاظ يهوذا الاسخريوطي لإسرافها ( يوحنا ).

۲ـ التحضير للعشاء الأخير :

يقول مرقس :

" وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح. فأرسل { اثنين من تلاميذه } وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه . وحيثما يدخل فقولا لرب البيت إن المعلم يقول أين المنزل حيث اكل الفصح مع تلاميذي فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة . هناك أعدا لنا . فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة ووجدا كما قال لهما . فأعدا الفصح. ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر» (14: 12-17) ..

ويقول نينهام :

** إن أغلب المفسرين يعتقدون أن هذه الفقرة بأعدادها من رقم (12-16) إنما كانت في الواقع إضافة أدخلت فيما بعد إلى الرواية التي يتبعها القديس مرقس في هذا الجزء من إنجيله . ومن بين الأسباب لذلك الاعتقاد ما يأتي :

1- وصف اليوم الذي قيل : إن القصة حدثت فيه بأسلوب لا يستخدمه اليهودي العادي الذي كان معاصراً لها.

2- وصف أتباع يسوع في كل فقرة من هذا الإصحاح ( الرابع عشر) بأنهم تلاميذه بينما أشير إليهم بإصرار في هذه الفقرة بأنهم الاثنا عشر .

3- أن كاتب العدد (17) الذي يقول :

" ولما كان المساء جاء مع { الاثني عشر } "

لا يعلم شيئاً عن رحلة التلميذين التي ذكرت في العدد 13 .. فلو كان كاتب العدد 17 يعلم محتويات تلك الفقرة لكان عليه أن يتحدث عن : { العشرة وليس الاثني عشر } أي أن العدد 17 كان يجب أن يقرأ هكذا :

" ولما كان المساء جاء مع العشرة " .. ( تفسير إنجيل مرقس : ص ۳۷۹ )

ويختلف متى مع مرقس في قصة الإعداد للعشاء .. إذ أنه يجعل التلاميذ جميعاً - كما يقول جون فنتون في ص 414 من تفسيره ـ يشتركون في هذا
الإعداد .. فهو يقول :

" قال يسوع { لتلاميذه اذهبوا } إلى المدينة إلى فلان وقولوا له . المعلم يقول إن وقتي قريب . عندك أصنع الفصح مع تلاميذي. { ففعل التلاميذ } كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح ، ( 26: 17-19) ..

3 - توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب :

يقول جون فنتون : « يتفق متى ( 26: 17-19 ) .. مع مرقس ( 14: 12-17 ) .. وكذلك لوقا ( 22: 8 ) في أن العشاء الأخير كان هو الفصح .. وعلى العكس من ذلك نجد الإنجيل الرابع يجعل الفصح يؤكل في المساء بعد موت يسوع " . ( يوحنا 18 : 28 ) كما يقول جون فتون ) ..

ويرى أغلب العلماء أن توقيت كل من متى ومرقس ( ولوقا ) صحيح وأن يوحنا قد غير ذلك لأسباب عقائدية .( تفسير انجيل متى ص 415)

ذلك أن يوحنا يقرر أن العشاء الأخير الذي حضره يسوع مع تلاميذه كان قبل الفصح .. فهو يقول :

" أما يسوع قبل عيد الفصح فحين كان العشاء .. قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها ، ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ( 13: 1-5)

وكذلك يقرر يوحنا أنهم قبضوا على يسوع في مساء اليوم السابق لأكل الفصح .. وذلك في قوله :

" ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية وكان صبح ، ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح " (18: 28) ..

*** إن اختلاف الأناجيل في العشاء الأخير وتوقيته ترتب عليه اختلافهم في نقطة جوهرية تعتبر واحدة من أهم عناصر قضية الصلب .. ألا وهي تحديد يوم الصلب ..

فإذا أخذنا برواية مرقس ومتى ولوقا لكان يسوع قد أكل الفصح مع تلاميذه مساء الخميس .. ثم كان القبض بعد ذلك بقليل في مساء الخميس ذاته ..
وبذلك يكون الصلب قد حدث يوم الجمعة ..

أما الأخذ برواية يوحنا فإنه يعني أن القبض كان مساء الأربعاء .. وأن الصلب حدث يوم الخميس ..

*** هل حدث الصلب يوم الخميس أم يوم الجمعة ؟!!


4 - العشاء الأخير والتلميذ الخائن :

يقول مرقس :

" ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحداً منكم يسلمني . الآكل معي فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحداً فواحداً هل أنا ؟ وآخر هل أنا ؟ فأجاب وقال لهم . هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة . إن ابر الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه . ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان . كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد " ( 14: 17-21) ..

ولقد أدخل "متى" بعض التغييرات على رواية مرقس ..

ويقول لوقا:

" فدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعي الاسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر. فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم .. وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم خلواً من جمع . ولما كانت الساعة اتكأوا الاثني عشر رسولا معه .. وقال لهم شهوة اشتهيت أن آكل الفصح معكم .. ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة .. فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا " ( 22: 3-23) ..

أما رواية يوحنا ففيها اختلاف يسهل ملاحظته ـ عما روته الأناجيل الثلاثة الآخر .. فهو يقول :

" لما قال يسوع : هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيسلمني ، فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض
وهم محتارون من قال عنه .. أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه .. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي . فبعد اللقمة
دخله الشيطان . فقال له يسوع : ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلا " ( 13: 21-30) ..

وبصرف النظر عن اختلاف الأناجيل في إجابة المسيح لتلاميذه عمن يكون الخائن .. إذ قال إنجيل لوقا :

" الذي يغمس في الصحفة "

بينما قال إنجيل يوحنا :

" الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه "

لكن النقطة الهامة التي تتعلق بخيانة يهوذا هي اختلاف الأناجيل في حادثة دخول الشيطان فيه .. فها هو يقرر أن الشيطان دخل يهوذا قبل العشاء الأخير بيوم على الأقل ( 22: 3-7 ) ..

بينما يقرر يوحنا أن الشيطان دخل يهوذا بعد أن أعطاه يسوع اللقمة ( يوحنا 13: 27 ) .. أثناء العشاء الأخير ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

أكتوبر 20th, 2019, 8:59 pm

بسم الله الرحمن الرحيم



هل يمكن للباحث العلمي أن يقطع أن هناك الآن إنجيلاً ينسب إلى المسيح ؟

أن هذه المتناقضات الموجودة في الأناجيل على رغم قلة حجمها .. لأن الأناجيل قليلة جداً في الحجم .. فهذا هو حجم الأناجيل كلها ..

فإذا ثبت أن هذه الأناجيل تحتوي على بعض التناقضات ولو تناقضاً واحداً .. لا مائة تناقض .. فإن ذلك يبطل كونها وحياً من عند الله سبحانه وتعالى ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الذي نزل على رسول أمي وعلى أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب قال :

" وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) "

يعني لو أن القرآن كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً .. ولذلك فإن كل مسلم يعلن صراحة .. أخرجوا لنا تناقضاً واحداً من القرآن الكريم بأياته التي بلغت 6236 آية .. إن أحداً لا يجرؤ أن يقول إن في القرآن تناقضاً واحداً .. ونحن بين أيديكم نستطيع أن نواجه أي اتهام أو شك أو ريب ثبت أن في القرآن تناقضاً واحداً .. أما الأناجيل فقد رأيتم أنه على قلة حجمها فهي متناقضة .. بل إن هناك تناقضاً في الصفحة الواحدة .. وأضرب لكم مثلاً لشيء من هذا التناقض في صفحة واحدة ..

في إنجيل متى مثلاً نجد عشرات من هذه التناقضات ويمكن أن نشير إلى بعض منها من غير تحيز .. يقول السيد المسيح لبطرس :

" وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقدر عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحله في الأرض يكون محلولا في السماء "

إذن - بطرس قال له المسيح .. أنت صخرة ، وأنت قوي .. وأن الشياطين لا تستطيع أن تدخل في خلالك ولا أبواب الجحيم ، وأن عليك أبني كنيستي ، ثم أعطاه وعداً أو عهداً عجيباً أن :

" ما حللته في الأرض أحله في السماء .. وما ربطته في الأرض أربطه في السماء .. ما تفعله أنا أفعله وما تريده أنا أريده .. "

أي أن إرادة الله تابعة لإرادة بطرس . وهذا هو الذي جاء في القرآن الكريم حيث قال الله سبحانه وتعالى :

" وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل . قاتلهم الله أنى يؤفكون . إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم " (سورة التوبة 30-31) ..


فقال عدي بن حاتم الطائي وكان نصرانياً وأسلم .. يا رسول الله ما كنا نعبدهم .. على أساس فهمه أن العبادة تعني الركوع على رجليه أو الصلاة له .. فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام .. " ألم يكونوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بكلامهم ؟ قال بلى . قال : فتلك عبادتهم من دون الله "

* إذن ـ أن يكون هناك حق التحليل والتحريم لغير الله وحده فهذا هو الشرك .. ولذلك نجد الإسلام ينفي أن تكون سلطة التحليل والتحريم إلا الله ..
فلا تكون حتى للرسول محمد عليه الصلاة والسلام .. فالرسول لا يملك حق التحليل والتحريم إلا بوحي من الله .. والله عتب عليه حينما حرم على نفسه شيئاً فقال له :

" يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، تبتغي مرضاة أزواجك " .

في هذا النص الإنجيلي أعلاه .. نجد مكانة بطرس عالية .. ولكن انظر في آخر الصفحة ماذا يقول؟

في أول الصفحة نجد بطرس - كما يقول الإنجيل على لسان المسيح - هو الصخرة التي سيقيم عليها المسيح بناء دعوته .. ويشدها إليه .. وهو صخرة راسخة لا تنال أبواب الجحيم منها .. وأن بيده مفاتيح ملكوت السموات .. ثم لا تكاد العين تتملى هذه الصورة العظيمة لبطرس حتى تلقاها صورة أخرى مضادة تماماً تمسخ هذا الحواري مسخاً وتحيله من إنسان إلهي إلى شيطان مريد .. هكذا فجاة .. وأين ذلك ؟ .. في إنجيل متى نفسه وفي نفس الإصحاح رقم 16 وبعد عددين اثنين - أي حوالي سطرين فقط من كلمات السيد المسيح المبشرة له ..

يقول متى : « من ذلك الوقت ابتدا يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم .. فأخذه بطرس إليه وابتداء بنتهره قائلاً حاشاك يارب .. لا يكون لك هذا .. فالتفت وقال لبطرس : اذهب عني با شيطان أنت معثرة لى لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس " ( 16: 21-23) ..

*** فانظر كيف كان بطرس في أول الصفحة يقول له المسيح : ما حللته في الأرض احله في السماء .. ثم في آخر الصفحة يقول له : أنت شيطان .. إن التناقضات كثيرة جداً في الأناجيل ....


الأستاذ إبراهيم خليل أحمد .. كان قسيساً وأستاذ العقيدة واللاهوت في كلية اللاهوت .. رئيس كنائس الصعيد كلها في مصر .. يقول ..

الحقيقة أن عملنا كمبشرين كان يستند إلى سند جاء في رسالة بطرس الثانية لنؤكد أن التوراة والإنجيل كُتُب موحى بها من الله .. فكنا نقول :

" لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان .. بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" ..

طبعاً هذا النص الذي جاء على لسان بطرس كما جاء في رسالته الثانية .. سوف يوهم هذا النص أن الكتاب المقدس الموجود حالياً كتاب موحى به من الله .. كذلك يتناول القسيس في عمله بين المسلمين آية من آيات القرآن الكريم في سورة آل عمران تقول:

" نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس "

إن القرآن دقيق كل الدقة فهو لم يذكر العهد الجديد ولا العهد القديم ولكنه ذكر التوراة والإنجيل .. ولما جاء القرآن ليذكر العهد القديم والعهد الجديد بالكتاب ماذا قال ؟ .. قال في سورة آل عمران :

" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " (64).

إذن عندما ذكر الكتاب كله بدأ القرآن يوجه التوجيه السليم والصحيح .. وكذلك في سورة النساء .. يقول الحق سبحانه وتعالى :

" يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً " (171) ..

وجاء في سورة المائدة أيضاً عن أهل الكتاب يقول الله سبحانه وتعالى:

" يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين " (15) سورة المائدة .

إذن .. لما جاءت الإشارة إلى الكتاب ، جاءت الإشارة بالتنويه إلى التصحيح. لكن لما جاءت الإشارة إلى التوراة والإنجيل جاءت الإشارة بالتصديق دون أن يذكر لا العهد القديم ولا العهد الجديد ..

نخرج من هذا إلى الأناجيل ذاتها .. ولنتدبر إنجيل لوقا ذاته .. هل كان موحى به من الله ؟ أم كان تحت تأثير وحى الله سبحانه وتعالى ؟ .. يقول لوقا (1: 1-4) :

" إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة : رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به " ..

*** فهو قال : كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء .. ولم يقل موحى بها من الروح القدس ..

* إن لوقا لم يكن من الاثني عشر تلميذا الذين كانوا مع المسيح .. وهذه نقطة لها وزنها في تقييم الموقف ..

ثم عندما نأتي لشاول الذي أصبح يعرف ببولس فيما بعد نجد في ( الإصحاح 7: 8) من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ) يقول في فقرة 8 :

" أقول لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا "

*** فهذا الكلام من بولس شخصياً .. وهو يريد الناس أن يبقوا مثله بلا زواج .. ثم يقول :

" 10- أما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب ألا تفارق المرأة رجلها "

وهذا هو الانفصال دون الطلاق .. وعندما تتقدم قليلاً نجده يقول :

" 12- وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب "

فهو مرة يقول ربنا قال ومرة يقول أنا أقول . فكأنه على مستوى الله - سبحانه وتعالى - في الكتاب ..

وأكثر من هذا فإنه يجعل المرأة المؤمنة لا مانع من أن تتزوج مشركاً .. وهذا خطر كبير على الحياة الزوجية بين امرأة مؤمنة ورجل مشرك فهو يقول:

" 13- والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي أن يسكن معها فلا تتركه "

هذا كلام بولس ..

هل كان هذا الإنسان متيقظاً عندما جاء ليصحح الوضع ؟ .. لكنه عندما أفاق نجده يقول :

" لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لأنه أية خلطة للبر والإثم واية شركة للنور مع الظلمة ، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال وأي نصيب للمؤمن من غير المؤمن ، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان ، لأنكم أنتم هيكل الله الحي .. كما قال الله : إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم ليكونون لي شعباً . لذلك أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب"

لقد جاء هذا الكلام في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس وجاء في ( الإصحاح 6: 14-18) ..

* إذن هو في الرسالة الأولى يقول .. والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهي ترتضي أن يسكن معها فلا تتركه .. أما في الرسالة الثانية فإنه يقول ..

" اعتزلوا "

هذا ولا شك ذبذبة في الكلام في كتب مقدسة من المفروض تصديقها تصديقاً مطلقاً ؟

نأتي إلى بولس والعذارى فتجده يقول أيضاً في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس :

" وأما العذاري فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أعطي رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أميناً .. فأظن أن هذا حسن بسبب الضيق الحادث أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا " ..

وأعتقد أن الظنية في الكتب المقدسة شيء رهيب جداً لا يمكن لإنسان الاعتماد عليها ..

وأكثر من هذا فإن الزواج في النصرانية لا انفصام له إلا بالموت .. فإذا حدث أن تزوجت امرأة برجل وكرهت الرجل وأرادت أن تتخلص منه بأي كيفية من الكيفيات الشريفة ، تقول : لما يموت تستطيع أن تتزوج . فالإنسانة تبقى منتظرة ساعة الوفاة حتى تتخلص من الرجل الشؤم الذي كان كابوساً على حياتها .. فماذا يقول بولس :

" المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حياً ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تزوج بمن تريد في الرب فقط .. ولكنها أكثر دقة إن لبثت هكذا بحسب رأيي .. وأظن أني أنا أيضاً عندي روح الله ( 1 كورنثوس 7: 39-40) ..

فهو لا يصدق نفسه إن كان عنده روح الله أم لا .. عندما يصدر كلام كهذا من رجل مثل بولس فإنه يعطينا تشككاً رهيباً فيما جاء في العهد الجديد ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

أكتوبر 30th, 2019, 7:03 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


وعندما نأتي إلى العهد القديم ونرى الألاعيب التي حدثت في العهد الحديد .. نجد أن التوراة وهي الأسفار الخمسة الأولى التي أعطاها موسى للاويين نجد الآتي :

فعندما كمَّل موسي كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إليكم ليكون هناك شاهداً عليكم لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة . هو ذا وأنا بعد حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحرى بعد موتي ، ( تثنية : 31: 24-27 ) ..


فهذا سيدنا موسى يؤكد للأجيال أن اليهود شعب متمرد ليس على موسى فقط ولكنه متمرد على الله خالق شعب إسرائيل ..

ففي سفر التثنية قبل الختام نجد كلاماً غريباً يقول في ( الإصحاح 34) :

" فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض موآب " ( 5-7) ..

هل يستطيع الميت أن يكتب ؟

** إذا كان موسى قد مات فكيف يستطيع أن يكتب هذه الأسفار ويقول أنا مت وحدث كذا وكذا ..

إذن هذا الكلام ولا شك أنه قد زيد وأن التوراة قد كتبت في غير أيام موسى وحدث لها ما حدث ..

هذا بالإضافة إلى أنه بدراسة التوراة والإنجيل دراسة تاريخية سنطمئن كل الاطمئنان إلى أن التوراة عموماً قد أبيدت . وفي تاريخ إسرائيل نجد أن نبوخذنصر دخل بجيشه إلى الهيكل ودمره وأخذ كل المقتنيات ومن ضمنها الكتب المقدسة والأواني وذهب بها إلى بابل . إذن ثابت تاريخياً أن التوراة التي كتبها موسى قد فقدت نهائياً . فلما أمر كورش ملك الفرس بإرجاع بني إسرائيل إلى فلسطين أخذ عزرا ونحميا بإعادة تدوين التوراة من ذاكرتهما ..

** إننا لا نسطيع أن نصدق التوراة والإنجيل كلها .. ولا نستطيع أن نكذبها كلها، لأن العامل الإنساني موجود في هذه الكتب .

يقول الاستاذ ابراهيم خليل احمد : لكني كإنسان هداني الله للإسلام .. فلقد كنت قسيساً ولم أهتد إلى الإسلام بسهولة .. فلا بد أن يكون لدي حجة قوية .. وأن الكتب من موسى إلى عيسى تنبأت بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

ونجد في سورة النساء الآية (82) يقول الله سبحانه وتعالى :

" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً "

ليس المفروض أن يكون كل الناس علماء وأن يفرغوا وقتهم للدراسة والمقارنة .. ولكني أعتقد أن ما كتبته لكم من رسائل بولس إلى أهل كورنثوس يبين وجود العنصر البشري في العهد الجديد ..

هذا ونجد الرسول صلى الله عليه وسلم .. يقول إنما أنا بشر .. ولم يقل أنا إله .. فالقرآن يقول :

" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد (110) " ( سورة الكهف )

ويتحدى القرآن كل المخلوقات فيقول :

{ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً (88) " ( سورة الإسراء)


*** إذن نستطيع أن نقطع بأن إنجيل المسيح غير موجود ؟ .. هذا مؤكد ..

وهنا نسأل .. فكيف يقول القرآن الكريم :

"وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه (47) " ؟ سورة المائدة ..

ويقول :

" إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا (44) " ( المائدة) ..

ويقول الله تعالى :

" قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (93) " ( آل عمران ) ..

فأي توراة يقصد .. وأي إنجيل ؟

أن التوراة الموجودة مدبجة بكلام ينسب لموسى وليس كل ما فيها كلام موسي .. وكذلك الإنجيل مدبج بكلام ينسب للمسيح ولكن ليس كل ما فيه كلام المسيح ..


نستطيع أن نجمل الإجابة في أن الله سبحانه وتعالى لما قال :

" إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور "

وقال :

" وليحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه "

بين ربنا سبحانه وتعالى في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم ..

" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه "

إذن المرجع الوحيد لما صح من الإنجيل .. ولما صح من التوراة .. ولما رضيه الله .. هو القرآن الكريم .. فما أثبته القرآن وأقره فهو حق .. وما نسخه القرآن فقد انتسخ .. وما رد عليه القرآن الكريم فهو باطل ..


وحديثنا القادم ان شاء الله عن الصلب والقيامة والفداء .. وهي من الموضوعات الأساسية .. بل وأخطر الموضوعات في الديانة النصرانية على الإطلاق ..
وللحديث بقية /

اخوكم الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

نوفمبر 7th, 2019, 1:32 pm

بسم الله الرحمن الرحيم



نبدا باستكمال عناصر قضية الصلب .. وكنا قد انتهينا بالأمس عند مناقشة تهمة الخيانة ( 4- العشاء الأخير والتلميذ الخائن ) .. ورأينا أن الشيطان دخل يهوذا قبل العشاء الأخير حسب رواية لوقا .. لكنه حسب رواية يوحنا دخل يهوذا بعد أن أعطاه المسيح اللقمة أثناء العشاء الأخير فخرج ليتآمر عليه .

ونبدأ الآن بعنصر معروف تحت عنوان .. المعاناة في الحديقة أو آلام المسيح ومتاعبه في الحديقة .. وسوف نقرأ النص .. ودائماً أبدأ بإنجيل مرقس باعتباره أقدم الأناجيل .. ولكن أرجو أن نركز ونحن نقرأ النص الذي يصف هذه الفترة الهامة والحاسمة من حياة المسيح .. عما إذا كانت الصورة التي رسمها كتبة الأناجيل للمسيح هنا تبين أنه جاء ليبذل دمه فدية عن كثيرين .. ومن ثم كان الصلب وسفك دمه هدفاً رئيسياً لرسالته .. كما يقولون .. أم أن المسيح فوجئ بقوة الظلم تكاد تطبق عليه .. وأن حياته باتت مهددة بالخطر بشكل لم يكن يتوقعه .. ولذلك أصابته حالة من الرعب القاتل كان يود في كل لحظة من لحظاتها أن ينجو من الخطر وينقذ نفسه من الموت .


5- آلام المسيح :

ويقول مرقس : « وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيماني فقال لتلاميذه اجلسوا ههنا حتى أصلي .. ثم أخذ معه بطرس ويعقوب وابتدأ يدهش ويكتئب . وقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت . امكثوا ههنا واسهروا .. ثم تقدم قليلاً وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة ان أمكن وقال يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك . فاجز عني هذه الكأس . ولكن ليكن لا ما أريد أنا ، بل ما تريد أنت ثم جاء ووجدهم نياماً . فقال لبطرس با سمعان أنت نائم . أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة ؟ أسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة . أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف . ومضى أيضاً وصلى قائلاً ذلك الكلام بعينه . ثم رجع ووجدهم نياماً إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبونه . ثم جاء ثالثة وقال لهم الآن استريحوا يكفي ، قد أتت الساعة ، هو ذا ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة ، قوموا لنذهب ، هو ذا الذي يسلمني قد اقترب » (14: 32-42 ).


إن أبسط تعليق على هذا الكلام هو أنه واضح تماماً أن المسيح لم يكن يتوقع هذه المفاجأة المذهلة وهي أن أعداءه سيقتنصونه .. وطبعاً هو يعلم أنهم عندما يمسكونه فلسوف يقتلونه .. ولذلك كان يصلي في كل وقت لكي تعبر عنه هذه الساعة أو هذه المحنة أو هذه الكأس .. حتى ينجو ..

*** إذن نستطيع أن نقرر - مبدئياً ـ بأن أي قول يقول أنه جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين .. أو أن سفك دمه كان ضرورياً للتكفير عن خطيئة آدم أو خطايا البشر .. كل ذلك لا يمكن قبوله .

*** وإذا كان عصيان آدم .. يكون تكفيره بقتل ابن الإله غصباً عن ابن الإله نفسه .. فهذه كارثة أكبر .. لأن الخطيئة تتضاعف تماماً بهذه الصورة .


بعد ذلك نذهب لمعرفة آراء العلماء ومفسرو الأناجيل يقول دنيس نينهام : «لقد انقسمت الآراء بعنف حول القيمة التاريخية لهذا الجزء وجرى تساؤل عما إذا كان يعتبر في الحقيقة جزءاً من المصدر الذي روى عنه القديس مرقس .

ويؤكد آخرون أنه لم يكن في مقدور أحد أن يكون شاهداً لأغلب الحوادث المذكورة هنا .. كما لم يكن في مقدوره أن يعلم ما هي الصلاة التي
صلاها يسوع وحيداً .. ولذلك فإنهم يعتبرون أن الصلاة النموذجية ( في العدد 36 ) وتكرارها ثلاث مرات إنما هي شيء مصطنع مثل القول بإنكار بطرس ثلاث مرات ..


إن القرار الموثوق منه (حول حقيقة ما جرى في الحديقة ) مستحيل) .. ( تفسير انجيل مرقس ص 389-390)

أما رواية لوقا عن آلام المسيح فنجد فيها ما يجعلنا نعرضها .. إذ أنها تقول :

" وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون وتبعه أيضاً تلاميذه .. ولما صار إلى المكان قال لهم صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة . وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلاً يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس ، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك . وظهر له ملاك من السماء يقويه . وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض . ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن .. فقال لهم لماذا أنتم نيام قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة » ( 22: 39-46 ).

ويقول جورج كيرد في تفسيره لهذه الفقرات : حسب رواية مرقس ( الذي كان مصدراً للوقا ) نجد أن يسوع بدأ يكتنفه الآن الفزع والذهول وقد تحدت إلى تلاميذه عن الحزن الذي صحب استنزاف حياته وتلاشيها .. ولما كان غير قادر على رفقة أعز أصحابه ( تلاميذه ) فإنه قضى الليل في تشنجات متتالية من صلاة المكروب .. ولكن رواية لوقا المختصرة ( بالنسبة لرواية مرقس) تعطينا بقدر الإمكان انطباعاً أقوى من حالة الاضطراب التي حلت بيسوع .. فلقد أخبرنا أن يسوع هو الذي انتزع نفسه بعيداً عن أصحابه .. وأنه كان في ألم مبرح وأن عرقه صار مثل قطرات الدم .. وعندما نتذكر الشجاعة والثبات التي واجه بها الموت رجال آخرون شجعان بكل أشكاله البربرية وما كان يصحب ذلك من تعذيب مفرط، فلا يسعنا إلا أن نتساءل عن ما هي الكأس التي كان يسوع يرجو الله - في صلاته - أن يجيزها عنه ..

إن صلاة يسوع ترينا أن عذاب الشك كان أحد عناصر محنته المعقدة .. فلكم تنبأ بآلامه لكنه الآن عشية حدوثها نجده ينكص على عقبيه .. هذا .. ولما كانت بعض المراجع القديمة تحذف العددين ( 43 ، 44 ) .. اللذين يقولان :

" وظهر له ملاك من السماء يقويه . وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض "

ورغم وجودهما في أغلب النسخ وإلمام علماء المسيحية في القرن الثاني بهما « فإن هذا الحذف يمكن إرجاع سببه (كما يقول جورج كيرد) إلى فهم أحد الكتبة بأن صورة يسوع هنا .. وقد اكتنفها الضعف البشري .. كان يتضارب مع اعتقاده في الابن الإلهي الذي شارك أباه في قدرته القاهرة .. ( تفسير انجيل لوقا ص 243 ) ..

فإذا سلمنا بأن هذا هو حقيقة ما حدث للمسيح في الحديقة فإن هذا يعني بوضوح أنه لم يكن يتوقع القتل إطلاقاً .. وبالنسبة لعذاب الشك الذي أصابه فيمكن إرجاعه إلى أنه لابد وقد اطمأن مسبقاً إلى أن أعداءه لن يتمكنوا من اصطياده ـ وهو ما سوف نعود إلى الحديث عنه بشيء من التفصيل تحت عنوان : ( تنبؤات المسيح بنجاته من القتل ) - أما وقد رأى أعداءه على وشك اصطياده .. فهناك أصابه عذاب الشك فيما إذا كان سينجو حقا أم أنهم سيقضون عليه .



6- القبض :

يقول مرقس : " وللوقت فيما هو يتكلم أقبل يهوذا واحد من الاثني عشر ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ و مسلمه (يهوذا ) قد أعطاهم علامة قائلاً الذي أقبله هو، هو، أمسكوه . وامضوا به بحرص. فجاء للوقت وتقدم إليه قائلاً يا سيدي يا سيدى وقبله. فألقوا أيديهم عليه وأمسكوه . فاستل واحد من الحاضرين السيف وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه . فأجاب يسوع وقال لهم كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني كل يوم كنت معكم في الهيكل أعلم ولم تمسكوني ، ولكن لكي نكمل الكتب ، فتركه الجميع وهربوا ، وتبعه شاب لابساً إزاراً على عريه فأمسكه الشبان ، فترك الإزار وهرب منهم عرياناً " ( 14: 43-52) ..

*** لقد كانت القبلة هي بداية عملية القبض .. ونجد هذا قد اتفق فيه منى ولوقا مع مرقس مع خلاف يسير .. أما عند يوحنا فلا مكان للقبلة .. كما أنه يعطي صورة مختلفة تماماً عما روته الأناجيل الثلاثة المتشابهة .. فهو يقول :

" أخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال من تطلبون ؟ أجابوه يسوع الناصري . قال لهم يسوع أنا هو. وكان يهوذا مسلمه أيضاً واقفاً معهم . فلما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض فسألهم من تطلبون ؟ فقالوا يسوع الناصري . أجاب يسوع قد قلت لكم إني أنا هو فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون " ( 18: 3-8) ..

لقد اتفقت الأناجيل الأربعة على شيء هام وهو أنه ابتداء من ذلك الوقت الذي كان في ظلمة الليل - لأنهم جاءوا بمشاعل ومصابيح - فقد تركه التلاميذا كلهم وهربوا.


*** أين شك التلاميذ؟

لقد سبق أن ذكرت الأناجيل على لسان المسيح قوله لتلاميذه : «كلكم تشكون فيَّ .. في هذه الليلة » .

ونحن هنا أمام احتمالين :

أحدهما ـ أن يكون المسيح قد تنبأ لتلاميذه بأن مؤامرة ستدبر ضده ، ورغم أنها ستسبب له ألماً ومعاناة .. إلا أنها ستفشل وينقذه الله من القتل الذي بنتظره على أيدي مدبريها ..

ثانيهما .. أن يكون المسيح قد تنبأ لتلاميذه بأن مؤامرة ستدبر ضده وتسبب له الأ ومعاناة وتنتهي بقتله ..

فإن كانت الحالة الأولى .. ورأى التلاميذ ـ حسبما ترويه الأناجيل بكل وضوح - أن المسيح قبض عليه في تلك الليلة واستطاعت قوى الظلم أن تنتصر عليه وتحقق ما تريد .. فعندئذ لا بد وأن يشك التلاميذ في معلمهم الذي تنبأ لهم بنجاته .. ثم أظهرت الحوادث أمام أعينهم بعد ذلك أنه لم يحدث ..

هنا فقط يحدث الشك والزلل والارتداد عن العقيدة .. ومن المعلوم أن الشك غير الإنكار .. ذلك أن اللص الذي يقبض عليه .. قد ينكر السرقة .. لكنه في الوقت نفسه أول من يعلم يقيناً أنه سرق .. فهو لا يشك في السرقة رغم أنه ينكر ذلك ..

ولما كانت الأناجيل قد أظهرت جميعاً أن التلاميذ لم يشكوا في المسيح في تلك الليلة - وإنما تحدثت عن إنكار بطرس أنه من تلاميذه - فإن هذا يعني أن الأحداث سارت حسبما جاء في تلك الحالة التي تنتهي بنجاة المسيح من القبض والقتل ..

أما إن كانت الحالة الثانية وهي أن المسيح تنبأ لتلاميذه بالقبض عليه وقتله .. فإن ما شاهده التلاميذ ـ حسب رواية الأناجيل أيضاً ـ هو أن ذلك ما حدث ولا محل للشك - إذن - في هذه الحالة ..

ولا ريب في أن نفي الشك عن التلاميذ في تلك الليلة .. يترتب عليه بالضرورة إلحاق تنبؤات خاطئة بالمسيح .. وهو الأمر الذي لا يمكن أن يصدر عنه .. وهو أمر ننكره ونستنكره ..


مما سبق نجد أن الأناجيل الأربعة اختلفت في قصة القبض وملابساتها :

فقد روى كل من مرقس ومتى أن يهوذا قبَّل المسيح .. وروى لوقا أن يهوذا كان على وشك أن يقبله .. بينما لا يعرف يوحنا شيئاً عن القبلة .

ويذكر كل من مرقس ومتى أن تحية وكلاماً جرى بين يهوذا والمسيح .. ويصمت لوقا عن تلك التحية .. بينما لا يذكر يوحنا شيئاً عن يهوذا سوى الصمت التام بعد أن قاد القوة للقبض عليه في البستان ..

وإذا صرفنا النظر عما جاء في روايتي الاثني عشر جيشاً من الملائكة .. والشاب الذي هرب عرياناً - لبقيت ثلاث نقاط أساسية لا بد من استيعابها تماماً للوقوف عندها وهي :

1- أن القبلة كانت الوسيلة الوحيدة لتعريف أفراد القوة بشخصية المسيح (حسب مرقس ومتى ولوقا ) .. بينما تم ذلك في يوحنا بعد أن أظهر
المسيح ذاته إليهم بطريقة تنم عن التحدي والثبات الذي يتحلى به المجاهدون من أصحاب العقائد والرسالات.

2- وأن حادثاً غير عادي قد وقع في تلك اللحظة .. مما اذهل أفراد القوة وجعلهم يرجعون إلى الوراء ويسقطون على الأرض .

3- وأن التلاميذ ـ حسبما يرويه كتبة الأناجيل - لم يشكوا في المسيح ولو للحظة واحدة من تلك الليلة التي حدث فيها القبض .

ولما كانت قصة المسيح بكل تفاصيلها .. ترد دائماً إلى تنبؤات العهد القديم وخاصة سفر المزامير .. فإن المزمور 91 الذي يستشهد به كثيراً - يقول :

" لأنك قلت يا رب ملجاي . جعلت العلى مسكنك " لا يلاقيك شر، ولا تدنو ضربة من خيمتك . لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك . أرفعه لأنه عرف اسمي ، يدعوني فأستجيب له معه أنا في الضيق . أنقذه وأمجده من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي » ( 91:9-16 ) ..


*** أليس من حق القائل أن يقول إن ملائكة الله قد حملت المسيح على أيديها في تلك اللحظة التي كادت تزيغ فيها قلوب المؤمنين .. بعد أن رأى المسيح وتلاميذه أن سلطان الظلمة على وشك أن يبتلعهم ؟

وإذا قيل : أين ذهب المسيح بعد ذلك ؟

نقول : وأين ذهب إيليا (إلياس) الذي رفع إلى السماء ؟

وفي هذا تقول أسفار العهد القديم :

« وفيما هما ( إيليا وتلميذه اليشع ) يسيران ويتكلمان ، إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء . وكان اليشع يرى وهو يصرخ يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل وفرسانها . ولم يره بعد، - ( الملوك الثاني ( 2: 11-12)

وكما سبق أن رفع أخنوخ ( إدريس) إلى السماء ، كما تقول الأسفار :

"وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه . (تكوين 5: 24) ..


الحق أنه من رحمة الله - سبحانه وتعالى - بالناس أن كل ما فعله المسيح من معجزات له سابقة فعلها الأنبياء قبله .. فإذا كان قد أحي أمواتاً
لا يزيد عددهم حسبما ترويه الأناجيل عن ثلاثة ـ فقد أحيا واحد من الأنبياء قبله جيشاً عظيماً من الموتى .. كما أحيا غيره أفراداً ماتوا حديثاً أو بعد ان انقضى على موتهم مدة طويلة .

وبالنسبة للمباركة وتكثير الطعام التي مارسها المسيح .. فإنها حدثت كذلك مع الأنبياء قبله .. وبالمثل كانت عملية شفاء المرضى التي مارسها الأنبياء السابقون .. إن هذا كله رحمة من الله بخلقه ****** حتى لا يضلوا في المسيح ويفتنوا به فيتخذونه إلهاً *****




AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

نوفمبر 13th, 2019, 8:04 am

بسم الله الرحمن الرحيم



7- المحاكمة:

لم تتفق الأناجيل على عدد المحاكمات .. فسوف نكتفي بالحديث عن محاكمتين فقط ..

ا- المحاكمة الأولى : أمام مجمع اليهود :

يقول مرقس : «مضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة فاجتمع ومعه جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة . وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلى داخل دار رئيس الكهنة وكان جالسا بين الخدام يستدفئ عند النار . وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطليون شهادة على يسوع ليقتلوه قلم يجدوا ، لأن كثيرين شهدوا عليه زوراً ولم تتفق شهاداتهم .. ثم قام قوم وشهدوا عليه زوراً قائلين نحن سمعناه يقول إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام أبني آخر غير مصنوع بأياد . ولا بهذا كانت شهاداتهم تتفق فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلاً : أما تجيب بشيء .. ماذا يشهد به هؤلاء عليك . أما هو فكان ساكتاً ولم يجب بشيء . فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له : أأنت المسيح ابن المبارك . فقال يسوع : أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء . فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال : ما حاجتنا بعد إلى شهود ؟ وقد سمعتم التجاديف . ما رأيكم ؟. فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت . فابتدأ قوم يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له : تنبا. وكان الخدام يلطمون » (14: 53-65) ..



يقول نينهام : ليس من السهل أن نتبين كيف نشأ هذا الجزء .. ولقد كان السؤال حول قيمته التاريخية - ولا يزال - موضوعاً يتعرض لمناقشات حيوية .
ومن الواجب أن نعرض الأسباب الرئيسية للشك في قيمته التاريخية .. ونناقشها باختصار كما يلي :

1- يصف القديس مرقس المحاكمة على أنها حدثت أمام المجمع - أي السهندرين - وهو هيئة رسمية تتكون من واحد وسبعين عضواً يرأسها رئيس
الكهنة وتمثل السلطة الشرعية العليا في إسرائيل ..

ولما كانت لائحة السهندرين المذكورة في المشنا تبين الخطوات التفصيلية التي يجب اتخاذها أمام تلك الهيئة .. فإن المقارنة بين تلك الإجراءات وبين
ما يذكره القديس مرقس عن محاكمة يسوع .. تكشف عن عدد من المتناقضات أغلبها جدير بالاعتبار .

2 - ولكن .. هل كان من الممكن أن يجتمع أعضاء السهندرين .. ولو حتى لعمل مثل تلك الإجراءات القضائية الرسمية التي تسبق المحاكمة في
منتصف ليلة عيد الفصح .. أو إذا اعتبرنا أن تقويم القديس مرقس لاسبوع الأحداث غير دقيق .. فهل كان يمكن أن يجتمعوا في منتصف الليلة السابقة لعيد الفصح ؟

إن محاكمة رسمية في مثل ذلك الوقت تبدو شيئاً لا يمكن تصديقه .. كما يشك أغلب العلماء تماماً في عقد جلسة في مثل ذلك الوقت .. ولو لعمل
تحقيقات مبدئية ( تفسير أنجيل مرقس ص 398-401) .


المحاكمة الثانية أمام بيلاطس :

يقول مرقس :

" وللوقت في الصباح الباكر تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة والمجمع كله وأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس . فسأله بيلاطس : أنت ملك اليهود ؟ فأجاب وقال له : أنت تقول ؟ وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً . فسأله بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء. انظر كم يشهدون عليك . فلم يجب يسوع أيضاً بشيء حتى تعجب بيلاطس . وكان يطلق لهم في كل عيد أسيراً واحداً ، من طلبوه . وكان المسمى باراباس موثقاً مع رفقائه في الفتنة. الذين في الفتنة فعلوا قتلاً . فصرخ الجميع وابتدأوا يطلبون أن يفعل كما كان دائماً يفعل لهم . فاجابهم بيلاطس قائلاً أتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود . لأنه عرف ان رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً . فهيج رؤساء الكهنة الجميع لكي يطلق لهم بالحري باراباس . فأجاب بيلاطس أيضاً وقال لهم فماذا تريدون أن أفعل بالذي تدعونه ملك اليهود ؟ فصرخوا أيضاً اصلبه . فقال لهم بيلاطس : وأي شر عمل؟ فازدادوا جداً صراخاً : اصلبه . فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل للجميع ما يرضيهم أطلق لهم باراباس وأسلم يسوع بعد ما جلده ليصلب " ( 15: 1-15) ..

يقول نينهام : «رغم أن المحاكمة تعرض لنا باعتبارها وقعت في العراء - فإن رواية القديس مرقس لا يمكن اعتبارها بأية حال تقريراً لشاهد عيان ، وفي الواقع إنها ليست تقريراً على الإطلاق .


إننا لم نخطر كيف علم بيلاطس بالتهمة ( وفي العدد 2 نجده قد عرفها من قبل ) ولماذا لم يرد ذكر لحكم رسمي ( على عكس لوقا الذي يقول :

" فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم " ( 23: 24 ) ..

وبالنسبة لما قيل عن عادة إطلاق أحد المسجونين - فإن وجهة نظر أغلب العلماء تقرر أنه :

لا يعرف شيئاً عن مثل هذه العادة كما وصفت هنا .. إن القول بأن عادة الحكام الرومان جرت على إطلاق أحد المسجونين في عيد الفصح .. وأن الجماهير هي التي كانت تحدد اسمه بصرف النظر عن جريمته .. إنما هو قول لا يسنده أي دليل على الإطلاق .. بل إنه يخالف ما نعلمه عن روح الحكم الروماني لفلسطين وأسلوبه في معاملة أهلها ..

على أن محتويات الحوار بين بيلاطس والجمهور تعتبر من المشاكل أيضاً .. فيبدو منها أن بيلاطس قد وُوجِه مقدماً بالاختيار بين مجرمين أدينا .. بحيث إذا أطلق سراح أحدهما لوجب عليه إعدام الآخر .. وفي نهاية الفقرة التالية ( الأعداد 2-5 ) ) نجد أن يسوع لم يدن .. وحسبما تذكره القصة لا نجد مبرراً يمنع بيلاطس من تبرئة يسوع إذا كان قد اعتقد في براءته وإصدار عفو كذلك عن باراباس .. ونجد في رواية القديس متي لهذه القصة أن اسم ذلك المتمرد ذكر مرتين ( في 27: 16, 17 ) في أغلب النسخ على أنه : يسوع باراباس والاعتقاد الشائع أن ذلك كان القراءة الأصلية .

إن حذف كلمة يسوع من النسخ المتداولة بيننا يمكن شرحه ببساطة على أساس أنه بالرغم من أن اسم يسوع كان شائعاً في أيام المسيح .. فلم يلبث
المسيحيون أن اعتبروه اسماً مقدساً يرقي عن الاستخدام العادي .. وأن أطلاقه على أحد المجرمين يعتبر مهيناً . ( تفسير انجيل مرقس ص 411-416 )

ولقد أضاف متى إلى رواية مرقس قصتين : احداهما تحكي نهاية يهوذا .. وهذا الموضوع سوف نتعرض له في حينه .. وأما الأخرى فهي الحديث عن حلم زوجة بيلاطس .. كذلك بين متى أن بيلاطس أعلن براءته من دم المصلوب بطريقة قاطعة فهو يقول :


" فقال الوالي وأي شر عمل ؟ فكانوا يزدادون صراخاً ليصلب . فلما رأى بيلاطس أن لا ينفع شيئاً بل بالحرى يحدث شغب أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلاً إني برئ من دم هذا البار ، أبصروا أنتم . فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا . حينئذ أطلق لهم باراباس . وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب " ( 27: 23-26 ) ..

لكن العلماء يشكون في حادث غسل يد بيلاطس - كما يقول جون فتون - باعتبار أن ( عملية غسل اليد لتكون دليلاً على البراءة إنما هي عادة يهودية أكثر منها رومانية .. إذ يقول سفر التثنية :

" يغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من المدينة أيديهم ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم "

ومن المستبعد جداً أن يكون بيلاطس قد عمل شيئاً كهذا .. ( تفسير انجيل متى ص 436 ) ..

نكتفي بهذا القدر بالنسبة لبعض ما يقال في المحاكمات والثغرات الموجودة فيها ثم نمر بعد ذلك على عدد من العناصر التي تتعلق بقضية الصلب .. وهي لا تحتاج كثيراً للاستشهاد بأقوال العلماء .. إذ أن اختلاف الأناجيل فيها واضح لا يحتاج إلى تعليق ..


8- الصلب:

أ- حامل الصليب :

يقول مرقس :


" ثم خرجوا به ليصلبوه . فسخروا رجلاً مجتازاً كان آتياً من الحقل وهو سمعان القيرواني أبو الكسندرس وروفس ليحمل صليبه وجاءوا به إلى موضع جلجثه الذي تفسيره موضع جمجمة " ( 15: 20-22 ) ..

*** ويتفق متى ولوقا مع مرقس في أن حامل الصليب كان المدعو سمعان القيراوني لكن يوحنا يقرر شيئاً آخر فهو يقول :


" حينئذ أسلمه إليهم ليصلب فأخذوا يسوع ومضوا به . فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة ، ( 19: 16-17 ) ..

يقول نينهام : لقد كان المعتاد أن يقوم الذين حكم عليهم بالصلب .. بحمل صلبانهم بأنفسهم .. ويقرر يوحنا أن هذا كان ما حدث فعلا في حالة يسوع ولكن على العكس من ذلك نجد حسب رواية ( مرقس ومتى ولوقا) أن شخصا مجهولا يدعى سمعان القيرواني هو الذي سخره الرومان لحمل الصليب بدلا من يسوع ..


وبالنسبة لموضع جلجثة فإن التقاليد التي تقول إنه يقع داخل كنيسة القير المقدس لا يمكن إرجاعها لأبعد من القرن الرابع .. كما أنها لا تزال موضع جدل . ولقد اقترحت أماكن أخرى في عصرنا الحاضر .. إلا أن القطع بواحد منها لا يزال بعيداً عن التحقيق . ( تفسير انجيل مرقس ص 422 ) ..

أي أن الحديث عن القبر المقدس الذي يقول المسيحيون إن المسيح دفن فيه .. وكان سبباً من الأسباب الظاهرة للحروب الصليبية التي ادعي مشعلوها أنها قامت لتخليص ذلك القبر المقدس من أيدي الكفرة والتي استمرت أكثر من 280 عاماً ، وقتل فيها من المسيحيين والمسلمين عشرات الألوف .. ودمر فيها الكثير من المدن وأسيلت فيها دماء الكثير من الأبرياء ـ كل هذا قام على غير أساس ..



ب- شراب المصلوب :

يقول مرقس :

" أعطوه خمراً ممزوجة بمر ليشرب فلم يقبل " ( 15: 23 ) ..


ويقول متى :

" أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ، ولما ذاق لم يرد أن يشرب " ( 27: 34 ) ..



ج ـ علة المصلوب :

يقول مرقس :

" وكان عنوان علته مكتوباً : ملك اليهود " ( 15: 26 ) ..

ويقول متى :

" وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة : هذا هو يسوع ملك اليهود " ( 27: 37 ) ..


ويقول يوحنا :

" وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب .. وكان مكتوباً يسوع الناصري ملك اليهود" ( 16: 19 )

يقول نينهام : لقد اختلفت الآراء بشدة حول صحة ما كتب عن علته .. فيرى بعض العلماء أن الصيغة الدقيقة قد عرفت عن طريق شهود عيان .. بينما يعتقد آخرون أنه من غير المحتمل أن يكون الرومان قد استخدموا مثل تلك الصيغة الجافة .. وأن ما ذكره القديس مرقس بوجه خاص عن علته .. إنما يرجع مرة أخرى لبيان أن يسوع قد أعدم باعتباره المسيا. ( تفسير انجيل مرقس ص 424 ) ..


*** إن اختلاف الأناجيل في عنوان علة المصلوب - وهو ما لا يزيد عن بضع كلمات بسيطة كتبت على لوحة قرأها المشاهدون ـ إنما هي مقياس لدرجة الدقة لما ترويه الأناجيل .. وطالما كان هناك اختلاف ـ ولو في الشكل كما في هذه الحالة ـ فإن درجة الدقة لا يمكن أن تصل إلى الكمال بأي حال من الأحوال ..

وقياساً على ذلك نستطيع تقييم درجة الدقة لما تذكره الأناجيل من ألقاب المسيح .. وخاصة عندما ينسب إنجيل إلى أحد المؤمنين به قوله :


كان هذا الإنسان باراً .. بينما يقول إنجيل آخر في نفس الوقت : كان هذا الإنسان ابن الله .. أو عندما يقول أحد الأناجيل على لسان تلميذ للمسيح : يا معلم .. ويقول إنجيل آخر : يا سيد .. بينما يقول ثالث : يا رب ..

*** إن الحقيقة تبقى هنا دائماً محل خلاف ..



د- اللصان والمصلوب :

يقول مرقس :

" وصلبوا معه واحداً عن يمينه وآخر عن يساره .. واللذان صلبا معه كانا يعيرانه " ( 15: 27-32 ) ..


ويتفق متى مع مرقس في أن اللصين كانا يعيرانه ويستهزئان به .. لكن لوقا يقول :


" وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا .. فأجاب الأخر وانتهره قائلاً : أولا أنت تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه . أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلناه ، وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله . ثم قال ليسوع : اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك . فقال له يسوع : الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس " ( 23: 39-43 ) ..


: لقد اختلفت الأناجيل في موقف اللصين من المصلوب ..



هـ - وقت الصلب :


يقول مرقس :

" وكانت الساعة الثالثة فصلبوه " ( 15: 25) ..

لكن يوحنا يقول : إن ذلك حدث بعد الساعة السادسة :

" وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة . فقال ( بيلاطس) لليهود هو ذا ملككم فصرخوا خذه خذه اصلبه . فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب " ( 19: 14-16) ..



يقول نينهام : منذ اللحظة التي روى فيها القديس مرقس انكار الناس ليسوع نجد أن الوقت قد خطط بعناية بحيث تكون الفترة ثلاثية الاحداث أو التوقيتات مثل : ( إنكار بطرس ثلاث مرات 14: 68 , 72 ) وقت الصلب الساعة الثالثة ( 15: 25 ) - وقت الظلمة من السادسة إلى التاسعة ( 15: 33 , 34 ) ..


وفي هذا المثل على الأقل فإن الحساب يبدو مصطنعاً .. إذ أنه من الصعب أن كل ما روت الأعداد ( 15: 1-24 ) ( منذ بدء جلسة الصباح حتى وقت الصلب ) يمكن حدوثه في فترة الثلاث ساعات ..

ويبين إنجيل يوحنا ( 19: 14) بوضوح أن ذلك لم يحدث .. ( تفسير انجيل مرقس ص 424 ) ..



و - صلاة المصلوب

يقول لوقا : « ولما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحداً عن يمينه والآخر عن يساره . فقال يسوع : يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ، ( 23: 33-34 ) ..


لقد انفرد لوقا بذكر هذه الصلاة التي حذفتها الأناجيل الأخرى .. بل وبعض النسخ الهامة التي تنسب للوقا أيضاً ..

ويقول جورج كيرد : لقد قيل إن هذه الصلاة ربما تكون قد محيت من إحدى النسخ الأولى لإنجيل ( لوقا ) بواسطة أحد كتبة القرن الثاني .. الذي ظن أنه شيء لا يمكن تصديقه أن يغفر الله لليهود .. وبملاحظة ما حدث من تدمير مزدوج لأورشليم في عامي 70 ، 135 صار من المؤكد أن الله لن يغفر لهم .. ( تفسير انجيل لوقا ص 250 ) ..



ز - صرخة اليأس على الصليب :

يقول مرقس : « ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة . وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً : ( الوي الوي لما شبقتني ) الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني " ( 15: 32-34 ) ..


لكن لوقا يقول :

" نادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي " ( 23: 46) ..

بينما يقول يوحنا: " لما أخذ يسوع الخل قال قد أكمل " (19: 30) ..


إن صرخة اليأس على الصليب تثير عدداً من المشاكل التي كانت ولا تزال موضع جدل بين العلماء .. فالبعض يقول : يبدو أن القديسين لوقا ويوحنا قد رأيا في كلماتهما غموضاً واحتمالا لسوء الفهم ولذلك حذفاها .. ثم استبدلها أحدهما بقوله :

" يا أبتاه في يديك أستودع روحي .. بينما قال الآخر : قد أكمل ..


وعلى العكس من ذلك فإن مثل هذا الرأي يفترض الراوية الذي كان شاغله الأول أن يذكر الحقيقة التاريخية ، ويسجل بأمانة للأجيال القادمة كلاماً مزعجاً يتعذر تفسيره ..

ولهذا فإن أغلب العلماء المحدثين يقرون تأويلاً مختلفاً تماماً .. يقوم على حقيقة أن هذه الكلمات ( اليائسة ) إنما هي اقتباس من ( المزمور 22: 1)

" إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي ؟ "

وإذا أخذنا هذا المزمور ككل .. فإنه لا يمكن أن يكون صرخة بأس باي حال من الأحوال .. إنما هو صلاة لعبد بار يعاني آلاماً .. إلا أنه يثق تماماً في حب الله وحفظه من الشر .. وهو مطمئن تماماً إلى حمايته " ( تفسير إنجيل مرقس ص 427-428 ) ..



ح- في أعقاب الصلب :

يقول مرقس :

" انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل ولما رأي قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال حقا كان هذا الإنسان ابن الله " ( 15: 38-39 ) ..

ويقول متى :

" وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين " ( 27: 51-53) ..

ويقول لوقا :

" أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه فلما رأي قائد المئة ما كان مجد الله قائلاً : بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً " ( 22: 45-47 ) ..

*** أما يوحنا فإنه لا يعلم شيئاً عن ذلك ..

يقول جورج كيرد : إن حدوث كسوف للشمس (حسب رواية لوقا ) بينما يكون القمر بدراً .. كما كان وقت الصلب إنما هو ظاهرة فلكية مستحيلة الحدوث ..


ولقد كان الشائع قديماً أن الأحداث الكبيرة المفجعة يصحبها نذر سوء .. وكأن الطبيعة تواسي الإنسان بسبب تعاسته .. ( تفسير إنجيل لوقا : ص 253 ) ..


ويقول نينهام : لقد قيل إن مثل تلك النذر لوحظت عند موت بعض الأحبار الكبار وبعض الشخصيات العظيمة في العصور القدمية الوثنية وخاصة عند موت يوليوس قيصر .. ( تفسير إنجيل مرقس : ص 427 ) ..

ويقول جون فنتون : لقد أضاف "متى" إلى ما ذكره مرقس حدوث الزلزلة وتفتح القبور وقيامة القديسين من الأموات وظهورهم لكثيرين في أورشليم بعد قيامة يسوع .. وكان قصده من إضافة هذه الأحداث أن يبين أن موت يسوع كان عملاً من صنع الله ) .


*** الحق الذي لا مرية فيه أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله .. لا يخسفان لموت صغير أو كبير .






AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

نوفمبر 17th, 2019, 9:34 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


لقد رأينا أكثر من ثلاثين تناقضاً في موضوع الصلب .. ومعي الآن كتاب " قاموس الكتاب المقدس " الصادر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى .. ومن العجيب ان هناك خلافاً في شكل الصليب الذي استخدم .. فهذا القاموس يذكر أن هناك الصليب (X) والصليب (T) والصليب (+) .. والصليب المستخدم كرمز للمسيحية هو (+) لكن هذا القاموس يقول إن الصليب الذي استخدم كان على شكل (T) وهذا هو نص ما يقوله قاموس الكتاب المقدس ..

« وللصلبان نماذج رئيسية ثلاثة .. أحدها المدعو صليب القديس أندراوس وهو على شكل (X) وثانيها بشكل (+) وثالثها بشكل السيف (T) وهو المعروف بالصليب اللاتيني .. ولعل صليب المسيح كان من الشكل الأخير (T) كما يعتقد الفنانون .. الأمر الذي كان يسهل وضع اسم الضحية وعنوان علتها على القسم الأعلى منه " ..


فإذا كان شكل الصليب مختلفاً فيه .. إذن قوله تعالى :

" وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ "


يبين لنا بوضوح أن كل ما تعلق بالصلب اشتبه أمره عليهم وغابت عنهم الحقيقة .. فهم لا يزالون مختلفين في كل ما يتعلق بقضية الصلب مثل :

حامل الصليب .. وعلة المصلوب .. واللصان والمصلوب .. ووقت الصلب .. وصلاة المصلوب .. وصرخة اليأس على الصليب .. وما حدث في أعقاب الصلب ..


وأما بخصوص الجملة :

( أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله .. لا يخسفان لموت صغير أو كبير .)


فإنها تختص بإبراهيم ابن النبي محمد عليه الصلاة والسلام والتي تعطي الدليل _ لكل ذي عقل سليم _ على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجمع خرافات أو أوهاماً .. إنما يريد أن يحق الحق .

فالذي حدث هو أنه لما مات ابنه إبراهيم حدثت ظاهرة فلكية وهي كسوف الشمس .. وهذا شيء طبيعي حدوثه .. لكن بعض الناس قالوا : كسفت الشمس لموت إبراهيم ..

لقد مات إبراهيم .. وكسفت الشمس في نفس اليوم ... وربط الناس بين الحدثين ... فلو كان الرسول يريد التأييد ولو عن طريق الأكاذيب ... لصمت عن ذلك.

لكن الرسول صلى الله عليه وسلم _ برأه الله _ يرفض كل أكذوبة من كل لون لتأييده .. ولهذا صعد المنبر غاضباً وقال :


" أيها الناس .. إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله .. لا ينكسفان لموت أحد أو لحياته .. فإذا رأيتهم شيئاً من ذلك .. فادعوا الله وصلوا "



ط - شهود الصلب:

لعل هذه واحدة من أهم عناصر قضية الصلب .. وإنها لترينا أن شهود الصلب كن نساء وقفن ينظرن من بعيد ذلك الذي علق على الصليب .. ولم تكن هناك فرصة للتحقق والمعاينة عن قرب ..


يقول مرقس : " وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المحدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي وسالومة .. اللواتي أيضاً تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل وأخر كثيرات صعدن معه إلى أورشليم " ( 15: 40-41 ) ..


وكذلك يقول متي في ( 27: 55-56 ) ..

ويقول لوقا : " وكان جميع معارفه ونساء كن قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك " ( 23: 49 ) ..

ويقول يوحنا: " وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية فلما رأي يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا فال لأمه يا امرأة هو ذا ابنك " ( 19: 25 -26 ) ..

ويقول جون فنتون : «لقد هرب التلاميذ عند القبض على يسوع .. ورغم أن بطرس قد تبعه من بعيد إلى فناء دار رئيس الكهنة فإننا لا نسمع عنه شيئا أكثر من هذا .. بعد إنكاره ليسوع ..

إن مرقس ومتى ولوقا يخبروننا أن شهود الصلب كن نساء تبعن يسوع من الجليل إلى أورشليم .. وقد رأين دفنه .. واكتشفن القبر خالياً صباح الأحد وقابلن يسوع ( بعد قيامته ) .. ( تفسير انجيل متى ص 455 )

ويعلق العلماء على ما قاله يوحنا عن وجود مريم أم المسيح عند الصليب بقولهم : إنه من غير المحتمل أساساً أن يكون قد سمح بوقوف أقارب يسوع وأصدقائه بالقرب من الصليب ( تفسير انجيل مرقس ص 431 ) ..

كذلك تقول دائرة المعارف البريطانية تعليقاً على اختلاف الأناجيل في شهود الصلب :

«نجد في الأناجيل ( الثلاثة ) المتشابهة أن النساء فقط تبعن يسوع .. وأن القائمة التي كتبت بعناية واستفاضة لا تضم والدته - وأنهن كن ينظرن من بعيد» ( مرقس 15: 40 ) ..

ولكن في يوحنا نجد أن والدته مريم تقف مع مريمين أخريين والتلميذ المحبوب تحت الصليب .. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ المحبوب إلى خاصته ..

هذا بينما لا تظهر والدته في أورشليم - حسبما ذكرته المؤلفات القديمة - إلا قبيل عيد العنصرة وفي رفقة إخوته (أعمال الرسل 1: 14) .. ( ج 13 ص 99 ) ..

*** من ذلك نتبين أن شهود الأحداث الرئيسية التي قامت عليها العقائد المسيحية وهي الصلب .. والقيامة .. والظهور .. إنما كن - على أحسن الفروض - نساء شاهدن ما شاهدن من بعيد .. ثم قمن بعد ذلك بالرواية بالرواية والتبليغ ..

والآن يحق لنا التعليق على أحداث الصلب فنقول : إن اعتماد كتَّاب أحد الأناجيل على ما رواه كاتب إنجيل آخر .. كان أولى به أن يوجد تألفاً بين الأناجيل .. ويمنع التناقض والاختلاف بينها .. ولكن ما حدث كان على النقيض من ذلك ..

وإذا أخذنا بما ترويه الأناجيل عن الصلب وأحداثه .. لوجدناها قد اختلفت فيه من الألف إلى الياء .

ويكفي أن يراجع القارئ ما ذكرته الأناجيل عن حادث القبض وملابساته ـ المحاكمات - توقيت الصلب ( اليوم والساعة ) - صرخة الياس على الصليب - شهود الصلب .. كل ذلك وغيره كثير يكفي للقول بأن الأناجيل اختلفت فيما بينها اختلافاً بعيداً .. وهو اختلاف يكفي لرفضه ما يذكره أحد الأناجيل - على الأقل - إذا أخذنا برواية الإنجيل الآخر .. فأيهما نأخذ به .. وأيهما نرفضه ؟

رب قارئ درج على الإيمان التقليدي بما ترويه الأناجيل .. لا يجد مفراً الأن من أن يقول :

" إنما العلم عند الله " ..


وللحديث بقية / اخوكم الاثرم


AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

نوفمبر 21st, 2019, 12:47 pm

بسم الله الرحمن الرحيم




*** نهاية يهوذا الخائن ..


لقد انفرد انجيل متى - دون بقية الأناجيل - بالحديث عن نهاية يهوذا .. كذلك تحدث سفر أعمال الرسل الذي سطره لوقا عن كيفية هلاكه .. ولنرجع الآن إلى هذين المصدرين لنرى كيف هلك يهوذا .. وما إذا كانا قد اتفقا في الحديث عن هذا الجزء الخطير .. والذي له علاقة مؤكدة بقضية الصلب أم أنهما اختلفا كالعادة ..

يقول متى : " حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دِيْنَ ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً : قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً فقالوا ماذا علينا ، أنت أبصر . فطرح الفضة في الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه . فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم . فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء . لهذا سمي هذا الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم . حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل : وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب " ( 27: 3-10 ) ..

ويقول جون فنتون : «إن متى يستخدم الفترة ما بين قرار السهندرين والمحاكمة أمام بيلاطس .. في أخبار قرائه عن نهاية يهوذا .. وعند هذه النقطة نجد أن “متى” لا يتبع مرقس الذي لم يورد أي ذكر ليهوذا بعد القبض على يسوع .. ويذكر متى أن يهوذا غير رأيه بعد أن رأى يسوع قد دِيْنَ .. فأرجع النقود إلى أعضاء السهندرين واعترف لهم بجرمه .. ثم هو يضع النقود في خزينة الهيكل .. ويمضي ليخنق نفسه .

ويقول رؤساء الكهنة إنه طالما كانت تلك النقود ثمناً لحياة .. فلا يحل وضعها في خزينة الهيكل .. ولهذا يشترون بها قطعة من الأرض مقبرة للغرباء .

وهذا يحقق نبوءة يرجعها متى إلى أرميا (خطأ) ولكنها في الواقع من كتاب زكريا الذي لعب من قبل دوراً هاماً في رواية "متى" ..

ولقد سجل "لوقا" موت يهوذا في ( أعمال الرسل 1: 18 ) .. وتتفق روايته مع رواية "متي" في جزء منها .. بينما تختلف في جزء آخر .. ( تفسير انجيل متى ص 431 ) ..


إننا قبل أن نذهب لمعرفة ما سجله "لوقا" عن موت يهوذا في سفر أعمال الرسل يخبرنا جون فنتون : أنه اتفق مع "متي" في جزء من الرواية .. وخالفه في جزء آخر .. كما أن "متى" أرجع قصة حقل الدم إلى نبوءة ظنها ـ خطأ ـ من سفر أرميا بينما هي لها شبيه في سفر زكريا ..

وتقول رواية "لوقا" المشار إليها - في سفر أعمال الرسل :

" في تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ. وكان عدة أسماء نحو مائة وعشرين . فقال أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقال بفم داود عن يهوذا .. فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دماً أي حقل دم لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر" ( 1: 15-20 ) ..

فعلى حسب رواية "لوقا" تجد - كما يقول جون فنتون :

أن يهوذا نفسه الذي يشتري الحقل ثم هو يموت هناك .. ولهذا سمي ذلك الحقل حقل دم ..

إن هذا يعني : إما أن كلاً من " متى ولوقا " كان لديه مدخلاً مستقلاً لمثل تلك القصص عن يهوذا .. أو أن "لوقا" اختصر رواية "متى" وأدخل إليها بعض التغييرات .. ( تفسير انجيل متى ص 431 ) ..

*** وسواء أكان هذا أو ذاك .. فإن هذا واحد من بين مئات الأدلة على أننا نتعامل مع كتب مؤلفة بكل معنى الكلمة .. لا علاقة لها بوحي الله ..

إن ما اتفق عليه ”متى ولوقا" - وصمت عنه مرقس ويوحنا ـ هو أن يهوذا الخائن قد هلك في ظروف مريبة .. لكن روايتهما اختلفت في ثلاثة عناصر هي :

الأول ـ يتعلق بكيفية موته .. وفيها يروي "متى" أن يهوذا قد انتحر بخنق نفسه .. بينما يروي "لوقا" أنه مات ميتة دموية .. انشق فيها وسطه وانسكبت جميع أحشائه .

الثاني - ويتعلق بمشتري الحقل .. فيروي "متى" أن رؤساء الكهنة هم الذين اشتروه .. بينما يروي "لوقا" أن يهوذا كان هو الشاري .

الثالث - كذلك اختلفت روايتا "متى ولوقا" في سبب تسمية الحقل باسم : حقل دم .. فرواية "متى" ترجع ذلك لكونه اشتري بنقود كانت ثمناً لبيع دم برئ .. بينما يرد "لوقا" تلك التسمية إلى الميتة الدموية التي ماتها يهوذا ..

إن ما ذكره "متى ولوقا" عن هلاك يهوذا لا يعني إلا شيئاً واحداً هو :


***** أن يهوذا قد اختفي في فترة الاضطراب التي غشيت أحداث الصلب وملابساته ..



وللحديث بقية / اخوكم الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

نوفمبر 23rd, 2019, 6:02 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


تنبؤات المسيح بآلامه ..

لقد تأثرت الأناجيل - التي كُتب أقدمها وهو إنجيل مرقس بعد أن بدأ كتابة رسائله بأكثر من 15 سنة - بنظرية سفك دم المسيح فدية عن كثرين .. تلك التي روج لها بولس وجعلها إنجيله الوحيد الذي يبشر به .. فهو يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس : " إني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً " ( 2: 2 ) ..

ولما كان من المتوقع أن يتحدث المسيح عن آلامه ورفضه باعتبارها ظواهر اقترنت دائماً بحمل رسالات السماء .. فإنا نجد إنجيل مرقس يضع ما يمكن اعتباره أساساً لكل ما قيل عن التنبؤات بالآلام المرتقبة .. فهو يروي حديث المسيح لتلاميذه :

" كيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيراً ويرذل " ( 9: 12 ) ..

ولقد طور متى هذا القول فجعله تنبؤاً بصلب المسيح إذ يقول على لسانه :


" ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت . ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه " ( 18: 19 ) ..

ومن المعلوم أن إنجيل مرقس كان مصدراً رئيسياً لمتي .. ومن المعلوم كذلك أن إنجيل متى هو الإنجيل الوحيد الذي نسب للمسيح تنبؤه بالقتل صلباً ولقد رأينا فيما سبق كيف طور متى ما قيل عن آية يونان .. فقد بدأها مرقس بقوله :

" خرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية ؟ الحق أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية " ( 8: 11-12 ) ..

ولقد طورها لوقا فقال :

" وفيما كان الجموع مزدحمين ابتدأ يقول هذا الجيل شرير يطلب آية ولا تعطى له إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل " ( 11: 29-30 ) ..

*** أما "متى " ـ الذي اعتمد على مرقس وكتب إنجيله بعد لوقا أيضاً ـ فإنه حول ذلك القول الذي ينسب للمسيح بما قدمه من إضافات وتعديلات .. إلى نبوءة خاطئة .. وذلك في قوله :

" حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد أن نرى منك آية فأجاب وقال لهم : جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال " ( 12: 38-40 ) ..

ولقد بينا خطأ هذه النبوءة عند الحديث عن التنبؤات التي استحال تحقيقها ..

يبقى بعد ذلك ما ينسب للمسيح من قوله إن ابن الإنسان سوف يتالم كثيراً ويرفض من جيله .. ماذا يعني قول كهذا ؟

يقول تشارلز دود :

لقد سجلت أقوال بأن يسوع تنبأ بأن الآلام تنتظره هو وتابعيه .. وغالباً ما استحسن ذلك الاعتقاد في أن الإنذار بموته - وهو القول الذي تكرر ذكره منسوباً ليسوع في الأناجيل - إنما هو تنبؤ خرج من واقع الأحداث .. أي بعد وقوعها ( حيث عاصر جيل المسيح اختفاءه فجأة وقتل شخص على الصليب لم يسمح لتلاميذه بالاقتراب منه ) .. ( من كتاب أمثال الملكوت ص 41-47 ) ..

إن رجال الكنيسة لم يستطيعوا الاعتقاد بأن ربهم كان جاهلا بما كان ينتظره .. ويمكن التسليم صراحة بأن دقة بعض هذه التنبؤات قد ترجع إلى ما عرفته الكنيسة من حقائق فيما بعد ..

وفي الواقع إن الانطباع الذي نخرج به من الأناجيل ككل هو أن يسوع قاد أتباعه إلى المدينة بمفهوم واضح هو أن أزمة تنتظرهم هناك .. وقد يصيبه وأتباعه بسببها آلام مبرحة ..

وإن الفقرة المتميزة في هذا المقام هو ما ذكره مرقس في ( 13: 35-40 ) ..

" عندما تقدم أبناء زبدي إلى المسيح طالبين مشاركته المصير والملكوت فقال لهما : أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا .. وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا ؟ فقالا له : نستطيع . فقال لهما يسوع : أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ أنا تصطبغان .. "

** فنجد هنا أن ابني زيدي قد تأكدا أنهما سيشربان الكأس التي يشربها سيدهما ويصطبغان بصبغته .. إن مفهوم الكلام هنا لا شك فيه .

وبالنسبة للتنبؤ بمشاركة الأخوين ( ابني زيدي ) لسيدهما مصيره فإنها تعتبر واحدة من التنبؤات التي لم تتحقق بمعناها الطبيعي ..

وبما أن الصليب كان هو الوسيلة الوحيدة المألوفة للإعدام تحت حكم الرومان فإن ما توحي به تلك الفقرة هو أنه أراد تهيئتهم لا من أجل المعاناة فقط .. بل للموت .. وما من شك في أنه يمكن قبول الرأي الذي يقول بأن التنبؤات التي نجدها في الأناجيل ليست أكثر من انعكاس لتجارب الكنيسة الأولى التي تكونت فيها التعاليم المسيحية .. ومن المؤكد أن بعضاً من هذه التنبؤات - على الأقل - قد كونتها تلك التجارب .. وفضلاً عن ذلك تظهر بعض الآثار لتنبؤات نسبت ليسوع ولم تتحقق ..

*** تنبؤات المسيح بنجاته من القتل ...

المسيح يرفض كل محاولة لقتله :

منذ أن بدأ المسيح دعوته .. حتى آخر يوم فيها نجد أن الأناجيل تذكرنا بين الحين والحين برفضه فكرة قتله واستنكارها تماماً .. ثم هو قد عمل كثيراً لإحباط جميع المحاولات التي رآها تـبـذل من اليهود ..

يقول إنجيل يوحنا ( 7: 16-19):

" أجابهم يسوع وقال تعليمي ليس لي .. بل للذي أرسلني لماذا تطلبون أن تقتلوني .. ؟

يوحنا " 8: 37- ...... 40- لكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني .. وأنا إنسان قد حدثكم الحق الذي سمعه من الله . هذا لم يعلمه أبراهيم "

ولأن المسيح إنسان عادي ككل البشر فإنه يجهل ما يخبئه له القدر .. ولذلك اتخذ من الاحتياطات ما يجنبه الوقوع في براثن أعدائه من اليهود .

ولو كان يعلم أنهم سيقبضون عليه في يوم معين .. (( فلم )) _ إذن _ تلك الإحتياطات ؟؟


يقول إنجيل يوحنا (7: 1) :

" وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل. لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه .

ويقول يوحنا ( 11: 53- 54) :

" فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه. لم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البريية .. ) .

** هذا ونكتفي الآن بذكر عدد من التنبؤات الواضحة التي قالها المسيح بنجاته من القتل .. والتي تتفق وتلك الإحتياطات التي اتخذها للمحافظة على حباته ..

1- حدث ذات مرة في إحدى محاولات القبض عليه أن :

" أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خدماً ليمسكوه . فقال لهم يسوع : أنا معكم زماناً يسيراً بعد .. ثم أمضي للذي أرسلني *** ستطلبوني ولا تجدونني .. وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن أن تأتوا. " ( يوحنا 7: 32 – 34 ).

***** لا أظن أحداً يشك في وضوح هذا القول الذي يعني أن اليهود حين يطلبون المسيح لقتله فلن يجدوه لأنه سيمضي للذي أرسله .. أي سيرفعه الله إليه كما سبق أن رفع (( أيليا)) ( إلياس عليه الصلاة والسلام ) وشاهده تلميذه اليشع ( اليسع ) وهو صاعد إلى السماء ..


2- وفي موقف آخر من مواقف التحدي بين المسيح واليهود .. أكد لهم نبوءته السابقة وان محاولاتهم ضده ستنتهي برفعه إلى السماء .

يقول يوحنا "

" قال لهم يسوع أيضاً أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطيتكم *** حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ؟ فقال اليهود ألعله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ؟ فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي .. بل أتكلم بهذا كما علمني ( والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي ) لأني في كل حين أفعل ما يرضيه " ( 8: 21-29 ) ..


*** لكن ذلك المصلوب صرخ يائساً على الصليب قائلاُ : إلهي إلهي لماذا تركتني ؟


3- ولقد كانت آخر أقوال المسيح لتلاميذه في تلك اللحظات التي سبقت عملية القبض مباشرة .. وهو تأكيده لهم أن الله معه دائماً ولن يتركه :

" هو ذا تأتي ساعةٌ وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحداً إلى خاصتهِ وتتركوني وحدي وأنا لست وحدي لأن الآب معي *** لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يوحنا 16: 32-33 ) ..

***** ومن المؤكد أن ذلك المصلوب قد تركه إلهه .. كما قال بلسانه في صرخته اليائسة .. ومن المؤكد كذلك أن ذلك المصلوب قد غلبه أعداؤه وقهره الموت وأخضعه لسلطانه ..

4- وفي آخر مواجهة عاصفة حدثت بين المسيح والكهنوت اليهودي كان قوله :

" لأني أقول لكم أنكم لا ترونني من الآن حتى تقولا مبارك الآتي باسم الرب ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل " ( متى 23: 39 , 24: 1 ) ..

*** إن التحدي في هذا القول واضح .. ذلك أن المسيح يؤكد لأعدائه أنهم لن يروه منذ تلك الساعة حتى يأتي في نهاية العالم ( بقوة ومجد كثير) ..

***** لكن ذلك المصلوب رآه الكهنوت اليهودي أسيراً في قبضته أثناء المحاكمة .. ثم رأوه بعد ذلك معلقاً على الخشبة قتيلاً قد أسلم الروح والمشيئة .. ولم يبق منه إلا جسد خامد فقد نبض الحياة ..

واستعير لغة المسيح في الإنجيل .. فاقول :

" من له أذنان للسمع فليسمع .. ومن يسمع فعليه أن يعقل .. "

وقبل ان نذهب لنقرأ ما تقوله المزامير أرجو أن يكون معلوماً أن .. تراجم أسفار العهدين القديم والجديد تتغير من حين لآخر وفقاً للدرسات التي يقوم بها علماء الكتاب المقدس .. إما لتدقيق الترجمة أو للتخلص من التناقضات والإختلافات ..

وكمثال نجد أنه في واحدة من طبعات الكاثوليك للعهد الجديد أنها عندما تحدثت عن نهاية الخائن يهوذا ( في الاصحاح الأول من سفر أعمال الرسل ) فإنها جعلته يخنق نفسه .. ليتفق هذا مع ما يقوله ( إنجيل متى ) .. أما طبعة البروتستانت فلا تزال تروي نهاية يهوذا بأن نقمة حلت به (( إذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها )) وهذا شيىء مختلف تماماً عن عملية الانتحار خنقاً .

كذلك ظهرت طبعات حديثة للمزامير تختلف كثيراً عما في الطبعات المتداولة لها .. وإذا كان داود هو الإسم الذي يرتبط بأغلب المزامير .. فإن العلماء مختلفون فيما يتعلق بحقيقة قائل كل مزمور وتاريخه وظروفه .. كما أن هناك خلافاً حول ترقيمها .. ولقد بينا ذلك في مناسبة سابقة .. وكيف ان الترجمة للمزمور 69 _ كمثال _ تقول في بعض فقراتها :


" حينئذ رددت الذي لم أخطفه "

" ويجعلون في طعامي علقماً "


بينما تقول الترجمة الحديثة له في نظير ذلكما العددين :

" كيف أرد الذي لم أسرقه أبداً ؟ "

" أعطوني لطعامي سماً "

فالإختلاف بينهما واضح .. سواء في المضمون أو في زمن الفعل .


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم


AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

نوفمبر 28th, 2019, 8:21 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب ..

إن الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب وسفك الدم .. فتلك نظرية بولسية أقحمها القديس بولس في مسيحية المسيح الحقة .. وهذا شيىء نستطيع ان شاء الله بيانه من الأناجيل :

1- بينما كان المسيح يسير خارجاً :

" إذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية .؟ فقال له لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس صالحاً إلا واحد هو الله ولكن إن أردت أن تدخل الحياة .. فاحفظ الوصايا . قال له : أية الوصايا ؟ فقال يسوع : لا تزن . لا تسرق . لا تشهد بالزور. أكرم أباك وأمك وأحب قريبك كنفسك . قال له الشاب هذا كلها حفظتها منذ حداثتي .. فماذا يعوزني بعد ؟ قال له يسوع : إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء .. فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني . متى 19: 16 – 21 )

ومن الملاحظ أن المسيح قبل أن يجيب السائل إلى سؤاله .. فقد صحح صيغة السؤال .. فنفى الصلاح عن نفسه .. ورده الى الله سبحانه وتعالى الذي تفرد في ذاته وصفاته ..

وبذلك قرر المسيح على رؤوس الأشهاد أن (( الله المثل الأعلى في السماوات والأرض )) ..

وأن أي خلط بين الله _ سبحانه _ وبين المسيح .. إنما هو قول مردود وكفر مرفوض ..

ومن ذلك يتبين أن الخلاص الحق يقوم على الإيمان بالله الواحد .. ثم العمل الصالح .. ولا مجال للحديث هنا عن الصلب أو الصليب .. فتلك كلها مسميات قال بها بولس وتلاميذه .. ما أنزل الله بها من سلطان ..

2- في يوم الدينونة تكون النجاة بالعمل الصالح بعيداً عن الصلب وفلسفاته .. بل وحتى اسمه . فهناك :

" يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا مباركي أبي رِثُوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم . لأني جعت فأطعمتموني . عطشت فسقيتموني . كنت غريباً فآويتموني عرياناً فكسوتموني . مريضاً فزرتموني . محبوساً فأتيتم إليَّ . فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين : يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك . أو عطشاناً فسقيناك . ومتى رأيناك قريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك ؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك . فيجيب الملك ويقول لهم الحق أوقول لكم بما أنكم فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم . ثم يقول الملك للذين عن اليسار : اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته . لأني جعت فلم تطعموني ... حينئذ يجيبونه هن أيضاً قائلين : يا رب متى رأيناك جائعاً ؟ .... فيجيبهم قائلاً : الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوا بأحد هؤلاء الأصاغر .. فبي لم تفعلوا . فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حاة أبدية " (انجيل متى 25: 34-46) ..

*** هكذا يدان الناس : أهل البر والعمل الصالح إلى الحياة الأبدية السعيدة .. وأهل الشر والبخل إلى عذاب أبدي .

ومرة أخرى لا دخل لفلسفة الصلب والفداء في إنقاذ أهل الشر .. فلن تنفعهم في شيىء .

3- يقول يعقوب في رسالته : إن الدينونة التي تحدد المصير الأبدي للإنسان تقوم على ركيزتين هما : إيمان بالله الواحد يصحبه عمل صالح .. وبدونهما لا فائدة ترجى .. وإن كل منهما لا علاقة له بالصلب وسفك الدم .. من قريب أو بعيد :

" أنت تؤمن بأن الله واحد . حسناً تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون ولكن هل تريد أن تعمل أيها الإنسان الباطل ((( أن الإيمان بدون أعمال ميت )))) ؟ ترون إذاً بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده . ( 2: 19-24 ) ..

إن " الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه : افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم " ( يعقوب 1: 17 ) .

من ذلك وغيره كثير وكثير جداً .. نتبين أن الخلاص لا علاقة له بالصلب على الإطلاق .


نضع الآن مجموعة من الأسئلة حول الصلب و الفداء .. موجهة إلى المسيحيين لعلنا نجد لها إجابة .. وهذه الأسئلة هي :

ادعى المسيحيون أن صلب المسيح كان لتحقيق العدل والرحمة .. فأي عدل وأي رحمة في تعذيب غير مذنب وصلبه ؟

قد يقولون : إنه هو الذي قبل ذلك .. ونقول لهم إن من يقطع يده أو يعذب بدنه أو ينتحر .. فإنه مذنب .. ولو كان يريد ذلك ..

۲ ـ إذا كان المسيح ابن الله .. فأين كانت عاطفة الأبوة وأين كانت الرحمة حينما كان الابن الوحيد يلاقي دون ذنب ألوان التعذيب والسخرية ثم الصلب مع دق المسامير في يديه ؟

3 - ما هو تصور المسيحيين لله - جل في علاه ـ الذي لا يرضى إلا أن ينزل العذاب المهين بالناس .. والعهد في الله ـ الذي يسمونه الآب ويطلقون عليه : الله محبة .. الله رحمة ـ أن يكون واسع المغفرة .. كثير الرحمات ؟

4 - من هذا الذي قيد الله - سبحانه وتعالى - وألزمه وجعل عليه أن يلتزم العدل وأن يلتزم الرحمة .. وأن يبحث عن طريق للتوفيق بينهما .. بين العدل والرحمة .. بأن ينزل ابنه الوحيد .. في صورة ناسوت .. يصلب تكفيرا ؟ خطيئة آدم؟

5- يدعي المسيحيون أن ذرية آدم لزمهم العقاب بسبب خطيئة أبيهم .. وفي أي شرع يلتزم الأحفاد بأخطاء الأجداد ـ خاصة وأن الكتاب المقدس بنص على أنه :

" لا يقتل الأباء عن الأولاد ، ولا يقتل الأولاد عن الآباء . فكل إنسان بخطيئته يقتل " ( تثنية 24: 16 ) ؟

6 ـ إذا كان صلب المسيح عملاً تمثيلياً على هذا الوضع .. فلماذا يكره المسيحيون اليهود ويرونهم آثمين معتدين على السيد المسيح ؟

إن اليهود - وخاصة يهوذا الإسخريوطي - كانوا حسب الفهم المسيحي لموضوع الصلب أكثر الناس عبادة لله .. لأنهم بذلك نفذوا إرادة الله التي قضت بصلب ابنه فقاموا هم بتنفيذ ذلك العمل .

7 ـ هل كان نزول ابن الله وصلبه للتكفير عن خطيئة البشر ضرورياً .. أم كانت هناك وسائل أخرى من الممكن أن يغفر الله بها خطيئة البشر؟

ماذا يقول المسيحيون للإجابة عن مثل هذا السؤال .. كما يقدمه كاتب مسيحي هو القس بولس ساباط .. إذ يقول :

" لم يكن تجسد الكلمة ضرورياً لإنقاذ البشر .. ولا يتصور ذلك مع القدرة الإلهية الفائقة الطبيعية " - ثم يسترسل هذا الكاتب .. فيذكر السبب في اختيار الكلمة لتكون فداء لخطيئة البشر .. فيقول :

« إن الله على وفرة ما له من الذرائع إلى فداء النوع البشري وإنقاذه من الهلاك الذي نتج من الخطيئة ومعصية أمره الإلهي .. قد شاء - سبحانه ـ أن يكون الفداء بأعز ما لديه .. لما فيه من القوة على تحقيق الغرض وبلوغه سريعاً " ..

إن أبسط الذرائع لدى الله - سبحانه – إذا استخدمنا لغة ذلك القس .. هي أن يقول الله : عفوت عنك با آدم .. إن هذا ما يقوله القران الكريم :

" فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم " ..

ونصرخ في وجه هذا الكاتب فنقول إنه ليس من الحكمة في شيء أن نفتدي بدينار ما نستطيع أن نفتديه بفلس .

ثم هناك إجابة أخرى عن هذا السؤال نقتبسها من كاتب مسيحي آخرهو الآب بولس اليافي الذي يقول :

" مما لا ريب فيه أن المسيح كان باستطاعته أن يفتدي البشر ويصالحهم مع أبيه بكلمة واحدة أو بفعل سجود بسيط يؤديه باسم البشرية لأبيه السماوي لكنه أبى إلا أن يتألم .. ليس لأنه مريض بتعشق الألم أو لأن أباه ظالم يطرب لمرأى الدماء .. وبخاصة دم ابنه الوحيد .. وما كان الله بسفاح ظلوم .. لكن الإله الابن شاء مع الله الآب أن يعطي الناس أمثولة خالدة من المحبة تبقى على الدهر وتحركهم على الندامة لما اقترفوه من آثام وتحملهم على مبادلة الله المحبة ..

ومرة أخرى نصرخ في وجه هذا المؤلف مؤكدين أنه صور الداء أدق تصويرعندما تكلم عن الدماء والقسوة .. لكنه عندما بدأ يجيب ويصف الدواء تعثر وكبا ولم يقل إلا عبارات جوفاء لا تحمل أي معنى ..

8- ونعود إلى القس بولس ساباط .. ونسأله كما سأل :

إذا كان الكلمة قد تجسد لمحو الخطيئة الأصلية .. فما العمل في الخطايا التي تحدث بعد ذلك ؟ يجيب هذا الكاتب بما يلي :

" إذا عاد الناس إلى اجتراح الخطايا .. فالذنب ذنبهم لأنهم نسوا النور وعشوا عنه مؤثرين الظلمة بإرادتهم " ..

ومعنى هذا أن خطيئة واحدة محيت .. وأن ملايين الخطايا سواها بقيت وجدت بعد ذلك .. وسيحاسب الناس على ما اقترفوه .. وبعض ما اقترفوه أقسى من عصيان آدم .. فلقد أنكر بعض الناس وجود الله .. وهاجمه آخرون وسخروا من جنته وناره .. فلماذا كانت ظاهرة التجسد لخطيئة واحدة .. وتركت خطايا أكبر .. لا تعد ولا تحصى ؟

9 - أين كان عدل الله ورحمته منذ حادثة آدم حتى صلب المسيح ؟

*** ومعنى هذا أن الله - تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ ظل حائراً بين العدل والرحمة ألوف السنين .. حتى قبل المسيح منذ ألفي عام فقط أن يصلب تكفيراً عن خطيئة آدم ..

10- يلزم - كما في جميع الشرائع – أن تتناسب العقوبة مع الذنب .. فهل يتم التوازن بين صلب المسيح على هذا النحو وبين الخطيئة التي ارتكبها آدم ..

11- هذا ـ إلى أن خطيئة آدم التي لم تزد عن أن تكون أكلاً من شجرة نهى عنها قد عاقبه الله عليها – باتفاق المسيحين والمسلمين - بإخراجه من الجنة .. ولا شك أنه عقاب كاف .. فالحرمان من الجنة الفينانة والخروج إلى الكدح والنصب عقاب ليس بالهين .. وهذا العقاب قد اختاره الله بنفسه .. وكان يستطيع أن يفعل بأدم أكثر من ذلك .. ولكنه اكتفى بذلك ..

*** فكيف يستساغ أن يظل مضمراً السوء غاضباً ألوف السنين حتى وقت صلب المسيح ؟

12- وقد مرت بالبشر منذ عهد آدم إلى عهد عيسى أحداث وأحداث وهلك كثيرون من الطغاة وبخاصة في عهد نوح حيث لم ينج إلا من آمن بنوح واتبعه وركب معه السفينة .. فهؤلاء هم الذين رضي الله عنهم .. فكيف تبقى بعد ذلك ضغينة أو كراهية تحتاج لأن يضحي المسيح بنفسه فداء للبشرية ..

۱۳ - والكاتب المسيحي الذي أسلم - عبد الأحد داود وكان مطراناً للموصل - ينتقد قصة التكفير عن الخطيئة هذه انتقاداً سليماً فيقول :

**** " إن من العجيب أن يعتقد المسيحيون أن هذا السر اللاهوتي .. وهو خطيئة آدم وغضب الله على الجنس البشري بسببها ظل مكتوماً عن كل الأنبياء السابقين ولم تكتشفه إلا الكنيسة بعد حادثة الصلب " ..

14- ويقول هذا الكاتب - عبد الأحد داود - :

« إن ما حمله على ترك المسيحية هو هذه المسألة وظهور بطلانها .. إذ أمرته الكنيسة بأوامر لم يستسغها عقله وهي :

أ- نوع البشر مذنب بصورة قطعية ويستحق الهلاك الأبدي ..

ب- الله لا يخلص أحداً من هؤلاء المذنبين من النار الأبدية المستحقة عليهم بدون شفيع .

ج - الشفيع لا بد أن يكون إلهاً تاماً وبشراً تاماً ..

ويدخل هذا الكاتب في نقاش طويل مع المسيحيين بسبب هذه الأوامر .. فهم يرون أن الشفيع لا بد أن يكون مطهراً من خطيئة آدم .. ويرون أنه لذلك ولد المسيح من غير أب لينجو من انحدار الخطيئة إليه من أبيه ..

**** ويسألهم الكاتب : ألم يأخذ المسيح نصيباً من الخطيئة عن طريق أمه ؟

ويجيب هؤلاء : بأن الله طهر مريم من الخطيئة قبل أن يدخل الابن رحمها ..

***** ويعود الكاتب يسأل : إذا كان الله يستطيع - التطهير - هكذا في سهولة ويسر إذ يطهر بعض خلقه .. فلماذا لم يطهر خلقه من الخطيئة كذلك بمثل هذه السهولة وذلك اليسر.. بدون إنزال ابنه وبدون تمثيلية الولادة والصلب ؟

ونضيف إلى نقاش عبد الأحد داود .. أن قولهم بضرورة أن يكون الشفيع مطهراً من خطيئة آدم .. مما استلزم أن يولد المسيح من غير أب أو أن يطهر الله مريم قبل دخول المسيح رحمها .. يحتاج إلى طريق طويل معقد .. وكان أيسر منه أن ينزل ابن الله مباشرة في مظهر الإنسان دون أن يمر بدخول الرحم والولادة ..

ونضيف كذلك أن اتجاه المسيحيين هذا يتعارض مع اتجاه مسيحي آخر.. هو أن ابن الله دخل رحم مريم ليأخذ مظهر الإنسان وليتحمل في الظاهر بعض خطيئة آدم الذي يبدو ابن الله كأنه ولد من أولاده .. ثم يصلب ابن الله تكفيراً عن خطيئة البشر الذين أصبح كواحد منهم ..

ويبقى أن نسأل أسئلة أخيرة في هذا الموضوع هي :

هل كان الأنبياء جميعاً .. نوح - إبراهيم - موسى .. مدنسين بسبب خطيئة أبيهم؟

وهل كان الله غاضباً عليهم كذلك .. وكيف اختارهم مع ذلك لهداية البشر ؟

هذه الأسئلة نضعها بين يدي النصارى لعلهم يحاولون الإجابة عنها .

وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

ديسمبر 2nd, 2019, 9:46 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


*** القيامة والظهور

لقد انتهينا من دراسة قضية الصلب .. وهي واحدة من أخطر القضايا المسيحية باعتبارها صارت ركيزة من ركائز العقيدة التي تبناها بولس .. وصار لها السيادة فيما بعد .. ولم تكن على الإطلاق من وصايا المسيح ولا من رسالته .. وماذا رأينا فيها ؟

رأينا أن هذه المصادر المسيحية - وهي الأناجيل - قد اختلفت تماماً في كل جزئية تتعلق بموضوعات الصلب .. وقلنا ـ من قبل - إننا نتبع في دوائرنا القضائية في كل بلد من بلاد العالم .. أنه عندما تختلف شهادة الشهود .. ترفض على الفور شهاداتهم ..

كذلك فإن السمة الواضحة والعامل المشترك بين هذه المصادر المسيحية .. شيء واحد .. هو أن كل ما كتب قام على ظن وعلى تناقض يتناقض بعضه مع بعض .. وينقض بعضه بعضاً ..

وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الحالة في آية من آياته .. وذلك من معجزات القرآن فقد قال :

" وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) " .. سورة النساء ..

لقد وجدنا أن كل ما كتب وخاصة ابتداء من قضية الصلب .. وملحقاتها وهي القيامة والظهور .. قد اختلف فيه كتبة الأناجيل جميعاً من الألف إلى الياء ..

ونبدأ الآن في دراسة قضية القيامة التي تقول - وفق التعليم المسيحي - إن المسيح صلب ومات ودفن وقام في اليوم الثالث .. وبعد ذلك ظهر لبعض الناس ..

ولقد عرفنا مما سبق أنه لم يدفن في الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال كما قالت الأناجيل .. إذ أن المصلوب دفن في الأرض لمدة يوم واحد وليلتين على أحسن الفروض ..


** القيامة ..

بدأت روايات قيامة المسيح من الأموات وظهوره بعد الموت تنتشر ببطء شديد وسط المجموعة المسيحية الأولى .. بسبب إنكار تلاميذه وحوارييه - وعلى رأسهم بطرس - لتلك الروايات .. وشكهم فيها .. وعدم إيمانهم بوجود أدنى صلة بين رسالة المسيح الحقة التي تلقوها من معلمهم .. وبين فكرة القيامة من الأموات هذه التي صارت واحدة من ركائز العقائد المسيحية .. من أجل ذلك تأخر الإعلان عن قيامة المسيح وظهوره سبعة أسابيع .. فلم يذع خبرها بين عامة المسيحيين إلا بعد 50 يوماً .. كما تقول رسالة الأعمال التي سطرها ( لوقا ) .. بعد أكثر من 60 عاماً من رفع المسيح ..

وإذا كان هذا هو مجمل حديث القيامة .. كما سجلته الأناجيل .. فمن الواجب ألا يغيب عن البال - كما يقول جورج يرد :

" إن أول شهادة عن القيامة لم تعطها الأناجيل .. لكنها جاءت من رسائل بولس .. وعلى وجه الخصوص رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس ( الإصحاح 15 ) التي كتبت قبل أقدم الأناجيل بعشر سنوات على الأقل .. ففي هذا الإصحاح نجد بولس يقتبس تعليماً تسلمه من أولئك الذين كانوا مسيحيين قبله .. ( تفسير إنجيل لوقا : ص 255 ) ..

ولقد رأينا أن ما تقوله الأناجيل عن صلب المسيح وما امتلأت به من اختلافات ومتناقضات يكفي لرفضها .. وبالتالي كان ذلك مبرراً كافياً لرفض ما قام على الصلب وهو القيامة والظهور .. ومع ذلك فلسوف نتجه إلى الأناجيل لنناقش من خلالها قضية القيامة والظهور بعناصرها الرئيسية :

زيارة النساء للقبر :

يقول مرقس :

" بعد ما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه . وباكر جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكن يقلن في أنفسهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر . فتطلعن ورأين الحجر قد دحرج لأنه كان عظيماً جداً . ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء فاندهشن . فقال لهن لا تندهشن . أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب ، قد قام . ليس هو ههنا هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه . لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل . هناك ترونه كما قال لكم . فخرجن سريعاً وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذناهن. ولم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات " ( 16: 1-8 ) ..

يقول نينهام :

" إن الدافع المقترح لهذه الزيارة يدعو على أي حال إلى الدهشة .. وإذا صرفنا النظر عن التساؤل الذي أثير ( عمن يدحرج الحجر) فمن الصعب أن نثق في أن الغرض من زيارة النسوة كان دهان جسم إنسان انقضى على موته يوم وليلتان " ..

إن أغلب المعلقين يرددون ما يقوله مونتفيوري من أن السبب الذي تعزى إليه هذه الزيارة غير محتمل البتة ..

وفي الواقع نجد أنه حسب رواية القديس مرقس ( 15: 37-47 ) .. فإن جسد يسوع لم يدهن أبداً بعد الموت .. خلافا لما جاء في (يوحنا 19 : 40 ) .. الذي يقول :

" فأخذا - يوسف ونيقوديموس - جسد يسوع والفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا " ..

إن كثيراً من القراء سيتفقون في الرأي مع ما انتهى إليه فنسنت تيلور من أنه : من المحتمل أن يكون وصف مرقس محض خيال .. إذ أنه يصور لنا في وصفه بما يعتقد أنه حدث .. ( تفسير إنجيل مرقس : ص 443 - 444 ) ..

وقد انفرد "متى" ( 27: 62-66 ) .. بما ذكره عن طلب اليهود من الحاكم الروماني بيلاطس أن يرسل حراساً لضبط القبر .. فاستجاب لهم " فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر).

بعد ذلك تكلم عن زيارة النساء للقبر بصورة مختلفة فقال :

" ويعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر .. وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه .. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج .. فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا .. اذهبا سريعاً قولا لتلاميذه إنه قام من الأموات .. فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبر تلاميذه " ( 28: 1-8 ) ..

ويقول جون فنتون : " إن حدوث الزلزلة .. ونزول الملاك من السماء ، ودحرجة الحجر بعيداً .. وخوف الحراس .. كلها إضافات من عمل "متي" ..

كذلك نجد في إنجيل مرقس أن النساء ( لا تطعن الرسالة ) .. أما في متي ** فإنهن يطعنها ( فيخبرن التلاميذ بالقيامة ). ( تفسير إنجيل متى : ص 449 - 450 ) ..

ويقول لوقا:

" في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس ، فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر . فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة ، وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض قالا لهن .. ليس هو ههنا لكنه قام ، اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل ، فتذكرن كلامه ورجعن من القبروأخبرن الأحد عشر الباقين بهذا كله . وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل " ( 24: 1-10 ) ..

ويقول جورج كيرد :

إن قصة لوقا عن القبر الخالي تسير بمحاذاة مرقس .. لكنها تختلف عنها في أربع نقاط :

فبينما يذكر مرقس شاباً واحداً عند القبر .. نجد لوقا يذكر رجلين .. وحسبما جاء في ( مرقس 16: 7 ) قيل للنسوة :

" ولكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم "

لكن لوقا يشير بدلا من ذلك إلى تعليم سبق إعطاؤه في الجليل .. ذلك أنه حسب مصدر المعلومات الذي استقى منه لوقا فإن ظهور ( المسيح ) بعد القيامة لم يحدث في الجليل .. لكنه حدث فقط في أورشليم وما حولها .. ( لوقا 24: 13-35 ) ..

كذلك نجد حسب رواية مرقس أن النسوة قد حملن برسالة فشلن في توصيلها لأنهن كن خائفات .. بينما يخبرنا لوقا أنهن قدمن تقريراً كاملاً عما رأينه وسمعنه إلى التلاميذ الآخرين ..

وأخيراً فإن قائمة الأسماء مختلفة .. إذ أن لوقا يذكر يونا بدلا من سالومي التي ذكرها مرقس .. ( تفسير إنجيل الوقاع : ص 256 ) ..


** اختلاف الأناجيل في روايات الزيارة :

من الواضح أن هناك اختلافاً بين ما ترويه الأناجيل عن زيارة النساء للقبر وملابساتها كما يتضح مما سبق .. بالإضافة إلى الأتي :

1 ـ يذكر مرقس أن توقيت زيارة النساء للقبر كان بعد طلوع الشمس .. بينما يقول الآخرون أن الزيارة كانت قبل طلوعها - فهي في متى ولوقا عند الفجر .. وفي يوحنا : " والظلام باق " ..


2ـ يذكر مرقس أن الزائرات كن ثلاث نسوة .. لكن متى يذكر اثنتين فقط .. بينما يقول لوقا إنهن كن جمعاً من النساء .. أما يوحنا فيجعل بطلة الزيارة هي مريم المجدلية بمفردها التي تذهب لتحضر معها بطرس ويوحنا ( التلميذ المحبوب ) ..

ولا يتفق كتبة الأناجيل على شيء من العناصر الرئيسية لقصة الزيارة قدر اتفاقهم على جعل مريم المجدلية في موضع الصدارة بين الزائرات .. حتى أن يوحنا يجعلها الزائرة الوحيدة .

** وبذلك صارت مريم المجدلية ـ التي أخرج منها المسيح سبعة شياطين - هي المصدر الرئيسي لكل ما قيل عن قيامة المسيح من الأموات ..

3- وعند القبر رأت النساء شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء ـ حسب مرقس - بينما هو في متي « ملاك الرب .. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج ..
أما في لوقا «رجلان بثياب براقة » .. وفي يوحنا : «ملاكين بثياب بيض جالسين واحد عند الرأس والآخر عند القدمين ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

ديسمبر 7th, 2019, 7:45 am

بسم الله الرحمن الرحيم



هذا وبالاضافة إلى ما سبق بيانه بخصوص قضية القيامة التي اختلفت فيها الأناجيل اختلافاً يكفي لرفض شهاداتها جميعاً .. قوله :

لقد انفرد إنجيل متى بقوله :

" في الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس : قائلين يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم - فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات . فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى .. فقال لهم بيلاطس عندكم حراس اذهبوا واضبطوه كما تعلمون فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر " ( 27: 62-66 ) ..

وبذلك تكون الإجراءات التي تمت هي حراسة القبر وختم الحجر وإذا صرفنا النظر عن كيفية دحرجة الحجر واختلاف الأناجيل فيها .. فانا نقرأ في متى بعد ذلك الأتي :

" وفيما هما ذاهبتان (( مريم المجدلية ومريم الأخرى )) إذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان . فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين : قولوا إن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين . فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم . فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم " ( 28: 11-15 ) ..

*** من ذلك يتبين أن خصوم المسيح وهم رؤساء الكهنة والشيوخ وكذا الحراس لم يشاهدوا قيامة المسيح .. ولم يشاهدوه بعد القيامة .. لكن الشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه هو وجود القبر - الذي قيل إنه دفن فيه - خالياً ..

وإذا رجعنا إلى قصة دانيال أثناء السبي البابلي لوجدنا نظيراً لقصة المقبرة التي وضع عليها حراس وسدت بحجر مختوم .. فلقد حدث أن تآمر خصوم دانيال عليه ووشوا به عند الملك لأنه لا يتعبد له .. إنما بتعبد للإله الواحد خالق الأكوان .. آنذاك غضب الملك وأمر بوضع دانيال في جب الأسود وقفله بحجر وختمه .. وفي هذا يقول سفر دانيال :


" قالوا قدام الملك إن دانيال الذي من بني سبي يهوذا لم يجعل لك أيها الملك اعتباراً .. فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جداً .. حينئذ أمر الملك فأحضروا دانيال وطرحوه في جب الأسود . أجاب الملك وقال لدانيال إن إلهك الذي تعبده دائما هو ينجيك . وأتي بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه ثم قام الملك باكراً عند الفجر وذهب مسرعاً إلى جب الأسود فلما اقترب إلى الجب نادي دانيال بصوت . أسيف . أجاب الملك وقال لدانيال . يا دانيال عبد الله الحي هل إلهك الذي تعبده دائماً قدر على أن ينجيك من الأسود ؟ فتكلم دانيال مع الملك ، يا أيها الملك عش إلى الأبد . إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضرني لأني وجدت بريئاً قدامه وقدامك أيضاً. أيها الملك لم أفعل ذنباً . حينئذ فرح الملك به وأمر بأن يصعد دانيال من الجب ، فأصعد دانيال من الجب ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه . فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهم في جب الأسود هم وأولادهم ونساءهم . ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشت بهم الأسود وسحقت كل عظامهم ، ( 6: 13-24 ) ..



هنا حدثت المعجزة حقاً .. إذ رفعت الأختام في وجود شهود عاينوا دانيال قائماً بينهم حياً .. قد انتصر على الموت الذي كان ينتظره في فم الأسود .. وشهد بذلك أعداء دانيال وأصدقاؤه على السواء ..

**** فلو كان المسيح هو ذلك الذي صلبوه .. ثم وضعوه في القبر.. ثم أقاموا عليه حراساً وختموه .. لكان الأولى به حين يقوم من الموت - كما يدعون - أن يحدث ذلك على مرأى ومسمع من أعدائه قبل أصدقائه .. حتى تتحقق المعجزة بشهادة الشهود .. خاصة وأن المسيح مارس معجزاته كلها أمام الناس سواء المؤمنين به أو المكذبين له ..

أما أن توجد مقبرة خالية .. فيقال إن المسيح الذي دفن فيها قد قام ولم يره أحد .. فذلك شيء لا يقوم على أي أساس بسبب التضارب الواضح فيما ترويه الأناجيل عن القيامة التي تعتبر ركيزة من ركائز العقائد المسيحية والتي تفوق في أهميتها خروج دانيال حياً من جب الأسود الاف المرات ..


هذا ويقول جون فتون :

لقد كانت الكنيسة الأولى ترى في خروج دانيال حياً من جب الأسود نوعاً من المشابهة لقيامة يسوع .. كما يلاحظ أن "متى" غير قول "مرقس" أن المرأتين اشترتا حنوطاً : ليأتين ويدهنه .. إلى قول آخر هو: لتنظرا القبر .. ولعل السبب في ذلك هو أنه ما دام "متى" قد أدخل قصة ختم الحجر إلى روايته .. فلا بد أن يقوم بهذا التعديل ( تفسير انجيل متى ص 448-450) ..



وإذا كانت الكنيسة قد اعتبرت خروج دانيال من جب الأسود شبيهاً بقيامة المسيح .. أما كان ضرورياً للإقرار بتلك المشابهة أن يتوافر العنصر الضروري والكافي لتحقيق الحدث .. وهو شهادة الشهود من الأصدقاء والأعداء على السواء ؟ .. وهو الشيء الذي اكتمل في قصة دانيال .. وفقد تماماً في قصة المسيح .. ونستطيع أن ندرك الآن قيمة هذه الفقرة المختصرة التي قررها أدولف هرنك :

" إن هناك عدداً من النقاط مؤكدةً تاريخياً منها : " أن أحداً من خصوم المسيح لم يره بعد موته " .. ( تاريخ العقيدة : ج 1 ص 85 ) ..

** نعم .. إن رؤية الخصوم قبل الأصدقاء هي دليل هام ومفقود كان من اللازم تواجده ـ أولا ـ عند كل من يؤمن بحديث القيامة .. ولسوف يبقى مفقودة إلى الأبد ..

وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم


AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

ديسمبر 12th, 2019, 7:23 pm

بسم الله الرحمن الرحيم



*** الظهور

لقد درجنا على أن نبدأ أولا بذكر ما يقوله إنجيل مرقس في مختلف الموضوعات التي تتعرض لها في هذه الدراسة .. ثم نتبع ذلك بما تقوله بقية الأناجيل في ذات الموضوع .. ويرجع ذلك لما هو متفق عليه من أن إنجيل مرقس يعتبر أقدم الأناجيل القانونية التي وصلتنا .. بالإضافة لكونه المصدر الرئيسي الذي نقل عنه كل من متى ولوقا .. وإذا طبقنا تلك القاعدة التي درجنا عليها .. وبدأنا بما يقوله إنجيل مرقس عن ظهور المسيح بعد قيامته من الأموات فإننا نقول :

يقول إنجيل مرقس : لا شيء ..

نعم .. لا يقول إنجيل مرقس شيئاً عن موضوع الظهور .. ولسوف يسرع بعض القراء إلى النسخ التي في متناول أيديهم من إنجيل مرقس .. بغية التثبت من حقيقة هذا الإدعاء الخطير .. فيجدون خاتمة هذا الإنجيل - ( الأعداد من 9 إلى 20 ) التي ينتهي بها الإصحاح السادس عشر - تتكلم عن ظهور المسيح لبعض الناس بعد فتنة الصلب وروايات القيامة ..

وهنا يحدث لبس تزيله الحقيقة الآتية :


إن خاتمة إنجيل مرقس التي تتكلم عن ظهور المسيح - ( الأعداد من 9 إلى 20 ) - ليست من عمل مرقس كاتب الإنجيل .. ولكنها إضافات أدخلت إليه حوالي عام 180م .. أي بعد أن سطر مرقس إنجيله بنحو 120 عاماً .. ولم تأخذ أي صورة قانونية إلا بعد عام 325 م ..

لقد أشرنا إلى هذا من قبل عند الحديث عن مشاكل إنجيل مرقس - ونضيف الآن قول نينهام :

" انه على الرغم من أن هذه الأعداد (9 - 20) تظهر في أغلب النسخ الموجودة لدينا من إنجيل مرقس .. إلا أن النسخة القياسية المراجعة مصيبة تماماً في اعتبارها غير شرعية .. منزلة إياها من النص إلى الهامش ..

إن العالم الكاثوليكي الكبير لاجرانج .. واضح تماماً في قوله : إنه بالرغم من قانونيتها (أي أنها جزء من الكتاب المقدس) .. فإنها ليست قانونية بالمعنى الحرفي (أي ليست من عمل القديس مرقس) .. وتقوم وجهة النظر التي تتطابق وآراء العلماء الآخرين على ثلاثة أسباب رئيسية هي :

1- إن بعض أفضل النسخ من إنجيل مرقس تنتهي عند ( 16: 8 ) .. وبعض النسخ الأخرى تتفق معها في حذف الأعداد ( 9-20 ) .. لكنها تعطى بدلا من ذلك خاتمة ( أخرى) ..

2- إن كبار العلماء في القرن الرابع مثل ايزييوس وجيروم يشهدون بأن هذه الأعداد كانت ساقطة من أفضل النسخ الإغريقية المعلومة لديهم ..

3 ـ والأكثر حسماً من كل ما سبق هو أن أسلوب تلك الأعداد ومفردات اللغة التي كتبت بها يعطي أسلوب القرن الثاني .. وهو شيء يختلف تماماً عما كتب به القديس مرقس ..

إن هذه الفقرة لا يمكن تحديد تاريخها بالضبط .. ويمكن القول بأنها أصبحت تقبل كجزء من إنجيل مرقس حوالي عام 180 م .. " تفسير إنجيل مرقس ( ص 449 - 450 )


كذلك يقول جون فتتون :

على حسب معلوماتنا فإن إنجيل مرقس الذي كان بين يدي متى .. قد انتهى عند (16: 8 ) .. وعلى هذا فإن ظهور يسوع للنساء في إنجيل متى ( 28: 8 ) قد أضافه متى ..

وحسبما نعلم فإن إنجيل مرقس لم يحتوعلى أي روايات تتكلم عن الرب المقام من الأموات ) .. تفسير إنجيل متى ( ص 449 - 450) ..

روايات الأناجيل :


ومع ذلك فلسوف نذهب إلى نسخ إنجيل مرقس التي تتكلم عن ظهور .. المسيح فنجدها تقول :

" وبعد ما قام باكراً في أول الأسبوع ظهر أولا لمريم المجدلية التي قد أخرج منها سبعة شياطين . فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معها وهم ينوحون ويبكون ، فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته ، لم يصدقوا . وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين في البرية . وذهب هذان وأخيرا الباقين ، فلم يصدقوا ولا هذين . أخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام " ( 16: 9-14 ) ..

ولقد علمنا حسب رواية "متي" عن زيارة النساء للقبر .. أن مريم المجدلية ومريم الأخرى قد حمّلها ملاك الرب رسالة يقول فيها:

" اذهبا سريعاً قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات . ها هو يتبعكم إلى الجليل - وعندئذ خرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه "

* والآن نضيف قول متى :


" وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال (سلام لكما ) فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له فقال لهما يسوع : لا تخافا اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني وأما الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع . ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا " ( 28: 9-17 ) ..

هذا .. وبعد أن ذكر لوقا ما روته النسوة من حديث القيامة للتلاميذ والرسل نجده يتكلم عن الظهور فيقول :

" وإذا اثنين منهم كانا منطلقين في ذلك اليوم إلى قرية بعيدة عن أورشليم .. وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته . فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به .. فقالا المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب .. ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها وهو تظاهر كأنه منطلق الى مكان أبعد . فألزماه قائلين امكث معنا .. فلما اتكأ معهما أخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما . فقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم . وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان .. وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم. فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم رأوا روحاً . فقال لهم : ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم انظروا يدي ورجلي إني أنا هو، جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي . وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه .. فناولوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل . فأخذ وأكل قدامهم " ( 23: 13- 43)

ويقول يوحنا إن مريم المجدلية كانت تبكي عند القبر ، فقال لها الملاكان : ( يا امرأة لماذا تبكين قالت لهما إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه . ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفا ولم تعلم أنه يسوع . قال لها يسوع: يا إمرأة لماذا تبكين . من تطلبين . فظنت تلك أنه البستاني فقالت له يا سيد: إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه . فقال لها يسوع يا مريم . فالتفتت تلك وقالت له ربوني ـ الذي تفسيره با معلم - فقال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى : أبي وأبيكم ، وإلهي وإلهكم . فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قد قال لها هذا . ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود ، جاء يسوع ووقف في الوسط. فرح التلاميذ أنهم رأوا الرب .. أما توما أحد الاثني عشر .. فلم يكن معهم حين جاء يسوع . فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب فقال لهم: إن لم أبصر في يديه أثر المساميروأضع أصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أومن . وبعد ثمانية أيام كان التلاميذ أيضاً داخلاً وتوما معهم فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال : سلام لكم .. بعد هذا أظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية .. لما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع .. ثم جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم وكذلك السمك . هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعد ما قام من الأموات ، ( 20:13-26 ، 21: 1-14 ) ..


ملاحظات على روايات الأناجيل :

لقد عرضنا ما ترويه الأناجيل الأربعة عن ظهور المسيح .. وكلها روايات تسمح بإبداء الملاحظات الآتية :

1- اتفق مرقس ومتى ويوحنا على أن الظهور الأول كان من نصيب مريم المجدلية التي لم تعرفه وظنته البتساني .. بينما أسقط لوقا تلك الرواية تماماً وجعل الظهور الأول من نصيب اثنين كانا منطلقين إلى قرية عمواس ..

2- حدث الظهور للتلاميذ مرة واحدة في كل من مرقس ومتى ولوقا .. بينما تحدث عنه يوحنا ثلاث مرات بصور مختلفة ..

3 - اتفق مرقس ومتي على أن الظهور للأحد عشر تلميذاً حدث في الجليل *** فاختلفا في ذلك مع لوقا ويوحنا اللذين جعلاه في أورشليم ..

4- وأخطر من ذلك كله هو اتفاق الأناجيل في هذه القضية على شيء واحد هو أن ذلك الذي ظهر لمريم المجدلية وللتلاميذ **** كان غريباً عليهم .. ولم يعرفوه جميعاً وشكوا فيه .. وهم الذين عايشوا المسيح وعرفوه عن قرب ..

*********** كيف يقال بعد ذلك أن المسيح ظهر لمعارفه وتلاميذه ؟


*** شك التلاميذ في روايات القيامة والظهور

تمتلى روايات الأناجيل عن القيامة والظهور بالكثير من المآخذ والثغرات التي يستطيع القارئ أن يتلمسها بنفسه بمجرد المطالعة ومقارنة المواقف المتشابهة في الأناجيل المختلفة ..

وتكفي هذه المأخذ والثغرات لرفض ما تقوله تلك الروايات عن قيامة المسيح وظهوره .. وكيف لا ترفض وقد رفضها كاتب إنجيل مرقس الأصلي فأسقطها من حسابه وأنهى الإنجيل عند (16: 8) كما سبق بيانه .. كذلك رفضها تلاميذ المسيح وشكوا فيها ذلك الشك المريب الذي سجلته الأناجيل - لقد شك التلاميذ جميعاً فيما روته مريم المجدلية ومن معها من النسوة عن قيامة المسيح من الأموات فحين ..

" رجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل {{ فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن }} ..
فقام بطرس وركض إلى القبر فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها فمضى متعجباً في نفسه مما كان "

*** هكذا كان موقف تلاميذ المسيح من روايات القيامة .. وهم الذين التصقوا به منذ اختارهم حتى رحل عنهم .. وكان على رأسهم بطرس وفيهم يوحنا .. وهم الذين تلقوا تعاليمه ووعوها قبل أن تظهر بينهم مريم المجدلية وبعد أن ظهرت ..

ولكن أناجيل مرقس ومتى ولوقا تذكر لنا حديثاً جرى بين المسيح وتلاميذه .. تنبا فيه بقتله ثم قيامته من الأموات .. فهي تقول :

" ابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ( المسيح) ينبغي أن يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم {{ وقال القول علانية }} .. فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره فالتفت وأبصر تلاميذه ، فانتهر بطرس قائلا اذهب عنى يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن للناس " ( مرقس 8: 31-33 ) ، ( متى 16 :21-23) ، ( لوقا 29: 22) ..


إن رواية الحوار بين المسيح وتلاميذه على هذه الصورة تعني أن قيامة المسيح من الأموات أصبحت أمراً مفروغاً منه .. مثلها مثل قتله .. ذلك أن الأناجيل تذكر أن المسيح {{ قال القول علانية }} ..

*** فإذا وجدنا بعد ذلك أن روايات القيامة التي جاءت بها مريم المجدلية كانت بالنسبة لبطرس - رئيس التلاميذ والذي سبق أن راجع المسيح في أمرها - ولرفاقه كلاماً {{ كالهذيان }} لا يمكن تصديقه .. فإن النتيجة التي لا مفر من التسليم بها هي :

إن ذلك الحوار الذي قيل إنه جرى بين المسيح وتلاميذه .. والذي تنبأ فيه بقتله ثم قيامته لم يحدث على الإطلاق ..

وإن ما نجده عن ذلك الحوار في الأناجيل .. لا يعدو أن يكون إضافات أدخلت إليها فيما بعد ..

إن هذا ما ينطق به إنجيل يوحنا حين يقرر أن فكرة القيامة كانت غريبة تماماً عن التلاميذ الذين فوجئوا برواية مريم المجدلية .. فحين ذهبت هذه واخبرت بطرس ويوحنا .. فإنهما تسابقا إلى القبر " فحينئذ دخل أيضا التلميذ الآخر الذي جاء أولا إلى القبر ورأي فآمن .. لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات فمضى التلميذان ( بطرس وبوحنا) أيضاً إلى موضعهما، ( يوحنا 20: 8-10 ) ..


كيف يتفق قول يوحنا هذا عن تلاميذ المسيح ( أنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات ) - مع ذلك القول والحوار الطويل الذي جرى بين المسيح وتلاميذه وعرفهم فيه بقيامته من الأموات .. وهو الحوار الذي ذكرته أناجيل : مرقس ومتى ولوقا ...؟

*** كذلك شك التلاميذ فيما روته مريم المجدلية وغيرها عن ظهور المسيح .. فحين ذهبت مريم وأخبرت التلاميذ ..

" لما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته .. لم يصدقوا " ..

*** وكذلك كان الحال مع الاثنين اللذين قيل إنه ظهر لهما .. إذ لما ذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذين " ..

**** ويسجل متى شك التلاميذ في ذلك الذي قيل إنه المسيح الذي صاحبوه من قبل فيقول :

" أما الأحد عشر تلميذاً ـ لما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا "

*** وكذلك يقول لوقا عن التلاميذ :

" أنهم جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً " ..

**** ويسجل يوحنا شك توما بصورة تقطع بأن فكرة القيامة لا علاقة لها البتة برسالة المسيح وتعاليمه .. فهو يقول :

" أما توما أحد الاثني عشر .. فلم يكن معهم حين جاء يسوع فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب . فقال لهم إن لم أبصر في يديه أثر المسامير .. وأضع أصبعي في جنبه لا أومن " ..

وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

ديسمبر 18th, 2019, 10:56 am

بسم الله الرحمن الرحيم



لقد ربطت المسيحية التقليدية ـ مسيحية بولس الصليبية - نفسها بالقول بأنها تقوم على أحداث تاريخية - مثل القول بقتل المسيح على الصليب وقيامته في اليوم الثالث - بحيث لو تعذر إثبات وقوعها .. ما كان للمسيحية من برهان يدعمها .. كما أنه لو أمكن إثبات عدم حدوثها لانهارت العقيدة التقليدية من أساسها ولم يبق منها شيء ..


وفي هذا يقرر علماؤها بأنه جرى التوكيد دائماً على أن المسيحية تعتبرعقيدة تاريخية بمفهوم قلما تناظرها فيه أي من العقائد الأخرى .. ذلك أنها إما أن تظل قائمة أو تنهار .. بناء على حقيقة ما كان من أحداث معينة .. جرى الزعم بأنها وقعت خلال فترة زمنية محددة تقدر بثمان وأربعين ساعة في فلسطين منذ ألفي عام تقريباً ..
.
وهنا يثور سؤال : من أي الوجوه – إذن ـ تكون العقيدة المسيحية عرضة للسقوط تاريخياً ؟

ولكن إذا نظرنا إلى السؤال بعين فاحصة .. لوجب علينا الاعتراف بأنه لا يمكن إثبات أن المعتقدات التي تقوم على الأمور التاريخية يمكن اعتبارها حقائق مؤكدة .. وبتعبير أدق .. فإن تلك المعتقدات لا تملك أكثر من درجة عالية جداً من الاحتمال والترجيح .. ( من كتاب اعتراضات على العقيدة المسيحية ص 58، 64-65)

إن كل من لم يبصر في مسيحية المسيح الحقة الفاضلة .. سوى الصلب والقيامة قد جعلها تحت رحمة التاريخ .. وإذا رجعنا إلى ما يسعفنا به التاريخ في روايات الصلب والقيامة والظهور .. لوجدناه في غير صالح ذلك المفهوم الذي لم ير بولس شيئاً غيره في المسيحية التي جال يدعو لها حتى جعل لها السيادة .. وأعني بها مسيحية الصليب ..

لكن العلماء يقررون - حقاً ـ أن تلك المعتقدات التي تقوم على الأمورالتاريخية لا يمكن اعتبارها حقائق مؤكدة ..

*** وهل تبني العقائد - أيها الناس - على الظن والاحتمال والترجيح ؟

إن القضية الرئيسية في المسيحية هي قضية الغفران وأنه بسبب خطيئة آدم المتوارثة فإن البشرية كلها هالكة لا محالة ولذلك جاء المسيح ليفديها بنفسه .. وكان قتله على الصليب - باعتباره ابن الله الوحيد هو الثمن الذي ادعى بولس أنه دفع للمصالحة مع الله أو على حد تعبيره :

" صولحنا مع الله بموت ابنه " ( رومية 5: 10 )

ولكن إن صح ما قيل عن الخطيئة المتوارثة ـ وهو غير صحيح على الإطلاق ولا يتفق مع عدل الله ولا شرائعه ومنها شريعة موسى .. فهل كان ضرورياً تلك الرواية المأساوية التي تتمثل في قول المسيحية بقتل المسيح صلباً وسط صرخاته اليائسة التي كان يرفض فيها تلك الميتة الدموية ؟

** أما كان يمكن أن تحدث المغفرة دون سفك دم بريء .. دم يرفض صاحبه بإصرار أن يسفك ؟

لنرجع إلى إنجيل متى نجده يقول :

" فدخل السفينة واجتاز وجاء إلى مدينته . وإذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحاً على فراش . فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج : ثق يابني مغفورة لك خطاياك . وإذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم هذا يجدف . فعلم يسوع أفكارهم فقال لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم. أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك . أم أن يقال قم وامش ؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا حينئذ قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك فقام ومضى إلى بيته فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا " ( 9: 1-8 ) ..

لقد قال المسيح للمفلوج : (( مغفورة لك خطاياك )) ومغفورة اسم مفعول لفاعل تقديره الله سبحانه وتعالى .. لأن المخلوق لا يستطيع أن يغفر الخطايا .. تماماً كما يقول إنسان عن إنسان آخر متوفي : المغفور له .. فهذا يعني أنه يرجو أن يغفر الله له ..

بل إن متى ينسب للمسيح قوله :

" لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا " . فكأن الله - سبحانه وتعالى - منح المسيح أن يغفر الخطايا بكلمة منه . وبناء على ذلك فإن مغفرة خطايا البشر ليست في حاجة إلى عملية صلبه وقتله وكل ذلك العمل الدرامي المفجع الذي ضاعف الخطايا - لو كان قد حدث كما يزعمون - بدلا من أن يمحوها . وأكثر من هذا أن المسيح أعطى لبطرس - الذي وصفه بأنه شيطان والذي تقول الأناجيل إنه تبرأ من سيده في وقت المحنة وأنكره أمام اليهود - سلطاناً أن يغفر الخطايا فقال له :

" وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات ، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوط في السموات وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات " ..

** هل يستطيع الإنسان أن يغفر بكلمة ويعجز رب الإنسان عن مثل ذلك ؟


*** أين عقول الناس التي يفكرون بها؟


لقد كتبت الأناجيل - كما علمتم - بعد عشرات السنين من رحيل المسيح ثم تعرضت للكثير من الإضافات والحذف .. ولقد كان المسيح يعلم حقيقة من حوله وحقيقة الأدعياء الذين سيلتصقون باسمه وبرسالته ويزعمون أنهم رسله وتلاميذه رغم أنهم تلاميذ الشيطان الذي سيؤيدهم بعجائب وأضاليل تكون فتنة للناس .. ولذلك قال كاتب إنجيل متى على لسانه :

" ليس كل من يقول : يا رب يا رب دخل ملكوت السموات .. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات . كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب . أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط . اذهبوا عني يا فاعلي الإثم - " ( 7: 21-23 ) ..

لقد لعب اسم الروح القدس دوراً كبيراً في الدعوة باسم المسيح لدرجة أنهم لو وجدوا إنساناً يهذي فإنهم يقولون : قد امتلأ من الروح القدس .. ولا شك أن المجرم هو أقدر من يدل على طرق الإجرام فإذا أردنا أن نحد من الجرائم علينا أن نأتي بجماعة من المجرمين ونتعرف منهم على أساليبهم ومن ثم نستطيع وضع الخطط اللازمة لمكافحة الإجرام ..

ونأتي الآن إلى شاول – بولس - نجده يقول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس :

" ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضاً في ما يفتخرون به . لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة فعلة ماكرون مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح. ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور . فليس عظيماً إن كان خدامه أيضاً يغيرون شكلهم كخدام للبر الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم .. أقول أيضاً لا يظن أحد أني غبي وإلا فاقبلوني ولو كغبي لأفتخر أنا ايضاً قليلاً . الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه " ( 11: 12-17 ) ..

وعندما نأتي لفكر بولس في الصلب ـ مع إيماننا الكامل بأن المسيح لم يصلب على الإطلاق ولم يعلق على الصليب - نجده يقول :

" المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا {{ لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة }} " غلاطية ( 3: 13 ) ..

كيف هذا أيها الناس ؟

كيف يكون المسيح لعنة ؟

وكأن المسيح كان يتحرز ضد بولس وأفكاره وتابعيه حين قال في إنجيل يوحنا :

" هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي وأنا لست وحدي لأن الأب معي " ( 16: 32-33 ) ..

وهذا مخالف تماماً لقول ذلك الذي علقوه على الصليب فصرخ يائساً .. يقول :

" إلهي إلهي لماذا تركتني " ..

*** إن هذا وحده كاف لإثبات عدم صلب المسيح ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

ديسمبر 25th, 2019, 9:53 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


*** بولس


حديثنا الآن عن بولس خاصة وقد علمنا لمحة عن فكر بولس وفلسفته لفكرة الصليب والفداء .. وهي مسيحيته التي قام يبشر بها وجاءت مخالفة لمسيحية المسيح الحقة التي اتسمت بالمحبة والوداعة .. خلافاً لذلك العنف الدموي الذي اعتنقه "بولس" في مسيحيته الصليبية .. ولسوف نرى كيف دخل بولس في المسيحية وكيف كان نتاج أفكاره .. خاصة وأن هناك قاعدة معروفة تقول : إنك لا تجني من الشوك العنب ..

ولقد كان بولس - شاول - يهودياً واشتهر بعنفه في خصومته .. بل بعدائه الشديد لأتباع المسيح ولم يكن له حظ من رؤية المسيح - ولو مرة واحدة - في حياته ..

يقول سفر أعمال الرسل : أما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم إلى السجن " ( 8: 3 ) ..

" والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول .. فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو .. ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم : يا رب لا تقم لهم هذه الحظية .. وإذ قال هذا رقد وقد كان شاول راضياً بقتله " ( أعمال الرسل 7: 58-60 ، 8: 1-3 ) ..



ثم أعلن بولس - فجأة - تحوله إلى المسيحية ..

إن تاريخ الديانات يشهد لكثيرين كانوا من ألد أعدائها وأعداء النبي والرسول الذي جاء يدعو لها ثم يتحولون إليها ويصيرون من خير دعاتها .. لكن القاعدة الهامة والخطيرة التي شذ فيها بولس هي أنه لم يلتزم بالتعاليم الموجودة في العقيدة الجديدة التي تحول إليها - وهي المسيحية - لكنه اختص بتعليم انفرد به وطفق يبشر به .. واستطاع بوسائله الخاصة ومهاراته أن ينحي كل التلاميذ جانباً ويتصدر الدعوة إلى المسيحية بعد أن اكتسح الآخرين .. ولنرى الآن ماذا يقول سفر أعمال الرسل عن قصة تحول بولس إلى المسيحية.. يقول الإصحاح التاسع :

" اما شاول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب .. فتقدم إلى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناساً من الطريق رجالا ونساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم . وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق فبغتة أبرق حوله نور من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له : شاول لماذا تضطهدني ؟ فقال من أنت يا سيد . فقال الرب أنا يسوع الذي أنت تضطهده .. فقال وهو مرتعد ومتحير يا رب ماذا تريد أن أفعل . فقال له الرب قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل .. وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً - " ( 9: 1-7 ) ..

لكن الله - سبحانه وتعالى ـ دائماً يبين الحق رحمة بالناس ولهذا نجد الإصحاح الثاني والعشرين من سفر أعمال الرسل يحكي قصة تحول بولس إلى المسيحية على لسانه شخصياً فيقول :


" حدثت لي وأنا ذاهب ومتقرب إلى دمشق .. أبرق حولي من السماء نور عظيم . فسقطت على الأرض وسمعت صوتاً قائلاً لي : شاول شاول لماذا تضطهدني ؟ فأجبت من أنت يا سيد . فقال أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده . والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا الصوت الذي كلمني -" ( 6-9 ) ..

من ذلك نتبين أن المسافرين : سمعوا الصوت ولم ينظروا النور حسب قول الإصحاح (۹) .. بينما ذكر الإصحاح (22) عكس ذلك تماماً فقال : نظروا النور ولم يسمعوا الصوت .. هذه بداية دخول بولس إلى المسيحية وهي قصة مشكوك فيها تماماً ..

لقد دخل بولس المسيحية - وفق رواية خطؤها واضح تماما - ثم انطلق بتعليمه الخاص الذي أعلن فيه الاستغناء عن كل تعليم تلقاه تلاميذ المسيح من معلمهم بدعوى أنه تلقى تعليمه من المسيح مباشرة في تلك الرؤيا المزعومة ..

فهو يقول :

" لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه فيّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحماً ودماً ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل (( التلاميذ )) الذين قبلي .. بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت أيضاً إلى دمشق . ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يوماً . ولكني لم أرغيره من الرسل إلا يعقوب أخا
الرب والذي أكتب به إليكم هو ذا قدام الله إني لست أكذب فيه - غلاطية " ( 1: 15-20 ) ..

*** وهكذا بدأ بولس الدعوة إلى المسيحية وفق مفهومه الخاص لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتعرف بتلاميذ المسيح الذين أسسوا الكنيسة الأم في أورشليم والذين كانوا المرجع في كل ما يتعلق بالمسيحية والدعوة إليها ..

ثم يقول بولس :

" بعد أربعة عشر سنة صعد أيضا إلى أورشليم مع برنابا آخذاً معي تيطس أيضاً . وإنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً . فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا على بشيء بل بالعكس إذ رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان " (غلاطية 2: 1-8 ) ..


من ذلك يتضح ..


1- أن قصة دخول بولس في المسيحية مشكوك فيها ولا يمكن الاعتماد عليها لما فيها من تناقضات صارخة .

2ـ لم يعرف بولس عن المسيحية سوى الصلب وسفك الدم وأن هذا شيء أختص به . وأما غير ذلك من تعاليم المسيح فقد أهمله تماماً فهو يقول :

" أعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به إنه ليس بحسب إنسان . لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته بل بإعلان يسوع المسيح " (غلاطية 1: 11-12 ) ..


" لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً " ( 1كورنثوس 2: 2 ) ..



لقد بحث العلماء فكر بولس والتيارات التي أثرت فيه .. وفي هذا يقول تشارلز دود :


لقد أوضحنا سلفاً أن فكرة الكمنولث العالمي كانت شائعة في العالم الوثني وكانت روما في تأثرها بالمثل العالية للرواقيين ـ الذين قدموا في أيام بولس رئيساً لوزراء الإمبراطورية .. وفي القرن التالي له اعتلى أحدهم عرش الإمبراطورية ـ فحاول تأسيس ذلك الكمنولث . ولقد تأثر بولس كأحد المواطنين الرومان بهذه الأفكار .. ( من كتاب ماذا يعنيه بولس لنا اليوم ص 49 ) ..

لقد فكر بولس في إنشاء كمنولث مسيحي يقوم على اسم واحد وعلامة واحدة هما المسيح والصليب . ولا مانع أن تكون فيه أفكار وديانات مختلفة .. ليكن ما يكون .. إن بولس يعترف في رسائله بأنه لم يتحرز عن استخدام كل الوسائل لكسب أكبر عدد من الأتباع .. فهو يقول :


" إذ كنت حراً من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأريح الأكثرين . فصرت لليهود كيهودي لاربح اليهود .. ولللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربع الذين تحت الناموس .. صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء . صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً . وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكاً فيه "
( كورنثوس 1: 19-23 ).

وهكذا نجد بولس قد عرض المسيحية على أصحاب العقائد المختلفة بالصورة التي ترضي كلاً منهم وترتب على ذلك أنهم دخلوا الديانة الجديدة بعقائدهم وأفكارهم القديمة وكان لهذا - ولا يزال - أثره الخطير في المسيحية ..


ولقد عرفنا من قبل أن برنابا هو الذي قدم بولس إلى التلاميذ لكن الذي حدث بعد ذلك أن أزاح بولس برنابا من تصدر الدعوة إلى المسيحية ..

يقول سفر أعمال الرسل :

" فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر " (15: 39 ) ..


ولم يلبث بولس أن تشاجر مع بطرس - رئيس التلاميذ - ونحاه أيضاً فهو يقول :


" لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته في مواجهة " غلاطية ( 2: 11) ..



ومن المؤكد أن بولس لم يعلم قدر بطرس الذي أعطاه المسيح التفويض أن يحل ويربط كما يشاء والذي عينه راعياً لتلاميذه ..

*** ولا داعي للحديث عن رسائل بولس فهي رسائل شخصية بحتة .. يقول في بعضها :


" فليس عندي أمر من الرب ولكني أعطى رأياً ( اكو7: 25 ) ..

أو يقول :


" أظن أني أنا أيضاً عندي روح الله " (اكو 7: 40 ) ..


أو يقول :


" لست أقول على سبيل الأمر بل أعطي رأياً " ( أكو 7: 6 ) ..

وهكذا من مثل هذه الأمور الظنية التي لا تصلح إطلاقاً لبناء عقيدة ..

كذلك تنتهي رسائله بالحديث عن السلام وبث القُبلات المقدسة للرجال والنساء على السواء مثل قوله :

" سلموا على تريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب " (رومية 16: 12)

" سلموا على برسيس المحبوبة التي تعبت كثيراً في الرب " (رومية 16: 12).

" سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة .. ( رومية 16 : 16).

إن مسيحية بولس تقوم أساساً على فكرة الإله المخلص المقتول .. ولقد كانت الديانات التي شاعت في العالم الروماني في ذلك الوقت مثل ديانات إيزيس وميثرا وسيبل تقوم على نفس هذه الفكرة .. ولهذا يقول مؤرخو الديانات إن التشابه ملحوظ بين المسيحية وتلك الديانات ..

يقول : هربرت فيشر في كتابه « تاريخ أوروبا » : «استدار العالم الروماني بشغف زائد إلى عبادات الشرق الملتهبة مثل عبادات إيزيس وسيرابيس وميثرا .. إن عباد إيزيس المصرية وسيبل الفريجية وميثرا الفارسي اشتركوا في معتقدات كثيرة وجدت في النظام المسيحي ..

لقد اعتقدوا في اتحاد سري مقدس مع الكائن الإلهي إما عن طريق اقتران خلال الشعائر أو بطريقة أبسط عن طريق أكل لحم الإله في احتفال طقسي .. لقد كان الإله الذي يموت بين العويل والمراثي بيد أنه يقوم ثانية وسط صيحات الترحيب والسرور ، من الملامح الرئيسية في هذه العبادات الشرقية الغامضة ..

إن عبادة إيزيس قد نظمت بطريقة تماثل تماماً ما في الكنيسة الكاثوليكية . لقد كان هناك تنظيم كهنوتي مماثل مكون من البابا مع القسس والرهبان والمغنين وخدم الكنيسة . وكانت صورة السيدة ترصع بجواهر حقيقية أو مزيفة وكانت زينتها تعمل كل يوم كما كانت صلاة الصبح وأغاني المساء تغني في معابدها الرئيسية . وكان الكهنة حليقي الرؤوس ويلبسون ملابس كهنوتية بيضاء من الكتان .


إن التحول من الوثنية إلى المسيحية لم يكن يعني الدخول في جو غريب علية .. أو ممارسة ثورة فجائية .. لقد كانت عملية التحول تتم بلطف .. وكانت طقوس العقيدة الجديدة استرجاعاً للأسرار القديمة ..

فقد كانت عقيدة الوسيط مألوفة في معتقدات الفرس وأتباع الأفلاطونية الحديثة وكانت فكرة التثليث معتقداً دينياً شائعاً تنبع أساساً مما تعارفوا عليه من أن العدد ثلاثة هو العدد الكامل .. ( من كتاب: تاريخ أوروبا ص 102-115 ) ..

ويقول أرنست كيللت في كتابه ( مختصر تاريخ الديانات ) :

إن أوجه التشابه المحيرة بين شعيرة التعميد ( المسيحية ) - على سبيل المثال ـ وبين طقوس التطهير في ديانة أتيس وأدونيس لتصدم كل دارس .. لقد أظهرت الديانة المسيحية قدرة ملحوظة في جميع العصور على الأخذ لنفسها ما يناسبها من الديانات الأخرى ..

ولسوف أعطي هنا ملخصاً لأسطورة أتيس وطقوس عبادته لأن هذا لم يؤثر فقط بعمق في المسيحية بل لأنه كان منتشرة في أغلب الإمبراطورية الرومانية ..

لقد حدثت قيامة أتيس في يوم الخامس والعشرين من مارس بدء الربيع وهو نفس اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات حسب أقوال كثير من المسيحيين .. كذلك فإن التشابه بين الطقوس السرية لديانة ميثرا والمسيحية مذهلة .. إن المثرية لها طقوسها المتعلقة بالعشاء الرباني ومن الصعب التفريق بينها وبين ما في عقيدتنا المسيحية .. ولها احتفالات تماثل احتفالات عيد الميلاد ولها عيد القيامة .. ( من كتاب: مختصر تاريخ الديانات ،، ص 130-262 ) ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM
مشاركات: 268
اشترك: سبتمبر 24th, 2004, 1:42 am

يناير 4th, 2020, 4:18 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


إن المسألة أصبحت من الوضوح بحيث لا بد من الإقرار بأن تسمى الديانة المسيحية الديانة البوليسية .. فهي تنسب بحق لبولس وليس للمسيح عليه الصلاة والسلام .. كذلك من المفيد معرفة أن الفاتيكان يعترف بموقف بولس من المسيحية وعدم حرصه عليها .. فقد جاء في كتاب نشره الفاتيكان سنة 1968م بعنوان : المسيحية عقيدة وعمل .. ما يلي في صفحة (50) :

كان القديس بولس منذ بدء المسيحية ينصح لحديثي الإيمان أن يحتفظوا بما كانوا عليه من أحوال قبل إيمانهم بيسوع ..

** إن هذا الإقرار الخطير يتفق وكل ما قلناه عن بولس والمسيحية ..


** العشاء الرباني ..

يقول الأستاذ إبراهيم خليل أحمد .. عن فطيرة القربان والعشاء الرباني الذي كان معمولا به في الديانات الوثنية القديمة ..

جاء في إنجيل لوقا إصحاح 22) ( وفي الأناجيل الأخرى أيضاً ) ما نصه :


" ولما كانت الساعة اتكا والاثنا عشر رسولا معه .. وقال شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم . لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يكمل فيّ ملكوت الله . ثم تناول كأساً وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم لأني أقول لكم إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله . وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم .. اصنعوا هذا لذكري . وكذلك الكأسأيضا بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم . ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة . وابن الإنسان ماض كما هو محتوم . ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه، (لوقا 22: 14-22 ) ..

من الملاحظ أن الأيام الأخيرة من حياة المسيح كانت مزدحمة بالقلق والرعب وكان المسيح حقيقة في أيامة الأخيرة ثابتاً لكل الضغوط دون أن يتأثر بتلك القلاقل لأنه كان واثقاً تمام الثقة أن الله - سبحانه وتعالى – سوف ينجية .

لكن عندما نأتي حقيقة لتفسير هذا الكلام .. فإني أقول في صراحة متناهية : من هو المصدر الأساسي لهذا النص ؟

إن هناك نصاً في سفر أعمال الرسل يمنع الدم :

" بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم " ( 15: 20 ) ..


*** فإذا كان ينهى عما ذبح للأصنام والدم فكيف يقال : هو ذا دمي .. اشربوه ..

إن هذه وثنية منقولة من وثنية العبادات التي كانت متفشية في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت .. إن مصدر هذا النص أو إيحاءه إنما يرجع إلى تلك الوثنية المتفشية مثل المثرية الفارسية وكان من طقوسها العشاء الرباني .. وكان منها يوم 20 ديسمبر يوم الميلاد ويوم الأحد يوم الراحة .. كل هذه وثنية فارسية في عبادة ميثرا ثم غيرت اللافتة من ميثرا إلى المسيح .. أما أن نؤمن بشريعة موسي التي تمنع الإنسان المؤمن عن الدم وبذلك تكون هذه العادة باطلة .. لأنه لا يعقل أن يقول المسيح ( كلوا جسدي هذا واشربوا دمي هذا ) .. لسبب .. هو أن المسيح تحدى اليهود قائلاً :


" ستطلبوني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا " ..


فهو يتحداهم ويؤكد عجزهم عن الوصول إلى المسيح .. بدليل قوله في إنجيل يوحنا إصحاح ( 8 عدد 28 ) :

" فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الأب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه " ..

إن قصة الصلب منقوضة من أساسها تماماً ..

كذلك فإن الذي صلب هو شبيه بابن الإنسان إذ يقول إنجيل يوحنا على لسان المسيح إصحاح ( 3 عدد )14:


" وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان "

وكانت الحية التي رفعها موسى شبيهة بالحية الحقيقية .. فبالمقارنة نقول .. كما رفع موسى شبيه الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع شبيه ابن الإنسان ..

وعلى هذا الأساس نقول إن النص الذي يتكلم عن أكل جسد المسيح وشرب دمه إنما هو نص مقتبس من المصادر الوثنية المتفشية في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت .. لقد كان المسيح آمناً على نفسه وبالتالي كان جسده سليماً ودمه سليماً ..

وأنا ـ كقسيس سابق - لا أقدر أن أتصور أن كسر لقمة وإعطائها لأخ ـ في العقيدة - يضعها تحت أسنانه تتحول إلى جسد المسيح .. ويشعر أن لحماً تحت أسنانه ..!

ما أريد قوله هو بيان كيف استطاع بولس إفساد المسيحية .. لقد قال المسيح :


***** " ما جئت لأنقض شريعة موسى "


وتجد في سفر التكوين إصحاح ( 17 عدد 9 ) في حديث الله - سبحانه وتعالى - لأبينا إبراهيم :


" وقال الله لإبراهيم أما أنت فتحفظ عهدي . أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم . هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك . يختن منكم كل ذكر. فتختنون في لحم غرلتكم ، فيكون علامة عهد بيني وبينكم . ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم .. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها . إنه قد نكث عهدي ». ( 17: 9-14 ) ..

ونجد أن إبراهيم حين ختن كان عمره 100 سنة تقريباً وكان ابنه البكر إسماعيل عمره 14 سنة .. فهذا إبراهيم بقدره الجليل وابنه إسماعيل وبقية الخدم والعبيد اختتنوا جميعاً ..

*** فكيف يأتي بولس بعد هذا ليبطل الختان ؟ ..

لقد كان بولس إنساناً مشكوكاً فيه من التلاميذ والرسل لولا " برنابا " الذي تحنن عليه وقدمه لهم لكنهم جميعاً كانوا يخافونه ..

وكان بولس من الصنف الوصولي الذي يطمع في الوصول إلى القمة حتى إذا ما وصل فإنه يتخلص من كل من خلفه ..

لقد أراد بولس أن يخرج بالرسالة من اليهودية إلى الأمم علماً بأن المسيح لم يأمر بهذا لأن الرسالة كانت ( محدودة في بني إسرائيل ) ..

ولما كانت الأمم غير مختنة فإنه لجأ إلى أول مجمع هاجم فيه الختان وقال إن الختان ختان القلب .. كمن يقول للمسلم إنك تستطيع دخول الصلاة بلا وضوء .. فهذا إفساد للصلاة إذ قد هدم الأسس التي يجب السير عليها لإقامة الصلاة ..

وقد استطاع التأثير على الحاضرين .. فنقرأ في سفر أعمال الرسل إصحاح (15 عدد 22 ) :


" حينئذ رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة أن يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما إلى أنطاكية مع بولس وبرنابا يهوذا الملقب برسابا وسيلا رجلين متقدمين في الإخوة . وكتبوا بأيديهم هكذا. الرسل والمشايخ والإخوة يهدون سلاماً إلى الإخوة الذين من الأمم في أنطاكية وسورية وكيليكية . إذ قد سمعنا أن أناساً خارجين من عندنا أزعجوكم بأقوال مقلبين أنفسكم وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس . الذين نحن لم نأمرهم . رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين ونرسلهما إليكم مع حبيبينا برنابا وبولس .. رجلين قد بذلا أنفسهما لأجل اسم ربنا يسوع المسيح . فقد أرسلنا يهوذا وسيلا وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاها . لأنه قد رأى الروح القدس ونحن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة . أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون . كونوا معافين " ( 15: 22-29 ) ..

** هكذا صار الروح القدس لعبة في أفواههم فقد أمرهم ألا يختتنوا ..


** بهذا حطم بولس شريعة موسى تحطيماً كبيراً ..

وبالنسبة للطلاق نجد شريعة موسى تسمح بالطلاق كما في سفر التثنية .. لكن بولس يعمل على إشاعة الفاحشة بين الناس . فإذا كانت امرأة على خلاف مع زوجها فإنه يأمرها بعدم الطلاق .. وهكذا وجد فساد في المجتمع حيث تضطر الزوجة إلى سلوك خفي مشين .. وأريد أن أسأل الآن :

لماذا رفضت الكنيسة إنجيل برنابا ؟ ..

لأن برنابا في إنجيله بيَّن بقوة ووضوح كيف أفسد بولس المسيحية وحولها إلى نصرانية يونانية .. ومن عقيدة تؤمن بالتوحيد وهو أن الله واحد أحد إلى عبادة ابن الله على شاكلة أوزوريس وإيزيس وحورس ..


« اعترافات بولس بخطاياه »!

وأخيراً نختتم الحديث عن بولس بنقل اعترافه بخطاياه الجسدية التي عجز عن الفكاك منها والتي جعلته واحداً من سبايا الخطيئة .. ولقد أثبت باعترافه هذا - دون أن يدري - أن الزعم بصلب المسيح وقتله .. الذي عاش بولس يفلسفه ويدعو له .. قد ذهب سدى .. فلا زال بولس باعترافه عبداً للخطيئة وثمنها عنده موته الأبدي .. إن بولس يقول :

" فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطيئة لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فأياه أفعل .. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطيئة ساكنة في .. فإني أعلم أنه ليس ساكن في أي في جسدي شيء صالح . لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسني فلست أجد . لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل . فإن كنت ما لمست أريده إياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطيئة الساكنة في . إذا أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي . فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن . ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي . ويحي أنا الإنسان الشقي .


من ينقذني من جسد هذا الموت ؟..» (رومية 7: 14 - 24) .


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم


شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر