الحجاب والمحجوب - الأستاذ/ صبحي الحديدي

مراقب: Hatem

شارك بالموضوع
Hatem
مشاركات: 520
اشترك: سبتمبر 10th, 2002, 8:50 pm

أغسطس 28th, 2004, 6:06 am

<u><center><font size=+3>الحجاب والمحجوب
</font></center></u>

<u><center><font size=+2>مقال بقلم الأستاذ/ صبحي الحديدي
</font></center></u>

الجزائرية خديجة بن قنة، المذيعة البارزة في قناة "الجزيرة" القطرية، تباغت المشاهدين بالظهور مرتدية الحجاب، وسط ذهول تلقائي امتزجت فيه مشاعر الفرحة لدى البعض والاستياء لدى البعض الآخر. في اسرائيل، صبية يهودية تعتنق الإسلام وترتدي الحجاب، وحين يتمّ وضعها أمام خيار الحجاب أو الطرد من المدرسة، تختار الحجاب وتغادر المدرسة لا تلوي على شيء. وفي فرنسا، في غمرة نقاشات محمومة حول جدوى سنّ تشريع جديد ضدّ ارتداء أو إبراز الرموز الدينية في المدارس العلمانية، يقرّر وزير العدل استبعاد سيّدة من عضوية لجنة محلّفين لأنها ترتدي الحجاب. وأخيراً، ولكن ليس آخراً أبداً، المحكمة العليا في ألمانيا تقرّر منح السيدة فريشتا لودين الحقّ في ارتداء الحجاب أثناء العمل، مادامت القوانين المرعية لا تنصّ على العكس، فتسارع معظم الولايات إلى صياغة مشاريع قوانين جديدة تحرّم الحجاب...
وبالطبع، قرار ارتداء الحجاب مسألة شخصية في أوّل الأمر وآخره، وهو قرار يخصّ الحرية الفردية وحرّية التعبير وحرّية المعتقد وحرّية العلاقة مع الجسد، الخ... لكنه، للأسباب هذه تحديداً، ليس قراراً شخصياً مجرّداً من عواقب اجتماعية، وجَمْعية في الواقع، تستدعي مناقشة أكثر تعقيداً، وأكثر احتشاداً بالمعاني والدلالات والمظانّ، من المناقشات المعتادة حول ممارسة هذه أو تلك من الحرّيات الفردية. وعلى سبيل المثال الأقرب، ليس قرار خديجة بن قنّة فردياً وشخصياً فقط، لأنّه يُنقل إلى الملايين من خلال فضائية عابرة للقارّات، وهو بالضرورة سوف يشكّل أمثولة ــ سيئة أو حسنة، حسب قناعات العباد ــ كما سيشكّل عامل ترجيح في سجالات هذه الأيّام بالذات.
وكنتُ قبل سنوات قد راجعتُ، في "القدس العربي"، كتاب الباحثة التركية ميدا ينيوغلو "استيهامات كولونيالية: نحو قراءة نسوية للإستشراق"، والذي يخوض في واحدة من أعمق المجابهات مع الخطاب الغربي الإستشراقي (التنويري إجمالاً، والنسوي بصفة خاصة)، حول موضوع حجاب المرأة المسلمة. وينيوغلو تتوصل إلى استنتاجات عديدة معمّقة وخطيرة، بينها مثلاً أنّ حرص الغرب على هتك الحجاب يبدأ أوّلاً من الإفتتان الغربي بالمرأة الشرقية المحجّبة (الأمر الذي عكسه أدب الرحلات والنصوص الأدبية والأنثروبولوجية الأخرى)، ولكنه لا ينفصل أبداً عن الرغبة الجامحة في اختراق "السطح المحجّب" لهذا الآخَر المستعمَر، ضمن إطار أعرض هو عقلية الإخضاع التي ينقلب إليها المستعمِر.
هذه الخلاصة تذكّر بما كان فرانز فانون قد توصّل إليه حول حجاب المرأة الجزائرية بالذات، وليس مفاجئاً بالتالي أن ينيوغلو تعتمد في كتابها مثالَيْن تطبيقيين في دراسة إشكالية الحجاب: المرأة المحجبة في الجزائر، والمرأة المحجبة في تركيا. وفي مقاله الممتاز حول الحجاب كرمز وأوالية ثقافية، يبدأ فانون من وصف المحاولات الأوروبية لتحديث الجزائر عن طريق تحسين أوضاع المرأة، معتبراً تلك المحاولات شكلاً مقنّعاً من العدوانية: الرغبة في نزع الحجاب تعني الرغبة في ممارسة الإغتصاب، ولكن الإغتصاب ذاته ليس سوى تشخيص تفصيلي للرغبة في إخضاع المجتمع بأسره، في استعمار البلد والثقافة.
ونزع الحجاب عقيدة حداثية غربية، وينيوغلو تتكيء هنا على أطروحات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حول واحدة من كبريات المداميك الفكرية لفلسفة الأنوار الأوروبية: المعرفة، التي هي قوّة، "ينبغي أن تُسقِط جميع الحواجز"، وأن تسلّط الضوء على "جميع البقع المظلمة"، محقّقة بعض حلم جان ـ جاك روسو بـ "مجتمع شفّاف" لا تكتنفه مناطق سوداء عاتمة داكنة... حاجبة مثل الحجاب! خذوا، على سبيل المثال، ما يقوله قاموس أكسفورد في تعريف مفردة الحجاب: "مادّة للجاذبية، ترتديه المرأة خصيصاً لكي تخفي وتحمي وجهها"، "شيء يخفي، يغطّي، أو يحجب"، "وسيط للتخفّي، ملاءة أو قناع"، "وسيلة لإخفاء أو طمس الطبيعة الفعلية لشيء ما"، "ذلك الذي يحول دون الفهم، الإدراك، أو المعرفة".
الخفاء. الحماية. التخفّي. طمس الطبيعة الفعلية. الحيلولة دون المعرفة... هذه، بالضبط، هي أوجه قراءة الخطاب الإستشراقي الغربي للحجاب، وأوجه إنشاء تمثيلاته السياسية والثقافية والأنثروبولوجية، وأوجه استخدامه في تنويع الإستيهام الإيروسي حول الشرق وجسد الشرق. إنه يغطّي وجه المرأة الشرقية، ولذلك فهو يغطّي وجه الشرق بأسره. إنه يمنع التحديقة الغربية من استكشاف الخفيّ والمخفيّ، ولذلك فهو يمنع المعرفة الغربية من التجوال الحرّ أنّى تشاء. إنه، باختصار، عائق أمام الغزو، ولا مناص من إسقاطه.
الدنيا تغيّرت؟ ليس تماماً، أو ليس كثيراً، إلى درجة إغماض العين عن الاعتبارات السالفة. ورغم ذلك، ولكي يكون موقفي واضحاً ما أمكن، أقول إنني سوف أعترض بشدّة، وسيصيبني حزن غامر، إذا قرّرت إبنتي أن تتحجّب. سوف أبذل ما في وسعي لإقناعها بأنّ هذه ليست الوسيلة المثلى لإعلان الهوية، وأنّ الهوية ذاتها باتت نسبية مفتوحة متحركة واسعة، وأنّ الحجاب خفاءٌ نقيض التجلّي، وأنها أكثر بهاء وجمالاً وألقاً من دون حجاب. ولكن... هل أملك سوى الرضوخ لقرارها في نهاية الأمر، هي البالغة العاقلة الرشيدة... الحرّة؟
<center>-----------------------------
</center>
<u>تعريف بكاتب المقال:
</u>
صبحي حديدي
*ناقد وباحث ومترجم سوري.
* ولد في القامشلي، سورية، عام 1951. تخرّج من جامعة دمشق – قسم اللغة الإنكليزية وآدابها، وتابع دراسته في فرنسا وبريطانيا.
* نشر العديد من الدراسات النقدية والأبحاث والترجمات في دوريات عربية وأجنبية مختلفة، وقدّم دراسات معمّقة في التعريف بنظرية الأدب والمدارس النقدية المعاصرة (نظريات الخطاب ما بعد الاستعماري، نظريات القراءة والاستجابة، الموضوعة الغنائية، النقد التاريخاني الجديد...).
*نقل إلى اللغة العربية العديد من الأعمال في الفلسفة والرواية والشعر والنظرية النقدية، بينها مونتغمري واط: "الفكر السياسي الاسلامي"، 1979؛ كين كيسي: "طيران فوق عشّ الوقواق"، رواية، 1981؛ ميشيل زيرافا: "الأسطورة والرواية"، 1983؛ ياسوناري كاواباتا: "ضجيج الجبل"، رواية، 1983؛ صمويل هنري هوك: "منعطف المخيّلة البشرية"، 1984؛ كلود ليفي – ستروس: "الأسطورة والمعنى"، 1985؛ مجموعة مؤلفين: "عاصفة الصحراء، عاصفة الحداثة"، 1991؛ إدوارد سعيد: "تعقيبات على الاستشراق"، 1996.
* يقيم في باريس، ويكتب بصفة دورية في صحيفة "القدس العربي" (لندن)، وفصلية "الكرمل" الفلسطينية (رام الله)، والملحق الثقافي لصحيفة "النهار" (بيروت)، والشهرية الفرنسية Le Nouvel Afrique-Asie
<center>---------------------------------
</center>
<FORM METHOD=POST ACTION="http://www.ushaaqallah.com/ubbthreads/d ... hp"><INPUT TYPE=HIDDEN NAME="pollname" VALUE="1093673210Hatem">
<p>رأيك في هذا المقال:
<input type="radio" name="option" value="1" />ممتاز.
<input type="radio" name="option" value="2" />جيد جداً.
<input type="radio" name="option" value="3" />جيد.
<input type="radio" name="option" value="4" />مقبول.
<input type="radio" name="option" value="5" />غير مفيد.
<INPUT TYPE=Submit NAME=Submit VALUE="أرسل رأيك" class="buttons"></form>

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: Bing [Bot] و 1 زائر