حطمت أصنامى وأمتلئ قلبي بالنور

القرآنيون أو أهل القرآن هم دعاة وباحثون ينادون بالعودة إلى جوهر الاسلام الحقيقي أي القرآن الكريم وحده الذي يعتبرونه المصدر الوحيد للشريعة.

مراقب: أنيس محمد صالح

شارك بالموضوع
faraj
مشاركات: 249
اشترك: يونيو 16th, 2006, 12:45 am
المكان: yemen

يونيو 2nd, 2008, 10:13 pm

حطمت أصنامى وأمتلئ قلبي بالنور
فرج المطري
farajmatari@hotmail.com

لقد ترددت كثيرا قبل أن أفكر في عمل بحثي هذا والذي سميتة رحلة البحث عن الحقيقة (الطريق الي مدينة التوحيد) لأنني أعلم انه في غاية التواضع بالمقارنة بما كتبة وعمله غيري ,,,,,,,, ولكنني ومن خلال مناقشاتي الطويلة مع اصدقائي عرفت بانه لا يجب علي المؤمن ان يتوقف عند القشرة من الأشياء بل ينفذ إلى لبّها وجوهرها، لا يكتفي بالنظر إلى سطحيات الأمور، بل يسبر غورها وعمق معناها. من خلال ما يُرى يكتشف ما لا يُرى، من خلال الرمز يكتشف المعنى.
وعرفت ان الإنسان يبدأ حياته لينشأ على دين أو معتقدات آبائه وأجداده بغض النظر عن صحة هذا الدين أو تلك المعتقدات وكل فئة تريد أن يكون دينها أو معتقدها هو المهيمن على سائر الأديان والمعتقدات الأخرى – وهذه هي الاصنام
ومع بداية أولى خطواتي على الطريق تعلمت أن أواجه نفسي بصدق وأدركت خطورة أن يفعل الإنسان الخطأ وهو يظن أنه الصواب.. وبدأت بمحاولة تكسير أكبر أصنامي هذا الذي لو كان مصنوعا من الحديد لكان تكسيره أسهل من الجهد الذي احتاجه مني، ولكن بعون الله بدأ حجمه يتضاءل تدريجيا.. صحيح أنه لم يختف بالكامل فأحيانا أشعر أن صنما صغيرا في حجم الذرة يحاول أن يطل ولكني أعلم وكلي ثقة أنني طالما دعوت الله أن يعينني على تكسير جميع أصنامي فحتى هذا الصنم الصغير اللعين سوف يختفي بإذن الله إلى الأبد ومعه باقي أصنامي..
فعندما اكتشفت المعنى الحقيقي لكلمة "لا إله إلا الله" وهي أن أحرر نفسي أولا من كل عبودية إلا لله، اكتشفت أيضا معنى "الله أكبر" فأدركت أن أي شيء ارتبط به في هذه الدنيا يجب أن أشعر دائما أن الله أكبر منه.
بدأت أردد الله أكبر والمعنى يملؤني بالنور.. والنور يعينني على تحطيم أصنامي.. فكيف أمتلىء قلبي بالنور؟ لاني تعلمت معنى.. عرفان الله المعنى الحقيقي و الجديد بالنسبة لى وقد كان ذلك أصعب لي من فهم "لا إله إلا الله".. كانت الصعوبة أكبر لأن هذا المعنى الجديد لم يكن موجودا عندي إطلاقا لأنني كنت أعتقد أنني أقيم علاقة مباشرة بالله.. لم استطع أن أربط بين "لا إله إلا الله" وبين "معرفة الله ".. وأدركت تدريجيا خطأي وبدأت أتلمس المفهوم الحقيقي للعرفان وسجدت لله شكرا وحمدا لأنه أتاح لي فرصة وضع قدمي على أول الطريق داعيا أن يثبتني عليه ويعينني على الوصول الي مدينة التوحيد.
المؤمن يرى ان للحياة مبدأ ومعنى وغاية، وان الله هو مبدأ الكائنات ومعناها وغايتها. لذلك يستطيع ان يتغلّب على ما يشعر به من قلق. فالموت لن يعود في نظره نهاية كل شيء بل دخول في حياة الله؛ والحياة لن تعود فراغاً وعبثاً، بل اشتراك مع الله في متابعة خلق العالم؛ والخطيئة لن تقوده إلى اليأس والخوف من الهلاك الأبدي، بل تحمله على الرجاء برحمة الله اللامتناهية. وهكذا يجد في الله الحلّ الله الذي ينشده للخروج من قلقه والسيطرة على تناقضات حياته والعيش في أمان وسلام.

الطريق الي مدينة التوحيد ليست دينا أو مذهبًا على الإطلاق. الطريق إلي مدينة التوحيد يعني غاية المعرفة. هو الحق وحده الدالُّ على الحق. وهو لا ينازع أيَّ دين، بل يقول فقط لجميع المتديِّنين: "يا صاحبي العزيز، على قدر ما ذهبتَ إليه أنت على صواب. لكنْ رجاءً ارتقِ أكثر." الطريق إلي مدينة التوحيد لا يختص بأيِّ دين بعينه، بل يستعلي عن الأديان جميعًا، وهو في الواقع غاية جميع الأديان. مدينة التوحيد ليست معتقدا او دينآ تعتنقه , ولا هي فكر فلسفي انها بداية وعي وفهم جديد للاديان.
مدينة التوحيد منهج جديد لتفعيل وتطبيق معتقدات المؤمنيين فهي لا تدعوك إلى ان تصبح هندوسيا أو يهوديآ ان تصبح مسلما أو ان تصبح مسيحيا ، انها فقط تساعدك علي ان تصبح متديناً تقياً.
إن الطريق إلي مدينة التوحيد وحده، الذي يدوم لأنه راية الحق وكلمة الصدق، الكلمة السواء التي ستعيد جمع العائلة البشرية، والطوائف والمذاهب والأديان التي تفرعت من أصول وفروع الشجرة الآدمية الكونية، كلها ستعود تحقيقاً للوعد الموعود كما كانت طائعة خاصة خاشعة طوعاً أو كرهاً لأمر مكون، مالك الملك القادر الواحد الأحد، الفرد الصمد المبدي المعيد، الفعّال لما يريد، المنزه عن صفات الخلق والعبيد، والمنجز وعده ولو كره الظالمون. تدعو مدينة التوحيد الإنسانَ إلى التجذر في الوجود وفتح النوافذ على الوجود، بأن يذهب الإنسانُ إلى الله لا نتيجة للخوف، وإنما من خلال الحب.
جميع الأديان تلبِّي أذواق البشر وتُضاعِف – جهلاً – الاختلافاتِ فيما بينهم. لكن الطريق إلي مدينة التوحيد وحده يلبِّي الحقيقة في القرن الواحد والعشرين التي لا تتغير ويوفِّق بين جميع الاختلافات دون استثناء.
انه طريق لتطور روحي أصيل أوصى به دوماً معلموا وأنبياء البشرية العظماء عبر العصور. إنه طريق رائع وبسيط لأنه يتطلب منا إن نتجرد و ننسى أهواء النفوس ونزواتها الخاصة كلياً والبدء حالاً، الآن ومن هنا، لنحيي في داخلنا حباً متفانياً عظيماً لله دون السعي إلى شيء في المقابل.

ان مسالك التوحيد والحكمة والعرفان هي الطريق إلي مدينة التوحيد – ولا عرفان بلا توحيد، ولا توحيد بلا عرفان – تبرز أهمِّيتُها البالغة من جديد في العصر الماثل القائم، من جرَّاء تناقُض الأديان وازدواجية الشرائع وتطلُّب العقل الذي يريد أن يتجرَّد عن التقليد والتبعية والالتزام، للتعرف إلى حقيقةِ ماورائية الأشياء، فيما يعانيه الإنسان المعاصر المتمدِّن من عذاب العقل، وآلام النفس، وفراغ القلب، وتشتُّت الفكر، وشقاوة الطموح، وضلالات النظريات الفلسفية والاجتماعية، على اختلافها. فإذا بهذا العرفان أو التوحيد الأصيل يبرز في مواجهة الواقع، كالمفتاح الذهبي السرِّي الوحيد لتعدِّي محدوديَّات العلم ونظرته الأخيرة، ولحلِّ المشكلات المادية والنفسية والأدبية والروحية والحضارية التي يتخبط فيها الإنسانُ المعاصر، المتمدِّن في خارجه، لكنْ غير المتحضِّر في داخله وباطنه.
وهذا الأمر هو الذي فطن إليه كبار العلماء، من فيزيائيين وبيولوجيين ونفسيِّين ودينيين وأطباء ومربِّين وموجِّهين، فأخذوا، أكثر فأكثر، يعودون ببصيرتهم ليستكشفوا ويتحقَّقوا ما كانوا، في سعيهم وشغفهم وإلحاحهم المثابر، أن ما توصَّل إليه أبناءُ العرفان والحكمة، في كلِّ شريعة ودين، يفوق كلَّ تصوُّر وكلَّ اكتناز ثروة وكلَّ إرث حضارة أو مكنون علم أو استيعاب اختبار ونهج اختراع.
ورأوا، ثانيًا، أن هذه الحقيقة، التي أدركها وشاهَدَها العارفون، في معراج توحيدهم وشهودهم واستئناسهم وفي مجاليها، هي يقين لا يُداخِلُه شك ولا ريب ولا ظلمة شبهة.
وتيقَّنوا، ثالثًا، أن هذه الحقيقة المستجلية هي ذاتها لا تتباين في مواصفاتها وجوهرها عند الحكماء والعارفين والمتحقِّقين في جميع الأدوار والعصور والمذاهب والمسالك والأديان، لا يختلف أحد العارفين مع الآخر في شأنها، ولو اختلف معراجُه، وبَعُدَ عنه في الظاهر مرتقاه، أو تنوَّع مرصدُه ومجهره.

كل عقيدة سامية فهي نوع من المزاوجة بين "العرفان" gnosis وبين مستوى قدرة الإنسان على استيعائه. لذا لا بدَّ أن يبلغ الإنسان شوطًا يتخطى فيه "حرف" العقيدة بحدِّ ذاتها إلى الهدف الأوحد منها: معرفة النفس. على هذا الأساس، ربما انطوت العقيدة على حقائق نفسية وروحية قد تيسِّر للمرء حدس هذه المعرفة الكلِّية وتحقيقها في باطنه.
الحياة، في المنظور الثيوصوفي، إنما هي مدرسة كبرى – بل ما من مدرسة سواها. وهذا يحتِّم علينا بلوغ شوط من التطور الداخلي نشعر فيه بوجوب فهم المغزى من وجودنا، ونعي طبيعتنا الحق، ولا ندَّخر وسعًا لاستعمال كافة السبل المتاحة لنا، في كلِّ اتجاه وكلِّ حالة من حالات وعينا (من صحو وحلم ونوم عميق إلخ) لمناغمة كياننا بحيث نوقِّع عليه أدواتنا الدنيا لتصير تعبيرًا كاملاً عن طبيعتنا الباطنية الكونية.
وهكذا تبدأ رحلة التغيير والسفر الي مدينة التوحيد من الفرد لتعمّ المجتمعات والأمم، والعائلة الإنسانية بأجمعها بعودتها الى رؤية ذاتها، وفي مرآتها النورانية المستمدة أنوار جمالها وكمالها وعزتها من العزة الإلهية، فيبحث الإنسان عن الله في ذاته ويكتشفه في أعماق نفسه الشريفة ذمة وضميراً، وأمانة يجب أداؤها وهذا هو الصدق الذي هو الإيمان والتوحيد بكماله، وهذه هي الصلاة الحقيقية، ومهما كانت الطقوس والتعبدات، والعادات التي يمارسها تقليداً أصبحت مقدسة على مر الزمن، بل أصبحت القداسة محصورة في مثل تلك التقاليد والمظاهر والممارسات، والمناسك والعبادات والفروض، والواجبات يقوم بها المتدين، ويظن أنه أدى حق الله عليه، تكليفاً تقليدياً دون تعقل وروية في معنى وغرض الصلاة التوحيدية التي لا تتم إلا عندما تتصل الإرادة بالمشيئة، فتكون الصلاة صحيحة، وتشرق أنوار الشمس الأحدية، وتبعث الدفء في القلوب النفية، فتمتلئ بالحب والثقة والإيمان، ويخاطب العقل النفس بكلمة الإخلاص لتكميل المعرفة بجد، ويفتح الخير أبوابه فتشع بروق خيال النور، وتفوز العقول الصافية والنفوس المتصافية الراضية المرضية بمملكة المعالم الإلهية، وهذه هي نعمة الديّان وحقيقة الصلاة التوحيدية الموصولة بالثقة والإيمان والبرهان.
عندما تناجي النفس الشريفة، طالبة الرجوع الى أصلها وتشتاق لكمال المعرفة بواسطة العقل، فتتلقى منه الصور بقدر صفائها، وبقدر ما يعطيها، وبذلك تحصل الصلاة، وتتواصل المعرفة للأصفياء العارفين الصادقين، وتعترف العقول والأفكار بالعجز والقصور عن الوصف، وترجع العيون خاسئة حسيرة، وترضى النفوس بما يفيض عليها من نور العقل، وتزداد شوقاً لمبدعها الأول إله الأولين والآخرين حيث عجزت عن كنه معرفته العقول والأفهام، لا إله غيره ولا معبود سواه، إليه التسليم ومنه السلام، تتم الصلاة التوحيدية الحقيقية، الروحية العقلية لانفسية التي لا صلاة بعدها، فينطلب اللسان الروحي معبراً ويفيض الوجدك ما وصفه بعض المقربين العارفين الذائقين حلاوة مرارة المعاناة والتجربة:
والمشكلة أنه لا توجد مرجعية مستقلة، تتمتع بقبول مشترك من الجميع، قادرةٌ على حسم النزاع والانتصار لأيٍّ من الطرفين. كما لا يمكن اعتبار النص الديني فيصلاً في هذا المجال؛ إذ إن النص الديني واحة خصبة للتأويل المعاكس، ولا تخلو أية حركة دينية في التاريخ، متطرفةً كانت أو معتدلة، من مهارة في توظيف النصوص لصالحها. ولعل هذا ما جعل الإمام علي يجانب مجادلة الخوارج بالقرآن لأنه، بحسب قوله، "حمَّال أوجُه". ولو كان الدليل الديني قادرًا على حسم الجدل لَما كان للتطرف من أثر يُذكَر في التاريخ الإنساني، ولَما كان النص الديني سلاحَ التطرف الرئيسي. بل إننا نجد أن للتطرف تمظهُراتٍ دائمة في التاريخ الإنساني، وحضورًا نوعيًّا عامًّا في الأديان كلها، مع الاختلاف في القوة والضعف من دين لآخر.

فلكم البشرى يا أحباب الحقيقة وأنصارها الأشراف الأعراف، يا فرسان الحق ويا أهل الذوق المتفهمين منعطفات طريقكم المزدهر بالنجاح والفرح ما دمتم متمسكين بالخط المستقيم، ومعتصمين بحبال اليقين، وإن حمي لمسه وصعب لحده الزمان مسكه. فقد انكشف أمامكم غمر النور دروبكم فتقدموا حاملين أعلام الفروسية، متوجين بأبدع النعم العصرية نعمة المعرفة بأسرار الكنوز الروحية، والجواهر الكامنة في أعماق بحر الأحدية الذي تتقاسم مياهة شواطء الأديان ويلعب أطفالها على رمالها ويرسمون منذ ولادتهم ونشأتهم الأولى كما يحلو لهم من زخارف ما ألفوه، وتعودوا عليه وورثوه من آبائهم الأولين، يتنازعون ويتخاصمون ويقتتلون ويتذابحون ثم يلتقون ويتكاذبون، ويتحايلون على بعضهم ويمكرون،  وتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب لما لديهم فرحون، يرك كل جيل مفاسد أسلافه الأولين، ويضيف عليها ما ألفته النفوس الأمارة من ملوثات ما صنعته وابتكرته وأسمته دين. وقد هجم زمن تصحيح الهجاء وتحقيق الرجاء، وعودة زمام الأمر لمن بيده ملكوت كل شيء واليه ترجع الأمور. فالقدر مكتور ومقدر والزمن مرسوم ومسطّر، والمؤمن الموحد العارف الصادق لا يضيع بين السطور، فهو يستأنس بإشراق النور، ولا يستوحش لما يرى ويشاهد ويسمع من لوعة وحسرة، وحيرة أهل المفاسد والشر، وهويحسن قراءة التغيرات رغم اشتداد موجة الكوارث والرواجف، والزلازل وغارات القدرة الربانية العلوية لتأديب المستكبرين على الحق، المغرورين بما لديهم من المخترعات والمبتكرات، والأساليب والوسائل والإمكانيات والقوى، والأسلحة المتطورة جداً على زعمهم، والتي ستبدوا هزيلة وضعيفة جداً، وتضمحل وتتكسر كلعب الأطفال البلاستيكية أمام عظمة القدرة الإلهية، وحملتها المستمرة بعد آية الكسوف لإيقاظ الغارقين في سباتهم،والقابعين في أعماق الكهوف، والخائفين من علو زبد الباطل رغم معرفتهم بحتمية إبطاله وزواله بعد إظهار ما تكنه الصدور وكشف مكنوناتها ومخبآتها في زمن الكسوف والظهور، والإفراق بين أبناء الظلمة وأبناء النور، واسترداد المالك ماله من المستعير يوم تقرع الأجراس، وتقام أفراح الأعراس، ويفترق ويتلاقى الناس.

"ان عالمنا اليوم أصبح بحاجة إلى مؤمنيين يعيشون مع الله ويعرفونه أكثر ممّن يتكلمون عنه".

"ما الذي أفعله في هذه الدنيا؟ لماذا أنا هنا؟ لماذا أنا موجود؟ من يسأل؟ ومن سيجيب؟.
يرفض الإنسان، بطبيعته، أن يبقى أسير لحظته وحاضره. فهو، منذ أن وُجِد، يتساءل عن موضعه في هذا الكون، عن مكانته وحقيقته ومعنى وجوده؛ يحاول أن يعرف ذلك كلَّه من أجل أن يبقى ويستمر ويحقق الغاية من وجوده. لذا تعيَّن عليه أن يحدس ذلك البعيد المجهول الذي أدرك أنه سائر إليه لا محالة، محاولاً استشفاف قانون التحول الكوني ومحرِّكه.
فكم تقلب الإنسان وتبدل في أقمصة الزمان والمكان والأديان، وكم مرّ بأجيال، وكم صادف من مصاعب وأهوال، وكم أشغل عقله وفكره بالسؤال: إلى أين يذهب؟ ومن أين أتى؟ وما الغاية من خلقه ووجوده في هذه الحياة وكثرة تعدد التبدلات والتقلبات؟
وم مرّ هذا الإنسان المؤمن الموحد العاقل عبر الأجيال، وكم صادف من مصاعب وأهوال، وكم انتقل من حال الى حال. ولا بد من السؤال الى أين يمشي، وماذا يريد في كل الظروف والأحوال، مرّ بالكثير الكثير وتنقل عبر الدهور والعصور، ولم يحمل سوى صدقه وإيمانه وعمله الصالح عبر رحلة التجربة الطويلة من سواحل البداية الى شواطئ النهاية.
ما طالت الدائرة إلاّ لتستكمل كشف معاني الأسرار، وتظهر حقيقة معنى الجنة والنار ولمن عقبى الدار، وما تأجّج الصراع والنزاع، وتصاعد الأحداث والمستجدات وتفاوت الصاعقات والنكبات والمعاناة، واستبدال الأدوار وتأخير الفاتورة للآونة الأخيرة، وتنافر الأنتظار وضيق الصدور واهتزاز العالم بقوة في مضيق العبور، إلاّ لإثبات دورة اليقين والإيمان.

وفي منطق العقل، الفرص والأهداف التي نتكلم عنها لا تكون إلا بالمعرفة، والمعرفة في المعنى التوحيدي لا تعني المعرفة التي نجنيها من التعلم والخبرة في الأمور الحياتية، بل هي نوع من الوعي الروحي واليقيني لماهية الله والتي لا تتحقق إلا عبر الإيمان بالأبدية. والأبدية في فلسفة التوحيد تجسد طبيعة العقل الكلي (العقل الأرفع) الذي يبقى مع الوحدانية ولا يتغير مع تغيرات المادة والفكر. ولذلك قيل المعرفة من ذاتك لذاتك لا سماع ولا حفظ.
عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون [النبأ/ 1 - 5]
سيقولون ربنا إنا أطعنا سادتنا وأهواءنا، وأضعنا السبيل وعميت أبصارنا وبصائرنا عن الدال والمدلول والدليل.
فالسفينة جادة في طلب شاطئ الفوز والنجاة، وقد تعودت على تجاوز المصاعب والعقبات، فلا تخاف الزبد مهما علا، ولا تخشى أعاصير الباطل مهما اشتدت، ولا تنحرف عن مسارها إلا تصحيحاً وعودة والتزاماً بقواعد الاستقامة والسلامة
والعبرة في النهاية لكل قصة وحكاية، مهما طالت، وتعددت فصولها ومالت فروعها وأصولها، فهي واحدة في خاتمتها كما كانت في بدايتها (المعرفة) ,,, واذا وصل المؤمن الى وادي المعرفة وجاوز الشك إلى اليقين ورجع من ظلمة ضلاله الهوى إلى نور هداية التقوى. وتفتقت بصيرته وانشغل بمناجاة حبيبه، وفتح باب الحقيقه والهدى وأغلق أبواب المجاز ، في هذه الرتبة يرضى السالك بالقضاء ويرى الحرب صلحا ويدرك في الفناء معاني البقاء ويرى بعين الظاهر والباطن في آفاق الوجود وأنفس العباد اسرار المعاد ويلحظ بالقلب الروحاني الحكمة الصمدانية في المظاهر الالهية اللامتناهية يرى في البحر قطرة ويلحظ في القطرة اسرار البحر.
إذا ما فلقت قلب ذرة
لرأيت في عمقها شمسا
وسالك هذا الوادي لا يرى – بعين الحق – اختلافا في الكون ولا تعارضا ، بل انه يقول في كل حين" ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت. فارجع البصر هل ترى من فطور؟"
يرى في الظلم عدلا وفي العدل فضلا وفي الجهل علوما مستورة وفي العلوم المستوره الف حكمة واضحة بينه يحطم قفص البدن والهوى ويأنس بنفس اهل البقاء و يرقى المعارج المعنوية ويهرع إلى سماء المعاني فيسكن إلى فلك " سنريهم آياتنا في الأفاق وفي انفسهم" ويسير في بحر حتى يتبين لهم انه الحق " فان قاسى ظلما صبر وان عانى قهرا استظهر عليه بالمحبة.
كنتُ كنزاً مخفياً وأردتُ أن أعرَفَ فخلقتُ الخلقَ فبي عرفوني. (حديث قدسي )
هل زماننا اليوم هو غير زمان قائل البيت السابق الذي أدرك أن الإنسان، جسماً وروحاً، ينطوي على أسرار الكون في أدق تفاصيله – ومن هنا أهمية وجوده وحياته وكل اختباراته؟!
سقراط يقول: الحياة سوداء بعيون مَن يراها سوداء. والتوحيد سعادة في الدنيا والآخرة معا، لأن الدنيا هي للآخرة كالجسد للروح. وما أجمل من إن يمتلك المرء المظهر والروح معا عندها تطفو الحياة ويتغير الروتين القاتل. كلما وجدت نفسك تعيش بحزن ابتسم حاول إن تبتسم فتتغير الحياة.
لذلك قد بلغ العالم نهاية النهايات بالتصوّرات واستغرق في طلبه لصورة "الإله" دون معرفة حقيقة "سر الإله في آدم وسر آدم في الإله" - استغرق في طلبه لصورة العظمة فتصوّرها على حساب أبسط القوانين الآدمية.
قد هوى الإنسان في بحر من الوهم لا نهاية لأمواجه، لأن واقع الواقع: لم يَظهَر في تاريخ الإنسانية ضعف الإنسان أكثر ممّا يظهر اليوم، وإن لم تكن لتصدّق ذلك انظر إلى الإهرامات وبقايا تاريخ مجد ضائع بين الصفحات.
إن تعاقُب الأحداث اليوم يُشار إليه بلوح القدر، ولا يملك مفتاح القدر إلا من يعرف حقيقة القلم وحقيقة المكتوب على اللوح- حقيقة الدال والدليل والمدلول

إن زماننا – زمن العلم والمعلومات التي تنهال علينا في المدارس والجامعات والكتب والإذاعات والتلفزيونات والإنترنت، زمن التكنولوجيا في قمة سطوتها المستبدَّة – لم يعطِ إنسان هذا العصر أي اطمئنان إلى معنى وجوده. لذا فإن سعادته "سعادة" آلية، والسؤال عن معنى الحياة ما يزال ملحاً.
حتى الدِّين لم يقدِّم جواباً مقنعاً لأن إنسان الدين إنسان "خاطئ"، وُلِد في الخطيئة، وحياته ليست إلا فرصة للتكفير عن تلك الخطيئة

- ( من عرف نفسه، جل ّ أمره ).
- ( من عرف نفسه كان بغيره أعرف ومن جهل نفسه كان بغيره أجهل )
- ( من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة وعلم )
- ( من لم يعرف نفسه بعد عن سبيل النجاة وخبط في الضلال و الجهالات )
- (معرفة النفس أنفع المعارف )
- ( لا تجهل نفسك فإن من جهل معرفة نفسه جاهل بكل شيء )

بيد أني لا أستطيع أن أبطئ في سفري
فإن البحر الذي يدعو كل الأشياء إليه يستدعيني، فيجب عليّ أن أركب سفينتي وأبحر في الحال.
ولو أقمت الليلة ههنا، فإنني ومع أن ساعات الليل ملتهبة سأجمد و أتبلور وأتقيد بقيود الأرض الثقيلة.
و إنني أود لو يتاح لي أن يصحبني جميع الموجودين هاهنا ولكن أنى يكون لي ذلك؟
فإن الصوت لا يستطيع أن يحمل اللسان، ولا الشفتين اللتين أعطينه أجنحة، وعليه وحده أن يخترق حجب الفضاء.
أجل والنسر يا صاح لا يحمل عشه، بل يطير وحده محلقا في عنان السماء.
وعندما بلغ المصطفى سفح التلة التفت ثانية إلى البحر، فرأى سفينته تدنو من المرفأ و أبناء بلاده يروحون ويجيئون على متنها
فهتف لهم من صميم فؤاده و قال :
يا أبناء أمي الأولى، أيها الراكبون متون الأمواج، المذللون مدها و جزرها، كم من مرة أبحرتم في أحلامي! وها قد أتيتم ورأيتكم في يقظتي التي هي أعمق أحلامي .
إنني على أتم الاستعداد للإبحار، و في أعماقي شوق عظيم يترقب هبوب الريح على القلوع بفارغ الصبر.
و لكنني أود أن أتنفس مرة واحدة في هذا الجو الهادئ، وأن ابعث بنظرة عطف واحدة إلى الوراء.
و حينئذ أقف معكم ملاحا بين الملاحين.
أما أنت أيها البحر العظيم أيها الأم الهاجعة.
أنت أيها البحر العظيم الذي فيك وحدك يجد النهر والجدول سلامهما و حريتهما،
فاعلم أن هذا الجدول لن يدور إلا دورة واحدة بعد، ولن يسمع أحد خريره على هذا المعبر اليوم و حينئذ آتي إليك يا رب


بيد أني لا أستطيع أن أبطئ في سفري
فإن البحر الذي يدعو كل الأشياء إليه يستدعيني فيجب عليّ أن أركب سفينتي و أبحر في الحال واعرف نفسي

وقوة الإرادة، وقوة الفهم والاستيعاب لترجمة عبارات الزمان المبشر بلغة التجديد، ونغم جديد لأصحاب الإيمان والتوحيد مليء بالإشراق والنور بالامتداد والتحصين، وقوة التمسك بحبل اليقين واعتدال المسير، وفرحة المتيقظين وسعادة واسترخاء المحقين لتنفتح عقولهم، وتعي قلوبهم وتستقر نفوسهم بدوام التفاؤل والرضى

هذه تجربةُ كُلّ أولئك الذين استيقظوا وعرفوا أنفسهم ووجدوا حقيقتهم، وعرفوا الجانب الروحي في أنفسهم، وأنهوا وأتموا عملهم على أنفسهم، حيث لا يجب أن ينتظروا مدة أطول في الوديان المُظلمةِ للحياة، ولكنهم ينتظرون حتى يُسمح لهم بالمغادرة.
إنّ السبب في عملية التحول والتغير هو معرفة عالمك الداخلي "نفسك، عواطفك، أفكارك
حيث تتحول نفس الطاقة التي كَانت تَسْحبُك للأسفل لتُصبح قوة جديدة. حيث العاطفة لتصبح شفقة، وتتحول الرغبة لتصبح حبّاً. يصاحب العاطفة آلاف المشاكل، في حين أننا نرى الشفقة لَها مشكلة واحدة فقط.
لاتستطيع النصوص المرجعية أو الخبير أن يعرّفك بخصائص نفسك التي بين جنبيك، ويقول لك من أنت؟ فإن رحلة سبر أغوار النفس تنطلق من الداخل، وليس لأحد من الخارج أن يفعل ذلك، فمعرفة النفس من الخارج تعطينا معرفةً سداها التقليد ولحمتها التبعية، بينما معرفة الإنسان لنفسه هي معرفة تقف على قدمين إحداهما التحقيق والأخرى البرهان. لذا، فلا يمكن تسمية هذا الأسلوب بالمعرفة العقلية، بل هي معرفة نقلية. جميع المعارف في المنهج العقلاني، عقلية كانت أم نقلية، هي أدوات معرفة النفس. فالروح الواعية هي التي تعبّر تماماً عن نفسها، ببيان آخر، إنّ المعرفة التامّة لحقيقة الوجود الذاتي، طريق يفضي إلى معرفة الهدف الإلهي من وراء الخلق والوجود الإنساني. وقد أطلق الفلاسفة على هذه الروح «العقل الفعال». هذا العقل الفعّال روح متحوّلة ومتسامية ارتقت قواها النظرية والعملية إلى مرتبة الكمال. بوجود هذا العقل، تدخل النفس في انسجام تامّ مع الله والكون وبقية البشر.
ندما يفشل الناس في تفعيل فطرتهم، سيفشلون بنفس المقدار من التعرّف على ماهيتهم، فضلاً عن ماهية الطبيعة، وفي المقابل، كلما مارسوا قدراً من التفعيل عليها، استطاعوا تقمّص فهم مبدئي وجذري حيال الأشياء وحقائقها. بعبارة أخرى: سيلمسون الارتباط الوثيق على حقيقته بين الكون والنفس من جهة وبين الله من جهة أخرى، عندها لن تثيرهم الظواهر والمعاجز. وباختصار، هدف المنهج العقلاني هو مساعدة الإنسان على معرفة نفسه، ومن ثمّ الوصول إلى الكمال الإنساني. وبلوغ هذا الكمال يستدعي من الإنسان اتحاداً بين عقله النظري, وهو النفس الإنسانية العالمة بجميع الحقائق والأسماء التي تعلّمتها من الله تعالى؛ وعقله العملي, وهو العقل الإنساني الذي يخبر كيفية التعامل الصحيح بالاستناد إلى العلوم النظرية.

إذا استطعت أن تنتظر بصمت، فلا بد أن يطرق الضيف على أبوابك ذات يوم، ولا بد أن تصل السفينة.
السفينة تأتي دائماً وليس هنالك استثناءات من هذه القاعدة. ودليل ذلك والبرهان الحقيقي على أنك لا تحلم، ولا تهلوس، أنّك ترى عند ذلك، فجأة، وللمرة الأولى أن أبواب قلبك قد انفتحت.
لقد كنت، إلى الآن، ترى انفتاحك بشكل سطحي، ولكن فرحة وبهجة العودة للبيت قوية لدرجة تجعل كل أبواب القلب تنفتح.
إن قلبكَ بذرة، وعندما يفتح أبوابه بسعادة فسوف يصبح زهرة.
نعم لقد وصلت لبيتك الحقيقي.
لقد كان في حياتك العديد من الليالي المُظلمة وكان هنالك الكثير من العذاب والرعب والكوابيس المخيفة، ولكن كل هذا انتهى الآن.
إن سعادتك كبيرة بحيث تنتشر في جميع أنحاء المحيط. سعادتك كبيرة كالمحيط

يكمن اكتمال الدين والعقيدة في أن يجد الإنسان طريقه إلى إدراك الله وكلّ ما هو ضروري لجعله إنساناً كاملاً، وإنسان بحياة متكاملة كلياً، وإنسان بذكاء فائق وإبداع وحكمة وسلام وسعادة.
يكمن اكتمال الدين في أن يكسب الإنسان الذي يعرف حقاً معنى لكلمة دين. وكلمة "الدين" تجيء من المصدر دين إي ما استدان الشخص من شخص آخر وعليه إعادته له، فيلتزم المدين بتسديد ما عليه للدائن. إن غاية الدين بربط الإنسان والتزامه على إرجاع ما كان قد أخذه إلى مصدره وأصله.
إذا نجح الدين في إعادة الإنسان إلى مصدره، وفي إعادة العقل إلى مصدره، في جلب الجسم ونشاط العقل يعودان إلى مصدر كلّ النشاط، ينجح دين في اكتمال غايته. العقل هو محور الحياة. إذا أمكن سحب العقل إلى أصله، تكون بذلك الحياة كلها قد سحبت إلى مصدرها وستتحقق غاية الدين.
الدين هو طريق، أو على الأقل يجب أن يكون الطريق لرفع وعي الإنسان إلى مستوى وعي الله، ولرفع العقل البشري إلى مستوى الذكاء القدسية أو العقل الكوني الشمولي.
إنّ غاية الدين في أن يضع حياة الفرد في التناغم مع قوانين الطبيعة وبوضعه كذلك يكون في التدفّق الطبيعي في مجرى التطور.
يجب على الدين أن ينسّق الحياة الفردية مع الحياة الكونية ويحسّن كلّ قيم الحياة البشرية. يفتح الدين الطريق العملي إلى إدراك الحقيقة العليا التي تم كشفها بالفلسفة. إن الفلسفة هي وصفية، بينما الدين له قيمة عملية في إيجاد الطريق المباشر إلى إدراك الله. إنه وسيلة مباشرة لتمكين البشر للتطوّر إلى المستوى القدسي. يملي الدين بما علينا أن نفعل وما علينا أن لا نفعل في الحياة لكي يحوّل نشاط الفرد لتحقيق الغاية العليا للوجود البشري. إن كلّ ما يمليه علينا الدين يقصد به وضعنا في الطريق المباشر إلى إدراك الحقيقة النهائية، أو الحرية في وعي الله. يخدم الدين الغاية العملية.
ومن دون الدخول في تعداد تفاصيل الحالة المحزنة للأديان في العالم اليوم، يكفينا القول بأنّها فقط في الجسماني السطحي؛ إنها خالية من الروح. نجد الطقوس والمعتقدات فقط؛ أما الروح فقد غادرت. لهذا السبب لا يجد أتباع الدين الاكتمال.
الله والمحبة
الله معنا كل لحظة، إنه في قلوبنا النابضة، في رئتينا حين نتنفس لكن المشكلة هي أننا ـ أحياناً ـ لسنا مع الله. نريده أن يكون معنا ولنا، في حين لا نحاول التقرّب منه. حين تصبح مع الله، نعي أهمية الحياة، نعي أن علينا الإحساس بالشكر والامتنان ونعي أهمية وجودنا. الحكيم اوشو
الله هو تمدّد السعادة والفرح، والخليقة أتت بمحبة الله، والمحبة هي من صفات الله الأزلية، وعندما ندرك أن الله موجود في كل شيء، ندرك لماذا علينا أن نتصرف بالحسنة مع الكل، وندرك ما معنى "أحب قريبك كما نفسك" الإنجيل، عندما نحب قريبنا تكون هذه المحبة لله الموجود في القريب ولله ذاته الموجود فينا، وبذلك عندما نؤذي قريبنا نكون قد سببنا الأذى لله الموجود في القريب وفي نفسنا أيضاً.
وفي علوم الفيزياء، حقل الجاذبية هو أول حقل نبع من الحقل الموحد، وحقل الجاذبية هو الذي يجمع، والمحبة تجمع أما البغض فيفرّق، إذاً حقل الجاذبية هو حقل المحبة الإلهية. وبظهور حقل الجاذبية وجد الزمان والمكان، إنه خشبة مسرح الخليقة الظاهرة. المحبة الحقيقية هي ليست سوى محبة الله الموجود فينا والموجود في كل ما حولنا. لذلك نقول أن الله محبة، والمحبة هي الفرح، والكون قد وجد بالمحبة، وبالمحبة يعود كل شيء لله. والمحبة هي جمال الفرح، وجمال الحقيقة. وحقيقة المحبة هي حقيقة الكون، إنها نور الروح التي تزيل مجاهل الظلمة. وعلى كل فرد أن ينال هذه المحبة في حياته، لذلك قال السيد المسيح: "إن ملكوت الرب في متناول الجميع". فالمحب حقيقة يجب أن يتجرد عن كل ما يشغل عن الله وأن لا يحب إلا الله, بمعنى أن لا يكون في قلبه شيء غير الله , فالذي ليس في قلبه إلا حب الله يستوي عنده وجود كل ما سوي الله وعدمه لأن من وجد الله وجد كل شيء ومن لم يجد الله فما وجد شيء, فكل ما سوي الله وجوده جائز سبقه عدم ويلحقه عدم فهو عدم.
أحبك حبين حـب الهــوى وحــب لأنـك أهـل لـــذاك
فأمـا الــذي هو حــب الهوى فشغلي بك عمن سواك
يقول الحكيم اوشو
تذكر... عندما تمتلئ الغيوم ماءاً فعليها أن تُمطر. وعندما تمتلئ الأزهار عطراً فإن عليها أن تهبه إلى الرياح لتنشره. وعندما يُضيء المصباح فمن المفروض أن يشعّ الضوء منه...لقد حدث شيء مشابه، وتقوم الرياح بحمل بعض بذور الثورة مني...ليس لدي أي فكرة في أي حقل ستهبط ومن سيعتني بها... كل ما أعرفه أنه من مثل هذه البذور حصلتُ على أزهار الحياة والحياة الأبدية، واقتربتُ من الله.

الحَمْدُ للهِ الّذي يُنَزِّلُ ما يَشآءُ بِأمْرِهِ سُبحانَهُ وَتَعالَى عَمَّا يَصِفُونَ يَا إِلَهِي كَيْفَ أُثْنِي عَلَيْكَ بَعْدَ عِلْمِي بِقَطْعِ الكُلِّ عنْ عِرْفانِكَ وَكَيْفَ لا أَدْعُوكَ وَأَنَّ فُؤادِي لَمْ يَسْتَقِرّ إِلاَّ بِذِكْرِكَ فَأَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ المَحْبُوبُ الَّذِي لَنْ يَعْرِفَكَ شَيْءٌ وَلا قَدَّرْتَ لأحَدٍ سَبِيلاً إِلَيْكَ إِذَاً ذَاتِيَّتُكَ هِيَ الكَيْنُونِيَّةُ الكافُورِيَّةُ الَّتِي هِيَ بِنَفْسِها مُقَطَّعَةُ الجَوْهَرِيّاتِ عَنِ البَيَانِ وأنَّ كَينُونِيّتِكَ هِيَ الذَّاتِيَّةُ السَّاذَجِيَّةُ الَّتِي بِنَفْسِها مُمْتَنِعَةُ المادِّيَّاتِ عَنْ العِرْفانِ فسُبْحانَكَ وَتَعَالَيْتَ لَمَّا أَيْقَنْتُ بَأَنْ لا سَبِيلَ لِي إِلَيْكَ. حضرة الباب
و السبيل إلى معرفة ومحبة الله تعالى تبدأ من نفس الإنسان وقلبه، أي عكس معرفة الأشياء، حيث تبدأ في خارج النفس ومحيطها، ثم بعد المعرفة تصير حقائق تنطوي عليها النفس في داخلها.
وهذا ماسنوضحة لاحقا في بحثنا هذا والذي سنعرض فية طرق المعرفة ومراحل الايمان التي تبدأ بتطهير النفس بحب الله تعالى، بحيث يمكن القول وبيقين أن معرفة الله تعالى في قلب أي آدمي إنما تساوي بمقدارها، مقدار حبه لله تعالى، فالذي يمتلك حب الله تعالى بصدق ويمتلئ قلبه به دون أي حب آخر، يكون قد امتلك العلم كله، وكان هذا نهج كل الأنبياء والعارفين، وقد بينه القرآن العظيم وغيرة من الكتب المقدسة في قصة سيد الموحدين إبراهيم الخليل(ع). فقد كان قلب أبراهيم الخليل مفعماً بالحب لربه، مما دفعه لسلوك سبل المعرفة الفطرية في أنماط التعلم فجرب السبل من فكره وذاكرته في النظر إلى النجوم، فلما رآها تأفل، علم أنها ليست بمكانة المحبوب الفاطر الذي لا يأفل ولا يتغير، فوجه وجهه إليه: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين، فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) (الأنعام: 75-79).
فقد امتلأ قلب إبراهيم(ع) بصدق بحب الله تعالى فأراه الله حقيقة ملكوت السموات والأرض فكان من الموقنين، وصار بذلك يحاجّ قومه بما امتلك ويقول:
(أتحاجّوني في الله وقد هدانِ ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون، وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم) (الأنعام: 79–83).
فقد كان إبراهيم (ع) ذا قلب سليم وفطرة نقية، ولكنه حين رأى من ذاته لذاته أنه كلما وجه وجهه لشيء يظن أنه ربه، يجد أنه فقير بذاته محتاج لغيره لأنه يأفل وهو (ع) قد امتلأ قلبه السليم بحب الغني الفاطر الذي لا يصيبه الأفول، لذا فهو لا يحب الآفلين، فهي مخلوقات من أمثاله، مما جعله (ع) يلتفت إلى أنه إنما يبحث عن الذي ليس كمثله شيء، أي يبحث عن علة البحث عنده، بل علة كل شيء موجود مثله، فوّجه (ع) وجهه إليه سبحانه وتعالى: (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين).
إذن فإبراهيم (ع) أحب الله تعالى ربه وامتلأ قلبه بهذا الحب، فلا وجود لغيره معه في قلبه؛ فهو (ع) بدأ بالحق الذي بدأ به الوجود كله ويقوم عليه ويستمر معه، إنه (ع) امتلك الحقيقة التي تشع منها كل العلوم.
انني في حالة صعبة جداً، فمنذ اليوم الذي دخل فيه حبُ الله فيّ قلبي، اختفَت الكراهية في داخلي.. لذلك حتى لو أردتُ أن أكره فلن أستطيع. حتى لو أتى الشيطان أمامي لا يسعني إلا أن أحبه... ليس لدي أي خيار آخر – لأنني قبل أن أستطيع أن أكره، أحتاج إلى وجود الكراهية في داخلي، وبغير ذلك لا أستطيع... من المستحيل أن يتعايش الحب مع الكراهية في نفس القلب. إنهما متناقضان تماماً.. مثل تناقض الحياة والموت.. الحب والكراهية لا يمكن أن يُوجدا في نفس القلب أبداً..الحكيم اوشو
ومهما عرفنا يبقى هناك الكثير من الأشياء والأمور التي عرفنا وتعرفنا عليها. ففي كل لحظة شيء جديد، حتى أنا الآن لست أنا بعد الانتهاء من كتابة هذه الكلمة. أقول "الكلمة" وليس "الكلمات" فالحياة مستمرة في التحول، ولا تتآلف مع الغموض. والله لا يحب إلا أولئك الذين هم قادرون على التحوّل والراغبون في التعرّف.انظر يا أخي من أنت ؟ حتي ينزل الله ويخاطبك ، ثم مِن بعد أن تستجيب له يجالسـك ، أنـا جليس مـن ذكرني َنَحْـنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .
إن شغل القلب بالرب سبحانه ، أعظم من أن تحيط به إشارة أو عبارة أو مقالة ، يقطع السالك إلى ربه من المقامات ما الله أعلم بها ، وتعتريه من الأحوال ما الله أعلم بأسرارها ، تنكشف عنه من الحجب والأستار فيرى ويعلم ، ويجد ويتذوق ، ويدرك ويعاين ، ويجالس ويكالم ، فهو القتيل في حبه والغارق في بحور معانيه .قال الله : ما تحبّبَ إليّ عبدي بشيء أحبُّ إليَّ ممّـا افترضته عليه ، وإنّه ليتحبّبُ إليّ بالنوافل حتّى اُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته .
اللهمّ ارزقني حبّك وحبّ من يحبّك وحبّ كلّ عمل يوصلني إلى قربك .
سبحانك وتعاليت كيف اذكرك يا محبوب الموجودات وكيف اعترف بحقّك يا مرهوب الممكنات وانّ منتهى ما تستعرج الافئدة وغاية ما تدرك العقول والانفس هو اثر الّذي ذوّت بامرك وظهور الّذي قد ظهر بظهورك فسبحانك وتعاليت انّك انت اجلّ من ان تذكر بذكر دونك او ان تثنى بثناء غيرك قد شهدت الحقايق بجوهريتّها بانّها هي مقطّعة عن ساحة القرب في جوارك واعترفت الذّوات بمجرّديّتها بانّها هي ممتنعة عن الوفود عليك فسبحانك وتعاليت ذكر نفسك يليق بنفسك ونعت ذاتك يستحقّ كينونيّتك ......حضرة الباب
مولاي إني أسير في هذه الرحلة ناذراً نفسي كي أصل إليك, ورميت وراء ظهري كل ما قد يعيقني, و ها هي رحلتي قد توقفت في هذا المكان المخيف, و ها هي قدماي قد شلّتا, وها هي الوحوش والأفاعي تحوم من حولي, مولاي أتوب إليك وأستغفر, فإن كنت قد طلبت ما لا أستحقه, فإني أطمع بعفوك, وأرجوك أن تخفف عني العذاب. مولاي أنا أعلم أن مغفرتك لا حدّ لها. فإن عفوت عن جميع خلقك فإنك تعفو عن قبضة تراب…وها أنذا يا مولاي أسلم لك نفسي فتوكلني يا أرحم الراحمين .

أنيس محمد صالح
مشاركات: 479
اشترك: مارس 21st, 2008, 4:00 pm
المكان: أفغانستان
اتصل:

يونيو 3rd, 2008, 6:53 am

أخي الأستاذ الرائع فرج المطري المحترم
بعد التحية والتقدير والإحترام

أحييك تحية قلبية صادقة وأرحب بك كاتبا رائعا متميزا في منتداكم القرآني , مع إننا كننا بإنتظاركم للكتابة ولتنوير الناس بما أجتباكم الله من بصيرة من مدة ليست بقصيرة .. وتأخرتم علينا كثيرا.

أرسلنا دعوات لجميع أحبتنا من أهل الذكر والقرآن العظيم للكتابة في الموقع, إلا إنهم للأسف الشديد تأخروا كثيرا وبإنتظار مساهماتهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ( بإذن ربهم ).

قبل قراءتي لمقالكم الرائع أعلاه أعجبني جدا عنوانه .. والعنوان هو تعبير صادق لما يحتويه مقالكم الرائع.

مرحبا بك كاتبا رائعا متميزا.

وتقبل مني كل التقدير والإحترام

موحد
مشاركات: 28
اشترك: مايو 5th, 2008, 4:50 pm
المكان: Cairo
اتصل:

يونيو 3rd, 2008, 8:19 pm

اشكرك على موضوعك يا أخي فرج .. والحقيقة أني لم استطع قراءة الموضوع بالكامل بسبب صغر حجم الخط وطول الموضوع... بالنسبة لي أنا أوحد الله .. وبإيماني بوحدانية الله لا أقدس بشرا مهما كان ولا أعترف إلا بدين واحد نزل مع أول رسول وأكمله الذي يليه حتى انتهى بالقرآن الكريم الذي أكمل رسالة المسيح... ومفهوم الإكمال ليس الجب .. أي أن الإسلام لا يجب غيره.. لذا فملة ابراهيم هي الملة والدين هوالإسلام (تسمية) والكتاب هو مجموعة الكتب مع استثناء كتابات الرسل والقديسين لتتفق الرسالات دون تناقض بينها لذا فأنا أذهب كنيسة مسجد كنيس أي مكان للصلاة والنتاقش بشأن الحياة ولا أرى في العبادات إلا اتصال مع الله اتصالاً مباشراً

من ناحية الخلق أرى أن الله خلقنا وخلق الكون منه لذا فنحن والكون والله جزء واحد لا يتجزأ.. فلو سمينا أبناء الله أو خلفائه فسيان فنحن منه له..

وهناك أموراً أخرى فهل تتفق معي؟؟
تحياتي لك

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر