معاني النفس في القرآن الكريم

مراقب: Hatem

شارك بالموضوع
Hatem
مشاركات: 520
اشترك: سبتمبر 10th, 2002, 8:50 pm

نوفمبر 27th, 2003, 7:59 pm

<center><u><font size=+3>معاني النفس في القرآن الكريم
</center></u></font>

النفس لفظ مشترك كغيره من الألفاظ العديدة في القرآن الكريم، و يطلق على معاني كثيرة بحسب مقتضيات السياق القرآني للآيات. و قد ذكرت كلمة " نفس " في ست و ستين و ثلاثمائة (366) آية من اصل اثنين و ستين سورة من القرآن الكريم و تدور مجمل سياقاتها حول المعاني التالية:

<u>أ- الروح التي هي مصدر الحياة </u>كما في قوله عز و جل : {الله يتوفى الأنفس حين موتها}. و قولـه عز و جل:(و لو ترى الظالمون في غمرات الموت و الملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم}، و قوله عز و جل : {فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم و هم كافرون}. و قد جاءت النفس هنا بمعنى الأرواح.
و وردت كلمة " النفس " بمعنى الروح أيضا في الحديث النبوي الشريف في قول الرسول الكريم : (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، و إقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، و حنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله و رضوان، قال: فتخرج كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، و في ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض. قال: فيصعدون بها فلا يمرون يعني بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب). و عن أبي هريرة قال عن النبي أنه قال : (إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب) و(إذا كان الرجل السوء قالوا أخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ذميمة)، و قد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : (يا رسول الله تمر بنا جنازة الكافر أ فنقوم لها، فقال : (نعم قوموا لها، إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس)، أي الأرواح عند الموت.
و إلى هذا المعنى الذي يجعل الروح وجها من وجوه النفس، و معانيها ذهبت المعاجم القرآنية ، وذكر الكفوي ( ت 1094هـ/1683م ) أن النفس هي الروح، "و خرجت نفسه أي روحه" و من ذلك قولهم فاضت نفسه و خرجت نفسه أي روحه . و جاء في "التعريفات" ما يؤكد أن النفس تعني الروح باعتبارها ذلك "الجوهر...الحامل لقوة الحياة...فعند الموت ينقطع ضوءه عن ظاهر البدن، و باطنه" وهو المعنى ذاته الذي نجده في الاصطلاح الصوفي الذي يسمي النفس روحا.

<u>ب- الذات،</u> أي الذات البشرية التي تعني حقيقة الإنسان في جملته، على النحو الذي نجده في قولـه عز و جـل :{و اتقــوا يومـا لا تجزي نفس عن نفس شيئا}، و قولـه عز و جـل :{ لا تكلف نفس إلا وسعها}، و قولـه عز و جل :{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، و قولـه تعالـى :{و لو شئنا لآتينا كل نفس هداها}، و قولـه تعالـى :{فطوعت له نفسه قتل أخيه}، و قوله تعالى :{و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}، قال الدامغاني : "يعني الإنسان بالإنسان ". و كذلك قوله تعالى :{و لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم}، بمعنى "أن يقتل الرجل نفسه ".
و ذكر البخاري (ت 256هـ)، في باب قوله تعالى :{أن النفس بالنفس}، حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي يفيد أن لكلمة النفس معنى الذات البشرية، و حقيقة الإنسان و ذلك في قوله عليه السلام : (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، و الثيب الزاني، و المارق من الدين التارك للجماعة)، و هو المعنى الذي فصله الإمام مالك ( ت 179 هـ)، في قوله : " و المرأة الحرة تقتل بالمرأة الحرة، كما يقتل الحر بالحر... والقصاص يكـون بين النساء كما يكون بين الرجال، و القصاص أيضا يكـون بين الرجال و النساء و ذلك لأن الله تبارك و تعالى قال في كتابه :{و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس... }، فذكر الله تبارك و تعالىأن {النفس بالنفس }، فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر ".
و جاء في "لسان العرب" معنى الذات البشرية كأحد معاني "النفس" في قولنا قتل فلان نفسه، وأهلك نفسه أي أوقع الإهلاك بذاته كلها، و حقيقته . و الجمع من ذلك أنفس، و نفوس، و هو المعنى الذي يعكس جملة الإنسان، و حقيقته، و ذاته كلية من جسم و روح.

<u>ج- ما يكون به التمييز،</u> و هو قوة الإدراك، و الإحساس، و التأثير في الإنسان. و تلك قوة باطنة نلمس أثرها من خلال السلوك، و إذا كانت النفس بمعنى الروح تزول بزوال الحياة فإن النفس التي بمعنى التمييز ترتبط بيقظة الإنسان، و نومه لقوله جل جلاله :{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}. و الذي يميز بين نفس التمييز عن معنى الروح هو ذلك المعنى الكامن في عملية "الإمساك و الإرسال" الواردة في قوله عز و جل :{فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} .
و ذكر ابن منظور فروقا بين النفس بمعنى الروح، و النفس بمعنى التمييز، فالروح هو الذي يكون به الحياة بينما المعنى الآخر يكون به "العقل" < فإذا نام النائم قبض الله نفسه و لم يقبض روحه، و لا يقبض الروح إلا عند الموت > .
و النفس التي يمسكها الله عز و جل أثناء النوم ثم يرسلها هي التي تعكس معاني العقل، والتمييز، و بهذا المعنى يكون لكل إنسان نفسان : < إحداهما نفس التمييز و هي التي تفارقه إذا نام فلا يعقل بها، يتوفاها الله كما قال الله تعالى، و الأخرى نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس > .
و قد ورد في الحديث الشريف ما يؤكد معنى التمييز للنفس لقوله {إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم ليقل باسمك رب وضعت جنبي و بك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمهـا و إن أرسلتهـا فاحفظها بما تحفظ عبادك الصالحين} . و هذا الإمساك، و الإرسال يتجاذب النفس في حالتي الموت، و النوم يؤكد بشكل كبير متى يكون للنفس معنى التمييز، و الإدراك، و العقل، و متى ينقطع عنها هذا المعنى انقطاعا جزئيا في حالة النوم، أو انقطاعا كليا في حالة الموت، و هو المقصود بالوفاة الصغرى عند النوم، و الوفاة الكبرى عند الممات لقوله عز و جل : { و هو الذي يتوفاكم بالليل و يعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون و هو القاهر فوق عباده و يرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا و هم لا يفرطون}.
و قال ابن عباس ( ت 68 هـ)، < في ابن آدم نفس و روح مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل و التمييز، و الروح التي بها النفس و التحريك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه و لم يقبض روحه > و رغم أن كلام ابن عباس ( ت 68 هـ) يشير إلى قبض مجال التمييز، و العقل، والإدراك، و التصوف إلا أن فيه ما يوحي إلى أن، النفس شيء، و الروح شيء آخر و لذلك ذكر الإمام القرطبي من رد على هذا القول لما فيه من < بعد إذ المفهوم من الآية لأن النفس المقبوضة في الحال شئ واحد، و لهذا قال : ( فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى) فإذا يقبض الله الروح في حالين، في حالة النوم و حالة الموت، فما قبضه في حال النوم فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شئ مقبوض، و ما قبضه في حال الموت فهو يمسكه و لا يرسله إلى يوم القيامة. و قوله : (و يرسل الأخرى) أي يزيل الحابس عنه فيعود كما كان. فتوفى الأنفس في حال النوم بإزالة الحس، و خلق الغفلة، و الآفة في محل الإدراك. و توفيها في حالة الموت بخلق الموت، وإزالة الحس بالكلية (فيمسك التي قضى عليه الموت) بأن لا يخلق فيها الإدراك كيف و قد خلق فيها الموت ؟ ( و يرسل الأخرى) بأن يعيد إليها الإحساس > . فلا فرق إذا بين النفس و الروح إذ هما شئ واحد .

<u>د- النفس بمعنى الذات الإلهية</u>: لقوله تعالى : {و يحذركم الله نفسه}، و قوله عليه السلام : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة)، و قوله جل جلاله :{يا موسى واصطنعتك لنفسي}، فنفسه عز و جل "ذاته" ، و لأن النفس تعني ذات الشيء، و حقيقته فإنها < تطلق على الله تعالى > ، و ورد أيضا أن النفس هنا بمعنى "العقوبة" فقوله تعالى : {و يحذركم الله نفسه} أي عقوبته ، و هو المعنى الذي ذهب إليه ابن منظور أيضا في قوله : < يحذركم إياه > .

<u>هـ- النفس بمعنى الدم ،</u> و إنما سمي الدم نفسا لأن خروجه الذي يعني الموت يكون ملازما لخروج النفس، و من قول العرب : < تسيل على حد الظبات نفوسنا > . و من ذلك أيضا قول العرب نفست المرأة إذا حاضت، و قولهم للمرأة في الولادة نفساء.
و إلى هذا المعنى ذهب أحد الباحثين المعاصرين حين اعتبر أن النفس حقيقة هي الدم لاعتقاده في الدليلين اللغوي، و العلمي الذي يفصح عن جهود علماء الكيمياء العضوية الذين ساروا < يكتشفون تباعا أن كل القوى العقلية، و الانفعالات، و التصرفات التي ندرسها اليوم تحت اسم الظواهر، والأمراض النفسية،و العقلية ما هي إلا نتيجة لتداخلات و مؤثرات مادية بواسطة مواد بيوكيميائية تفرزها مجموعات من الخلايا، و تصب كلها في الدم، أو السوائل الناشئة منه، و الذي ينقلها بدوره إلى مختلف أعضاء الجسم التي ستكون مسرح الانفعالات، و التصرفات التي ندعوها بالنفسية > .

و بالإضافة إلى هذه المعاني فقد وردت كلمة "نفس" في القرآن الكريم بأوجه أخرى عديدة، لا يمكن حصر معانيها إلا من خلال سياق الآيات القرآنية كما في قوله تعالى :{لقد جاءكم رسول من أنفسكم}، قال الدامغاني : < من أنفسكم أي منكم > ، و قوله تعالى : {فاقتلوا أنفسكم}، أي ليقال بعضكم بعضا ، و قوله تعالى :{ و لا تقتلوا أنفسكم} يعني أهل دينكم . و كذلك في قوله تعالى : {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا}، فإن النفس تعني هنا الألم يعني بأمهاتهم خيرا، كما تعني " الغيب" في قوله تعالى عز و جل :{تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك} بمعنى < تعلم ما في غيبي و لا أعلم ما في غيبك > ، أو بمعنى العند{و لا أعلم ما في نفسك} أي ما عندك و تعني أيضا < العظمة، و الهمة، والعزة، و الأنفة، والغيب، و الإرادة > . وهي معاني لا بد فيها من استحضار السياق القرآني < عند ضبط المعنى المقصود بهذه الكلمات حتى لا تتناقض معانيها، أو تحمل معنى واحد في جميع المواضع. فإنها تطلق على بعض معانيها أحيانا، وتطلق و يقصد بها سائر المعاني التي لها في اللغة أحيانا > .
و المتتبع للاشتراك اللفظي في معاني النفس، يكتشف أن المفهوم العام للنفس من خلال العلاقات الدلالية يوازي العالم الذاتي للإنسان، و الذي يتشكل من مجموع القوى الحيوية التي تدرك المعاني، و تضبط الإحساس، و تتحكم في الإرادة، و تتعطل بالنوم، و تتوقف بالموت، إلى غير ذلك من الأمور التي تحدد الذات العاقلة، الحساسة، و المدبرة لمجموع الإنسان.

و في استعمال أهل التصوف نجد "النفس" في معناها الاصطلاحي تعني ماهية الإنسان، والأصل الجامع للصفات السلوكية عموما، و الصفات السلوكية الذميمة خصوصا، لذلك أكثر الصوفية من الحديث عن "المجاهدة" التي تقتضي تأديب النفس وفق نظام تربوي خاص.
و على هذا المنوال كان المقصود بالنفس في معناها الخاص < ما كان معلولا من أوصاف العبد، و مذموما من أخلاقه و أفعاله > لأنه < يحتمل أن تكون النفس لطيفة مودعة في هذا القالب هي محل الأخلاق المعلولة > ، و إلى هذا المعنى ذهب أغلب الصوفية بما فيهم الذين جاءوا بعد القرن الخامس الهجري، و قد عرفت عند العديد منهم بأنها معدن الأخلاق الذميمة ، في حين أشار الإمام الغزالي ( ت 505 هـ ) إلى المعنيين، و أن أحدهما يطلق و يراد به المعنى الجامع للصفات المذمومة..و هو المفهوم عند إطلاق الصوفية، فيقال من أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك. و الثاني أن يطلق و يراد به حقيقة الآدمي و ذاته..و هو الجوهر الذي هو محل المعقولات .
لكن هذا التحديد لا يطلقه الصوفية على النفس إلا إذا اقترنت بالحديث عن مفهوم السلوك الإنساني، أما النفس من حيث الماهية فهي : < جوهرة حية، عالمة، فعالة، دراكة، علامة > ، و هذا التعريف يؤسس السمة النوعية للنفس البشرية التي تميز الإنسان عن غيره من حيث التعقل، و التفكر، و التدبير، و جميع ما يكفل نظام الوعي بالواقع، و يضمن للجسم كماله في التفاعل مع محيطـه. و بما أن < النفس كمـال جسم طبيعي آلي > ، أي أنها تضفي صفة الكمال على الجسم بأن تزود أعضاءه بالإدراك، و الإحساس، و الحركة فمن الطبيعي أن تكون < النفس هي لوح العلوم و مقرها ومحلها> ، لكي تتمكن من استعمال الجوارح البدنية في مختلف أنواع الإدراك، و الحركة.
و تلك الاستعمالات التي تتجلى آثارها في السلوك الإنساني هي الطريق الوحيد الذي يستدل به على النفس ما دامت بنيتها ليست ملموسة بشكل مباشر، و ذلك لأن < النفس أعز من أن تدرك بالحواس الخمس،بل تدرك بالعقل و يستدل عليها بآثارها، و أفعالها > و ليس المقصود بالأثر صفات السلوك الخارجي فقط، بل هناك < الصفات النفسانية الباطنية كالفرح، و السرور، و الغم، و الحزن، والألم،و اللذة، و العشق، و الشهوة، و القوة، و الإرادة...> ، و يشير الإمام الغزالي ( ت 505 هـ)، بذلك إلى نظامي الدوافع،و الانفعالات التي تعرف غالبا كمراكز للغرائز، و الميول، و العواطف، والوجدان.
<center>----------------------
</center>
<FORM METHOD=POST ACTION="http://www.ushaaqallah.com/ubbthreads/d ... hp"><INPUT TYPE=HIDDEN NAME="pollname" VALUE="1069963181Hatem">
<p>تقييمك لهذا الموضوع:
<input type="radio" name="option" value="1" />ممتاز.
<input type="radio" name="option" value="2" />جيد جداً
<input type="radio" name="option" value="3" />جيد.
<input type="radio" name="option" value="4" />مقبول.
<input type="radio" name="option" value="5" />غير مفيد.
<INPUT TYPE=Submit NAME=Submit VALUE="أرسل رأيك" class="buttons"></form>

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر