الإمام الغزالي

مراقب: Hatem

شارك بالموضوع
Hatem
مشاركات: 520
اشترك: سبتمبر 10th, 2002, 8:50 pm

أكتوبر 15th, 2003, 7:17 pm

<u><center><font size=+3>الإمام الغزالي
</font></center></u>

يعد الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) حلقة من حلقات التجديد التي أشار إليها الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه الرسول :&#61481; إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها (1)&#61480;. فقد ارتقبت الأمة أمر المجددين مائة بعد المائة، فلم يكن هناك اختلاف حول اعتبار الغزالي مجددا للقرن الخامس و إن عاش خمس سنوات من القرن السادس. و يذكر السيوطي (ت 911هـ) أن قرار الجمهور يمنع الجدال (2) في ذلك كما منعهم في سابق العهد عن الاختلاف حول اعتبار عمر بن عبد العزيز مجددا للمائة الأولى، و الشافعي للمائة الثانية، و لذلك عده السيوطي (ت 911هـ) في منظومتـه عن المجددين الثامن في سلسلـة المجددين قائلا : " و الثامن الحبر هو الغزالي " (3) .
و لد أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في بيئة فقيرة لكنه منح الحضارة الإسلامية غنى لا مثيل له. فقد ترك تراثا ضخما يزيد عن أربعمائة مؤلف (4). كانت ولادة أبي حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي سنة (450هـ) بمدينة "طوس" في خراسان في بيت فقير حيث كان أبوه يكسب قوته و قوت أبنائه من غزل الصوف.
إلا أن هذا المورد المعيشي لم يدم طويلا حيث مات أبوه و هو لا يزال صبيا، فوصى به مع أخيه "أحمد" إلى أحد أصدقائه من المتصوفة. فاهتم بهما و رباهما على العبادة، و العلم، و بعد انقضاء ما تركه الأب من مال، نصحهما هذا الصوفي الفقير بالالتجاء إلى مدرسة ليحصلا على الإيواء، والقوت، و طلب العلم معا و قد دامت آثار هذه التربية الصوفية في نفسية الغزالي سنوات عديدة على شكل كمون في شخصية الرجل، ثم استيقظت في مرحلة فكرية معينة أصيب على إثرها الغزالي بأزمة نفسية تصارعت فيها دوافع عديدة، انتهت به إلى الرجوع إلى عالم التصوف.
و بعد تحصيل العلوم الأولية سافر الغزالي إلى نيسابور طلبا للفقه، و علم الكلام. فالتقى بإمام الحرمين "الجويني" (419/478هـ) و أعجب الأستاذ بذكائه، و تفوقه فشجعه على تحصيل المزيد من العلم. و هناك درس الفقه، و المذاهب، و طرق الاختلاف، و الجدل، و المنطق، و الفلسفة. فانقلب الذكاء إلى شعلة من الكتابة ألف على إثرها الغزالي كتابه "المنخول" في علم الأصول، ثم عرضه على أستاذه الجويني الذي علق عليه قائلا: "دفنتني و أنا حي! هلا صبرت حتى أموت؟ " (5).
و استمر في عطائه الفكري حتى شهد له الجويني شهادة أخرى بقوله : " الغزالي بحر مغدق " (6) . كما جاء في "طبقات الشافعية" العديد من الشهادات حول الإمام الغزالي تشهد له بعظيم منزلته في الأمة فهو "إمام الفقهاء على الإطلاق، و رباني هذه الأمة باتفاق، و مجتهد زمانه، وعين وقته و أوانه " و منهم من قال : إن " الغزالي هو الشافعي الثاني " (7).
و الإمام تاج الدين السبكي (727-771هـ) حين ترجم للغزالي (ت 505هـ) استهل الحديث عنه قائلا : إنه حجة الإسلام و محجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول و المفهوم.
و نقل عن تقي الدين السبكي تشبيهه للإمام الغزالي في مجال العلوم بالنجوم التي يهتدى بها، وفي تخصص " الفقه كالإبريز أخلص بالسبك "(8) . و قال ابن العماد الحنبلي (ت1089هـ) : "الإمام زين الدين، حجة الإسلام، أبو حامد أحد الأعلام، صنف التصانيف، مع التصوف و الذكاء المفرط، والإستبحار في العلم، و بالجملة ما رأى الرجل مثل نفسه "(9) .
و بعد وفاة أستاذه أبو المعالي الجويني إمام الحرمين (ت 478هـ)، استقبلته أول جامعة علمية ببغداد و التي عرفت باسم " المدرسة النظامية "نسبة إلى الوزير السلجوقي " نظام الملك " (10) -ثم اغتياله سنة (485هـ)- الذي تعرف على الإمام الغزالي و عينه بها أستاذا سنة أربع و ثمانين و أربعمائة للهجرة (484هـ). شهدت هذه الجامعة على عهده تألقا كبيرا بحيث كان التوجه العلمي بحاجة إلى ذوي الطموح في دراسة الفلسفة، و نقدها نقدا يحافظ على الهوية الحضارية. و قد وجدت هذه "المدرسة" بغيتها في الإمام الغزالي (ت505هـ) الذي انبرى يبحث في الفلسفة و أصولها، و دراسة كتب المتقدمين منها، والمتأخرين إلى أن ألف على إثر ذلك كتابه "مقاصد الفلاسفة" و الذي أبرز فيه القدرة على امتلاك المنهج الفلسفي، ثم ألف بعده "تهافت الفلاسفة" و الذي انتقد فيه قوانين الفلسفة و قوَّم المنهج الفلسفي، في كثير من قضاياه خصوصا القضايا المتعلقة بالصانع ( الله عز و جل )، و الكون والإنسان. أما الأمور "الطبيعية" التي تحتاج إلى القياسات الرياضية، و المنطقية، و الهندسية، و بعض الجوانب الفلسفية السليمة، فقد أقرها على ما هي عليه.

و قد بذل الإمام الغزالي هذا الجهد في الوقت الذي كانت فيه الأمة في أشد الحاجة إلى القضاء على الخلل الفكري، و الشرخ المنهجي الذي أصاب المعرفة الإسلامية في وقت من الأوقات. فقد "جاء و الناس إلى رد فرية الفلاسفة أحوج من الظلماء إلى مصابيح السماء،و أفقر من الجدباء إلى قطرات الماء، فلم يزل يناضل عن الدين الحنيف بجلاء مقاله، و يحمي حوزة الدين، حتى أصبح الدين و ثيق العرى،و انكشفت غياهب الشبهات "(11).
و استمر أبو حامد (ت505هـ) في عطائه معتقدا أن ما أولاه صديقه الوزير من مهام التدريس في "المدرسة النظامية" قد يكون له الأثر المباشر في إصلاح المجتمع الإسلامي و إنقاذه من الضعف و الانحطاط لكن الغزالي (ت 505هـ) تبين له فيما بعد – خصوصا بعد اغتيال نظام الملك – أن حركة الإصلاح تحتاج إلى منهج آخر مخالف تماما لمناهج التعليم الرسمي، التي تختزن العلم والثقافة في فئة معينة من أبناء الأمة بحيث يتم تلقينهم و توظيفهم فيما بعد في مناصب التدريس،أو الوظائف السلطانية.
و انتبه الغزالي ( ت505هـ) إلى أن "مجموع الأمة" أي أكبر قدر منها هو الطاقة الفعلية لقيام المجتمعات و انهيارها، ثم تأمل في الفعل الإنساني في زمانه فأيقن أن السلوك السائد في مجتمعه لا يمكنه أن ينتج من ذاته صورة إصلاحية ما لم يجدد تحديده لمفهوم "الآخرة" –ومحدداته النظرية والعملية- الذي يبني في نفس المؤمن التطلع، و الشوق للنداء الرباني. فبدون هذه الصلة القوية يظل المجتمع المسلم قاصرا عن تحقيق أهدافه.
و بتعبير آخر فإن الغزالي (ت 505هـ) افترض أن غياب المفهوم الأخروي على مستوى السلوك العام للامة هو الذي أدى إلى خلل في بنية الفعل ذاته، ما دام الفعل يحتاج إلى تلك الطاقة الوسيطة التي تربط العمران بالعبادة، و هذاما تؤكده بنيات الفكر الإسلامي خلال تاريخه الطويل. فالجماعة الإسلامية منذ بداية تكوينها مع الرسول صلى الله عليه و سلم تقرر لديها أنها محتاجة إلى ربط أي فعل من تمثلاتها الواقعية بالغاية الأخروية، وهذا الارتباط يشتغل في أكثر مستويات الواقع الجزئي لقوله تعالى : &#61481; قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين(12) &#61480;
و نظرا لغياب هذا الرابط بشكل من الأشكال في مجتمع الغزالي ( ت505هـ) تراجع هذا الأخير خطوة إلى الوراء قاطعا كل علائقه الاجتماعية، فاستقال من مهام التدريس التي تبين له أنها هي الأخرى تفتقد ذلك، فيقول : "ولاحظت أعمالي" و أحسنها التدريس و التعليم" فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة. و لا نافعة في طريق الآخرة، ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها و محركها طلب الجاه، وانتشار الصيت : " فتيقنت أني على شفا جرف هار. وأني قد أشفيت على النار، إن لم أشتغل بتلافي الأحـوال " (13). و بعد ذلك تخلى أبو حامد الغزالي ( ت505هـ) عن مهامه التعليمية و هو في أوج مجده، و تألقه "بالمدرسة النظامية" و لم يعبأ بمنصبه الذي طالما أغرى الكثير من أقرانه.
و بعد تركه للتدريس ابتعد الغزالي (ت505هـ) عن كل مثيرات الحياة المادية بما فيها أمواله الخاصة. و ظل يفكر في نظام مجتمعه ككل من خلال ما يتدافع في عالمه النفسي من رواسب تربوية صوفية في صباه إلى التفكير في حقيقة "الوجود" الآدمي في الكون على شكل قلق وجودي متعال عما يراه الناس في شكليات الأشياء كالوظائف، و المأكل و الملبس.. هذا الصراع الباطني في شخصية الغزالي (ت505هـ) دفع به إلى البحث عن المنهاج الذي يعيد العلاقة بين فعل الأمة الواقعي، وانعكس على تفكيره الشخصي كما نفهمه من كلامه : " فلم أزال أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا، و دواعي الآخرة، قريبا من ستة أشهر " (14) . إن مجرد التفكير لمدة نصف عام من أجل الخروج من حدة الصراع النفسي كان كفيلا بان يحول الأعراض النفسية إلى مرض جسماني ألزمه الفراش لفترة من الزمن (15) .
هذه الأزمة الروحية التي اضطربت بها جوانب الغزالي النفسية في طريق تحوله إلى المجال الصوفي، خلقت لنا نوعا من الكتابة يتميز بأسلوب فكري له أهميته في معرفة أحوال الغزالي و أحوال عصره. و هو أسلوب الترجمة الذاتية التي نلمسه في كتابه "المنقذ من الضلال" و فيه أهم مراحل وأدوار حياته التي انتهت بالوصول إلى اعتناق المنهج الصوفي.
إذن كانت آخر مراحل الغزالي الحياتية هي قراره بالانسحاب من مجتمعه، و العزلة عنه بعيدا من أجل التفرغ إلى بلورة منهاج إصلاحي اعتزم على استنباطه من قانون المعرفة الصوفية، و آثارها في الاتجاهات النفسية و السلوكية. و قد اقتنع الغزالي (ت505هـ) اقتناعا تاما بالنظام المعرفي الصوفي بعد اختباره لجميع نظم المعرفة المتواجدة في عصره.
و يمكن القول إن الغزالي كان أكثر تشبتا بالمنهج العلمي إذ حاول قياس التقويم النفسي على ذاته أولا قبل أن يعلن للمجتمع عن صلاحية النموذج. فقد كان – رحمه الله – على يقين بأن فاقد الشيء لا يعطيه، فكان حريا به أن ينظر في نوع علاقاته النفسية مع طبائع الأشياء، فمازال يتفكر في أحواله مدة كما يقول و هو بعد "على مقام الاختيار، أصمم العزم على الخروج من بغداد و مفارقة تلك الأحوال يوما، و أحل العزم يوما، و أقدم رجلا و أؤخر عنه أخرى. لا تصدق لي رغبة في طلب الآخرة، بكرة إلا و تحمل عليها جند الشهوة حملة، فتفترها عشية. فصارت شهوات الدنيا تجاذبني سلاسلها إلى المقام و منادي الإيمان ينادي الرحيل الرحيل. فلم يبق من العمر إلا القليل و بين يديك السفر الطويل. وجميع ما أنت فيه مع العلم و العمل : رياء و تخييل، فإن لم تستعد الآن للآخرة فمتى تستعد ؟ " (16) .
و بعد أن غلب عليه قرار العزلة انسحب من بغداد متوجها إلى حج بيت الله الحرام كخطوة أولى ليستمر في رحلته مدة عشرة سنوات بعيدا عن موطنه، متنقلا بين دمشق، و القدس، و مصر، قضى خلالها أوقاتا في البلدان، و أخرى في المساجد، و أخرى في رحاب القفار منهمكا في الفكر والعبادة.
<center>-----------------
</center>
مراجع المقال:
<font size=-5>
1- سنن أبو داود : أبو داود (ت 275هـ) عن أبي هريرة (ت 57هـ)، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، رقم الحديث 3740، الحديث مرفوع متصل، انفرد به أبو داود : رواه عبد الرحمان بن شريح الاسكندراني لم يجز به شراحيل (و شراحيل صدوق وثقه ابن حبان و الذهبي).
2- الإمام الغزالي بين مادحيه و ناقديه : القرضاوي، ص19، ط4، مؤسسة الرسالة، بيروت 1414هـ/1994م.
3- الإمام الغزالي بين مادحيه و ناقديه : القرضاوي، ص 19.
4- تذكر المصادر أن الغزالي ترك فعلا مكتبة تزيد مؤلفاتها عن الأربعمائة مصنف بين فتوى، و رسالة، و كتب خصوصا إذا أضيفت إليها الكتب المرجوحة في نسبتها إليه ( مهرجان الغزالي – دمشق 1961، ص 287، المجلس الأعلى لرعاية الفنون و الآداب، دمشق (د.ت). و قد ذكر كل من جميل صليبا و كامل عياد 228 مؤلفا من غير المنحولة، (المنقذ من الضلال : الغزالي هامش التحقيق لجميل صليبا من 52 إلى 64. دار الأندلس بيروت 1416هـ/1996م) و أيضا ( مؤلفات الغزالي : عبد الرحمان بدوي، و كالة المطبوعات الكويت 1997م).
5- طبقات الشافعية: السبكي، ج6، ص192.
6- طبقات الشافعية: السبكي، ج6، ص192.
7- طبقات الشافعية: السبكي، ج6، ص192.
8- كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون : حاجي خليفة (1017-1067هـ)، ج&#1055; ، ط1، ص 533، دار سعادات، مطبعة العالم، 1310هـ.
9- شذرات الذهب : ج4، ص104.
10- يعتبر " نظام الملك " من أعظم وزراء الدولة السلجوقية شغل منصبه لمدة ثلاثين عاما، كان نصيف الرأي، بعيد النظر، حسن التدبير. و كان يحب العلماء و الفقهاء كثيرا فلما قيل له : " إن هؤلاء شغلوك عن كثير من المصاالح "، قال : هؤلاء جمال الدنيا و الآخرة، ولو أجلستهم على رأسي لما استكثرت ذلك " و تدل سيرته أيضا على أنه كان متدينا بحق يصوم الاثنين و الخميس و لا يجلس مجلسا إلا على و ضوء. (البداية و النهاية : ابن كثير ج 12، أخبار 485هـ، ص140) ( الكامل في التاريخ ابن الأثير، ج10، أخبار عام 485هـ، ص209).
11- طبقان الشافعية السبكي : السبكي، ج6، ص193.
12- سورة الأنعام، آية 164.
13- المنقذ من الضلال : الغزالي، تحقيق عبد الحليم محمود، ص 61-62، ط4 مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرية 1964.
14- المنقذ من الضلال : الغزالي، ص64.
15- المنقذ من الضلال : الغزالي، ص64.
16- المنقذ من الضلال : الغزالي، ص 62.
</font>
<center>======================================
</center>
<FORM METHOD=POST ACTION="http://www.ushaaqallah.com/ubbthreads/d ... hp"><INPUT TYPE=HIDDEN NAME="pollname" VALUE="1066245449Hatem">
<p>تقييمك لهذا المقال:
<input type="radio" name="option" value="1" />ممتاز.
<input type="radio" name="option" value="2" />جيد جداً.
<input type="radio" name="option" value="3" />جيد.
<input type="radio" name="option" value="4" />مقبول.
<input type="radio" name="option" value="5" />غير مفيد.
<INPUT TYPE=Submit NAME=Submit VALUE="أرسل رأيك" class="buttons"></form>

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر