الزمن في القرآن الكريم (4) - قياس الزمن وخصائصه

مراقب: Hatem

شارك بالموضوع
Hatem
مشاركات: 520
اشترك: سبتمبر 10th, 2002, 8:50 pm

ديسمبر 2nd, 2003, 8:18 pm

<u><center><font size=+3>الزمن في القرآن الكريم
</font></u></center>

<u><center><font size=+2>قياس الزمن وخصائصه في القرآن الكريم</font></u></center>
نقصد بالزمان الدنيوي، الزمان الطبيعي المحسوس الذي يخضع لتقديراتنا الذاتية، الغير المتعالي عن أدواتنا المعرفية، المنضبط لقدراتنا الإدراكية، المتوقف على حركة الشمس، والقمر، المؤطر لحركات وسكنات سائر الخلائق في الحياة الدنيا، المبتدئ ببداية خلق الكون، والمنتهي بقيام الساعة.

فالله عز وجل خلق الدنيا وخلق لها الزمان، المقدر لرحلتها العمرية، والمنظم لحركة الاستخلاف فيها كما قال ابن جزم:<<ولا شك في أن الله تعالى إذ خلق الجسم فإنما يخلقه في زمان ومكان فإن لا شك في ذلك>> .

وقد تحدث القرآن الكريم عن هذا النوع من الزمان باستفاضة وتوسع ظاهرين. إذ لا نكاد نجد سورة من سور القرآن الكريم تخلو من ذكره، وهكذا تناوله عز وجل من جملة نواح منها:

<u> أ- آلات قياسه:</u>
فقد ذكر الله عز وجل الشمس والقمر باعتبارها آيتين من آيات الله عز وجل، وآلتين لقياس الزمن في ثمانية وثلاثين موضعا معرفين بالألف واللام إلا في موضعين اثنين وردا نكرتين هما قوله تعالى :<<تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا>> . وقوله<<متكئين فيها على الأرائك، لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا>> . كما جاء ذكر الليل والنهار – كليهما معا أو أحدهما مفردا – باعتبارهما وعائين لهذا الزمن الدنيوي في نحو ثلاثة وتسعين موضعا من القرآن الكريم، ونذكر من الآيات التي نص فيها صراحة على قياس الزمان قوله تعالى:<<فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا، ذلك تقدير العزيز العليم >> وقوله عز وجل أيضا:<<وجعلنا الليل والنهار آيتين، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم و لتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا>>3.

وقد اتخذ الإنسان منذ القدم مجموعة من الظواهر الطبيعية المتكررة كمقاييس للزمن، من ذلك حركة الشمس الظاهرية من شروق وزوال وغروب، والأحوال المختلفة للقمر، وذلك في تقدير وحساب الأوقات . واعتمد العرب التقويم القمري وأجروا عليه حسابهم، حتى ظن الأستاذ حلمي عبد المنعم صابر أنه التقويم الذي سار عليه كل الأنبياء والمرسلين يقول :<<واغلب ظني أن التاريخ القمري أو الحساب القمري كان هو حساب كل الأنبياء السابقين>> واستدل على ذلك بما ذكره ابن كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: حج رسول الله فلما أتى وادي عسفان، قال : أي النبي، لقد مر بهذا الوادي نوح وهود وإبراهيم على بكرات حمر خطمهم الليف أزرهم العباء، و أرديتهم النهار يجبون البيت العتيق>> .

وقد أهملت أحوال القمر العرب، فتساءلوا عن القمر ما باله يبدو هلالا...ثم يكبر حتى يستدير بدرا في التناقص حتى يرتد هلالا...ثم يختفي ليظهر هلالا من جديد ؟ فأجاب القرآن الكريم عن ذلك في قوله عز وجل:<<يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج>> أي جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وعدة نسائهم ومحل دينهم وقد خص تعالى الحج بالذكر مع أن الأهلة مواقيت لعبادات أخرى، دلالة على أن الحج مقصور وقت أدائه على الزمن الذي حدده الله تعالى والكف عن نقل الأشهر الحرم بما فيها ذو الحجة إلى شهر آخر غير حرام.

ونجد أن الشارع قد خص المواقيت بالأهلة والشهور التي يحددها القمر دون الشهور الشمسية لأن الأشهر الهلالية يسهل معرفتها لدى الأمي والمتعلم من جميع الشعوب بواسطة مراقبة الهلال. أما الشهور الشمسية فيتطلب حسابها معرفة دقيقة بحركة الأفلاك، والرياضيات المعقدة. والأهلة عموما يختلف حسابها بزيادة ونقصان من حيث الرؤية وموافقة هذه الرؤية لأول الشهر<<فيمكن أن تكون شهور متوالية تامة، وشهور متوالية ناقصة فلا يتفق في كل وقت أن يكون أول الشهر بالعلامة، والرؤية يوما واحدا. بل ربما تقدم حساب العلامة بيوم واحد أو يومين، وربما وافقه، ولا يمكن أن يتأخر عنه ومع ذلك فالحسابان متساويان على طول الزمان>> ومنذ عهد النبوة وطوال تعاقب السنين، عكفت الدولة الإسلامية وولاتها على العناية بمراقبة الهلال ورصدت لذلك أعوانا وموظفين وأوقافا عديدة.

وشيئا فشيئا اتجهت عناية الدولة الإسلامية إلى محاولة توقع الرؤية بالحساب وإبان النهضة الإسلامية بالذات، برع علماء وفلكيون عديدون في توقع الرؤية ووصفوا لها قواعد يستدل بها عن إمكان رؤية الهلال وامتناعها، ولقد اخترع العلماء العرب آلات عديدة لمعرفة ذلك، كالأرباع المجيبة، والمقنطرة والاسطرلاب سعيا منهم في معرفة أوقات الصلاة والاستدلال على موقف الهلال، ومكان شروقه أو غروبه. وقد كانت القواعد المذكورة من الاستنباط الخالص للمسلمين لأن الإغريق لم يولوا اهتماما يذكر لهذه المسألة، نظرا لغياب الحافز على ذلك.

وقطع العرب أشواطا عديدة في علم الفلك والهندسة، والرياضيات في سبيل معرفة الرؤية فوضعوا ازياجا دقيقة، وجداول عديدة، لتتبع الشمس والقمر اعتمد عليها الفلكيون الغربيون في عصر نهضتهم.

<u> ب- خصائص:</u>
إن في تناول القران للزمان الدنيوي، تناول لجملة خصائص متمثلة أساسا في كونه كائن مخلوق كسائر الخلائق، له وجود معجل ببداية، ومؤجل بنهاية، وبمراحل تجعل منه زمنا سريع الانقضاء يقول عز من قائل:<< ويوم نحشرهم كان لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم>> وقال تعالى أيضا في موضع آخر <<كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها>> . لذلك وجب إدراك هذه الخاصية حق إدراكنا حتى تتمثل للإنسان حقيقة هذه الدنيا، وتتمثل له بالتالي حقيقة التعامل مع زمانها. وقد أشار القرآن الكريم إلى سرعة مرور الزمن بالإنسان عامة، وسرعة انقضاء عمره خاصة، وذلك في تعالق مع حقيقة الموت التي تجعل من العمر مهما طال قصيرا>> فقد حكي عن شيخ المرسلين نوح عليه السلام أنه جاءه ملك الموت ليتوفاه بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان وبعده فسأله يا أطول الأنبياء عمرا، كيف وجدت الدنيا؟ فقال كدار لها بابان، دخلت من أحدهما،ـ وخرجت من الآخر>> .

فاقتراب الزمان من ساعة نهايته، يجعل أقسامه الزمنية الطويلة تتراجع، إلى قياسات صغيرة، وأدهره إلى أجزاء محدودة، وسنينه إلى ساعات محدودة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:<<لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة من النار>> .

وسرعة الانقضاء هاته، لا تتعارض وسعة عمر الإنسان التي يمكن أن تستوعب، تنفيذ جميع التزامات هذا الإنسان اتجاه ربه واتجاه من حوله. ولذلك فالإسلام يعطي لكل مرحلة ممارسة الاستخلاف << فهو لا يتعامل مع هذه المراحل تعاملا شموليا يهدر كل ملامح كل مرحلة، ولكنه يعطي لزمان الطفولة نوعا من عدم المسؤولية حتى تكتمل، ولزمان الصبوة نوعا من المسؤولية العاطفة حتى تخرج عن جماحها إلى سواء التعقل، ولزمان الرجولة نوعا من المسؤولية الكاملة بما هي قد استقرت على أعراف النضج والاكتمال ليس ذلك فحسب ولكن الإسلام قد يلغي ضوابط المسؤولية تماما عن الزمان حتى يستيقظ... فالإسلام يبني تقييمه النهائي للزمان من خلال وعي الإنسان به وحركته فيه>> .

ومن خصائص الزمان الدنيوي أيضا، أن ما سلف منه و مضى، وانقضى لا يعوض وقد ذكر القرآن الكريم مواقف يتحسر فيها الإنسان على ضياع وقته وانقضاء أجله ويود لو أخر عن هذا الأجل، أو منح فرصة أخرى لاستثمار وقته على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، قال تعالى:<<يا أيها الذين آمنوا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول: ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق ولكن من الصالحين>> .

وقال تعالى أيضا:<<والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يمطرخون فيها: ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كما نعمل، أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا فما للظالمين من نصير>> .

لكن الله عز وجل قطع الأعذار، حين أعطى كل مكلف من العمر ما يتسع لعمل ما كلف به، ويذكره إذا غفل عنه وبخاصة من عاش حتى بلغ الستين من عمره، ففي هذا القدر من السنين ما يكفي لأن ينتبه العاقل، ويؤوب الشارد ويتوب العاصي وفي الحديث الصحيح: <<اعذر الله إلى امرئ آخر أجله حتى بلغه ستين سنة>> من هنا كان واجبا على كل مسلم ومسلمة اغتنام كل دقيقة في العمر وإلا يفرطوا في زمانهم، وإلا يضيعوا أوقات فراغهم في لهو وعبث، فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:<<نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ>> .

<u> ج- تفضيل بعض أجزائه على بعض:</u>
لقد اقتضت حكمة الخالق عز وجل أن تتجلى وتتمظهر في الآفاق وفي الأنفس، وتمتد لتشمل الاختلاف والتنوع كسنة من سنن الله عز وجل في خلقه. وشاءت حكمته كذلك أن تتفاضل هذه الأنواع وهذه قال تعالى:<< إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر>> ولقد كان بعض السلف الصالح يسمون الصلوات الخمس<< ميزان العام>> ويسمون الحج <<ميزان العمر>> حرصا منهم على أن يسلم لأحدهم يومه أولا، فإذا مضى اليوم كان همه في سلامة الأسبوع، ثم في سلامة العام، ثم في سلامة العمر في النهاية. وذلك هو ملك الختام.

لذلك وجب على المؤمن <<أن يعرف ما يتطلبه الوقت من عمل القلب، واللسان، والجوارح، فيتحراه ويجتهد في القيام به، حتى يقع موقعه من الموافقة للمقصود، ومن القبول عند الله عز وجل، وقد جاء في وصية أبي بكر لعمر حين استخلفه: أعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالنهار.(...) ويقول بعض العارفين: أوقات العبد أربعة لا خامس لها: النعمة والبلية، والطاعة، والمعصية، ولله في كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية>> .

وفي بيان الحكمة من جعل أجزاء الزمان غير متشابهة، بتفضيل بعضها عن بعض وتخصيصا بمزيد التعظيم والاحترام، يقول الفخر الرازي:<<ان ترك تلك القبائح في تلك الأوقات، ربما يكون سببا إلى الإعراض عنها مطلقا وكذلك أن الإنسان إذا أتى بالطاعات في تلك الأوقات وأعرض عن المعاصي فيها، فبعد انقضاء تلك الأوقات لو شرع في القبائح والمعاصي صار شرعه فيها سببا لبطلان ما تحمله من العناء والمشقة في أداء تلك الطاعات في تلك الأوقات والعاقل لا يرضى بذلك>> .

فإنما تمتعت هذه الأزمنة بحرمة أكثر، نظرا لالتصاقها بأداء بعض المناسك والعبادات، أو لاقترانها بتجليات الأمر الإلهي، كالأشهر الحرم لعلاقتها بمناسك الحج، وشهر رمضان لارتباطه بنزول القرآن. وفي ما عدا ذلك يظل الزمان مجالا موحدا للعمل والعبادة وكل أوقاته صالحة للذكر والتبتل والتقرب.

وينبغي أن لا ينظر إلى هذا التفضيل كذريعة يتعطل بها الفعل التعبدي في الزمن التعبدي، لأن حكمة العبادة تمتد في الزمن وليس في مجرد الزمان الإطار فكل عبادة تتضمن في ذاتها مضمونا يتجاوز الزمان الذي اقتت به<<أي تصبح الصلاة – مثلا- في المسجد نهيا شاملا عن الفحشاء والمنكر في السوق، والشارع وسائر علاقات الإنسان بالتاريخ، ويصبح الصوم في رمضان امتدادا بحس التعاطف مع كل المقهورين في كل آناء الزمن...وتصبح الزكاة في مواسمها إحياء لمناطق الضمير الاجتماعي تجاه كل الظاهرة في كل المواسم...

ويصبح الحج نقطة انطلاق إلى الهجرة الكاملة من الزمن وفي الزمن... وهكذا تصبح هذه العبادات كلها تشكل كل التاريخ الحياتي، ويصبح زمانها الخصوصي قادرا باستمرار على مخاطبة العام، من خلال هذا الخاص الحميم>> .
<center>----------------
</center>
<FORM METHOD=POST ACTION="http://www.ushaaqallah.com/ubbthreads/d ... hp"><INPUT TYPE=HIDDEN NAME="pollname" VALUE="1070396319Hatem">
<p>رأيك في هذا المقال:
<input type="radio" name="option" value="1" />ممتاز.
<input type="radio" name="option" value="2" />جيد جداً.
<input type="radio" name="option" value="3" />جيد.
<input type="radio" name="option" value="4" />مقبول.
<input type="radio" name="option" value="5" />غير مفيد.
<INPUT TYPE=Submit NAME=Submit VALUE="أرسل رأيك" class="buttons"></form>

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر