الابن - في المفهوم المسيحي

مراقب: Hatem

شارك بالموضوع
Hatem
مشاركات: 520
اشترك: سبتمبر 10th, 2002, 8:50 pm

مارس 2nd, 2004, 10:55 pm

<u><center><font size=+3>الابن
</font></center></u>

<u><center><font size=+3>حسب المفهوم المسيحي</font></center></u>
"الابن" في المعتقد المسيحي، هو اسم الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. ذلك أن الله، في المعتقد عينه، آبٌ وابنٌ وروح قدس، أي أقانيم ثلاثة في جوهر احد. وقد سيق الكلام، في باب "الآب"، عن الأقنوم الأوّل، المبدأ والمصدر. وهذه خلاصة الوحي في الأقنوم الثاني.
في العهد القديم: لم يوضح العهد القديم حقيقة الابن، كيلا تتعرّض عقول الناس، في ميلها إلى التجسيم، للوقوع في الشرك. ولكنه أشار إليها إشارات تبيّن، بعد تمام الوحي، أن معناها لا يكمل ما لم يُرَ من خلالها الابن. وهذا ما أجمله غريغوريوس النزينزي بقوله: "أن العهد القديم أظهر الآب بوضوح، والابن بغموض.." (خطب في الله 5: 26، الآباء الروم 36: 161). وليس يرى الابن في هذه الإشارات إلا من آمن به، على نحو النبوّة، التي ليس يُدرك معناها إلا من آمن بتمامها.
وقد أشار العهد القديم إلى الابن في مواطن عدة، ليست من الإيحاء بالنسبة عينها، فقد رأى بعض الآباء في تجلي الله للأولياء إشارة إلى الابن، معتمدين المبدأ ان الآب خفي لا يُرى، وان الذين تراءَى ودعاه الكتاب "ملاك" الرب (تكوين 16: 7 ـ 14، 22: 11 ـ 14، 28: 12 ـ 19، خروج 3ـ 4 الخ) أن هو إلا الابن، الذي سيظهر بالجسد، وقد يظهر في الرؤيا.
ولكنها، والحق يقال، إشارة غامضة ورد في العهد القديم أوضح منها وأغنى. معلومٌ أن العهد القديم الحف في توجيه قلوب المؤمنين إلى المسيح الآتي، والمسيح الآتي وضعه الكتاب أوصافاً لا تستكفي معناها لو كان المسيح بشراً فحسب. اجل لم يطلق العهد القديم على المسيح لقب "ابن الله" نصاً، وان كان قد أطلقه على "إسرائيل" وبخاصة على "الأبرار"، ولكنه لقب تدل القرائن على انه لا يتعدّى التعبير عن "الرضى". وأطلقه كذلك بنوع خاص على داود وذريته "أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً" (2 ملوك 7: 14)، وما من شكّ في ان هذه البنوّة ارفع من بنوّة إسرائيل وبنوة الأبرار، وفي أنها كذلك ارفع من السلالة الملكية، ذلك أن غير واحد من ذرية داود لم ينعموا بها. فهي إذن تدل على شرف خاص، ان كن شرف داود وشرف سليمان يشبهان به، فهو أمسى وأعظم. وفي المعنى عينه وأقوى، جاء في المزمور الثاني، إن الله "أعطاه الأمم ميراثاً له" لأنه ابنه: "قال لي: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك" (مزمور 2: 7 ـ 9). ولك يفت كاتب الرسالة إلى العبرانيين ما في هذه الآيات من ميزات لم يبلغ إليها مخلوق، فصاح: "لمن من الملائكة قال: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك، وأيضاً: أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً" (عبرانيين 1: 5) وان أضفنا إلى هذا المزمور ما جاء في مزامير أخرى من إن المسيح، ولو من نسل داود، هو أرفع منه شأناً وأقدم زمناً (مزمور 109: 1، 7: 5 11) لا حرجنا الواقع إلى التسليم بان هذا "المسيح" ليس مجرَّد رسول من قبل الله، حائز على رضاه، إنما هو بين الناس ومن الناس، ارفع منهم قدراً وأسمى طبعاً، وان الله خصّه بما لا يخص به رسولاً من شرف القرب غليه. ومن النوع عينه الإشارات التي وردت على لسان الأنبياء، واشهرها دعوة المسيح المنتظر "عمانوئيل" في إشعيا (7: 14) ورؤيا دانيال في "ابن البشر" (دانيال 7: 13 ـ 15). ومن الإشارات إلى الابن في العهد القديم ما ورد في الحكمة وأوصافها. وقد وصف الكتاب الحكمة الأزلية وشخصها تشخيصاً يصعب أخذه على مأخذ الاستعارة، التي لا تتعدّى البديع. واشهر هذه الأقوال المقاطع الثلاثة الواردة في سفر الأمثال (8: 1 ـ 36).
وفي هذه المقاطع الثلاثة في الحكمة لا تصح في من ليس طبعه من طبع الله. فعن نفسها تول الحكمة: "الرب حازني في أول طريقه، قبل ما عمله منذ البدء،.. وُلدت حين لم تكن الغمار... إذ كان لم يصنع الأرض بعد... (أمثال 8) "إني خرجت من فم العلي بكراً قبل كل خليقة... قبل الدهر لا أزول" (ابن سيراخ 24) الحكمة "ضيا. النور الأزلي ومرآة عمل الله النقية وصورة جودته" (حكمة 7: 27). ولم يفت بولس الرسول وهو من هو في علم الكتاب قبل الهداية عينها، ان يستشهد بهذه الآيات عندما ذكر في رسائله أمجاد المسيح "الذي هو صورة الله الغير المنظور وبكر كل خلق" (كولسي 1: 15) وفي ذلك دليل على ان المعنى البعيد الذي تشير إليه هذه الآيات إنما يتم في المسيح ابن الله.
وعلى مثل هذا النحو من التشخيص تكلّم الكتاب عن "كلمة" الله، فجعلها قديرة، فعَّالة، خلاّقة (تكوين 1: 3...، مزمور 32: 6 ـ 9، هوشع 6: 5، حكمة 18: 15 ـ 16). وهي الوقت عينه مرتبطة بالحكمة، بمعنى ان الحكمة مضمون الكلمة وماهيتها.
وستتوضّح هذه الإشارات فيما سيكشفه الابن عن ذاته في العهد الجديد.

في العهد الجديد: الآب والابن طرفا نسبة، ولا يتم إيضاح أحدهما دون الآخر. والعهد الجديد الذي علم بصريح العبارة ان الله "آب" علم، في الوقت عينه، ان له "ابناً"، وان هذا الابن ليس كسائر أبناء الله لأنه "هو والآب واحد" أي من جوهر واحد (يوحنا 10: 30، 8: 19) بينما سائر الأبناء إنما هم كذلك بالتبني، لا بالطبع شأن "الابن الوحيد".
على انه لا بدّ من إضافة ان العهد الجديد قد سلّط على الابن جميع الأضواء التي كانت قد لاحت في العهد القديم ولما تنكشف لحمتها. قصدَّر يوحنا انجيله، الذي كتب "لتؤمنوا بان يسوع هو المسيح ابن الله" (يوحنا 20: 31)، بمقدمة عن "الكلمة الأزلي" بلغ التشخيص فيها شأوّا لا يصح في حال من الأحوال ان يؤخذ مأخذ الاستعارة، وقد جاء فيها: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله... كلّ به كُوِّنن وبغيره لم يكوَّن شيء مما كُوّن... والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا". (يوحنا 1: 1 ـ 2 ـ 14). وليس من يقرأ هذه المقدمة إلا ويذكر ما جاء، في العهد القديم، عن "الكلمة" و"الحكمة"، وإلى هذا الرأي يميل شرّاح اليوم بعد إن ظنوا حيناً إن يوحنا قد يكون استغل تعبير فيلون للإفصاح عن مضمون الوحي.
والكلام عينه نجده في استشهاد بولس بما ذكره العهد القديم عن الحكمة في معرض كلامه عن الابن، وقد سبقت الإشارة إليه (عبرانيين 1: 5، كولسي 1: 15)، علاوةً على ما جاء في رسائله من شهادات صريحة بالوهية الابن اشهرها ما ورد في فيلبي 2: 6 ـ 11 وكولسي 2: 9.
ومن هذا ومثله ان الأضواء التي لاحت في العهد القديم لتوجيه المؤمنين صوب المسيح المنتظر، سواءٌ في موضوع المخلص، او "عمانوئيل"، أو "الحكمة"، أو "الكلمة" إنما تالفت وتوحدت وتمت في ما كشفه العهد الجديد عن المسيح "ابن الله الوحيد". فكان مجمل الوحي في "الابن" انه الاقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، له ما للآب، وهو والآب جوهر واحد، وهو غير الآب، وهو والآب اقنومان متميّزان، من الآب ولد منذ الأزل، وهو صورته ومثاله. وهو هو الذي تأنّس ووُلِد بالجسد من مريم بنت داود.
في تعليم الكنيسة: ابن الله الوحيد، في قلوب تلاميذه، ومَن آمن على يدهم، وفي الأجيال المسيحية الأولى. وقد كان هذا الإيمان أساس انفصال كنيسة المسيح عن اليهود، لان الإيمان بالمسيح ابن الله، الذي وُلد من مريم ومات وقام، كان الحد الفاصل بين المسيحية واليهودية. وقد كانت الطقوس الجديدة ـ ولا سيما العماد وعشاء الرب ـ تعبّر عن هذا الإيمان وترسّخه في وقت معاً.
وحاول الآباء المناضلون" في الجيل الثاني عرض الإيمان بألوهية الابن في صيغة فلسفية تقرّبه من أذهان المثقفين، الآخذين يوم ذاك بالافلاطونية الحديثة ولاسيما بنظريات فيلون. فأوّلوا النصوص الكتابية في "الكلمة" و"الحكمة" تأويلاً يقيم تقارباً بينها وبين نظرية فيلون في "الكلمة". ولكن تأويلاتهم، على ما فيها من محاولة جريئة، لم تخلُ من الشوائب، وان كانت تتعلق بشرح المعتقد شرحاً علميّاً أكثر مما تناول المعتقد في صلبه.
وممن جروا في التيار عينه، وغالوا حتى خرجوا على التقليد، آريوس فعلّم ان "الكلمة" مخلوق عن لا شيء، وانه ليس من جوهر الله في شيء، وانه لم يكن ثم كان، فهو بالتالي متميز عن الله اقنوماً وطبعاً. هو أول المخلوقات وأقدمها. فحرمه المجمع المسكوني الأول المنعقد في نيقية، سنة 325، الذي ضبط تعليم الكنيسة في الابن بـ"قانون نيقية".
وباضمحلال بدعة آريوس، ثبت الإيمان بألوهية الابن ثبوتاً راسخاً شاملاً، فتح للآباء وللاهوتيين فيما بعد مجال البحث في ميزات الابن، فأوضحوا ان ولادته من الآب هي ولادة روحية أزلية، وان اقرب ما يقرب منها هو انبثاق الكلمة (الباطنية) عن العقل. ولذلك فالابن صورة الآب وشبهه بحيث ان من "رأى الابن رأى الآب" مع فرق وهو ان انبثاق الكلمة عن العقل حادث، في حين ان ولادة "الكلمة الأزلي" ليست حادثة.والمزمور بقوله: "أنا ـ اليوم ـ ولدتك" إنما يعني بكلمة "اليوم" استمرار الدوام الأزلي، وتدليلاً على ولادة الابن الروحية وكونه صورة الآب، أجمل الآباء رأيهم بقولهم: "إنما هو الابن لأنه الكلمة". ومما تمتاز به ولادة الابن عن أبي ولادة أخرى هو ان التمييز بين الآب والابن من جوهر الآب وفيه.
هذه خلاصة تعليم الكنيسة في الابن. وهي مجمل ما يستخلصه العقل المستنير بالإيمان من نصوص الكتاب. وانه لمما يعجب أن يكون الوحي قد درَّج البشر شيئاً فشيئاً إلى الإيمان التام بابنه الوحيد. وان يكون "الله، الذي كلم الآباء قديماً كلاماً متفرق الأجزاء مختلف الأنواع كلمنا أخيراً في هذه الأيام في الابن الذي جعله وارثاً لكل الأشياء وبه انشأ الدهور (عبرانيين 1: 1 ـ 2).
<center>-----------------
</center>
<FORM METHOD=POST ACTION="http://www.ushaaqallah.com/ubbthreads/d ... hp"><INPUT TYPE=HIDDEN NAME="pollname" VALUE="1078268120Hatem">
<p>تقييمك لهذا المقال:
<input type="radio" name="option" value="1" />ممتاز.
<input type="radio" name="option" value="2" />جيد جداً.
<input type="radio" name="option" value="3" />جيدز
<input type="radio" name="option" value="4" />مقبول.
<input type="radio" name="option" value="5" />غير مفيد.
<INPUT TYPE=Submit NAME=Submit VALUE="أرسل رأيك" class="buttons"></form>

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر