شخصيات عربية (أبو الطيب المتنبي)

مراقب: Hatem

شارك بالموضوع
Hatem
مشاركات: 520
اشترك: سبتمبر 10th, 2002, 8:50 pm

مايو 20th, 2003, 8:11 pm

<u><center><font size=+2>شخصيات عربية
</u></center></u>
[/color]
<u><center><font size=+3>أبو الطيب المتنبي</u></center></u>
[/color]
المتنبي لقب عرف به الشاعر العربي أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي (ابن خلكان: وفيات، القاهرة 1310هـ، جـ1، ص 36؛ وفي هذا الكتاب سلسلتا نسب للمتنبي لا تتفق إحداهما مع الأخرى، ترفعانه إلى جده الأعلى). ولد بالكوفة عام 303هـ(915م) في كندة ومن ثم كانت نسبة الكندي التي يعرف بها أحياناً. وقد زعمت أسرته في ظروف عصيبة أنها تنتمي إلى عشيرة "جعف" اليمانية. وكان شاعرنا يؤمن طوال حياته بتفوق عرب الجنوب على عرب الشمال. (الواحدي: شرح ديوان المتنبي، طبعة ديتريصي Deitrici، ص 48 – 49، اليازجي: العرف الطيب، ص 29) وتلقى المتنبي دروسه الأولى في مسقط رأسه، وسرعان ما امتاز بذكائه الوقاد وحافظته القوية، كما ظهرت موهبته الشعرية مبكرة. ووقع حينذاك تحت تأثير الشيعة، وربما تحت تأثير الزيدية منهم، (عبد القادر البغدادي: خزانه، جـ1، ص 382، س 12) فأثر هذا في تطور فلسفته (سنعود إلى هذا الموضوع فيما بعد) كما ساعدت الظروف أيضاً على سرعة تطور عقيدته الدينية. وليس من شك في أن أبا الطيب المتنبي فر في أواخر عام 312هـ(924م) من وجه القرامطة الذين استولوا على الكوفة وأعملوا فيها النهب، وعاش مع أسرته مدة عامين (السمعاني: الأنساب، ص 506ب، س 24؛ البديعي: الصبح المنبي، جـ1، ص 6) في سماوة وهي الإقليم الواقع بين سواد الكوفة في الشرق وتدمر في الغرب.
ولقد هذب دعاة القرامطة من شأن بني كلب الذين كانوا يعيشون عيشة البدو في سهوب تلك الصحراء. ومن المحتمل أن يكون هذا الشاعر الشاب قد اتصل في ذلك الوقت ببعض هؤلاء بالزنادقة، إلا أنه من المرجح أيضاً أن هذا الاتصال لم يترك أثراً واضحاً في حياته لحداثة سنه. ومن المحقق من جهة أخرى أن إقامة أبي الطيب بين هؤلاء البدو قد أكسبته معرفة واسعة باللغة العربية كثيراً ما فاخر بها فيما بعد.
ويظهر أن أبا الطيب صمم على أن يقف مواهبه كلها على الشعر عند رجوعه إلى الكوفة في أوائل عام 315هـ (927م). وكان في ذلك الوقت شديد الإعجاب بأبي تمام والبحتري وهما شاعرا المدح العظيمان اللذان في القرن السابق. فكان - شأن هذين الشاعرين وشأن الكثيرين من معاصريه – يرى أن الشعر وسيلة محققة للحصول على التروة والسلطان، ولهذا سرعان ما تقرب إلى أبى الفضل الكوفي الذي مدحه بقصيدة قصيرة (الواحدي، ص17-21 ؛ اليازجي ص10-11). ويلوح لنا أن هذا الرجل قد أثر تأثيراً كبيراً في تطور عقيدة المتنبي وفلسفته (انظر، خزانة الأدب، جـ1، ص382) ذلك لأنه كان فيما يظهر من الذين إعتنقوامذهب القرامطة أو قل إنه كان على أي حال لا أدريا صميماً؛ نلمح ذلك من المدائح ألتي كان يسره أن توجه إليه؛ وقد جعله إتصاله بمولاه، بعد أن هيأته البيئة الشيعية ألتي قضى فيها صباه والصلات ألتي كانت بينه وبين القرامطة، ينبذ العقائد الدينية ألتي كان يرى أنها أداة روحية للظلم. وإعتنق المتنبي في ذلك الوقت فلسفة رواقية متشائمة ظهر صداها في شعره: فالحياة عنده غواية يذهب بها إلى الموت ولا يسودها إلا الحماقة والشر (الواحدي، ص39، ص 161،162؛ اليازجي، ص 23،97). كما كان يرى أن الأعاجم الغلاظ الجبناء قد غلبوا العرب على أمرهم، وهؤلاء كانوا في نظره يمثلون جنساً متفوقاً (الواحدي، ص 148، 1، 1- 5، ص 160، 1، 2 – 6، اليازجي، ص 87، 96). وبإزدياد معرفة أبي الطيب بالحياة التي كان يزهد فيها، نما شعوره سريعاً بموهبته، فإزداد غروره إلى درجة بعيدة (الواحدي، ص 60، اليازجي، ص 34). وقد دفعته عصبيته العربية – شأن جميع أعداء الشعوبية – إلى مهاجمة الأعاجم المغتصبين )الواحدي، ص 58، 1، 30 – 31؛ اليازجي ص 33 ) ولذلك نستطيع أن نعرف من التناقض الذي لم يكد يبرأ منه لماذا كان يطمع طوال حياته في الثروة والسلطان اللذين كان يحتقرهما من أعماق نفسه، مع أنه كان يتميز عن بقية معاصريه بخشونة طباعه ونشدده في الأمور الخلقية (البديعي : كتابه السابق، جـ 1، ص 78 – 81).
ونجد أبا الطيب يقصر تفكيره أول الأمر على غزو العالم بشعره، ولذلك رأى أن يبحث عن ميدان أوسع لنشاطه؛ فترك الكوفة حوالي نهاية عام 316هـ (928 م)، وربما كان هذا الرحيل نتيجة لنهب القرامطة لهذه المدينة ثانية. ومن الطبيعي أن تجتذبه بغداد (اليديعي، كتابه السابق، جـ 1، ص 82 – 83) فيمدح فيها واطنه محمد بن عبيد الله العلوي (الواحدي، ص 6 – 7 ؛ اليازجي، ص 3 – 4) ثم يرتحل منها إلى الشام، فيعيش فيها عامين عيشة الشعراء الجوالين في ذلك العصر (Renaissance des Islams: Mez، ص 256) ولكنا لا نستطيع أن نتتبع تجوال الشاعر لأن ديوانه، وهو مرجعنا الوحيد، لم يرتب ترتيباً زمنياً مقنعاً. وقد مدح في بعض قصائد هذه الفترة من حياته شيوخ البدو في إقليم منبج، ( الواحدي، ص 24 – 25، 38 – 39، 66 – 67، اليازجي ص 12 – 13، 22 – 23، 28 – 29) كما مدح بقصائد أخرى رجال الأدب في طرابلس ( الواحدي، ص 116 – 135؛ اليازجي، ص 66 – 78). وشعر هذه المرحلة من حياة المتنبي عادي تظهر عليه العجلة، ولكنا مع ذلك نلمح خلاله آثار موهبته الصحيحة. فإذا إستثنينا مرثية له بعض مقطوعات إرتجالية فإن جميع قصائد هذه الفترة تمثل الذين يتأثرون الشعر القديم، كما يغلب عليها أثر أبى تمام والبحتري.
وبرم أبو الطيب بهذا الدور من أدوار التجربة لأنه لم يلق من يقدر مواهبه، فأخذ يتطلع إلى تحقيق أحلامه في السيادة بالقوة ( الواحدي ، ص 138 ؛ اليازجي، ص 79). وعرف آخر الأمر عن ذلك المديح الذي كان يؤجر عليه، وعاد إلى اللاذقية ثم بدأ دعوة ثورية أسيء فهم كنهها مدة طويلة من الزمن. فكتاب المشرق يقولون (البديعي، الكتاب السابق، ص 25 – 30، ابن الأنباري : نزهة الالباء، ص 369) إن أبا الطيب أدعى النبوة في السماوة، وأسرته جنود الإخشيد ومن ثم لقب بالمتنبي. وإنتصر كراتشكوفسكيKratschkowsky في كتابه عن المتنبي وأبي العلاء، طبعة بطرسبرج عام 1909، ص9 -11، لهذه الروايات من غير أن يلقى نظرة تفصيلية إلى الإشارات الواضحة في ديوانه؛ ففي هذا الديوان قصائد تقطع بقيام المتنبي بهذه الثورة (الواحدي، ص 49 – 58؛ اليازجي، ص 28 – 33، 50) إلا أنها كانت – شأن غيرها من ثورات ذلك العهد – سياسية ودينية معاً. وقد بدأت في اللاذقية ثم امتدت إلى الحدود الغربية للسماوة حيث يسكن بنو كلب المتأهبون دائماً للتمرد. وقد استغل أبو الطيب مبادىء القرامطة دون أن يؤمن بمذهبهم، ولم تجد هذه المبادىء أذناً صاغية كل الإصغاء إلا بين أولئك البدو الرحل، (الواحدي، ص 57؛ اليازجي، ص32، وبهذا الكتاب إشارات إلى مذبحة الحجاج التي قام بها أبو طاهر القرمطي عام 317هـ، 930م). وربما سبب أقوال الثائر الغامضة ومبادئه التي تقوم على انتهاز الفرص وتصوره للإمامة على الأساليب القرمطية بعض الالتباس في فهم دعوته، ذلك لأن كل ثائر في ذلك الوقت كان يعتبر قرمطياً. وهزم المتنبي والبدو الذين كانوا معه بعد أن نجح بعض النجاح، ثم أسر وحبس في حمص حوالي نهاية عام 322هـ(923م). وحوكم وسجن سنتين (انظر: ديوانه، مخطوط بباريس، رقم 3092، ورقة 116) ثم أطلق سراحه على أن يرجع عن غيه. ولم يكتسب من هذه المغامرة إلا لقب "المتنبي" كما اقتنع بأن الشعر وحده هو الذي يقوده إلى تحقيق أحلامه الواسعة.
وتمتاز القصائد التي نظمها أبو الطيب بعد هذه الثورة وقبلها مباشرة بتدفق الشاعرية، وبالحرية التي كان يعالج بها قوالب الشعر، وبقوة الأسلوب الذي ظهرت فيه شخصية الشاعر أكثر من ذي قبل.
وما إن رجع المتنبي إلى احتراف المديح حتى عاد بطبيعة الحال إلى استئناف حياة التجوال (بداية عام 325هـ=937م). فعاش عيشة التنقل عدة سنوات، وقنع بمدح أهل أنطاكية ودمشق وحلب... إلخ وبعض صغار العمال في هذه المدن الذين كانوا لا يجزلون له العطاء (الواحدي، ص 93-206؛ اليازجي، ص 51-131؛ ياقوت: إرشاد الأريب، جـ5، ص 203) وذاع صيته شيئاً فشيئاً حتى أصبح في أوائل عام 328هـ(939م) شاعر الأمير بدر الخرشاني الذي ذكره في ديوانه باسم بدر بن عمار، وكان والياً على دمشق من قبل أمير الأمراء السابق ابن رائق الذي كان قد احتل الشام في ذلك الوقت.
ولما كان بدر من أصل عربي فقد اعتبره المتنبي مولاه الذي كان ينتظره منذ أمد بعيد، والمدائح والقصائد التي وجهها إلى هذا الأمير في مناسبات شتى تفصح عن صادق الإعجاب به، وتمتاز بالإلهام الشعري الرفيع (الواحدي، ص 206-245؛ اليازجي، ص 132-163). وتؤلف هذه القصائد مع التي سبقتها بعد رجوعه إلى عالم الأدب ما نستطيع أن نطلق عليه المرحلة الثالثة من حياة المتنبي الشعرية. وقد نظم المتنبي المطولات في هذه المرحلة، هذا إذا استثينا مقطوعة في الصيد تأثر فيها الشاعر أبا نواس (الواحدي ص 201-202؛ اليازجي ص 128-129) وعدداً من القطع ارتجلها الشاعر وليست لها أهمية خاصة. وقد يبدو أن المتنبي عاد في هذه المرة إلى مرحلته الشعرية الأولى، إذا كانت أشعاره في هذه المرحلة لا تدل على تقدم يذكر في القصيدة من جهة "صورتها".
ولم تدم صداقة المتنبي لبدر أكثر من عام ونصف، فلما وجد أنه لم يعد آمنا على نفسه من دسائس منافسيه وحساده (الواحدي، ص 253، س13-16؛ اليازجي، ص 169) التجأ إلى بادية الشام (الواحدي، ص 251-352؛ اليازجي، ص 168-169) وهناك تملكته فكرة الثورة من جديد (الواحدي، ص 253-254؛ اليازجي، ص 170-171). ولحسن الحظ مكنه نزوح بدر إلى العراق من الخروج من مخبئه ومعاودة التكسب بالمديح، فمدح عدة أشخاص ليسوا بذوي خطر (الواحدي، ص 107-108، 284-348؛ اليازجي، ص60-61، 194-241) ثم نجح آخر الأمر في توطيد مركزه في بلاد الحمدانيين في حلب عندما أصبح الشاعر الرسمي للأمير سيف الدولة وكان ذلك في أوائل عام 337هـ(948م).
وإذا نظرنا إلى أشعاره من الناحية الأدبية في هذه الفترة التي تبتدىء على التقريب من منتصف عام 329هـ(940م) وهو تاريخ انفصاله عن بدر، وتنتهي في أوائل عام 337هـ(948م) فإننا نجدها تكوّن المرحلة الرابعة التي ظل ينهج على أسلوبها حتى وفاته. ويمتاز شعره فيها بالتوفيق بين التقاليد الشعرية القديمة التي درج عليها المحدثون، وبين القالب الشعري الحر الذي اتخذه المتنبي في مرحلة ثورته. ومع أنه لم ينبذ قالب القصيدة القديم فقد اقتصد كثيراً في مقدماتها الغزلية، وكان أحياناً يستبدل بها مقدمة فلسفية غنائية يبث فيها أحلامه وتجاريبه وشكواه.
وقد مكث أبو الطيب تسع سنوات مع سيف الدولة، وكان متعلقاً به تعلقاً شديداً، يرى أنه جمع صفات الزعيم العربي الكامل، فقد كان عظيماً شجاعاً مسماحاً، وقابل ذلك سيف الدولة بأن قدر شاعره وغمره بالهبات ولم يسىء إليه قط. وصحبه المتنبي في غزواته حتى إذا رجع إلى حلب تغني الشاعر بمغامرات مولاه مع الروم والبدو. وكان المتنبي في الفترات القصيرة التي تتخلل غزوات سيف الدولة الحمداني يشترك في لهو البلاط بحلب، ويتوفر على الإنتاج، وينظم المدائح في كل مناسبة (الواحدي، ص 522-537؛ اليازجي ص 376-395) ويرثى أقرباء سيف الدولة (الواحدي، ص 388 – 389؛ 408-409، 577-578؛ اليازجي، ص 2710-272، 286-287، 427-428). وقد أدت أخلاقه الصارمة وشهرته الواسعة إلى أن يؤلب على نفسه أعداء ألداء. وفي الحق لقد حاول نفر من أصدقائه كالببغاء الشاعر أن يدافعوا عنه، بيد أن حماسهم لم يجد شيئاً أمام عداوة فريق من الخصوم الألداء يتزعمهم الشاعر المعروف أبو فراس. ولم يحفل سيف الدولة بادىء الأمر بحملات أولئك الخصوم على شاعره؛ ولما ضاق صدره وتخلى عن حماية المتنبي لم يستطع هذا أن يأمن على حياته، ففر خفية من حلب مع أسرته والتجأ إلى دمشق في نهاية عام 346هـ(957م).
ويتفق نقاد الشرق بصفة عامة على أن المتنبي قد وصل إلى الذروة بقصائده التي نظمها أثناء إقامته مع سيف الدولة. ومع أن في هذا القول شيئاً من المبالغة، فالمحقق أن الشعر في هذا العهد الذي يعتبر بمثابة الاستمرار في مرحلته الشعرية الرابعة قد أبرز تملكه على ناصية الشعر، ذلك التملك الذي وصل إليه فنه في تلك المرحلة. وكان المتنبي أقدر من أبي فراس – الذي كان كثيراً ما يوازن به – على وصف انتصارات سيف الدولة على الروم؛ ولو أن شعره لم يكن في روعة شعر أبي فراس إلا أنه كان أكثر شمولاً وأقرب إلى القصص. وانتقل أبو الطيب من دمشق إلى الفسطاط بمصر، واتصل بكافور الأخشيدي. وحياة المتنبي في هذا الوقت تكشف لنا عن الضرورات التي كان يخضع لها شعراء القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). فاضطر أبو الطيب، وقد حرم من الاستقلال المعنوي والمادي، أن يمدح ملكاً لم يكن يحمل له في قرارة نفسه إلا كل احتقار. ومدائحه في هذا الرجل تظهرنا بجلاء على أسفه لفقدان رضا سيف الدولة؛ وهي قصائد مفتعلة بعض الشيء، فيها ما يمس كافوراً (البديعي، جـ1، ص 125-126). وربما كان الشاعر قد رأى أن يعلى من قدر كافور، لأن هذا قد وعده بولاية صيدا (البديعي، جـ1، 115) فلما لم تتحقق وعوده حاول أن ينال الحظوة عند قائد إخشيدي آخر هو أبو شجاع فاتك (البديعي، جـ1، ص131-132) ولكنه توفي عام 350هـ(960م) ولما تزل العلاقات متوترة بين المتنبي وكافور، ولذلك فقد صمم أبو الطيب مرة أخرى على الفرار؛ وفي يوم عيد الأضحى من هذا العام بعد أن كتب هجاء في كافور ترك الفسطاط خفية وعبر بلاد العرب بعد أن قاسى المحن والأهوال (البديعي، جـ1، ص 139-140) فوصل إلى العراق وأمضى مدة من الزمن في الكوفة، ثم استقر في بغداد. وربما كان قد فكر في أن يتصل بالمهلى الوزير البويهي المعروف الذي جمع حوله حاشية ممتازة، ولكنه انصرف عن ذلك للعداء الذي أظهره له الشعراء والعلماء المقربون من هذا الوزير أمثال ابن الحجاج وأبي الفرج الأصفهاني صاحب "كتاب الأغاني". وألقى المتنبي هنا – كما بدأ أن يفعل وهو في مصر من قبل (ابن الفرضي: تاريخ الأندلس، رقم 543) – دروساً على زمرة من الصحاب، شرح لهم فيها أشعاره إلى ذلك الحين (الذهبي: تاريخ الإسلام، بارس رقم 581؛ ورقة رقم 265) فقضى عام 353هـ(964م) على هذا الأسلوب، وربما زار الشاعر الكوفة حوالى هذا العام (انظر Vita di al-Mutanabi: F.Gabrieli ص60، تعليق 4). وعلى كل حال فقد نزح عن العراق وفي عام 354هـ(965م) وذهب عن طريق الأهواز إلى أرجان وهناك نال رضا الوزير البويهي ابن العميد وخصه ببعض مدائحه (الواحدي، ص 740-741؛ البازجي، ص564-565) ثم ترك ابن العميد وذهب إلى شيراز بفارس واتصل هناك بالسلطان البويهي عضد الدولة الذي رغب في أن يكون المتنبي من رجال بلاطه. وبعد أن امتدحه الشاعر بعدة قصائد تعتبر من غرر أشعاره ترك شيراز لأسباب غير واضحة، وربما لم يكن لهذا الرحيل من سبب سوى حنينه إلى وطنه (الواحدي، ص 766، س1-3؛ اليازجي، ص 589). ورجع أبو الطيب من بلاد الفرس إلى بغداد على مراحل قصيرة، وفي الطريق هاجمته قبائل البدو قرب دير العاقول في آخر رمضان عام 354 (أغسطس955) فقتل كما قتل غلامه في غراكه معهم، فتناثر متاعه وفيه ديوانه الذي خطه بنفسه (البديعي، جـ1، ص 227-239).
وقد كان المتنبي محاطاً – حتى في حياته – بالمعجبين المتحمسين الذين دافعوا عن أشعاره بحملتها من هجمات الحاسدين الذين لم يكونوا أقل حماساً في الحط من شأنه. ومعظم هؤلاء نقدوا شعره لأنهم لم يكونوا راضين عن أخلاقه، ولذلك لا يمتاز نقدهم بالإنصاف، وإنما يعبر فقط عن رأي فرقة من الناس. فلما توفي المتنبي نشأت طبقة ثالثة تعجب بشعره كانت أنفذ بصيرة من الأولى وأكثر حذراً من الوقوع في التحيز والمبالغة من الثانية. (الجرجاني: الوساطة، ص11-12، 45-46) وسادت آراء هذه الطبقة الجديدة؛ فلما ذهب جميع معاصري المتنبي ظل جمهور المتأدبين يناصر مناصرة تامة شاعر سيف الدولة، يستثنى من ذلك العسكري وابن خلدون. ومنذ القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) أصبح اسم المتنبي مرادفاً للشاعر العظيم، وقد أثر على الشعر العربي تأثيراً كبيراً لا مثيل له. وقد أصبح ديوان المتنبي طوال العصور الوسطى والعصر الحاضر في متناول العلماء والأدباء من فارس إلى الأندلس بفضل علماء انساقوا في الغالب إلى شرح ديوانه بدافع العاطفة لا بدافع العقل، نخص منهم بالذكر ابن جنى وبعده أبا العلاء والواحدي والتبريزي والعكبري وابن سيده. ولا يتسع المجال هنا للإبانة عن أثر المتنبي في الشعر الذي جاء بعده، ويكفي أن نشير إلى أن كل شعراء المديح من العرب فقد تأثروا المتنبي بأساليب شتى. ولا يزال الناس يقبلون على قراءة شعره إلى يومنا هذا في شمال إفريقية، كما أن المتأدبين في مصر والشام ينزلونه منزلة عليا، وقد خصه كثير من النقاد بالبحوث التي تطفح بالثناء عليه. ويظهر أن أبا الطيب يجتذب الناس في مصر – على الأقل – بفلسفته الجريئة وحماسة للعصبية العربية، كما يجتذبهم بخصائصه الأدبية البحتة.
<center>---------------
</center>
<FORM METHOD=POST ACTION="http://www.ushaaqallah.com/ubbthreads/d ... hp"><INPUT TYPE=HIDDEN NAME="pollname" VALUE="1053461495Hatem">
<input type="radio" name="option" value="1" />ممتاز.
<input type="radio" name="option" value="2" />جيد جداً.
<input type="radio" name="option" value="3" />جيد.
<input type="radio" name="option" value="4" />مقبول.
<input type="radio" name="option" value="5" />غير مفيد.
<INPUT TYPE=Submit NAME=Submit VALUE="أرسل رأيك" class="buttons"></form>

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر