حقيقة مستقر عالم التوبة(المستقر الثاني) الجزء الأول

منتدى يتعلق بالتعريف بالكتب والمنشورات الهامة، خاصة منها الحديثة الصدور، كما يتعلق بالتعريف بالقضايا الثقافية الساخنة سواء دوليا أو إسلاميا أو عربيا

مراقب: shabmoslim

شارك بالموضوع
وسام الدين اسحاق
مشاركات: 66
اشترك: إبريل 30th, 2008, 8:26 pm
المكان: California
اتصل:

مارس 30th, 2009, 10:25 pm

المقدمة

إن فكرة هذا الكتاب هي محاولة لإلقاء نظرة جادة على أسس الديانة الإسلامية المتوارثة من أجل أن يخلصها من أعظم شوائبها السلفية, التي أتت من أفكار علماء وفقهاء الدين القدامى, التي استمرت عبر عصور الإستعمار والتخلف السحيقة, والتي مرت بها الأمة الإسلامية, فتأثرت بها مدارسها ومعاهدها الدينية, فأورثتنا أفكار ما نسب للرسول والصحابة والفقهاء , فوصلت إلينا وكأنها أساطير الأولين التي حذر منها الله سبحانه وتعالى, حيث كان أغلب ما استقرأوه من معانٍ لآيات القرآن, لعصرهم وأفقهم المحدود, تبعد بعداً شاسعاً وإنحيازاً عن الحق والحقيقة بشكل واضح, يقول الله تعالى :
(سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد ) 41/53
ولقد حاولت في هذا الكتاب أن أضع نظريات العلم الجديد بشكل عام ونظرية التطور بشكل خاص لأظهرها من خلال معان أيات القرآن وفقاً للآفاق الجديدة ولتطور العلم الجديد, فكان من البديهي بأن أنتهي بتعريف ليس فقط لديانة جديدة بل الإيمان بإلـه جديد, يختلف عن الإله القديم الذي كنت أعتقد بوجوده سلفياً, أي أنه ليس فقط رؤية جديدة للنص, بل رؤية أقوى وأمتن للأمور, والتي كانت حصيلة طريقة الإستقراء الجديدة المبنية على التوافق مع واقع وحيثيات العلم الحديث, يقول الله تعالى برسالته لنا :
(لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) 50/22

ومن أهم أساليب قراءة النص القرآني الحديثة هي استخدام اسلوب الترتيل, الذي سأشرحه لكم في هذه المقدمة, هذه الطريقة المبتكرة في فهم النص الإلهي التي ساعدت على استقراء العديد من الحقائق الموجودة في القرآن, والتي تريح الإنسان وتقربه من الخالق حباً وطلباً له وليس خوفاً واستسماحاً منه.

تلك الحقائق التي تجيب عن أسئلة هامة جداً مثل :
من أين أتينا وماذا نفعل هنا وإلى أين نحن ذاهبون, وتجيب أيضاً عن أهم أسرار العدالة الإلهية في خلقه وكيفية عبادته, فأعادت نظرتنا للواقع من زاوية مختلفة لو أنها عممت على جميع المعاهد والمدارس الدينية لساهمت في دفع عجلة المسلمين إلى التقدم والإزدهار, مضيفة أهم عناصر الحياة التي منها : السعادة, والمحبة بين الناس, والرأفة, والمودة, والصدق ,والأمانة, منتشلة أفكارنا من مستنقعات الجهل والتخلف إلى صدارة العلم والتقدم.

إن من أهم الأسئلة التي يطرحها هذا الكتاب هو:
لماذا نجد أن المؤمنين بالإله يسوع المسيح, أو بالإله بوذا, أو حتى بإله موسى, هم جميعهم من أسياد مجتمعات القرن الحادي والعشرين, بينما بقينا نحن وحدنا نأكل الطعام من تحت طاولات موائدهم, منتظرين أن يتحننوا علينا بعظمة أو بقطعة خبز؟
هل ضللنا عن الله الحقيقي وعبدنا غيره ؟
أم أن إلهنا وهماً على هامش الحقيقة, فأصبحنا نحن على هامش الحياة والعلم والإقتصاد.
فالله الذي نعبده هو واحد أحد ولم يلد ولم يولد, وهو إلـه إبراهيم وموسى ووعيسى وهو: الله القدوس (أي الذي ليس مقدس سواه) وهو الصمد, ويسبح له مافي السموات والأرض, وكل آتيه يوم القيامة فرداً.
ولكن هل جنته مليئة بالنساء والغلمان والفاكهة والشراب والطعام وأن كل رجل سيتزوج من ألف حورية في اليوم والليلة, هل في الجنة فعلاً نهور من عسل ولبن وخمر؟, وهل الجنة فعلاً بيت للملذات والشهوات وكأنها (لاس فيجاس)؟ وكل شيء فيها بالمجان وإلى الأبد.
وهل النار والجحيم فعلاً نار ولظى وحديد مصهور, تكوى به الجلود؟ ويتلذذ خزنتها بتعذيب البشر والجن بالأساليب المخيفة.
لنذكر كيف نظرنا نحن المسلمين, إلى أساليب التعذيب الأمريكية في أبو غريب, التي وصلت إلى عرض الأجساد العارية للكلاب المفترسة, والإغتصاب الجنسي وخلع الأظافر وكي الجلود, ووصفناها بالجرائم الوحشية, فكيف نحكم على تعذيب الإنسان للإنسان بأنه وحشي وهناك في مخيلتنا نحن, أن الله أشد وحشية بعذابه وهو الذي وصف نفسه بالرؤوف الرحيم, وهل عبارة "شديد العقاب" أكثر من "وحشية العقاب"؟

كلنا يعرف قصة “سانتا كلوز” (بابا نويل) وكلنا يعلم أنها خرافة, فهل ما وصلنا عن الله من علماء الدين القدامى هو حقيقة الأمر, أم أن شوائب كثيرة علقت في صميم إيماننا حتى أتهمنا الأخرون بالجهل والتخلف؟

ما هو موقف الإنسان المؤمن بديانة تؤمن بأن عمر الأرض سبعة ألاف سنة, وأن الإنسان بدأ من آدم وحواء, وأن حواء خلقت من ضلع من أضلاعه, وآدم من تمثال من طين نفخ الله فيه الروح الإلهية.
متى لهذا الإنسان أن يبدأ بمواجهة الحقيقية؟
أم أن الإنسان كتب عليه أن يؤمن بخرافات التلمود؟, والقرآن منها بريء.
لأن الحقيقة أن الإنسان قد ظهر منذ أكثر من مليوني عام وتطور إلى ما هو عليه اليوم.



[center]الفصل الأول[/center]

[center]الكتابة[/center]

إختلاف الكتابات والأخطاء المتواترة في نصوص القرآن.
لننظر إلى الصورة التالية من مصحف صنعاء الذي يعيده العلماء إلى القرن الأول الهجري :

صورة

الشكل 1


حاول التدقيق في الصورة فستجد أنه قد اتت قال قل, و اتت أية أيية, وكلها طريقة قرشية تعود إلى القرن الأول الهجري فعلاً, وأتت (فانفخ فيها) في السطر السابع الكلمة رقم 3 وهي من آل عمران الآية 61 وأتت في مصحفنا اليوم (فانفخ فيه). وهذا خطأ إنساني, كما يلاحظ أنه ليس هناك موقع للنجوم في هذا المصحف كما أن الهمزة غير موجودة.

صورة

الشكل 2

هذه الصورة هي من مصحف تم العثور عليه في الجامع الكبير في صنعاء أيضاً ويقول العلماء أنه يرجع إلى القرن الأول الهجري أيضاً ونلاحظ التالي :
لم تستخدم طريقة التنقيط بالشحطات وإنما بالنقاط وهي طريقة حديثة جداً ولا تنتمي إلى القرن الأول الهجري إطلاقاً.
ولكن أتت كلمة أييت بياءتين على الطريقة القرشية من القرن الأول الهجري ثم اتت في موقع آخر بياء واحدة فقط.
وفي السطر 13 الكلمة الثانية أتت افلا تبصرون بالتاء وليس بالياء كما هو في مصحفنا اليوم وأتت علا قرشية على طريقة كتابة القرن الأول الهجري ولكن كان هناك تطابق للألف والياء بنسبة 95% مع مصحف اليوم وهذا ملفت للنظر, وغريب, ومما يرجح أن هذه النسخة كتبت في عصر لاحق مركزة على الكتابة القديمة أي أن الكاتب استخدم الإسلوب القديم في الكتابة وأن المخطوطة لا تعود إلى القرن الأول الهجري لحداثة بعض المفارقات الأساسية.
صورة

الشكل 3
وهذه الصورة أيضاً تم العثور عليها في الجامع الكبير في صنعاء, ولمصحف آخر أعاده العلماء أيضاً إلى القرن الأول الهجري نرى أنه قد أتت فيها كلمة مضى مضا بالألف الممدودة وهذه كتابة غريبة جداً ليست قرشية على الإطلاق ويقطع القرشيون الكتابة في أي حرف حر ثم يتابعوا الكلمة من أول السطر التالي وقد أتت طريقتهم هذه بشكل نادر في هذه المخطوطة في السطر 4 والسطر 5 صفحة 2 في كلمة ضرب, كما اتت كلمة (على) مكتوبة بطريقة القرن الثاني الهجري وكلمة (عباده) اتت بدون الف ممدودة (عبـده) السطر الثالث الكلمة 2 صفحة 2 كما أتت كلمة (الخصام) (الخصـم) السطر السادس الكلمة السادسة, وكل هذه المفارقات في طريقة الكتابة تعود إلى العهود الجديدة التي دخلت في الإسلام في العصر الأموي أي أن هذه النسخة قد تعود إلى القرن الثاني الهجري وليس القرن الأول كما يعتقد العلماء.

غياب كلمة (هم) من عبارة (الذين هم عبد الرحمن) الزخرف 19
السطر 7 الكلمة 3 صفحة 2
كلمة (على) أتت بطريقة القرن الثاني الهجري.
أتت قال قل ثم قالوا قـلوا وباقية بـقية وكلها متوفرة في القرن الأول والثاني الهجري.
وأتت كلمة (حتى) على طريقة القرن الثاني الهجري أيضاً.
صورة

الشكل 4

وهذه أيضاً واحدة من مخطوطات الجامع الكبير وأيضاً أعادها العلماء إلى القرن الأول الهجري, نجد أنه قد أتت كلمة (أنشأنا) (أنشنا) وهذه كتابة غريبة ليست قرشية السطر الخامس الكلمة 2.
اتت (على) السطر 13 الكلمة 5 على طريقة القرن الثاني الهجري الأنعام 12 أتت (فاطر) (فـطر) سطر 16 كلمة 7 الأنعام 14
نستطيع أن نرى التشكيل واضح في هذه الصفحة على كلمة (سموت) بالتنقيط سطر 11 أخر السطر ونجد الترقيم بالألوان لعدد الآيات الآية رقم 10 اتت مكان الآية رقم 9 والآية 15 مكان الآية 14 من ذات السورة.
صورة

الشكل 5

هذه صورة لمصحف قديم موجود في النمسا ومن محاولة ترجمته الحرفية حصلنا على النص التالي :

الدنيا ثم هو يوم القيـمة من المحضرين 61 ويوم يناديهم
فيقول اين شركاي الذين كنتم تزعمون 62
قال الذين حق عليهم القول ربنا هولا الذين اغو
نا اغوينـهم كما غوينا تبرنا اليك ما كانوا ايـنا يعبد
ون 63 وقيل ادعوا شركاكم فدعوهم فلم
يستجيبوا لهم وراوا العذاب لو انهم كانوا يهتد
ون 64 ويوم يناديهم فيقول ماذا اجبتم المرسلين 65
فعميت عليهم الانبا يوميذ فهم لا يتسالون 66
فاما من تاب وامن وعمل صـلحا فعسى ان يكون من
المفلحين 67 وربك يخلق ما يشا ويختار ما كان لهم ا
لخيرة سبحـن الله وتعـلى عما يشركون 68 وربك يعلم ما
تكن صدورهم وما يعلنون 69 وهو الله لا الـه الا
هو له الحمد في الاولى والاخرة وله الحكم وا
ليه ترجعون 70 قل اريتم ان جعل الله عليكم اليل
سرمدا الى يوم القيـمة من الـه غير الله ياتيكم
بضيا افلا تسمعون 71 قل اريتم ان جعل الله عليكم
النهار سرمدا الى يوم القيـمة من الـه غير الله
ياتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون 72

النص قد يعود إلى القرن الثالث الهجري أو أحدث من ذلك, وهذا لطريقة كتابة الهاء والفاء بالإضافة إلى طريقة التنقيط كما تلاحظون ومع مقارنة هذه الصورة مع الصورة التي أتت في الشكل 2 نجد أن النسختان تعودان إلى ذات الوقت وذات الطريقة في الكتابة والتنقيط.


صورة

الشكل 6

هذه الصورة لمصحف عثر عليه في البحرين وموجودة في بيت القرآن ويعتقد أنها من أواخر القرن الأول, أما ما أراه أنا فإن الكتابة كوفية تشبه الكتابة الأولى للمصحف الإمام إلا أن علا (على) أتت على طريقة القرن الثاني الهجري ولا يمكن أن تكون تتبع لأواخر القرن الأول الهجري, وطريقة كتابة الهاء مستحدثة ونادرة كما أن طريقة التنقيط حديثة جداً فتعود إلى أحدث من القرن الثالث الهجري.

فما هو التشكيل ومتى تم استخدامه فعلاً في كتابة النصوص, القرآنية او أي نصوص أخرى ؟
إن الباحث في أصول اللغة العربية المكتوبة سيفاجئ بالعدد القليل من المراجع وعدم تدوين مثل تلك الأمور التي ساهمت في طمس الحقيقية عبر العصور السحيقة التي مررنا بها ضمن سحابات الجهل الغليظة, ولكن إن عدنا إلى الكتابات القديمة التي تعود فقط للمئة الأولى للإسلام سنجد التالي :
صورة

الشكل 7

صورة

الشكل 8

من الواضح أن الذي رسم هذه الصورة وزورها لم يعلم أن في عصر الرسول قد كانت الحروف تكتب منقطة لتمييز الباء عن النون والياء كما هو موجود في رسالة الرسول إلى كسرى في الشكل 7, وأن ما قيل عنه تنقيطاً كان للتشكيل, فالذي رسم هذا الرسم لم يخطئ فقط بإخفاء النقاط بل أنه لم يكن على دراية أن في القرن الأول الهجري كان المسلمون يكتبون كلمة (على) بألف ممدودة (علا) ولم يكتبوها بألف مقصورة.

للنظر إلى قبر إمرئ القيس الذي يعود للمئة الأولى قبل الإسلام والذي توفى في عام 223 م :
صورة

الشكل 9

أين الكتابة العربية وماذا حصل للحروف ؟

في الحقيقة أن الكتابة العربية قد اعتمدت على الحروف النبطية التي اشتهر بها العرب باسم الشعر النبطي القديم, تلك الأمة القديمة التي كانت عاصمتها البتراء, والذي يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد, والتي امتدت بطونها في بلاد الجزيرة العربية وبلاد الشام وتلك البطون هي التالي :
الهاشميين, والأمويين والعدنانيين, والغساسنة والمناذرة والحمدانيين(التغلبيين) والمنانعة والزبيديين والشنابلة,والقواسمة والقرامطة والسبأيون, والقحطانيين كلهم كتبوا كتاباتهم بطرق مختلفة طبقاً لمكانهم الجغرافي, وأن الفرس الذين تبنوا الكتابة الفارسية الكوفية (المانديك) هم الذين استعمروا مناطق كثيرة من بلاد العرب متلازمين ومعاصرين للإمبراطورية الرومانية فأثروا على ثقافتهم وغيروا لهم طريقة كتابتهم للأحرف النبطية القديمة وطوروها إلى ما نسميه اليوم بالخط العربي, علماً أن هذا الخط هو خط كوفي فارسي الأصل, أضاف الغساسنة الهمزة عليه أما القرشيون فلم يهمزوا.
صورة
الشكل 10
هذه كتابات عرب أهل اليمن السبأية.

صورة
[center]الشكل ط1[/center]

ونرى من هذا المخطط المنقول عن الموسوعة البريطانية والذي يؤكد أن الخط العربي له اصل شمالي وجنوبي وبشكل منفصل تطور أخيراً إلى الكتابة الأثيوبية, وأن هناك قسم للخط العربي أتى من النبطية, المتطورة عن الأرامية, ثم تفرعت الفارسية منها, علماً أن الكوفي الفارسي (المانديك) هو الذي حرف الأحرف النبطية فجعلها كوفية, لكن الموسوعة البريطانية أعتبرت أن المانديك تطور للغة المكتوبة الأرامية والتي تفرع منها الكتابة اليهودية والتي لم تعتبر بالكتابة العبرية, والغريب أيضاً أن النبطية والعبرية أعتبرت من فرعين مختلفين لذات الشجرة الأرامية, علماً أنهما من ذات الأحرف المكتوبة, أي أن المخطط الموجود حتى في مخططات الموسوعة البريطانية قد أكد الخطأ الذي يقع فيه أغلب الناس اليوم والسؤال هنا من الذي كتب لنا هذا التاريخ ؟

لنحاول أن نتعرف على النقوش النبطية والأحرف النبطية العربية القديمة :
صورة

الشكل ط 2

نجد التفاوت الكبير بين هذه الحروف وبين الحروف العربية الحديثة اليوم أما إن قارنا الأحرف النبطية بالعبرية فماذا نجد ؟
صورة

الشكل ط 3

الغريب أن الكتابة النبطية والكتابة العبرية هي واحدة ولا أعلم لماذا قد تم فصلها تماماً عن الجذر الأصلي لهما عندما وضعتهما الموسوعة البريطانية ضمن طريقين مختلفين تماماً كما جاء في الشكل ط1.
ولنحاول أن نتعرف على الخط الفارسي الذي يدعى (المانديك) والذي ظهر في منطقة الخليج الفارسي ولنقارنه بالخط العربي اليوم :
صورة

الشكل ط 4

ومن خلاصة بحث الكتابة نخرج إلى أن الخط العربي والعبري أساسه الخط النبطي وهو من ذات العائلة أما ما نعرفه اليوم من الخط العربي فهو ما يدعى بالخط الكوفي الفارسي الأصل المانديك.

[center]التشكيل[/center]

إن العرب المعاصرين مازالوا يعتقدون خطأً أن الكتابة العربية (الكوفية) القديمة لم تكن منقطة لمعرفة الفروق بين أحرف النقاط التالية :
ب ج خ غ ف ق ث ض ن ت ي ش ظ ز ة ذ, وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق لأنه من المستحيل أن يستطيع أن يقرأ الإنسان نصاً فيه من الأحرف ما يتفاوت تماماً في الرسوم والرموز إلا أن يصبح للحروف رسوم مختلفة, والعرب القدامى الذين استخدموا الطريقة النبطية في الكتابة, كانت أشكال حروفهم لا تحتاج إلى نقاط لتميزها عن بعضها البعض أما عندما بدأوا باستخدام الأحرف الكوفية فكان لابد لهم أن يستخدموا التنقيط:
لنحاول أن نتعرف على النقاط في كلا النسختين المتوفرتين لنص القرآن الكريم نسخة طشقند ونسخة استانبول :
صورة
[center]نسخة طشقند لاحظ النقط التي تعيين الفروق بين الحروف المنقطة[/center]

صورة
[center]نسخة استانبول لاحظ النقط التي تعيين الفروق بين الحروف المنقطة[/center]
إن ما جاء في كتب السلف بالنسبة للقراءات السبع هو كثير وأرغب بطرح واحدة من أهم ملخصات تلك البحوث :
حقيقة الأحرف السبعة.
ذهب بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراء أوجه الخلاف الواردة في قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجه إلى سبعة أصناف، بينما عمد آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ، فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:
المذهب الأول: مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفي القراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذين تتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنزلة جنس ذو نوع من الاختلاف.
أحدها: اختلاف أوزان الأسماء من الواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة. ومن أمثلته: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8]، وقرئ. {لأَمَانَتِهِمْ} بالإفراد.
ثانيها: اختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليه، نحو الماضي والمستقبل، والأمر ، وأن يسند إلى المذكر والمؤنث، والمتكلم والمخاطب، والفاعل، والمفعول به. ومن أمثلته: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] بصيغة الدعاء، وقرئ: {رَبَّنَا بَاعَدَ} فعلا ماضيا.
ثالثها: وجوه الإعراب. ومن أمثلته: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قرئ بفتح الراء وضمها(يُضَارُ). وقوله {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ} [البروج: 15] برفع {الْمَجِيدُ} وجره.
رابعها: الزيارة والنقص، مثل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] قرىء {الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}.
خامسها: التقديم والتأخير، مثل،{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] وقرئ: {فَيُقْتَلونَ ويَقْتُلُون} ومثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق}، قرئ: {وجاءت سكرة الحق بالموت}.
سادسها: القلب والإبدال في كلمة بأخرى، أو حرف بآخر، مثل: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [ البقرة: 259] بالزاي، وقرئ: {ننشرها} بالراء.
سابعها: اختلاف اللغات: مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيم وإدغام…
فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقة الرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعة المتنوعة.
المذهب الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة لغات من لغات قبائل العرب الفصيحة.
وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ، فأنزل القرآن على سبع لغات مراعيا ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعض العرب،فأنزل الله القرآن بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل في القرآن من القراءات ما يسهل على جلّ العرب إن لم يكن كلهم، وبذلك كان القرآن نازلا بلسان قريش والعرب.
فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيان المراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم. غير أنا نرى أن المذهب الثاني أرجح وأقوى.
قد يعتقد القارئ أنني أدعم فكرة القراءات السبعة للقرآن وأني أؤيد فكرتها وخصوصاً ما جاء بالأحاديث التي تؤكدها, ولكنني أقول أن للقرآن قراءة واحدة, وإنما ما أتى إلينا من السلف هو تلك القراءات المختلفة والتي تضعنا في حيرة البحث عن القراءة الصحيحة, لذلك فإنه من واجب القارئ الجديد لنص القرآن أن يراعي الإختلافات الموجودة بين أيدينا من أجل البحث عن القراءة الصحيحة, أي أنهم أضاعونا بهذه المهمة الصعبة الموكلة على عاتقنا.
وهذا ما يجعلنا نبدأ من نقطة الصفر.
ما معنى ذلك ؟
أي أن القرآن قد نزل بحروف منقطة للتمييز بين الأحرف ولكنه ليس منقطاً بالتشكيل, أي طريقة اللفظ, وأن مهمة علماء اليوم هي البحث عن القراءة الصحيحة بغض النظر عن جميع القراءات القديمة, ويمكن أن نعتمد على القراءة كقاعدة للبدء بالقراءة ليس إلا, إلى ان ندخل في الإختلاف, وعندها علينا أن نكون حذرين جداً في تحديد القراءة الجديدة.

حقيقة أسباب الإختلاف في كتابة النص تعود إلى أمور ثلاثة لا يمكن الهروب منها :

أولاً : لم تكن الهمزة معروفة في كتابة النص القرآني في القرن الأول الهجري, لأن القرشيون كانوا لا يهمزون فكانوا يكتبون هؤلاء (هولا) أولئك (اوليك) المؤمنون (المومنون) وهكذا....
ثانيا : في العصر الأموي حيث كان مركز الخلافة في دمشق وكان الذين يستنسخون القرآن هم أصلاً من عرب بني غسان في سوريا فكتبوا كلمة (على ) بالألف المقصورة كما ينطقونها علماً أن أهل مكة والمدينة كانوا يكتبونها (علا) أي بالألف الممدودة كما يلفظونها.
مثلها مثل كتابة كلمات : سماوات (سموت) وعاجلة (عـجلة) والكافرين (الكـفرين) تعتبر ناتجة عن إختلاف اللهجات.
ثالثاً : التشكيل والإعراب لم لم يكن معروفاً عند العرب فهم قبل الإسلام لم يكتبوا بالأحرف العربية التي نكتب بها اليوم بل كانوا يستخدمون الأحرف النبطية كما رأينا في بحث الكتابة, والأحرف التي نكتب بها اليوم هي أحرف فارسية أتت إلى البلاد العربية عن طريق امتداد استعمار الفرس لتلك البلاد, ولقد كان لسيباويه الفارسي الأصل السبق في تفهيم العرب لقواعد الإعراب واللفظ (التشكيل) بعد أن أصبح ضرورياً عند دخول الأعاجم.
وتدعى أحرفنا التي نستخدمها اليوم بالأحرف العربية لأن تأسيس الإمبراطورية الإسلامية قد أتى بعد نزول القرآن الذي كتب بتلك الأحرف فنسبت للعرب بسبب القرآن, ليس إلا.
وهناك فرق بين اللغة النطق (لغة اللسان) واللغة المكتوبة (شكل الاحرف) فمثلاً لقد ترك الأتراك منذ زمن ليس ببعيد تلك الأحرف الفارسية في كتاباتهم مستبدلينها بالأحرف اللاتينية, فهل هذا كان عائقاً في فهم اللغة بالنسبة إليهم؟
والله تعالى عندما قال لنا : (...وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ)46/12
إن الله يتكلم عن اللغة المنطوقة اللسان وليس عن اللغة المكتوبة...
لقد كتب السيد والمفكر الإسلامي علي عبد الجواد رداً على مقالة "إبراهيم الخليل" تعقيباً يريح صدره في قراءة الآية التالية :
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) 17/16
وقال السيد عبد الجواد إن اعتبار النص فوق فهم العقل يجعلنا نحتار في مفهوم الآية التي تصر على أن الله يأمر بالفسق, ولكن إن اعتبرنا التشكيل هو عمل إنساني يحتمل الخطأ عندها يجب علينا تصليحة على مبدأ أن القرآن لا يأتيه الباطل لا من بين يديه اي من داخله (التشكيل)ولا من خارجه (أي بالتفسير الحديث وأسباب النزول) لوجب علينا نحن الذين ندعو إلى قراءة النص من جديد من إزالة اللغط في بعض الكلمات التي تناقض أسماء الله التي هي صفاته عندها نعلم أنه ليس من المنطقي أن يكون الله هو الآمر بالفسق, فبدأت بالبحث في كتاب الله لأجد الجواب ووجدت التالي في قوله تعالى :
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) 6/125
علماً أن الله لن ينكر عن ذاته المكر بل قال أنه "خير الماكرين"
(وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) 3/54
وقراءة السيد عبد الجواد الجديدة لكلمة (أمَّرْنا) اتت بالتشديد على الميم بالفتحة وسكون الراء, فتأتي بمعنى (جعلنا في كل قرية أكابر مترفيها لهم الأمر والإمارة) ففسقوا فيها وليس بمعنى أن الله أمرهم بالفسق الذي هو من أفعال الفئة المترفة ذاتهم, والله لا يأمر بالفسق.
ولأن أمر التشكيل في القرآن أمر جديد على بعض الذين يقدسون النص ويعتبرون أنه قد أتى سليماً معافى علماً أنه قد وصلنا بعد الـ 1400 سنة الماضية بكل الغبار الذي التصق به سواء كانت أحاديث نسبت للرسول ظلماً وعدواناً, أو كانت مقصودة من حاسد يريد التشويه للإسلام , أو كانت نتيجة بدعة أسباب النزول التي تثبت النص بدلاً من تحريره, أو كانت نتيجة التفسيرات المغرضة التي شككت في الإسلام كضرب النساء والدعوة إلى الإسلام بالسيف والدعوة إلى قتل المرتد, وإن إظهار هذه الحقيقة اليوم وبعد مرور أكثر من 1200 سنة, والتي تتعارض مع إيمان الأكثرية بأن التشكيل منزل من السماء, قد وضع الناس اليوم في خشية وحيرة في تصليح التشكيل القديم, لأن ذلك يحتاج لطبعات جديدة للقرآن مع سحب النسخ القديمة من بين أيدي الناس, والذي سيؤدي إلى إعتبار أن التحريف قد تسلل إلى الكتاب مما سيدخل الريبة في قلوب الجميع, فكان من الأفضل السكوت والصمت عن الحقيقة, وأنا أقول أنه لا داعي لسحب أي نسخة أو تعديل أي نسخة فالأمر عائد للإنسان ولقارئ القرآن (الفرد) إذا آمن فعل وإن لم يؤمن لم يفعل فالإيمان وعدمه أمران يعودان للإنسان.
علينا أن نقبل بالحقيقة القائلة : أن القرآن لم يكن مشكلاً عند نزوله مع الوحي وأن التشكيل عمل إنساني أضيف للقرآن بعد ظهور ضرورته خاصة بعد دخول الأعاجم إلى الإسلام بالتالي فالتشكيل لم تكن عليه رقابة إللهية بعد نزول القرآن.

ولو قرأنا الآيات التالية من سورة القيامة :
( بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ * لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ * كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ) 75/12-19

أولاً يجب قراءة النص كاملاً حتى نعرف أن الحديث هو للإنسان بشكل عام وأن الله تعالى لم يخصص تلك الآيات لعصر وزمان الرسول أو لشخص الرسول أبداً, (فهي ليست أيات محكمة بل آيات متشابهة)وهذا ما وقع فيه الكثير من الناس قبلاً في تفسير هذه الآيات بأن جعلوها خطاباً موجهاً للرسول فقط, أي أنها محكمة الزمان والمكان ولشخص الرسول, وإذا قرءنا تلك الآيات وجردناها من زمانيتها واعتبرناها خطابا عاماً للإنس في الأرض, حيث شاهدنا عبارات الخطاب للإنسان في أربع آيات في مقدمة السورة, ولا نجد فيها أي خطاب منفصل للرسول على الإطلاق ثم نقرأ ... (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) أي الإنسان ... وتحريك اللسان في اللغة ياتي في كتابة النص من أجل قراءته وهو التشكيل, ونجد بها أيضاً تصريحا إلهياً بأن القرآن فعلاً دُوِّنَ بدون أي حركات للنطق, أي أنه غير مشكل ولكن لماذا ....؟
يقول الله (حتى لا تعجل به) والإستعجال في طريقة النطق والتشكيل مسألة تحيد عن المعنى ونحن نعلم ان هناك آيات كثيرة في القرآن لم يأتي تأويلها بعد, ويجب تركها إلى أن يأتي زمانها وتبيانها, وبما أن القرآن لا يأتيه الباطل لا من خارجه ولا من داخله, كما قال لنا الله في الآية الكريمة :
( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)41/42
وكذلك بين الله لنا كيفية حفظه للقرآن في سورة القيامة في أمور ثلاثة :
أولاً القراءة .. متروكة لله.
ثانياً الجمع متروك على الله.
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
وثالثاُ البيان متروك لله أي الشرح.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ .
وهكذا نكون قد تأكدنا أن القرآن قد نزل كاملاً بالوحي على الرسول منقطاً ولكنه لم يكن مشكلاً, بالبرهان الحقيقي التاريخي مما لدينا اليوم من صحائف القرآن التي تعود للقرن الأول الهجري, ومن برهان ثاني من آيات الله في القرآن يصرح بها الله لنا أن قراءة وجمع وتبيان القرآن هي أمور متروكة لله سيظهرها لنا وهذه هي حكمته في حفظ القرآن أساساً:
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)15/9

وهناك مواقع كثيرة على الإنترنت للإطلاع على المصاحف القديمة والأثرية :
http://www.islamic-awareness.org/Quran/ ... yem1e.html

ويمكنكم رؤية بقية الصفحات باستبدال الحرف e في آخر الموقع بالأحرف a b c d f للنظر في الصفحات الأخرى, كما يمكنكم زيارة مواقع أخرى والإضطلاع عليها بحريتكم لأنها كلها تجمع بأنها غير مشكلة, وإن وجدت أن بعضها جاء مشكلاً لوجدت عبارة تقول أنها لا تنتمي للقرن الأول الهجري وإنما للقرون اللاحقة الحديثة.
وهذا معروف من الجميع ويقر به السلف لكن البعض منا إلى هذا اليوم يعتقد أن القرآن قد نزل بدون تنقيط أيضاً, والبعض يخلط بين التنقيط والتشكيل.
ماذا فعل آباءنا المسلمين بالقرآن ...؟
1- نقشوه على الأوراق فأخطأوا بكتابة حرف الألف والياء لإختلاف اللهجات.
2- أضافوا عليه الهمزة من لغة الشام.
3- أضافوا عليه التشكيل من الفرس.
(وبعد هذه الإضافات عادوا اعتبروها منزلة من السماء)
4- أضافوا عليه قوانين التجويد.
5- أضافوا عليه تقسيم الأجزاء.
6- أضافوا عليه أماكن السجود.
معتبرين تلك الإضافات من الإضافات الثانوية الحسنة التي لا تؤثر على مفهوم القرآن, إلا أن قد تبين لنا أن مكان الوقف والمتابعة شيء خطير للغاية ويغير المعنى بشكل فظيع, فإن قرأنا مثلاً الآية التالية من دون أن نتوقف على المكان الصحيح لضاع المعنى:
(... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ....) 3/7
إن اقتطاع الآية بهذا الشكل يقلب المعنى قلباً جذرياً.
لذلك كان من الأفضل أن نقرأ الآية بتمعن أكثر ومن خلال قراءتنا لها سنعلم أن الوقف يجب أن يأتي على كلمة الله, (بالبحث عن نقاء المعنى) وثم نتابع اللآية :
(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ, وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) 3/7

لنفرض أن تلك الترسبات التي أضافها السلف قد كانت كلها بحسن نية ولم تكن عن قصد الإساءة وأنهم أخطأوا لأنهم بشر والبشر خطاء, فما عليهم إلا بالإعتراف بخطأ السلف.
بعدها ربما قد يتفكروا في قراءة النص من جديد وبعدها سيتبين لهم أن مواضيع الصلاة والصيام والطلاق والحج والزكاة في القرآن تختلف إختلافا كلياً عن رسالة البخاري وأبو هريرة.
وهناك طريقة وضعها الله في كتابه وحفظها بشكل سري ولمدة 1400 سنة لكشف النص الصحيح, وهي معجزة العدد 19 والتي أخفق الدكتور رشاد خليفة في البرهان عليها بسبب تعثره في حروف (اللألف والياء والنون) لإعتماده على النسخة (العثمانية) المنسوبة للحكم العثماني التركي وليس للخليفة عثمان بن عفان, فبدأ ظنه يأخذه إلى إعتبار أن هناك آيات من القرآن يجب حذفها وأن حرف النون في مطلع سورة القلم يجب أن تكتب (ن و ن) بدلا من (ن) لأنه أخفق في إيجاد النون الناقصة التي ظهرت في مصحف استانبول الأثري المكتوبة (نصرمنها) حيث أتت نون قسم المتكلم واضحة لا يشوبها أي تساؤل.
صورة

الشكل ط 5

وكلمة (صرم) تأتي هنا بمعنى (الدخول) أو (الهجرة إلى الشيء).
عزيزي القارئ بدلاً من الإقتناع بأن النسخة التي بين يدينا هي نسخة صافية من شوائب السلف يجب علينا التفكر فيها, وبدلا من الخوف على إنقسام الفئات الضالة أساساً, يجب علينا البدء بالعمل على تصفية ماء النبع.
يجب أن نؤمن أن الله تعالى هو الذي خاطبنا كمسلمين على الشكل التالي :
(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ *كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) 75/17-20
إن الأمر بالجمع (هو أمر بإستخراج النصوص من المتاحف ونشرها بشكلها الكامل وليس لمصحف واحد أو لإثنين منها, بل جميعها ونشرها على الإنترنت وجعلها متوفرة للجميع بلا استثناء)
وقرآنه أي (قراءة النص) أي تشكيله. والتشكيل الحالي صحيح وبنسبة 98% وتلك خطوة جيدة وأسهل من البدء من نقطة الصفر.
ثم أن بيانه (تبيان معانيه) هو وعد الله لنا بأنه سيبينه لنا وحده من ذات القرآن, والحمد لله الذي ألهمنا إلى الترتيل والمحكم والمتشابه.


[center]القراءات السبع[/center]

إن ترتيب عرض أفكار هذا الكتاب في ذهن القارئ بعرض مصطلحاته الجديدة قبل البدء في موضوعه الرئيسي سيساعد على فهم المقصد النهائي من هذا الكتاب, لأنه ومن خلال البحث عن مفاهيم القرآن, قد يقع المرء في مطبات القراءة غير الصحيحة لبعض الكلمات الواردة فيه, إما جهلاً بالمعنى, أو باعتبار أن ما وصل إلى أيدينا من قرآن هو سليم 100%, إن الإيمان الأعمى والمطلق بصحة النسخة الموجودة بين أيدينا هي السبب الرئيسي في ضياع الناس عن القراءات الصحيحة لبعض الكلمات والمواضيع المختلف عليها أساساً من وجهة نظر السلفيين والمعاصرين على حد سواء, فإن كان المتفقهين في الدين ودكاترة الأزهر على دراية تامة على وجود أكثر من 27 قراءة مختلفة لآيات وكلمات القرآن فكيف لهم أن يعتبروا أن القرآن سليم وبنسبة 100% علماً أنهم يعترفوا بإختلاف القراءات, تعالوا لنحاول أن لنعرض عليكم بعضاً من تلك القراءات في الأمثلة التالية :
صورة
وجاء في قراءة عاصم الموجودة بين أيدي أغلب الناس اليوم:
صورة

وجاء في قراءة ورش التالي :
صورة

هذه ثلاث قراءات من القراءات السبع للقرآن نجد فيها إختلافات في التشكيل وخصوصاً في كلمة (يضل) والتي أضاعت عدة الشهور على المسلمين فأصبحت سنتهم لاتنطبق على فصول السنة, بعد غياب شهر (النسيء) الذي كان يعيد للناس انطباق الشهور على فصولها كما يحصل للتقويم العبري القمري والتقويم الصيني القمري اليوم, وبما أن نسخة قراءة عاصم هي الأكثر مبيعاً في العالم الإسلامي والتي كتبت الفعل مبنيياً للمجهول فأصبح فيه شهر النسيء وكأنه هو الذي يقوم بعملية الضلالة في مفهوم الأغلبية, وكما يرجح بعض المفسرين بأن فاعل الضلالة أيضاً قد يكون الله نفسه, لأنه هو الذي يمدهم في طغيانهم بإضلالهم بشهر النسيء الذي هو المفعول به, وكل هذا أكد على ضرورة إلغاء شهر النسيء والذي تم في عصر الإمام والخليفة عبد الملك بن مروان., ولمعرفة المزيد عن هذا الموضوع أنصح بالرجوع إلى كتاب التقويم الهجري لوالدي الكاتب نيازي عز الدين في هذا المنتدى على هذا الرابط :
http://www.forum.3almani.org/viewtopic.php?f=11&t=1326

أو كتابه النسيء المتوفر على النت وفي المكتبات.

وأحياناً نجد أن جميع القراءات قد أجمعت على قراءة غريبة لذات الكلمة والتي تثير الكثير من الإختلاف فمثلا نجد الآية 125 من سورة النساء تقول (إتخذ اللهُ إبراهيمَ خليلا).
صورة
ولكن إذا حاولنا أن نقارنها بما جاء في مصحف إستنبول المشكل في القرن الثاني الهجري فنرى التالي :
صورة

صورة

نعم إن الله يحب ويكره ويسمع ويرى وينادي ويده فوق أيدي خلقه في كل شيء, وإنه وملائكته يصلون على النبي, كل هذا الأفعال التي لم ينفيها الله عن ذاته أبداً بل وجاءت في القرآن بآيات كثيرة يمكن الرجوع إليها في كل أركان كتابه العظيم.
إنه ومن خلال تفهمنا لأسماء الله وأفعاله في القرآن نستطيع أن نجزم أن هناك أفعال يقوم بها الله وأفعال لا يقوم الله بها أبداً.
فالله قال أنه لا يظلم مثقال ذرة,,, هذا يعني أن الظلم هو من الأفعال التي لا يقوم بها هو. وقال أيضاً أنه لا يأمر بالفسق, فهذا أيضاً ليس من أفعاله, قد يسأل سائل ولكن الله فعال لما يريد .... !
(إن ربك فعال لما يريد) 11/107
ولكنه أيضاً القائل (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)4/40
هل هذا يعني أنه سيغير رأيه ويبدأ بالظلم....؟ سبحانه تعالى اسمه الرحمن الرحيم.
بالطبع لا.


[center]الإصطفاء والإتخاذ[/center]
لنبدأ بكلمة اصطفاء وهي أتت في القرآن في 13 موقع إصطفاء في الدنيا من الناس وللناس كالرسل والأنبياء والملك طالوت وآدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران, ورسل بني اسرائيل بل ورسل الملائكة ورسل الناس, ومريم عليها السلام على نساء العالمين. لكن الله تعالى قد نفى الإصطفاء من الناس لشخصه تماماً, وأنكر سبحانه أيضاً قيامه بفعل الإتخاذ لذاته حيث قال الله تعالى :
( أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ {150} أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ {151} وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {152} أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ {153}‏ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) 37/153
وشبه الله تعالى إصطفاء المخلوق من أجل الخالق كإتخاذ الإبن الذي نكره في موضوع الإتخاذ فقال :
( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) 39/4
ومن هذه الآيات نتأكد أن الإصطفاء هو إختيار شخص من مجموعة ومن أجل المجموعة ذاتها لأخذ رسالة الله وتبليغها وإعلاء كلمة الله, ويصطفي الله من خلقه الناس والملائكة لهذه المسألة.
وينفي الله أي إصطفاء يندرج تحت مظلة الإتخاذ لذاته الإلهية.
أما الآية التي تدل على الإصطناع لنفس الله :
(إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي * اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) طه 40-42
نجد أن الإصطناع لذات الله هو من أجل إنقاذ شخصه من فرعون وهو طفل, ومن اجل تجهيزه لعملية تخليص شعبه الذليل من حكم فرعون الذي طغى في البلاد ومن أجل نصر شعب الله الذي وعدهم بالتحرر من استعباد فرعون لهم, معلناً سبحانه أن ذلك الإصطناع لم يكن من أجل جعل موسى صديقاً لله وجليساً له أو كليماً له, لأن الله قد كلم موسى مرة أو مرتين لكنه لم ولن يصبح كليمه المطلق كما نفهم من عبارة (خليل الله).

وفي نهاية شرح معنى الإصفاء نحاول أن نقارن بينه وبين موضوع الإتخاذ.... !
لنأخذ مثلاً الأية التالية : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) 35/28
ولنحاول أن نأخذ الفعل (يخشى) ثم نضع كلمة الله بعدها تماماً كما أتت في هذه الآية.
(يخشى الله) ثم طلبنا منكم أن تتخيلوا أن الله هو فاعل الخشية فهل تستطيعوا ذلك .... ؟ أم أنكم ستقولوا أن الله لا يخشى شيء ... وعليه فالله ليس فاعل الخشية وتشكيل كلمة لفظ الجلالة وبغض النظر عما سيأتي بعدها هو بالفتح وليس بالضم مهما كان. فيجب أن نقول (يخشى اللهَ.... الناس المؤمنون العلماء السموات والأرض الملائكة.... الخ ونسطيع أن نجلب مئات وألوف وملايين الأمثلة على خشية كل شيء من الله تعالى وليس العكس.

لنأتي الآن إلى كلمة الإتخاذ وجملة (اتخذ الله.... ولنحاول أن ندرج تلك الملايين في عملية الإتخاذ ولكن يجب علينا أن نجعل الله هنا فاعل الإتخاذ.. وبما أننا قد شربنا كلمة الخليل لمدة طويلة من الزمن ومن ثم أتت كلمة حبيب وشفيع وكليم, لذلك أطلب منكم أن تستبعدوا هذه الكلمات التي أصبحت في قلوبنا من المسلمات, فأرجوا منكم أن تضعوها جانباً ولو لبرهة من الزمن كي تتفكروا.
حاولوا أن تفكروا بمفعول به آخر وأكملوا العبارة :
(اتخذ الله......... ماذا؟
إن جميع آيات الإتخاذ في القرآن الكريم أتت في القرآن بالنفي القاطع, أي أن الإتخاذ هو من الأفعال التي لا يقوم بها الله, مثلها كمثل الظلم أو الأمر بالفسق. وهناك أية واحدة أتت في القرآن يتخذ الله فيها شهودأ من الناس وعلى الناس ولم يكن ذلك إتخاذاً لنقص موجود عند الله.
(ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ) 3/140
فالشهداء وظيفتهم الشهادة وبعدها تنتهي وظيفتهم كما نرى, وشهادتهم هي لما رأوا وسمعوا لينطقوا بالحق, علماً أن اللأيدي والأرجل والجلود سوف تنطق لتشهد إن تعذر وجود الشاهد حيث قال الله :
(يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون ) 2424
اما الآية التالية :
صورة

نجد من قراءة هذه الآية وكأن الله يأمر بالفسق والعياذ بالله, لكن القراءة السليمة لهذه الآية هي التالي :
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) 17-16

أي فقط بزيادة شدة على الميم والتي تعني أن الله يرفع المترفين إلى الإمارة وهم من يقوم بفعل الفسق وليس الله الذي يأمرهم بالفسق.

وما جاء سابقاً في موضوع الإتخاذ فإنه لو كان الله الذي يقوم بفعل الإتخاذ فهذا يعني أنه يضيف لذاته شيء من خارجه ومما يتخذه من غيره, فكروا بمعنى كلمة الإتخاذ قبل الحكم عليها.
واعلمو أن الإنسان الناقص هو من يتخذ الله حبيباً وجليساً وليس العكس.


[center]الترتيل[/center]

يعتبر الترتيل طريقة حديثة في قراءة نص القرآن, وقد خلص إلى هذه النتيجة, الدكتور الكاتب والمفكر الإسلامي السوري الأصل السيد محمد شحرور مفادها الأتي:
إذا أردنا أن نحدد "معاني كلمات" أو "مواضيع" القرآن نأت بها ونضعها في رتل واحد ثم نتفكر في معانيها, مثال :
1- معنى الكلمة من سياق الكلام :
كلمة حديد :
(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) 18-96 فلذات الحديد
(وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) 34-10 معدن الحديد المطاوع تمييزاً عن الحديد الصب والفولاذ
(فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) 50-22 النظر الثاقب
كلمة رجال :
(فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) 2-239 أي مترجلين أو راكبين
(وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء)4-1 جمع رجل
كلمة كفار :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) 3-91 عكس المؤمن
(كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ) 57-20 أهل الكَفرْ أي المزارعين.

وهناك كلمات كثيرة في القرآن لها أكثر من معنى واحد حسب سياق الكلام والأمثلة عليها كثيرة جداً.

2- الدلالة الحرفية :
الآن يجب أن ننظر في "الدلالة الحرفية" في لغة القرآن :
كأن يستخدم الله "كلمة" في معنى واحد فقط للدلالة على شيء واحد كالمثال التالي:
كلمة : مطر
استخدمها الله دائماً للدلالة على الأذى والغضب واستخدم كلمة غيث للخير والرحمة,
(إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى) 4-102
(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)7-84
(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)31-34
(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ )42-28
ومن أمثال هذه الأمثلة نتج أن "الكلمة الواحدة" ممكن أن تاتي بأكثر من معنى حسب سياق الكلام ولكن عند إدراج المعنى في الدلالة الحرفية فإنها تأت في حالة واحدة, ولم تستخدم الكلمة لكي يكون لها دلالة في المعنى لأكثر من حالة واحدة.

وبتفسير آخر : إن الكلمة الواحدة يمكن أن يكون لها أكثر من معنى, ولكن كلمتين في القرآن لا يجب ان تعني ذات الشيء, ويمكن أن تدل عليه: كأن تكون الوعاء الحاوي لها ولكنها أكبر منها:

ككلمة ملائكة مثلاً هي دلالة على كل المخلوقات السبعة ولكن الجن والروح هم أصناف تحت وعاء الملائكة.
وكلمة الناس تدل على الذكور والإناث كوعاء لهم.
وكلمة المؤمنين أيضاً تدل على الذكور والإناث من المؤمنين إلا إذا كان الخطاب للإناث فقط كقوله (المؤمنات).

وسنرى هذا في عرض الكتاب مشروحا ومفصلاً, ويعتبر الترتيل مفتاحاً من أهم مفاتيح فهم القرآن حيث قال الله تعالى :
(ورتل القران ترتيلا ) 73/4

أما طريقة استخدام الترتيل لفهم المواضيع فتكون بأن نأتي بالآيات التي تتحدث عن ذات الموضوع في سور القرآن جميعها ثم نرتبها حسب نزولها, أو ترتيبها السوري(أي بحسب ترتيب السور), وبعدها نحاول أن نرتبها بحسب تسلسلها الزمني, وبعدها نخرج بالمفهوم الترتيلي لآيات.
مثال :
الطلاق في القرآن

نحن نعلم أن الطلاق عند السلف ثلاث مرات , أي يستطيع الرجل أن يطلق زوجته طلاقاً كاملاً ثلاثة مرات كاملات وبعدها تصبح محرمة عليه ولا يحق له استرجاعها حتى تتزوج من غيره, وفي كل مرة يطلقها تخرج الزوجة إلى بيت أبيها أو تطرد من بيت الزوجية في كل مرة, وهناك من يوقف الزوجة المطلقة تحت عدة حتى تستطيع ان تتزوج مرة أخرى, وفي أثناء تلك الفترة يحق للزوج استردادها مرة أخرى وبذلك يكون قد خسر رصيده من الطلقات طلقة وفضل له طلقتين, ويقول علماء السلف أنه إذا ما استنفذ الزوج الطلقات الثلاث, فإنه بعدها لن يستطيع استرجاعها حتى تتزوج من غيره,فإن تزوجت ثم طلقها هذا الزوج وانتهت عدة طلاقها, بعدها يستطيع زوجها القديم أن يتزوجها من جديد, ويصبح رصيده كاملاً أي أن له ثلاث طلقات أخرى.
ويستندون في هذا على الآيات التالية :
(الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ....) 229 -2
أي أن الطلاق مرتان والثالثة ( هي في قوله : (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )) أي هي الفاصلة, أو يسمح باسترداد الزوجة مرتان ولا يحق له في استردادها في المرة الثالثة.

علماً أن الآية الكريمة لا تقول هذا أبداً, ولننظر إلى آيات القرآن وكيف يشرع لنا الله الطلاق في القرآن الكريم:

(الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ...) 229-2
أي أن الطلاق المعرف الكامل لا يتم إلا إذا تمت "المرتان"
أي طلقة أولى + بلغن أجلهن + إمساك بمعروف. (إلغاء الطلاق) لعدم إكتمال شروط الطلاق.
أو طلقة أولى + بلغن أجلهن + تسريح بإحسان (الطلقة الثانية) إكتمال شروط الطلاق, وبعدها لا تحل له إلا من بعد أن تتزوج من غيره ويتم الطلاق من الجديد طلاقاً كاملاً.
تعالوا نرى ماذا أتى من الحكمة في آيات الطلاق :
( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ.... ) 231-2
فما هو المقصود هنا في (فبلغن أجلهن) ؟
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ)232-2
أي أنه وقبل التسريح بإحسان ولكن بعد فترة (الأجل) والتي سنشرحها في وقتها وهذا إعلان لأهل الزوج والزوجة أو الحكم الذي يشرف على الطلاق إن الله يطلب من هؤلاء أن لا يميلوا إلى التفرقة بين الزوجين إن رأيا أنهما في رغبة في العودة إلى بيت الزوجية من جديد, وإلغاء الطلاق.

فما تعريف الأجل الذي يأتي بين الطلقة الأولى والطلقة الثانية :
يقول الله مخاطباً رسوله : (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ) 65-1
أن للطلاق عدة وتلك العدة يجب أن تحصى تماماً وهي الأجل الذي يريد الله أن تبلغه الزوجة المطلقة قبل إتخاذ القرار النهائي فإما تسرح بإحسان أي طلقة ثانية وبذلك يكتمل الطلاق أو إمساك بمعروف ويلغى الطلاق لعدم تكامل شروطه ولكن السؤال هنا أين تتم عملية إحصاء العدة هل تذهب الزوجة إلى بيت أبيها أو أخيها أو خالها أو عمها ؟ فماذا يقول الله ؟ :
يقول الله : (...لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ...) 65-1
أي أن العدة ستكون في بيتها بين أولادها لأنها ليست مطلقة بعد لكن ماذا لو أن سبب الطلاق سبب كبير أي أن الزوجة كانت مع عشيقها ترتكب الفاحشة مثلاً, فهل تبقى في بيتها بين أطفالها ؟
يقول الله : (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ...) 65-1
أي أنها هي الحالة الوحيدة التي تخرج فيها المطلقة إلى بيت أبيها مباشرة بعد الطلقة الأولى ولا داع عندها لأي عدة او مفاوضات, علماً أن كل من يطلق زوجته اليوم ويخرجها إلى بيت أبيها من الطلقة الأولى فهو يعاملها معاملة الزانية والعياذ بالله.
ولكن ما هي مدة العدة هذه هل هي شهور أو أيام أو ساعات لنرى ماذا يقول سبحانه .
يقول الله في ذلك ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)65- 4
أن العدة التي تأتي بين الطلقتين والتي تقضيها الزوجة في بيتها ولا تخرج منه إلا بسبب الفاحشة هي ثلاثة أشهر إن خرجت عن المحيض والسبب هنا ليس له علاقة أبداً بالحمل لأنها لا تحيض أصلاً والعدة هي فقط لهدوء العاصفة (عاصفة الغضب), أما أولات الأحمال فعدتهن إلى ما بعد الولادة فلوأنها حدثت قبل ذلك وجب عليها ان تكمل الثلاثة أشهر, لأن الله وضع الحد الأدنى ثلاثة أشهر أما الحد الأعلى فهو وضع الحمل الذي قد يكون تسعة أشهر الحمل مع إضافة شهر للنفاس, وهذا ما بينه سبحانه في الآية التالية:
(والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا فاذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في انفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير)2/234
قد يسأل سائل : المطلقة في أثناء العدة تبقى في بيتها هل هذا يعني أن الرجل يجب عليه أن يخرج خارج البيت حتى لا يقع في الفاحشة مع مطلقته ؟
إن الله لا يعتبر الزوجة في عداد المطلقة بعد, لأن الرجل لم يعزم الطلاق بعد فله أن يتراجع في أي لحظة وزوجته هي حلال له طيلة فترة العدة وإن أي إتصال معها يلغي الطلاق تماماً وهذا ما يريده الله يريد أن يحدث أمراً .
(....لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) 65-1
ويريد الله ان تبقى الزوجة والزوج في ذات البيت كلاهما :
( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ
أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ...) 65-6
وإذا لخصنا كل ما قلناه إلى هذه النقطة نكون قد عرفنا التالي : أن الطلاق مرتان أي طلقتان يتخللهما عدة وتلك العدة هي ثلاثة شهور للتي لا تأتيها الحيض أو التي يئست منه وهي ثلاثة قروء للتي تحيض وعشرة أشهر كحد أقصى للتي تبين حملها لأنه لا يجوز زواج المرأة من رجل آخر حتى تضع حملها كما قال الله تعالى في هذه الآية :
( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا...) 228-2
والحالة الأخيرة هي أن تكون الزوجة المطلقة حامل فعدتها إن تجاوزت الثلاثة أشهر فهي إلى فترة الوضع.
تعالوا الآن لنرى ماذا يحدث بعد إنتهاء العدة :
يقول الله : ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجً) 65-2
وهذا يعني أنه بعد إنتهاء العدة التي يجب أن تتم في بيتها بين أطفالها وزوجها, فإن لم يتراجع الزوج خلالها عن قراره فعلى الزوج أن يدعوا شهداء على واقعة الطلاق.
يقول الله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) 4- 35
يطلب الله تعالى أن تكون وظيفة الحكم للإصلاح بين الزوجين لإعادة الإسرة إلى سابق عهدها كي لا تتفرق وتنقسم وتضيع منها المحبة والترابط.
ثم يسأل سبحانه الزوج أولاً إن كان مازال عازماً على الطلاق, أم أنه سيمسك زوجته بإحسان ويلغي الطلاق ؟
يقول الله تعالى :
( فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) 230-2
أي أنه إذا عزم على الطلاق بعد إنتهاء العدة فأخرجها من بيته, فلن تحل له بعد ذلك حتى تتزوج من رجل آخر زواجاً كاملاً فإن طلقها الثاني طلاقاً كاملاً لا تلاعب فيه بعدها يحل لهما أن يتراجعا.
وهكذا نكون قد بينا معنى الطلاق الكامل (الطلاق مرتان) كما ورد في القرآن بعيداً عن كل ما قاله أهل السلف معتمدين على اسلوب الترتيل




[center]المحكم والمتشابه[/center]

والمفتاح الثاني من مفاتيح فهم القرآن : هو معرفة الفرق بين المحكم والمتشابه, والذي أخص فيه البحث لوالدي المفكر الإسلامي نيازي عزالدين مفادها التالي:

[center]المحكم هو ما أحكم نصه لزمان ومكان بعينه, والمتشابه هو ما تشابه نصه لكل زمان ومكان.[/center]
ولكن ما معنى هذا ؟
لإعطاء المعنى يجب إدراج مثال حتى تنطبق النظرية على الواقع فينكشف الأمر للجميع :
فإن الآيات التي أتت لتأمر قوم موسى بالخروج من مصر, فهي ليست قانوناً ازلي يطبق في كل لحظة وفي كل عصر من الزمان, وأن الأرض التي وعدها لقوم مضى عليه أكثر من 5000 سنة, هو وعد قديم لشعب قديم زال وعدهم بزوال شعبهم وأن نسل وذريات ذلك الشعب الذي تطور إلى عالم اليوم هم ليسوا ذاتهم الموعودين بأرض فلسطين, وأن هذا الأمر حدث في الماضي لشعب مات وصارت (عظامه مكاحل) كما يقال عندنا في بلاد الشام.
حيث قال الله تعالى فيهم :
(تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يعملون )
وأيضاً فإن أوامر الله لقتال المشركين في عصر الرسول هي أوامر أتت لتلك الفئة المعينة من الناس ونحن منها براء.
فآيات القتال التي أتت في سورة التوبة, هي خطاب محكم الزمان والمكان لعصر الرسول والصحابة فقط, وهي كوعد الله موسى بأرض السلام لشعبه ولعصره فقط, حتى ان الله حرمها على شعبه لمدة 40 سنة لأنهم سجدوا لعجل السامري, ومن الإجحاف أن نخلط بين النوعين من أنواع الآيات فنقع في فخ التناقض الذي لا يفهمه قارئ القرآن الدخيل على الإسلام, فيحاول أن يظهر آيات القتال في سورة التوبة على أنها قمة الإرهاب الديني.
مثال :
(فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) 9/5

إن الأشهر الحرم تنسلخ كل عام مرة, فهل هذا يعني أن على المسلمين أن يدخلوا في القتال بشكل موسمي مثله مثل طقوس صيام رمضان نحمل البنادق ونحاصر قرى باقي الأديان ممن نعتقد أنهم من المشركين ونجبرهم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة , فإن أطاعونا نخلي سبيلهم, وإن لم يطيعونا قطعنا رؤوسهم, إن جعلنا هذه الآية بالذات دستوراً لديانتنا كمسلمين في كل زمان وكل مكان,لأصبح الإسلام عبارة عن إفساد في الأرض, وسفك للدماء دائم إلى يوم الدين, ونصبح في عصر أسوأ من عصر التتر والمغول.
لذلك يجب علينا أن نعتبر تلك الآية من الآيات المحكمة زماناً ومكاناً

لننظر الفرق بينها وبين الآية المتشابه التالية :

(وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) 2/190-195

من هنا نستطيع أن نستشف الفرق بين التوجيه المتشابه والتوجيه المحكم زماناً ومكاناً .
حيث أن الأوامرالإلهية الفورية التي نزلت على الرسول ليطبقها أمرة له وللمؤمنين بمباشرة القتال في زمانه, وبعقد الإتفاقيات والهدن السلمية فيما بينهم, كيف ثبت مفعولها والعمل بها بشكل محكم, وكيف أتت الدعوة إلى القتال في سورة البقرة محددة شروط القتال المشروع, بأنها لا تكون إلا دفاعاً عن النفس فقط, وليس من أجل نشر الدعوة إلى الإسلام كما قال الله تعالى في المتشابه أيضاً :
(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) 18/29.
خلال وجود الرسول بين الصحابة كان لابد من تطبيق المحكم في زمان الرسول وترك المتشابه إلى ما بعد وفاة الرسول, لكن المنافقين الذين دخلوا الإسلام في عصره فعلوا العكس, بعد وفاته عليه الصلاة والسلام, مبعدين تطبيق الآية التالية :
(هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب ) 3/7
اما بعد وفاة الرسول الكريم فقد كان من واجب المسلمين إتباع المتشابه وترك ما أحكم زمانه ومكانه لعصر الرسول.
لكن من كان في قلبه زيغ بدأ بقلب الموازين وأعاد إتباع المحكم من أجل التوسع الإستعماري لرقعة الإمبراطورية بإسم الإسلام, في تلك الحقبة أصبحت الفتوحات هي من أجل السلب والنهب وليست من أجل العدالة ونشر الدين كما يقر التاريخ لنا من الفتوحات الأموية في عصر معاوية ومن جاء من بعده من خلفاء العباسيين, حتى أن العباسيين لم يقفوا مكتوفي الأيدي.
قراءة النص من جديد بشكلة الصافي الخالي من كل الإضافات الإنسانية التي وضعت في جميع العصور المتأخرة يجب التأكد منها.

وسام الدين اسحاق
مشاركات: 66
اشترك: إبريل 30th, 2008, 8:26 pm
المكان: California
اتصل:

مارس 30th, 2009, 10:30 pm

[center]المستقر والمستودع وطرائق الخلق الثمانية (الجنة والنار وحياة الدنيا).[/center]

تعالوا نبحث في هاتين الكلمتين (المستودع, والمستقر) في كتاب الله :
(لكل نبا مستقر وسوف تعلمون) 6/67
(وهو الذي انشاكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون) 698
(قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين) 724
(وما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) 116
(اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا) 2524
(انها ساءت مستقرا ومقاما) 2566
(خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما) 2576
(والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) 3638
(وكذبوا واتبعوا اهواءهم وكل امر مستقر) 543
(ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) 4548
(الى ربك يومئذ المستقر) 7512
نجد أن كلمة مستقر تأتي في معنى الإستمرارية للمحيط والمكان الذي يدخل به الإنسان أو النبأ (والذي هو التنبؤ المكاني) و حتى الشمس والنجوم والكواكب التي تجري إلى مستقرها أي إلى مكان وزمان معلوم بالنسبة لله, حتى ان مكان الجنة والنار اتت بمعنى المستقر التالي لهذه الحياة.

إنظر إرتباط مصطلح المستقر, مع مصطلح المستودع :
(وهو الذي انشاكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون) 698
(وما من دابة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) 116
عندما ارتبط مصطلح المستقر, كإستمرارية المخلوقات(المستودع) في المكان (المستقر) وتطورها وإنتهاء فترة استقرارها بحكم اليوم الآخر الفاصل والمؤدي إلى المستقر التالي الذي عبر عنه الله في الآية 7512 دعى الله المستقر التالي المقبل للنفس ولدابة الأرض (المستودعات) التي لا نفقه تسبيحها بمصطلح جديد هو (المستودع), أي أن المستودع هو العائد على المخلوقات والأشياء.
ومن هذا التشبيه ينتج لدينا التالي :
1.نحن هنا في المستقر الحالي الدنيا. إنظر 698 و 724
2.سنذهب إلى الجنة والتي هي مستقر أخر. إنظر 2524 و 2576
3.واللذين حق عليهم العذاب سيذهبون إلى مستقرهم ثالث. إنظر 2566
4. ومعنى الإستمرارية يأتي من الآيتين 3638 و 543

والآية الأخيرة 543 والتي تقول :
(وكذبوا واتبعوا اهواءهم وكل امر مستقر) 543
أي أن الناس الذين يكذبون ويتبعون أهوائهم سيتبعون استمرارية الحياة في المستقر الآني ظناً منهم أن هذا الكون لن يتوقف وينتهي بل إنه في حالة استقرار, فيكفروا باليوم الآخر ويظنوا أن الإنسان سيموت وسيأتي بعده إنسان آخر وهكذا إلى مالا نهاية, وهذه هي القصة.
الدخول بالظن :
أو أن يؤمنوا بأن من يموت يتناسخ فيأتي إما في صفات أخرى من دابة الأرض, أو إنسان آخر من ذات العائلة, أو إنسان آخر من طبقة مختلفة من البشر (العبيد, الأسياد, الفقير, والغني......... وهكذا ..........
وبعضهم يظن أن العذاب مجازي وبعضهم يظن أن الثواب مجازي...
المستقر الأول:
قد يعتقد القارئ أننا اليوم في المستقر الأول, ولكن المستقر الأول هو المكان الذي خلق فيه الله آدم واصطفاه قبل أن يطرده إلى عالمنا هذا وإنتهى ذلك المستقر بطرده وببعثه هنا في هذا العالم الذي نحن فيه اليوم.
قال الله تعالى :
(قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين )7/24

المستقر الثاني :
هو هذا العالم الذي نعيش به اليوم وبعد أن ينتهي نشورنا في هذا العالم سيكون بعثنا
ولكن يغيب على الناس أن المستقر الثاني (للمستودعات) أي بالنسبة لنا نحن الموجودين في هذا المستقر, إن كان في الجنة فهو في مستقر الله. وإن كان في النار فهو مستقر السوء.
فما هو مستقر الله ؟
هو بالنسبة لنا الآن في عالم الغيب.
ولكن ماذا لو طرحنا هذا السؤال :
إذا كان الله له مستقر في عالم الغيب منفصل عنا تماماً فكيف نفسر قول الله :
(ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد) 50/16
هنا ندخل في بحث : يد الله, الله يسمع, الله يرى, وارتباط كل هذا بالآية التالية :
(ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين) 23/17
(وانا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا) 7211 الجن
نرى من الآية الثانية أن الجن هي من طرائق الخلق, ونحن نعلم أن الملائكة هي من طرائق الخلق أيضاً, وبما أننا نعلم أن الله ليس له روح تدعى روح الله فيكون مصطلح روح الله الذي في الآية التالية :
(يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تياسوا من روح الله انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون )12/87
تعني مخلوقاً آخر كالروح الأمين وروح القدس والروح الذي تمثل لمريم بشكل بشري, وعليه فإن الروح أيضاً هي واحدة من الطرائق السبعة.
( هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما )48 /4
( وما يعلم جنود ربك الا هو وما هي الا ذكرى للبشر )74-31
بل وإن الله يقول لنا أن هذه الطرائق في الخلق ستصبح بعد اليوم الآخر ثمانية, وهم من سيحملون عرش الله الذي بناه الله على هذا المستقر الكوني وهو على الماء كما رأينا, يقول الله :
(والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)6917
نرى أن الملك على أرجاء المستقر المشار إليه بالتأنيث, أما العرش المشار إليه بالتذكير والمشار إليه بكلمة (فوقهم ) التي تجتمع مع كلمة (فوقكم ) في الآية 2317 والتي بدأت بسبع والآن أصبحت ثمانية, ولكن ما الذي اختلف, نجد أن الإختلاف هو الزمن إنتهاء المستقر الأول ونقطة بداية المستقر الثاني.
ولكن عندما ينتقل الإنسان من المستقر الزائل (الدنيا) إلى المستقر الدائم (حيث العرش ).. ودعاه الله أيضاً بالجنة, والفوز العظيم, وحسنت مستقرا.... عندها تنتهي القصة نهاية سعيدة, فقط لمن فاز بها.

وعندما قال الله :
(الى ربك يومئذ المستقر) 7512
أي أننا سنغير مكاننا لنذهب إلى مكان الله الذي أشار الله إلية بالمستقر كما لاحظنا وهذا دليل على ان مستقر الله أي مكانه يختلف عن مستقر الكون الذي نحن فيه اليوم, وهذا دليل على ان الله الذي خلق هذا الكون هو خارج مستقره ولكنه يأثر به بواسطة ملائكته أي (الروح والملك والأيدي والسمع والعين والجند والجن ) فيقوموا بتفعيل أوامر الله في الخلق, المستودعات, ضمن الحيزالمكاني لهم (المستقر).


[center]التطور[/center]

جاء في كتاب الله الآيات التالية :
(قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق ثم الله ينشئ النشاة الاخرة ان الله على كل شيء قدير )29/20
أي يجب علينا أن ندرس ونبحث في الحقائق والوقائع, وبعدها نرى كيف بدأ الله الخلق, فإذا وجدنا في العلم بأن الإنسان قد تطور من إنسان آخر قبله وأقدم منه بأكثر من مليون سنة, واعتبرنا أن هذا واقع, كان من واجب الله أن يضع لنا تلك الدلائل في كتابه لتؤكد مثل تلك الحقيقة.
لنرى ماذا أتى في نص القرآن بالنسبة لبدء الخلق, بعد أن وضعت تلك الآيات بطريقة الترتيل, مع تفعيل عامل الزمن في ترابط الآيات :

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ {71} 38
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ 23/12
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ {7} ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ {8} ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ{9} 32
إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ {11} 37
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ {2}6
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً {14}
من هذه الآيات نرى أن الله لا يعارض فكرة تطور الإنسان وإنحداره من البشر, ولكنني أرغب بشرح ما أتى فالله يقول في خلق السموات والأرض ما يلي :
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {54} 7

خلق السموات والأرض في ستة أيام, أي ستة عصور فاليوم هنا فترة زمنية وليست 24 ساعة, والعصور الستة التي يتكلم عنها الله هي حقبات طويلة من الزمن تتراوح ببلايين السنين الأرضية, لأن موضوع الزمن نسبي كما يرى العلم اليوم ويتعلق بدوران الشيء حول شيء آخر أو دوران الشيء حول نفسه.
وقد جاء هذا التعبير في نص القرآن في أكثر من موقع ليدل على أن اليوم ليس له علاقة بدوان الأرض حول نفسها, وبما أن الله يتكلم عن خلق الأرض والسموات السبع هنا فاليوم يجب أن لا يتعلق بذرة واحدة (كوكب الأرض) من ذلك الكون بل الكون كله:
(يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون )32/5
(تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة )70/4
رأينا في البحث السابق بحث (الروح) كيف أن الروح لها وظيفة نفخ نسمة الحياة في الأشياء, والله لقد وضع هذه الخاصية أيضاً في عنصر الماء حيث قال :
(وجعلنا من الماء كل شيء حي ) 21/30
لذلك كان لابد أن يكون مركز الخلق أو القاعدة الأساسية للخلق أساسها الماء, فقال الله تعالى مؤيداً العلم الحديث :
وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ {7} 11
ولقد بين العلم اليوم أن وجود الحياة في أي كوكب من كواكب السموات هو وجود الماء, فإن وجد ماء على أي كوكب وجب وجود الحياة فيه, وعبارة "العرش الذي هو على الماء" أي أن الخلق الذي حدث داخل هذا العالم الجديد الذي خلقه الله وهو السموات والأرض والذي استغرق فترة زمنية صغيرة جداً بالنسبة لعظمة الله قد كان العامل الرئيسي في الخلق فيه هو الماء, في هذا العالم الذي هو الرتق الصغير وسأبينه لكم بعد قليل, أما بقية الخلق الخارجة عن هذا العالم والذي بالنسبة لنا هو "المجهول" أي لا نعلمه بحواسنا, إن عقلنا يستطيع أن يتخيل أن هناك عالم كبير وعظيم خارج نطاق السموات والأرض ولكننا نجهله تماماً فكل عناصره مجهولة ومخلوقاته مجهولة وعظمته مجهولة وعدده مجهول وحجمه مجهول وكيفيته وحيثياته كلها مجهولة.
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {30}21
والرتق هنا للتشبيه بالصغر فكل ما نراه ظاهراً بالنسبة لنا من "السموات والأرض" ولا نستطيع نحن البشر أن نحيط بعلمها بعد, هو عبارة عن رتق صغير في عالم خلق الله.
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ {9} 41
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {12} 41
(وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواء للسائلين)
سألني أحد قراء الملحدين السؤال التالي :
لماذا لا يعرف الله العد فهو قال أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام, ثم قال موضحاً تلك الأيام الستة بأنها كالتالي :
خلق الأرض في يومين, وقضى السماوات السبع في يومين, ووضع رواسي في أربعة أيام أي 2 + 2 + 4 = 8
فمن أين جاء قوله ستة أيام وهي ثمانية كما نرى ؟
إن بداية خلق السموات والأرض هي اليومين الأولين لأن الأرض ليست مركزاً للكون والعلم على دراية بهذا, أما ما جاء في الآية الثانية من وضع الرواسي, في أربعة أيام فهي أيضاً لجميع الكواكب في الكون كله وليس تحديداً كوكب الأرض.


فعاد وسألني السؤال الآخر التالي إن كان الله قد خلق الأرض في يومين وقضى السموات السبع في يومين, وأنهى خلق السموات والأرض في ستة أيام, فأين كان الله قبل هذه الأيام الستة ؟
يقول الله تعالى :
يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ {29}
فالإنسان الذي يعتقد أن مهمة الله تنتهي في خلق السموات والأرض , وأنه لم يخلق قبلها ولن يخلق بعدها وأن سبب هذا الخلق هو سبب أبوة وبنوة وخلاص وشفاعة وعذاب وثواب ويظن الإنسان أن الله كان يلعب أو يلهو, فالله يجيب وبكل صراحة :
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ {16} لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ {17} 21
هل يعتقد الإنسان أن خلق الله لعالمنا قد أعياه...؟
هل يظن الإنسان أن عالمنا هذا هو عالم عظيم فوق عظمة الخالق مثلاً ..؟
وهل يعتقد الإنسان أن الله لم يخلق مثله بعد ... ؟
إن الله تعالى قد خلق كل هذا العالم (السموات والأرض) في رتق صغير. (الإنفجار الكوني).
إن زمن خلق هذا العالم الذي يحيطنا جميعاً قد استغرق 6 أيام بالنسبة لله, ونحسبه بعيد وهو بالنسبة لله قريب, وإن عملية التطور التي رافقت تطور الإنسان من تراب إلى نطفة ثم علقة ثم مضغة ....الخ. هي ضمن الأيام الستة في الخلق.
وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {11}


الخلاصة:
من هذا الموضوع يتبين لنا التالي :
ان الله هو الخالق لكل شيء, وليس مثله أي شيء وأن عالمنا والكون الذي نحن فيه من مجرات وكواكب والذي لا نستطيع بعد أن نتخيل عظمته وكبره وحجمه, هو مجرد رتق صغير يستطيع الله أن يذهب به وأن يخلق عالم جديداً مثله أو أكبر منه, أو أحسن منه, وأن الله لن يكلفه هذا أي عناء هو الذي خلق هذا الكون في مدة زمنية بسيطة لا تتعدى الستة أيام, وأن هذه الأيام الستة بالنسبة إلينا هي ستة عصور يمتد كل عصر منها إلى بلايين السنين البشرية الأرضية, ولقد تطور الإنسان خلالها حيث بدأ خلقة من التراب والطين, كما ينبت النبات من الأرض, وبعد ذلك بدأ الإنسان الذي أصبح يتكاثر بواسطة الماء اللازب(المني) والذي يمر في الخلق المتتابع لوجود صفة الإنثى والذكر في أغلب مخلوقاته حتى يستمر في التكاثر والإنجاب بطريق السلالات التي تنتمي إلى التطور, والتي لا تنتمي إلى خلط الفصائل, فالإنسان لم يأت من القرد كما يعتقد دارون في نظريته ولكن الإنسان أتى من فصيلة البشر, وأن الإصطفاء الذي حدث لآدم هي تلك الطفرة التي إحتار بها العلم وهي الخطوة الأولى في تطور الإنسان ومن بعدها كان اصطفاء المؤمنين بإرسال الرسل فاصطفى الله تعالى نبه ورسوله نوح,وبعدها اصطفى الله آل إبراهيم علماً أن هناك الكثير والكثير من سلالات الإنسان التي لا تنتمي إلى سلالة إبراهيم, وبعدها اصطفى الله أيضاً سلالة آل عمران, التي أتى منها المسيح ابن مريم بنت عمران,
( اذ قالت امراة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني انك انت السميع العليم ) 3/35
( ومريم ابنت عمران التي احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) 66/12
ولم يخاطبها الله (ابنة داود) كما تنبأ اليهود بولادة العزير من سلالة داوود في كتاب اشعياء, والذي اعتبرته المسيحية المسيح يسوع ابن الله, ولصقوه بيوسف النجار ليصبح من سلالة داود ليثبتوا صحة تحريف التوراة التي أخفت حقيقة أن المسيح سيأتي من (الأميين) "جوييم" (آل عمران) الكنعانيين, أي من الأمم الأخرى غير بين إسرائيل وكان هو السبب الأول في ملاحقته وقتله:
حيث جاء في إنجيل متى :
كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم. 2 ابراهيم ولد اسحق.واسحق ولد يعقوب.ويعقوب ولد يهوذا واخوته. 3 ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار.وفارص ولد حصرون.وحصرون ولد ارام. 4 وارام ولد عميناداب.وعميناداب ولد نحشون.ونحشون ولد سلمون. 5 وسلمون ولد بوعز من راحاب.وبوعز ولد عوبيد من راعوث.وعوبيد ولد يسى. 6 ويسى ولد داود الملك.وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا. 7 وسليمان ولد رحبعام.ورحبعام ولد ابيا.وابيا ولد آسا. 8 وآسا ولد يهوشافاط.ويهوشافاط ولد يورام.ويورام ولد عزيا. 9 وعزيا ولد يوثام.ويوثام ولد آحاز.وآحاز ولد حزقيا. 10 وحزقيا ولد منسّى.ومنسّى ولد آمون.وآمون ولد يوشيا. 11 ويوشيا ولد يكنيا واخوته عند سبي بابل. 12 وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتيئيل.وشألتيئيل ولد زربابل. 13 وزربابل ولد ابيهود.وابيهود ولد الياقيم.والياقيم ولد عازور. 14 وعازور ولد صادوق.وصادوق ولد اخيم.واخيم ولد اليود. 15 واليود ولد أليعازر.وأليعازر ولد متان.ومتان ولد يعقوب. 16 ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح. 17 فجميع الاجيال من ابراهيم الى داود اربعة عشر جيلا.ومن داود الى سبي بابل اربعة عشر جيلا. ومن سبي بابل الى المسيح اربعة عشر جيلا.
ملاحظة هامشية ليس لها علاقة بالموضوع الرئيسي للقراءة فقط:
لاحظ أن السلالة التلمودية لشجرة يسوع المبنية على التبني تمر أولاً بولد ثامار (التي زنت بحماها فأنجبت التوأم فارص وزارح, أولاد الزنى)
ثم لاحظ الأسم الثاني في السلالة (بوعز) أهم شخصية في المعبد الماسوني, ثم لاحظ أن ذكر النبي سليمان أتى بربطه بإسم أوريا الحثي الذي أرسله النبي داوود إلى حتفه بعد أن زنى بزوجته, وأتى إبن الزنى (النبي سليمان). هذا ما ذكر في العهد القديم.
لاحظ التناقض في كتاب العهد القديم الذي لم يعترف بإبن إبراهيم إسماعيل لأنهم اعتبروه إبن زنى لأن إبراهيم دخل على هاجر من دون عقد زواج وعليه لم يتم الإعتراف بإسماعيل على أنه الإبن البكر لإبراهيم بل إنك سترى في عرض العهد القديم أن إسحق هو الإبن الوحيد لإبراهيم وهو الإبن الوحيد الذي ذهب مع إبراهيم إلى المحرقة, أما سلالة يسوع التي تم افتراض أساسها على التبني والتي تمر بفارص وسليمان وكلاهما في عين التوراة أولاد زنى, فما هذا المكيال الذي يكيل بمكيالين ؟


أي أن يسوع المسيح يرجع إلى سلالة داوود بالتبني., ومتى كان للتبني سلالة ونسل؟

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12}66
إن الله الذي خلق هذا العالم العظيم بالنسبة إلينا في ستة أيام والذي هو في حجم الرتق الصغير لقد وصفه الله تعالى أنه في النهاية سيطبقه على بعضه كما يطبق على الكتاب :
(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) {104}
أي إعادة الخلق من جديد التي تبدأ من منطقة الصفر في الخلق, بأن نطوي السجل إلى أوله من أول صفحة من الكتاب.
وهذا ما حدث في البعث في المستقر الثاني بعد المستقر الأول, لهذا فإن عملية خلق البشر ستكون أولاً في المستقر الثالث ومن بعدها سيتم بعث أموات المستقر الثاني في الثالث, وهكذا.
أرجو أن أكون قد لخصت موضوع تطور الإنسان موضحاً عظمة الله في الخلق ومحجماً عالمنا الصغير بالنسبة للخالق البارئ والمصور, والتي استغرقت لفترة ستة أيام, يقول الله تعالى :
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ {13} وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً {14} فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ {15} وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ {16} وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {17} يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ {18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ {19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ0 {20}

فإن الوقف في الآية 17 يجب أن يأت على كلمة (فوقهم) أن الإنسان الفائز سيصبح هو العدد ثمانية فوق طرائق الله في الخلق أي من جنوده يعمل كخليفة له ولا يخالفه الأمر والله يتكلم عن عدد جنوده الذين يحملون عرشه والذي هو مجازي وضمن حيز بسيط هو الرتق (المستودع)الذي ننتمي نحن له وهو لا شيء بالنسبة لعظمة الله والخالق.



[center]الوحي والملائكة والروح[/center]

1- الوحي

الوحي كلام الله للعالمين. وهناك (ثمانية أوجه للوحي)
الوجه الأول :
كلام الله للبشر : ولها ثلاث طرق
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (42:51)
ويقال للروح الأمين جبريل أنه الوحي وهذا اعتقاد خاطئ لأن جبريل عليه السلام هو رسول للوحي أي لكلام الله, وكل حديث يتم بين البشر (نبي, أو رسول) تندرج أيضاً تحت صفة الوحي, ولكننا الآن في هذا المثال نتكلم عن الوحي والذي هو كلام الله لرسوله البشري.
(فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) 11/12
هذا الوحي هو كلام الله عن طريق (روح أو ملاك) وهو رسول من الله يبلغ كلام الله للنبي (رسول الله البشري), كي يبلغها للناس, ويأمر بتدوينها في مجمع الوحي (كتاب الله).
والأمثلة كثيرة في القرآن :سأكتفي بعرض ثلاثة منها مع تقديم أرقام الآيات كمرجع :
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) (6:19)
(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (6:106)
(كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) (13:30)
(17:73) (17:86) (18:27) (29:45) (35:31) (42:7) (42:13) (43:43) (6:50) (7:203) (10:15) (10:109) (11:12) (33:2) (46:9) (10:2) (12:109) (16:43) (21:7) (21:25) (21:73) (18:110) (39:65) (42:3) (20:13) (21:108) (41:6)
الوجه الثاني الوحي الإيحائي لمخلوقات الله عامة :

(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ) 16/68
(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (41:12)
(إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا .......... بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (99:5)
وكل ذلك الوحي هو أمر من الله لمخلوقاته بالقيام بعمل وتنفيذه من دون اعتراض.

الوجه الثالث للوحي الذاتي للبشرعامة :

(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) 14/13
(قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (34:50)
(ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ) 17/39
( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) 91/7-10
والإلهام يختلف عن الوحي ولا يندرج تحته لأنه قد يأتي في المنام أو أثناء القيام بالأعمال وينبع من نفس الإنسان, من فجور (النفس) أو تقواها.

الوجه الرابع للوحي علم الغيب.

(تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (11:49)
(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)(3:44)
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (12:3)
(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) (12:102)
الوجه الخامس للوحي الخطاب المباشر :

(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (10:87)
(وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (11:36)
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) (11:37)
والأمثلة كثيرة : (7:117) (7:160) (16:123) (20:77) (23:27) (26:52) (26:63) .
الوجه السادس للوحي كلام الله للملائكة :

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (8:12)
(إنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (53:4)
الوجه السابع للوحي كلام الله لبعض الناس وليسو من الأنبياء :

(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (28:7)
(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (20:114)
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (14:13)
الوجه الثامن للوحي كلام الجن والإنس والملائكة بين بعضهم وليس وحياً من الله.

(فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) (12:15)
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (6:112)
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (19:11)
( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) (72:1)
سألني الكاتب والمفكر الإسلامي الإستاذ نهرو طنطاوي السؤال التالي:
هل هناك وحي بين الرسول البشري بشكل عام ورسول المسلمين بشكل خاص, والملائكة او الروح المكلف بتوصيل رسالة الله له, بأي حوار جانبي آخر غير الرسالة, كالأحديث القدسية أو حتى الحوار العادي ؟
فأجبته بالتالي :
إن تدوين القرآن هو أمر إلهي, ولقد طلب الروح الأمين جبريل عليه السلام من رسول الإسلام محمد عليه السلام, أن يكتب بعض الكلمات بشكل مختلف مثل (كلمة بكة, وبصط و الأيكة) التي كتبت بشكل لا ينطبق على قواعد الكتابة حينها, وقد أمر الرسول كتبة الوحي أنذاك أن يكتبوها بهذا الشكل, لأن جبريل عليه السلام طلب منه ذلك, أي أنه أوحى إليه ذلك وهذا الوحي هو حوار بين الروح الأمين والرسول البشري, مع كونه أمر إلهي كما رأينا ومع ذلك فهو ليس نص قرآني, وعليه فإن هذا الوحي يندرج أيضاً تحت الوجه الثامن للوحي الخاص بين الملائكة والروح والجن والناس بينهم وبين بعضهم.

2- الملائكة :
إن الله عندما أمر الملائكة جميعهم أن تسجد لآدم في قوله :
(واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين )2/34
نجد ان أمر الله أتى لمجموعة الملائكة فقط, فطاع الجميع أمر الله إلا إبليس ولم يكن (إبليس) من مجموعة أخرى غير الملائكة كما جاء في آية الأمانة التالية التي لم تذكرالملائكة في الخطاب أبداً :
(انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا )33/72
والإعراض عن تحمل مسؤولية الأمانة ليس لها علاقة بالفسق الذي وقع به إبليس وإنما كانت شفقة من عدم مقدرتهم على تحملها لأنهم على دراية كاملة بالأمر, وبما هو في مقدورهم فعله, فكل من في السموات والأرض وضمناً الجبال, قد أشفقوا على ذاتهم وأبوا أن يحملوا هذا العبء الكبير العظيم, والذي رضي به الإنسان فظلم نفسه بجهله.
وبما أن إبليس هو من مجموعة الملائكة, وقد استطاع رفض أمر الله وفسق عنه هذا يدل على أن الملائكة جميعها مخيرة وليست مسيرة كما يعتقد البعض, وأن لها القدرة الكاملة على الإختيار, وقد اختارت طاعة الله بشكل كامل, لهذا اعتبرها الله من الفئة الطاهرة عن الفسق والعصيان, وقد أطاعت الملائكة أمر الله وسجدت لمن أمرها الله بالسجود له, علماً أنها استغربت الأمر حيث قالت :
(********قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون )2/30
ولو أنها فسقت عن أمر الله لشملها الطرد واللعنة إلى يوم الدين كما فعل الله بإبليس الذي هو من الملائكة من فئة الجن, وهذا لا يعني أن جميع ذرية إبليس قد فسقوا عن أمر الله فالله يعلمنا بالتالي:
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ) 72/11-14
أما الملائكة المطهرون الذين لم يفسقوا عن أمر الله قال الله عنهم :
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ )56/77-80
وهناك ثلاث آيات أخرى تحاول شرح معنى الطاعة الإرادية والكره القصري الذي لا خيار فيه.
(افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون )3/83
(ولله يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال ) 13/15
(ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ) 41/11
من تلك الآيات يتبين لنا أن طاعة رب السموات والأرض ليست قصرية وإنما طاعة أتت بحرية كاملة وبقرار ضمني داخل تلك المخلوقات, وأن من يُجبَرْ على القيام بأي بشيء بشكل (إكراه) أي لا قرار فيه هو فعل تسييري لا حول له ولا قوة.
وهذا ما دفع الله إلى طرد إبليس, وهو الذي ينتمي إلى مجموعة المخاطبين في آية السجود لآدم (الملائكة) ولو كانت الملائكة مخلوقات مسيرة كاملة لا ترفض أي طلب يطلبه منها الله لما استطاع إبليس رفض ذلك الأمر.

ومن هنا نعلم أن خطة الله من المستقر الأول والثاني والثالث, هي تطهير الإنس والجن من (العصيان والفسق) عن أمر الله, وليس بجعلهم طاهرون ومن دون أي إختيار بل كما رأينا أن أيات التطهير والتي جاءت في أماكن كثيرة من الكتاب بمعنى النظافة من الخبائث, أو الأمانة في الأداء, أو نقاء الذات كالعقل والقلب والتفكير من الفجور والفسق والعصيان.
أما أن نعتقد أن الله قد خلق الإنس والجن لهم حرية الإختيار وخلق البقية من دون أي تفكير وحرية, فكأننا نقول أن الله قد خلق شيء معطوب لأنه حر وخلق البقية بشكل كامل لأنه مسير, فأين الكمال في التسيير وأين العطب في التخيير ؟

3- الروح :

هو مخلوق من مجموعة الملائكة مثل الروح الأمين جبريل المتخصص بتبليغ رسالة الله إلى نبي من أنبياءه, والنبي يوصل الأمر إلى الناس, والناس منهم من ينفذ الأمر ومنهم من يعصي أمر الرسول والذي هو أمر الله.
والروح أيضاً له وظيفة أخرى في تنفيذ أمر الله مثل نفخ الحياة في مخلوق محدد منه سبحانه.
والروح أيضاً هي المديرة لأمر الله والمسيطرة على بقية الملائكة, وهذا ما يجعلني أعتقد أن الروح هي :
1- إما أنها رئيسة الملائكة وهي من مجموعة الملائكة.
2-أو أنها لا تنتمي إلى مجموعة الملائكة أبداً, لأن الله كان يذكرها بشكل منفصل عن الملائكة كما نرى, ولكنها تبقى في مكانها على أنها هي التي تدبر أمر الله وتفعله في الواقع بتسخير الملائكة لطوعها.
قال تعالى :
(يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ)16/2
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ) 26/193
أي أن الروح, هي التي تأمر الملائكة بالنزول وإطاعة أمر الله وهذا ما سنلاحظه في البراهين القادمة:
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)42/52
وهنا أتى الوحي (كلام الله) الذي أتى من الله بواسطة الروح, للرسول الكريم لتفهيمنا أمور الحكمة (الصراط المستقيم) والذي هو نور وهداية.
(رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ) 40/15
هذا الروح الذي سينزل على من يشاء الله من عباده للإنذار بيوم التلاق أي إلتقاء الناس بالله في يوم الحساب, سيأتي في زمن قادم أما طريقة الوحي فهي بواسطة الروح.
والروح أيضا له علاقة في تنفيذ أمر الله في الخلق ويعمل بإدارة يد الله المجازية من بقية الملائكة, فينفخ في شيء فيجعله حياً :
(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) 32/9
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) 3/59
فإن كلمة كن هي التي أرسلت يد الله في الخلق ونفذها (الروح).
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) 15/29
فالروح هنا ليست روح الله أي من ذاته وإنما هي مخلوق اسمه (الروح) وتابع لله ويعمل بأمره وهو من يقوم بنفخ نفخة الحياة في المخلوقات, فالروح ينفخ الحياة ولا ينفخ الأرواح.
(فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً) 19/17
وإذا ظننا أن روح الله هي ذات الله فإن تمثل الروح لمريم هو تمثل الله لها بصفة بشرية, طبعاً لا لأن الروح أساساً مخلوق ورسول من عند الله.
(فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا )19/17-19
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ) 21/91
(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) 66/12
فالله لم يذكر الملائكة هنا أبداً وقد يكون الروح من مجموعة الملائكة, كما أن الجن من الملائكة أيضاً.
وكما أن لكل ملاك خاصيته وعمله الخاص به كذلك الروح, والروح الأمين والروح القدس, وملاك الموت, قال الله تعالى :
(مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) 2/98
هنا الله يذكر نفسه (الله) ثم يعطف اسمه على ملائكتة ورسله وجبريل وميكال ونحن نعلم أن الملائكة والروح هي رسل الله, فعطف كلمة الرسل تأتي لتعريف الملائكة أولاً, ثم أتت كلمتي أسماء جبريل وميكال وهم من الرسل أيضاً من مجموعة الروح حيث عرف الله جبريل بـ (الروح الأمين).
(وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ) 26/192-194
(قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين )2/97

لننظر في الفرق بين الملائكة والروح وما هي الأشياء التي يمكن أن يجتمعوا بها :
(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) ليلة القدر 97/4
(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)70/4
من هذه الآية يتبين لنا أن الروح والملائكة, لهم خصائص مشتركة مما يدعوني إلى الإعتقاد أن الروح هي من مجموعة الملائكة والتي تنقسم إلى سبع طرائق :
(ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين )23/17
(الروح (للحياة) والملك (على أرجاءها) والأيدي (فوق أيدي الجميع) والسمع (ما توسوس به النفس في الصدور) والعين (النظر الثاقب الذي يرى كل شيء) والجن (الإغواء والفتن والمكر) والجند (ولا يعلم عددهم إلا الله)) وجميعهم من مخلوقات الله وكلهم مخلوقات بطيئة الحركة ولكنهم متساويين فيها مقارنة مع الله الذي ليس كمثله شيء, والذي يستطيع أن يكون مع كل خلقه في كل لحظة ولا ينطبق عليه الزمن فهو في كل مكان ولا يحتاج إلى زمن لوجوده في مكان وإنتقاله إلى مكان آخر, فلا يحده لا زمن ولا مكان, كما يحدث لمخلوقاته.
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً) 87/38
والروح ليس مخلوقاً واحداً فقط فالروح القدس ليس هو الروح الأمين, حتى أن الروح الذي تمثل لمريم, والذي لم يذكر الله اسمه لنا بل جعله مجهول الهوية حتى أن الروح الذي سينفخ في الصور لينذر في يوم التلاق هو روح أخرى تختلف عن بقية الأرواح:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) 16/2
(وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)2/87
(إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) 5/110

الخلاصة :
يتبين لنا من استعراض (الوحي والروح والملائكة) أن الوحي هو كلام الله, وأن الروح والملائكة هي مخلوقات الله, وأن الله يضع الروح في مركز أعلى من بقية الملائكة وكأنه المدير العام لها, وأن الملائكة هي بقية الخلائق الستة الباقية التي تعمل بأمر الله, والموكل للروح فهي طوع الروح وطوع الله فإما أن تنفخ الحياة في مخلوقات الله أو توصل كلام الله ووحيه للرسل الذين هم عباد الله والنبي والرسول البشري يوصلها إلى الناس لينفذوا الأمر, وأن الله أيضاً له طريقة أخرى في الخطاب للناس كأن يرسل الروح مباشرة ليتمثل للبشر, كما حصل لمريم, وكما حصل لعيسى, وكما تمثل الروح جبريل لنبي المسلمين, وهناك طريقة أخرى وهي الخطاب المباشر ولكن من وراء حجاب, لأنه ليس هناك أي أحد يستطيع أن يرى الله مباشرة كما قال الله في الآية التالية :
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )7/143


[center]المواثيق[/center]


سأذكر لكم بعضاً من المواثيق التي برمها الله معنا والني مسحت من عقولنا عند وصولنا إلى هذا الكوكب وهذه الحياة هذا المستقر قال الله تعالى :
(واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ) 7/172
فالسؤال الذي يجب أن يطرح ذاته هو التالي :
متى تم هذا الحوار بين الناس والله ؟
(ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين)36/60
متى كان هذا العهد ؟
(واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور) 5/7
ما هو الميثاق ومتى تم ؟
(فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون )6/169
متى تم اخذ ذلك الميثاق ؟
(وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين )57/8
هل من أحد يذكر أي ميثاق تم بينه وبين الله ؟
الجواب هو : (لا أحد يذكر أي شيء عن أي عهد أو ميثاق قبل أن نأتي إلى هذا العالم).
وهناك ميثاق آخر تكلم الله عنه وهو الميثاق الذي أبرم بين الله ورسله وأنبيائه.
(وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) 33/7
(واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ااقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين )3/81
وهناك أيضاً ميثاق آخر :
(لقد اعتبر الله عقدة النكاح بين الرجل والمرأة وما تكتبونه كمقدم ومؤخر للصداق هو ميثاق غليظ يجب طاعته في هذه الآية ) :
(وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) 4/20-21
وهناك عهود ومواثيق تمت مع الله والناس بوجود رسل الله وأنبياءه بين الناس, فمثلاً ذكرى المائدة كان ميثاق بين الله وبين النصارى إلى يوم اليقامة حيث قال :
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ )5/114-115
(ومن الذين قالوا انا نصارى اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به ..) 5/14
(واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا .........)2/83
نرى من هذه المواثيق أنها قد ابرمت هنا في الأرض وبين الله والناس بواسطة أنبيائهم المتصلين بالله, ولكن المواثيق التي تم ذكرها والعهود التي أخذت من ذرية آدم قبل أن يصلوا إلى هنا : متى تمت وكيف تمت ولماذا لا نذكرها ولكننا سنتذكرها فيما بعد .... هكذا يقول الله !
هذا دليل أننا قد كنا شيئاً قبل أن نأتي هنا فأين كنا ؟ وماذا كنا ؟
للجواب على هذا السؤال يجب أن نعلم أننا هنا ليس بسبب خطأ أبوينا كما قال الله تعالى في هذه الآية فقط :
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ *قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ) 7/12-15
إذا كان أمر الله بالطرد من الجنة للشيطان بسبب عدم سجوده للإنسان قد أوجل بطلب من الشيطان فسمح الله له بالمكوث فيها إلى يوم البعث, فعن أي بعث يتلم الله هنا ؟
وهذا يعني ان البعث كان موجوداً في الجنة قبل الطرد, فلماذا حدث الطرد بعد وقوع آدم وحواء في خطيئة الأكل من الشجرة المحرمة ؟
أي أن البعث قد حصل.
(فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) 720-25
فالهبوط والحياة والموت والخروج سيتم فقط على (العصاة) من أهل الجنة, أما البعث الذي تكلم الله عنه ومنحه لإبليس فهو قد حصل هنا في عالم الدنيا (المستقر الدنيوي الثاني) وهناك (المستقر الأول) ولكن الفرق بين (المستقر الأول والثاني) أنه في هذه الأرض سيضطر الإنسان على العمل والكدح من أجل العيش, يقول الله :
(فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى *إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) 20/117-119
هنا تم طرد آدم وحواء والشيطان بسبب عصيانهم لأمر الله.
ولكن ماذا عن الذين لم يعصوا الله من نسل آدم وحواء ومن نسل الجن أم أنه لم يكن هناك نسل في الجنة ؟
وهل كان هناك نسل لآدم في الجنة قبل أن يخرج منها ؟
قال الله تعالى :
(وقلنا يا ادم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) 2/35
إن لم يكن هناك نسل في الجنة لما كان لأدم زوج أساساً, فما هو سبب وجود الزوج إن لم يكن من أجل النسل ؟
ولماذا كان ادم ذكراً أساساً وزوجه الأنثى والكلام مازال في الجنة ؟
ولماذا يحاول الله أن يذكرنا بأشياء كثيرة حدثت معنا في حياة أخرى لا نذكر فيها أي شيء (المواثيق)؟
( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )51/49
( ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون )56/62
وهناك الكثير والكثير من الآيات التي تحث الإنسان على التذكر لأشياء لم تحصل معه في هذه الحياة وكأنها حصلت في حياة أخرى, ولكن وبسبب عصيانه لله وجبت عليه التوبة ووجبت عليه الحياة هنا على الأرض.
هل الجن والإنس جميعهم أكلوا من الشجرة. وكلهم هبطوا إلى الأرض ؟
أم أن كل من أكل من الشجرة من الإنس وكل من غوى الإنسان من الجن هم الذين تم ويتم طردهم يومياً من الجنة بسبب عصيانهم لأمر الله المستمر؟
ألم يخاطب الله سلالة بني آدم قبل أن يطردهم من الجنة وحذرهم قائلاً :
(يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) 7/27
أليست هذه الآية خطاب لبني آدم من قبل الخروج من الجنة.... ؟ يحذر الله فيها نسل آدم الموجود في الجنة بأن لا يقع بما وقع فيه آدم وزوجه من خطأ ويحاول الله أن يحذرهم بعدم الوقوع بذات الأمر.
وقبل أن نهبط إلى هذه الدنيا أقام الله عهداً معنا كما أبرم عهداً مع آدم عندما قال له :
(واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ) 7/172
ألم يعصي آدم ربه ولهذا تم طرده :
(فاكلا منها فبدت لهما سواتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى ادم ربه فغوى )20/121

خلاصة :
كلنا في يوم من الأيام قد كنا في الجنة, وكلنا عصى الله وأكل من الشجرة, وكلنا هبط منها وبدأ بالشقاء والسعي وراء لقمة العيش ولهذا نحن هنا وإن لم نتوب لن نعود للجنة من جديد ولكننا سنذهب إلى مكان آخر ليس فقط من أجل الشقاء فيها والتوبة بل سنذهب إلى تعاسة ما بعدها تعاسة لقد أخطأنا نحن فتم طردنا من الجنة واليوم لدينا فرصة للعودة إلى الجنة من جديد إما أن نتوب وإما أن نذهب إلى شقاء ما بعده شقاء.
قراءة النص من جديد بشكلة الصافي الخالي من كل الإضافات الإنسانية التي وضعت في جميع العصور المتأخرة يجب التأكد منها.

وسام الدين اسحاق
مشاركات: 66
اشترك: إبريل 30th, 2008, 8:26 pm
المكان: California
اتصل:

مارس 30th, 2009, 10:31 pm

[center]التوبة[/center]

إن النظرة الدينية لموضوع خلق الإنسان هنا في عالم الدنيا وبأشكال مختلفة وظروف متباينة هي نقطة الخلاف بين جميع الديانات من حيث تعريف عدل الله, بل وأن تلك الظروف المتباينة لهي السبب الأول لخروج العديد من الناس عن الإيمان بفكرة الدين إلى الإلحاد والعلمانية, أو الإيمان بفكرة الخلاص والشفاعة, وأنه لو تخيلنا أن هناك ذرية للإنسان في عالم ما بعد هذه الحياة, في الجنة أو في الجحيم, فما ذنب الأطفال الذين سيولدون في ذلك العالم الجديد, ولماذا لم يكن لنا هذا الحق في الولادة في عالم الجنة, بدلاً من البدء من هذه النقطة الحرجة التي هي هنا في هذا العالم, ويقول البعض أن من يموت وهو طفل سيصبح في الجنة ومن غير حساب, فهل قتل الأطفال عمداً أو في الحروب والكوارث الطبيعية هي رحمة وخلاص لهم, أم أنها جريمة يعاقب عليها القانون؟

لنبدأ من نقطة خلق الله للبشر الذي كان (يسفك الدماء ويفسد فيها ) ... إلى أن اصطفى الله (آدم) الإنسان (وخلقه خلقاً آخر ).
(تك-2-7: وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ الأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً) تكوين الإصحاح الثاني جملة رقم 7 ترجمة فانديك


إن العلم الحديث اليوم قد أقر بأن “الإنسان” قد تطور من “إنسان بدائي” :
حيث جاء في كتاب ا"لبيئة الجغرافية لعصور ما قبل التاريخ" التالي :

أثارت الأكتشافات الأولى للهياكل العظمية والأدوات الحجرية التي حصلت منذ القرن الثامن عشر, الفضول لدى الكثيرين من العلماء، وأصطدم النقاش حول تقويمها (أي معرفة أعمارها) ومدى علاقاتها بالإنسان, فبعضهم قال :إن الجماجم المتحجرة تعود لحيوانات منقرضة, وإن الأدوات الحجرية التي رافقتها ما هي الا من صنع الصواعق والعوامل الطبيعية الأخرى, وأعتبرها أخرون شواهد على وجود أنسان ما قبل التاريخ, ولكن مع تدخل البحث العلمي الجاد والمتطور في القرن العشرين وبداية إطلالتنا الى القرن الحادي والعشرين أي بعد الوصول إلى مخابر تحليل الحموض الأمينية (الإطار الكرونولوجي العام والرئيسي) الذي يسمح للمؤرخين أن يعيدوا تأليف العناصر الهائلة للمعطيات المتعلقة بأصولنا.

صورة
الإنسان القديم

صورة

وأكد رواد العلم اليوم ما وصل إليه رواد العلم الأوائل بأمور كثيرة, وصححوا لهم زلاتهم وسهواتهم التي تشابهت عليهم حينها وخرجوا بالنتائج التالية :
1.أن عمر الانسان أقدم بكثير من الألف الخامس قبل الميلاد, وهي الإعتبارات المستنتجة من التوراة, التي اهتمت بكتابة أعمار الأنبياء المتدرجة من سلالة أدم, والتي حصرت عمر الإنسان بسبعة آلاف سنة، وأن هناك أدلة كثيرة تدعم بطلان الفكر الديني التوراتي, بعد العثور على أسلحة الإنسان الأول القديم وهياكله العظمية الأولى في طبقات جيولوجية ترجع إلى أقدم بكثير مما قالته تلك الكتب الدينة الخرافية، ورافق تلك الإكتشافات العثور على عظام حيوانات تعود إلى مئات الألوف من السنين والتي تنقض فكرة تكون الكون في ستة أيام.

صورة
جمجمة تعود إلى أكثر من 200,000 سنة

2.أن الأنسان الاول قد ظهر منذ أكثر من مليوني سنة ، ولكنه لم يخترع الكتابة الحرفية الرمزية فعلاً إلا في الألف الرابع قبل الميلاد وأنه في أماكن أخرى ظهرت بعض الرسومات التي تعود إلى أكثر من خمسين ألف سنة.
صورة
رسم يعود إلى 50000 سنة

الأقسام التي عاش فيها الانسان ما قبل التاريخ : أي البشر.
القسم الأول:
القسم الباليوليت: (من مليون إلى 250000 سنة خلت: الباليوليت القديم الأدنى)
فكان القسم الأطول من تاريخه المسمى بالعصر الحجري القديم متنقلاً خلف الصيد والالتقاط للثروات الحيونية والنباتية الطبيعية.
وهذا ما شرحناه في فصل التطور من هذا الكتاب (بالبشر) الذي خلقه الله قبل إصطفاء آدم.
القسم الثاني:
القسم الحجري الوسيط قسم الموزليت: (من 2500000 إلى 50000 قبل الميلاد.)
كان أكثر استقراراً وأكثر تنظيماً وفاعلية في الحصول على غذائه اليومي .
القسم الثالث:
القسم الحجري الحديث قسم النيوليت: (ترجع لـمرحلة النيوليت من 50000 إلى 7500 سنة قبل الميلاد)
أقام هذا الأنسان (البشري) القرى الثابتة الأولى وعرف الزراعة وتدجين الحيوانات وحقق بذلك انعطافاً جذرياً، أقتصادياً وأجتماعياً واضعاً الاساس المباشر للحضارة البشرية الغنية.

يعود هذا التطور الفيزولوجي للجنس البشري والذي يعود جذوره إلى أكثر من مليون سنة والتي عاشت في الزمن الثالث إلى أنواع انسانية أنتقلت عبر الزمن الرابع من أشكال بدائية إلى أخرى أكثر تعقيداً وتطوراً فظهر التالي :
1-الهرموهابيل:
وهو الأنسان الأول ذوالصفات الفيزيولوجية والدهنية البسيطة .
2-الهومواكتوس:
3-النياندرتال الأخير:
هو الانسان العاقل سلفنا المباشر, صاحب القدرات المادية والفكرية, النياندرتال هو المرحلة الاولى, من القسم الأول والأطول من للرباعي "البليستوسن" تميزت هذه الفترة بدورها بحدوث تقلبات تتابعث فيها عصور جليدية باردة فصلتها عن بعضها عصور أخرى جافة.
صورة
فإذا قارنا هذه المعلومات مع ما أخذناه من الدينيين السلفيين حتى اليوم بأن الله :
(صنع الله تمثالاً من طين ونفخ فيه فأصبح آدم, ثم وضعه في حالة نوم فأخذ ضلعاً من أضلاعه وصنع له حواء, وأنها بهذه الإسطورة بدأت القصة)
( فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْماً.
تك-2-22: وَبَنَى الرَّبُّ الإِلَهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ.
تك-2-23: فَقَالَ آدَمُ: ((هَذِهِ الْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ)).
تك-2-24: لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً.
تك-2-25: وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ. ) تكوين 2 / 22-25
إن صدقنا هذا الكلام نكون كالطفل الذي قيل له قصة “سانتا كلوز”, “بابا نويل” وصدقها, وبعد أن كبر مازال يصدقها.

إذاً,...... من أين جاء الإدعاء بأن الله خلق البشر من سلالة من الأطوار .................. ثم اصطفى آدم ؟
(وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) 71 / 14
(ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين) 23 / 12
ويجيب القرآن على ذلك السؤال مما سأعرضه من شواهد, وسأضعها أولاً كما أتت في تسلسل القرآن من أول الكتاب إلى آخره :
1. 1 / 30
2. 2 / 34
3. 15 / 28-29
4. 38 / 71-74
5. 61 / 17
6. 50 / 18
ولكن إذا حاولنا أن نُفَعِّلْ عامل الزمن (الترتيل) في هذه الآيات سنجد أنه يجب علينا أن نرتبها على الشكل التالي :

1. كان رقمها 3 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ )15/28-29
نلاحظ أنه بعد تفعيل الزمن أن :
الله قد أعلم الملائكة بأنه سيخلق في المستقبل بشراً من صلصال من حمأ مسنون.


2. كان رقمها 1 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )230
لاحظ أن الفعل الآن هو” جعل” وليس “خلق”.
وأنه سيجعل “خليفة” ولم يقل “إنسان” أو “بشر”.


3.كان رقمها 2 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)2/34
الآن قد دعاه باسمه (اسم علم ... “آدم”). (علماً أن “آدم” تعني النواة أو الوحدة الصغرى للأشياء بأغلبية لغات العالم).

4.كان رقمها 5 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا 17/61
هذه الآية تشرح موقع إبليس أنه من مجموعة الملائكة وأنه فسق عن أمر ربه.

5.كان رقمها 4 إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ38/71-74
هذه الآية تعلمنا بالأمر من أوله إلى آخره من لحظة الخلق إلى التسوية ونفخة الروح ,"الإصطفاء للخلافة" إلى إستكبار إبليس.

6.كان رقمها 6 وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا )18 / 50

هذه الآية تظهر سبب فسوق إبليس, وكونه من الجن, ويستغرب الله من الإنسان الذي يظلم نفسه باتخاذه إبليس بدلاً عن طاعة أمر الله وعدم الوقوع في العصيان, ويعرفنا الله تعالى ويحذرنا من ذريته, ويذكرنا بعدواة إبليس لنا.

نجد مما سبق أن الله قد أعلم الملائكة : بأنه سيخلق في المستقبل بشراً من صلصال من حمأ مسنون, وعندما أصبح “البشر” واقع موجود, قال للملائكة الخبر الثاني : أنه سيجعل منهم “الخليفة” من مجموعة “البشر” سيصطفي الله الخليفة, فقالوا له (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ). لم يكن جوابهم بهذا الوجه لأنهم يعلموا الغيب, بأن الإنسان سيصبح مستقبله هكذا (إفساد وسفك دماء) بل لأنهم راقبوا ذلك البشري من لحظة تطوره من لحظة خلقه من الحمأ المسنون إلى شكله البشري النهائي, والذي استغرق مليوني سنة بالنسبة لنا نحن البشر وقبل إنتقالنا إلى حالة الإنسان (آدم).
آدم الذي إصطفاه الله من البشر أي “خلقه خلقاً آخر” بقوله :
(ان الله اصطفى ادم ونوحا وال ابراهيم وال عمران على العالمين ) 3/33
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )23/12-14
والإصطفاء كما عَرَّفْنَاه هو إنتقاء(واحد من مجموعة) أو (مجموعة من مجموعات).
و “الخلق الآخر” هي عملية تعديل وتسوية للمخلوق الأول : ( فاذا سويته ونفخت فيه) 38/73
والتسوية هي تعديل وتحسين أي (أحسن تقويم).
ثم سجدت الملائكة كلها إلا إبليس.
ولكن لاحظ هنا أن كل هذه الأحداث مازالت قبل طرد الله للإنسان من الجنة.
تعالوا نحاول تحليل الحوارالتالي بين الله وابليس :

(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ) 15/30-41


لننظر إلى ترابط التسلسل الزمني للآيات العشرة السابقة :
ماذا حدث بعد أن رفض إبليس السجود ؟
قال له الله : (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)
فماذا قال الشيطان ؟ ( قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
أي أن :
1.البعث هي نقطة معلومة موجودة في مصطلحات علم الله لخلقه في ذلك الوقت في الجنة (المستقر الأول)الذي سكن فيه آدم قبل ان يأكل من الشجرة. (خطيئة آدم التي طرد بسببها من الجنة).
2. أن إبليس سيبقى في ذات المكان (المستقر الأول) مكان وجود الإنسان الأول آدم وزوجه قبل الإقتراب من الشجرة وقبل أن يأكل من الشجرة. (لأن فكرة "الزمان والمكان" هنا بالذات جداً حساسة في معرفة حيثيات الحقيقة المبهمة).
3. أن الله قد قبل بعرض إبليس (العرض الغريب) .... لقد أجل عمليه طرده إلى "يوم البعث".
4. لقد طلب إبليس تخفيف العقوبة وتأجيل طرده من يوم الدين إلى يوم البعث ! (لاحظ أنه هناك فرقاً بين اليومين, ولاحظ أن ثمن فسوقه أنه سيقدم لله خدمة مجانية لإمتحان الإنسان بما أعطاه الله من قدرة على (الإغواء) " (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ).
هل رضى الله بقاء إبليس في ذلك المستقر(الأول)؟ (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) أي أن يوم البعث هو يوم معلوم بالنسبة لله وإبليس, وأن الإنتظار هو إلى ذلك اليوم فقط.

ثم قال الله مخاطباً آدم وزوجه :
( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ )2/35
وكما شاهدنا فإن آدم وزوجه قد سكنا الجنة (المستقر الأول) والزوجية هي من أجل الإستخلاف والذرية وإلا لخلق الله آدم فقط ولا داعي للزوج في المستقر الأول, ولظهر ذكر الزوج بعد الطرد فقط.
فماذا فعل إبليس وهل نفذ وعده ؟
( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )2/36
ما الذي تغير ؟ :
1. إبليس أصبح اسمه (شيطان) لأنه لم ينفذ أمر الله بالسجود "فسق عن أمر ربه".
2. أكل آدم وزوجه من الشجرة. (أي أنهما قد وقعا في معصية الله).
3. طرد آدم من المكان الذي كان فيه ينعم بخيرات الله. (الخروج من المستقر الأول)
4. هبط هو وزوجه وقرينه الشيطان وأصبحوا أعداء إلى أرض ثانية لها مستقر ومتاع إلى حين.(الذهاب إلى المستقر الثاني)
5. الأرض الثانية أي المستقر الثاني يشترك مع الجنة الأولى(المستقر الأول) بأن كل منهما له يوم بعث معلوم.
6. وسنرى كيف أن يوم بعث المستقر الأول يصب في المستقر الثاني.
7. ذهاب هناء المستقر الأول وظهور شقاء المستقر الثاني.

كيف غفر الله لآدم ؟ :
( تَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )2/37

من هذه الشواهد نستطيع أن نربط موضوع خلق الله الإنسان الأول من جده البشري الإنسان الأول ( النياندرتال ).

(لقد خلق الله البشر, مع مجموعة الحيوانات فأثبت البشر تفوقه في الصيد لكنه أساء باستعماله لقوته القادرة على التطور بإختراع السلاح فأصبح يقع في الحروب التي أودت بشعوب وقبائل, بوقوعه بفخ الكبرياء والغرور والعظمة فأصبح (يسفك الدماء ويفسد فيها ) ... ولقد اصطفى الله الإنسان (وخلقه خلقاً آخر )).
طلب منه الحياة وبكل حرية وأسجد له كل ما في السموات من طرائق في الخلق, فأبى إبليس أن يسجد, فأمره الله بالخروج من الجنة لرفضه امر الله وفسوقه, لكن الشيطان الذي يعلم أنه لم يطع كلام الله وأمره, طلب من الإله أن يؤجل طرده من الجنة إلى يوم البعث, وهذا دليل على أن فكرة البعث موجود في مستقر عالم الجنة (الأول)وموجود في مستقر عالم الدنيا (الثاني) أيضاً.
قبل الله طلب الشيطان وقبل وجوده في الجنة إلى يوم البعث.
أتى الشيطان إلى الإنسان وغواه وقربه من الشجرة, ولما ذاق الإنسان الشجرة سقط عنه ريشه كله وأصبح كالطير الذي سقط عنه الريش فراح يغطي جسمه بأوراق الجنة.
(يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون )7 / 26
(يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) 7 /28
(فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سواتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين )7/22
لاحظ الله ذلك فسألهما (ألم أنهاكما عن تلكما الشجرة) فتأسف الإنسان وطلب المغفرة.
لكن الله طرد الإنسان والشيطان من الجنة (المستقر الأول) طرد الإنسان لأنه عصى كلام الله, وطرد الشيطان لأنه غوى الإنسان وأن يوم البعث قد حدث فعلاً, (لأن طرد آدم وزوجه من المستقر الأول هو موت, وهبوطه إلى المستقر الثاني هي ولادة وبعث جديد في المستقر الجديد),ولقد طرد الله الشيطان مع الإنسان لتثبيت عداوته للإنسان, وطلب من الإثنين أن يعيشا معاً حياةً جديدة على أرضٍ فيها تعب وشقاء وعري, فيها عداء وجوع وكراهية, ومع ذلك على الإنسان أن يحاول أن يصل إلى توبته, من دون أي تدخل من الله, عدا أنه وعده بأنه سيرسل له كلمات تذكره بمعصيته تلك, فإن تذكر وطلب المغفرة, عندها فقط سيغفر الله له.
(فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) 20 / 117-119

من تسلسل الحياة ومن البديهي أن آدم وزوجه قد عاشا فترة طويلة قبل أن يأكلوا من الشجرة, ويجب أن نمحي فكرة التمثال الطيني المنفوخ في إنفه نفخة الروح, كما يجب أن نمحي فكرة ظهور حواء فجأة بإستئصال ضلع من أضلاع آدم وهو نائم, وبعد ذلك جعل تلك الضلع تنمو بشكل سحري وخلال دقائق أصبحت فتاة تدعى حواء, ويجب أن نعود إلى وعينا الواقعي العلمي.
أعلمنا الله أن آدم هو الذي تم تعديله, أما حواء فهي الرحم الذي سيحمل بذرة آدم في الخلق الجديد, لهذا زوجهم الله أصلاً, وأن الشجرة ليست رمزاً للعملية الجنسية كما يعتقد بعض الناس, وحتى لو أنها كذلك فإن هذا دليل آخر على وجود نسل لأدم في (المستقر الأول), بل أن نسل وذرية آدم قد حدثت من قبل لحظة النهاية, لحظة عصيان آدم لأمر ربه, ومن ثم طرده, هو وزوجه وقرينه, لأن الطرد حدث بعد أن كان آدم يافعاً متعلماً لأسماء الأشياء منذ طفولته, التي رعاها الله فعلمه ودربه وأنشأه إنساناً آخر طيلة عمره, وأنه في ذات الحين طلب منه إختيار زوجة له, فزوَّجَهُ وطلب منه إطاعة أمره, وقد تمتع آدم بتلك الطاعة طيلة حياته الهنيئة, البعيدة عن الشقاء والجوع والعري والخوف والمرض والزعل والحزن والكرب,... وأخيراً إنتصر الشيطان عليه فغواه.
أما من هي زوجة آدم؟ إنها "الرحم" الأم البطن الذي حمل مستقبل سلالة الإنسانية.
حتى إنني أعتقد أن البشر لا يزالوا موجودين في الغابات والصحاري النائية, وبإستطاعة الله أن يطورهم أو أن يصطفي منهم من يشاء, ويمكن الزواج منهم وتعليمهم والنهوض بهم من مرقدهم إلى مقدمة العلم فإن البشر قادر على التطور والتحسين والتهجين.
صورة
مسرحية تقليدية يعرضها فرقة من شعب أستراليا كطقوس دينية موسمية, تعبدية.

صورة
لقطة حقيقية لشعوب الأمازون.

صورة
لقطة من فيلم, يحاول المخرج إظهار وحشية شعوب الأمازون ولكننا نرى شعوب الأمازون الحقيقيين في الصورة السابقة ولهذا اليوم.

قال الله تعالى:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ )7/189
لقد اتت هذه اللآية في القرآن فأرجوا التفكر بها ولما جاء بها, والتي تتكلم عن بداية خلق الإنسان من نفس واحدة ثم تتكلم عن وظيفة الزوج في بث الذرية فلما حدث الحمل طلبوا من الله أن يجعل لهم في ذريتهم إبناً صالحاً ليشكروا الله على هذه النعمة, وبغض النظر عما فعلوه من إشراك فإننا هنا نحاول أن نستدل على التالي :
1- وظيفة التزاوج في المستقر الأول هي من أجل الذرية.
2- إثبات أن الذرية أتت قبل العصيان والإشراك والطرد إلى المستقر الثاني.

إن سلالة الإنسان في (المستقر الأول) مازالت تعيش فترة الإمتناع عن العصيان, ومازال نسل وذرية الشيطان هناك يحاول إغواء أبناء وذرية آدم ليطردهم منها, فكل من يذوقها يسقط ريشه فيطرد منها, ويبعث هنا في (المستقر الثاني) مع قرينه الجني متلازمين مطرودين معا.
ويؤكد كتاب التوراة عملية التوالد والنسل والذرية (في المستقر الأول) حتى قبل وقوع آدم في العصيان :
(تك-1-27: فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.
تك-1-28: وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: ((أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ)).
(وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. ) تكوين 2 - 9
(وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلاً: ((مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً
تك-2-17: وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ)). تكوين 2 17 /18
وإن الآية القرآنية التي خاطبت بني آدم وأمرتهم بعدم الوقوع بالعصيان الذي وقع فيه آدم, وعدم الأكل من الشجرة لهي دليل قرآني آخر على وجود ذلك النسل والذرية في (المستقر الأول) :
(يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) 7 /28

لقد سألني إستاذي ووالدي المفكر الإسلامي نيازي عز الدين السؤال التالي :
ما المانع من ان الأرض واحدة وأن الطرد قد تم بالهبوط من مكان إلى مكان آخر ولكن ضمن الأرض ذاتها كقوله :
(قال اتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فان لكم ما سالتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بانهم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) 2 / 61
إن نظرية : الكلمة الواحدة في القرآن تخص وتفرد حالتها الواحدة في المعنى ككلمة, وأخذنا مثال على ذلك كلمة (أنزلنا) التي تعني هبوط "من خارج الشيء إليه" واعتبرناها آية تتكلم عن عملية "إنزال" كإنزال الماء والكتاب والحديد, وهذا كله ينحصر في إنزال الشيء من خارج الشيء إليه.
أما الهبوط فإنه تحرك من مكان لآخر كما جاء في الآية أعلاه.
إذا لماذا تصر على أن الهبوط الذي أتى في الأية :
(قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين )7/24
أي تحرك ضمن الشيء من دون أي نزول أو تبديل للأرض.
وأيضاً : (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم ) 11/48
أي أن الهبوط من السفينة إلى اليابسة وكلها ضمن الأرض كما نرى.
الذي ينقض هذا الإدعاء هو نقطتين هامتين :

النقطة الأولى :
نظرية إدراج الكلمة في التخصيص الواحد في الدلالة, قد تنطبق على بعض الكلمات وليس جميعها كالكلمة التي تعني صفات الأشياء : كالطويل والقصير, والكبير والصغير, أو صفات الشعور كالهناء والشقاء, أو للنوع : الخير والشر, أو للحالة النفسية : حزن, فرح, خوف, محبة كره غضب.
وقد تدخل بعض الأفعال في زمرتها لكننا يجب أن لا ننسى أننا أستطعنا أن ننظر إلى الوعاء الذي يحتوي الكلمة,فرأينا أن الفعل ضرب قد أتى في أكثر من معنى :
ألقى : (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا )2/60
وجاءت بمعنى أدلى بالشيء وفرضه نصيحة :
(ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون ) 14/24
كما جاءت بأكثر من ثمان معانٍ
الإلقاء, والتخلي, والستر, واللفظ , والإقرار, والتسديد , والفرض, والسعي.

كما نرى في النهاية فإنها تصب في وعاء الجزر البلاغي الحاوي لجميع تعبيرات الكلمة الفعلية الواحدة. ( ضرب ).
أما بالنسبة للكلمة الفعلية “هبط و نزل” فإني أيضاً أقرأ الآية التالية :
(الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون ) 2/22
بأنها إنزال من أعلى إلى أسفل, أي من خارج الشيء إليه, وأرى أن الآية التالية والتي أتت بالفعل هبط وتحدثت عن الهبوط للخير من السماء أي أنها تشترك في دلالتها على ذات المعادلة المشار إليها, لنقرأ الآية , قال تعالى:
( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون ) 2/74
أنا لا أحاول نقض نظرية الدكتور الشحرور, بأن الكلمة الواحدة في القرآن تستخدم في حالة خاصة بها, ولكنني أرغب بالتحذير على أن الأفعال جميعها لاتندرج تحت تلك النظرية كما شاهدنا فالفعل يأتي بأكثر من معنى, وسأثبت لكم أيضاً أن هناك العديد من الأسماء التي ستحمل أكثر من دلالة حتى من الأسماء مثل : (السماء الماء الأرض الجبال الرجال النساء الأطفال) فالمعنى لا ينحصر للحالة الواحدة لجميع الأسماء والأفعال مستثنين فقط الصفات كما قلت لاحقاً.
وكما رأينا أن الله قد استخدم فعل الهبوط للدلالة على نزول الماء من السحب., أي من خارج الشيء إلى داخله.
بعد أن نظرنا في الأفعال التي تأتي بأكثر من معنى لننظر إلى الأسماء التي تأتي بأكثر من معنى أيضاً, قال تعالى :
(يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) 14/48
لاحظ ان الله استخدم كلمة الأرض الأولى التي لونتها بالأحمر في هذا المثال ليس من أجل تحديد كوكب الأرض بل لمجموعة السموات والأرض أي أتت بمعنى الكل أي (أرضية الكون) المسرح كاملاً, أي أن المسرح سيتم تبديله بمسرح جديد.
ونجد أن الله قد استخدم الإسم (أرض) هنا أيضاً لتعريف مكان وجود الإنسان, وليس إسم علم لكوكب فريد أسمه “الأرض” :
(واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون) 2/30
وأنا أقول أن المسرح هنا في هذه الآية في المستقر الأول, أما آية تبدل الأرض لغير الأرض في الآية التي تكلمت عن المسرح الجديد ولكنها دعت ارضها بذات الإسم كما نرى, وأيضاً لقد استخدم الله تعبير الجنة بأنها المكان الجميل المليء بالأشجار الغني بمياهه كقوله :
(لقد كان لسبإ في مسكنهم اية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور )34/15
(ولمن خاف مقام ربه جنتان ) 55/46

لقد كان سؤال والدي السابق يحاول تخصيص الإسم في كلمة الأرض لكوكب الأرض, الذي جعل به الخليفة آدم أساساً ومن بعده أتينا نحن جميعنا من سلالته.
فرأيت التالي :
إن كان المكان واحد أساساً أي أن المستقر الأول والثاني, فأين تكمن جنة آدم في الأرض بعد ان أصبحت اليوم قرية صغيرة وجميع أماكنها معروفة للجميع, أم أن وجودها هو أيضاً خرافة كخرافة مثلث برمودة.
وبما أن كلمة الأرض هي ذاتها التي استخدمت للتعبير عن المستقر الأول والثاني, ونراها أيضاً تطرقت إلى المستقر الثالث بعد عملية التبديل المستقبلية للبعث الجديد.

النقطة الثانية:
1.تبدل حالة الإنسان من الهناء إلى الشقاء.
2.تبدل لباس الإنسان من الريش إلى الجلود والأنسجة.
3.تبدل حالة إبليس إلى حالة شيطان.
4.لا تزر وازرة وزر أخرى, كما سنرى.

فإني أرى أن العاصون هم الذين يطردوا من المستقر الأول فيبعثوا في المستقر الثاني.

فالقصة ليست قصة آدم وحواء, فكلنا آدم وكلنا حواء وكلنا أكلنا من الشجرة وكلنا طردنا من ذلك (المستقرالأول) إما أن نعود إليها..... قف لحظة, نحن لن نعود إلى (المستقر الأول) بعد يوم الدين ولكننا سنذهب إلى جنة الخلد (المستقر الحسن الثالث) يقول الله :
, وقال أيضاً :
(قل اذلك خير ام جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا ) 25 / 15
وإما أن نذهب إلى جحيم مابعده جحيم (مستقر السوء):
جنة الخلد : (اصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا ) 25/24
جهنم (انها ساءت مستقرا ومقاما ) 25/66
أي أن الذين ما زالوا في الجنة, (المستقر الأول) ولم يأكلوا من الشجرة, سيذهبوا إلى جنة الخلد بعد بعثهم, والفرق بين (المستقر الأول والثاني والثالث), أن المستقر الأول هو عالم الإبتعاد عن الشجرة والحياة الهنية والمستقر الثاني أي عالم التوبة, عالم الشقاء والتعب وطلب الغفران والمستقر الثالث هو عالم الفوز أو الخسارة الخالدة,والفرق بين عبارة الأبدية والخالدة, ان الخلود مرتبط بوجود المستقر وينتهي بإنتهاءه, أما الأبدية فهي عبارة غير قرآنية وجاءت فقط لتحدد فترة زمنية معينة كعبارة (أبد من الزمن) أي له بداية ونهاية قد يكون مربوط بمستقر كعبارة : (خالدين فيها أبداً ) أي ينتهي الخلود بإنتهاء الأبد المشار إليه, يقول الله :
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) 11/106-107
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )11/108


وإن الذين هم في (المستقر الأول) ولم يقعوا في معصية الله ولم يصغوا لوساويس الشياطين, ما هو مصيرهم ؟
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) 7/22
فكل من يأكل من الشجرة يختفي أين يذهب لا أحد منهم يعلم (بأنه سيبعث هنا في المستقر الثاني) لأنه يوجد برزخا وحاجزاً بين المستقر الأول والثاني ولا يعرف أحد ماذا يوجد هنا كما لا يذكر أحد ماذا يوجد هناك, ويعلمنا الله أن فئةً من "الجن" من سكان(المستقر الأول) يحاولوا أن يسترقوا السمع لما يحدث هنا مع سكان المستقر الثاني :
(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ) 15 / 16 -18
فسمعوا بالقرآن وراحوا يقصون أخباره العجيبة للجن الذي يسكن هناك, فمنع الله ذلك الإستراق وأصبح يرصد تحركات الجن وينسفها بالشهب النارية.
(قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرانا عجبا ) 72 / 1

* هذا النفر من الجن هم من الجن الذين يسكنون هناك في (المستقر الأول) عالم الشجرة.
لأن الجن الذين طردوا إلى (المستقر الثاني) على علم بوجود القرآن تماماً أما مسترقي السمع من (المستقر الأول), هم الذين يتكلم الله عنهم في هذه الآية.
ملاحظة : أي أن الزمن واحد بين المستقرين, فهذه اللحظة موجودة ايضاً لسكان المستقر الأول.

تعالوا نلقي نظرة على المواثيق التي أبرمت معنا ومع الله قبل أن نأتي إلى هذا العالم لا نذكرها ولكنه يحاول أن يذكرنا بها من خلال القرآن.
(واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ) 7 / 172
هذه الشهادة قد تمت قبل أن يبعث الإنسان هنا في عالم التوبة (المستقر الثاني).
(واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا )33 / 7
من آية الشهادة و الميثاق الغليط يتبين لنا أننا كنا من المطرودين الشاهدين على الله قبل مجيئنا إلى هذا العالم, ويتبين لنا أن الأنبياء قد كانوا من من الأخيار المنتقين لأجل إيصال الكلمات لنا حتى نؤمن بها فيتوب علينا الله تماماً كما فعل مع آدم :
ذكر الله 25 نبي في هذه السورة ونهاها بهذه الآية :
(وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ ) 48/38
(فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم ) 2 / 37


[center]النشور[/center]

إن الإنسان الذي يعيش هنا في أرض التوبة (المستقر الثاني) ثم يسقط في الموت قبل أن ينهي إمتحانه يعود فيخلق من جديد بجسد جديد كالأطفال والمعاقين ومسلوبي الحرية, تعاد تجربتهم مرة أخرى وفي ثوب جديد, حتى تكتمل حياتهم بشكلها الكامل لينهوا فترة التوبة, ولكن تضاف حياتهم السابقة وإن كانت قصيرة لحياتهم الجديدة مع كل سلبياتها وإيجابياتها بعدالة إلهية رائعة (بالقسط) ولقد دعاها الله بالنشور.
(من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) 17 / 15
إن قضية النشور يا أعزائي هي قضية حساسة جداً لا أستطيع طرحها على إسلوب البيان, وإن رغبت بطرحها فإني أطرحها بإسلوب الرأي الشخصي البحت الذي لا ألزمه أحد, أؤمن أنا به وأدعوه لنفسي ولا أفرضه على أحد, مثله مثل موضوع الصلاة, والتي هي علاقة الإنسان الفرد بربه.
إنطلاقاً من نظرية الدكتور محمد شحرور القائلة أن الله تعالى في كتابه القرآن, دقيق العبارات ولا يستخدم كلمتان مختلفتان في ذات الدلالة أبداً, ولقد رأينا أننا نستطيع أن نستثني من هذه القاعدة بعض الأفعال والأسماء أما الصفات والمصادر, فإن كل كلمة منها فعلاً تخصص الدلالة لكل كلمة كما جاء في نظريته, وأن النظر إلى الوعاء الحاوي للكلمة يأتي بسياق الجملة.
وإذا حاولنا النظر في الآيات التي تتكلم عن النشور في مثالنا التالي نجد التالي :
قال الله تعالى في كتابه العزيز(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ )80/21-22
إن قضية النشر عائدة لله تعالى وهي حالة لا تأتي إلا لسبب معين وأهم هذه الأسباب هي:
1.الفترة الزمنية التي تعيشها النفس في الجسد, في المستقر الثاني.
2. علاقة النفس بالمحيط, وعلاقة المحيط بها.
3. كون النفس حرة أم مقيدة.
4. إضطراب الجسد مما يؤثر على النفس.
5. إضراب العقل مما يؤثر على القرار.
6. وصول البلاغ للنفس أثناء حياتها في عالم التوبة.
هذا يعني أنها حق عليها العذاب أو العكس فيقول الله تعالى في هذا الصدد :
(فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون ) 7 – 30
فمن هم الذين حق عليهم الضلالة, هل هم الأطفال الذين قتلوا أو ماتوا وهم ضعفاء وقبل سن الرشد ؟ أم هم الضعفاء الذين لا يملكون قرارهم, أم هم مريضوا العقل والجسد, أم هم ممن لم يسمع بكلام الله بعد ولم تأتيه الرسالة بعد ولم يسمع بها ابداً ؟
(واذا اردنا ان نهلك قرية امَّرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا )17/16

صورة

فماذا عن الأطفال الذين يسكنون هذه القرية ما مصيرهم ؟ ولماذا حق عليهم الدمار بذنوب أبائهم ؟
(وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم ان الله يفعل ما يشاء )22/18
(ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين )46/15

إن الله لم ينسى ان يذكر الأطفال بإحترامه للآباء, فلماذا يعذب الله الأطفال بأخطاء الأباء إذا ؟

من الآية السابقة نجد أن الله يخصص للإنسان فترة نموه الفكري 40سنة كما يعتقد البعض, ولكن ماذا عن الأطفال الذين يموتون كل يوم من كوارث اللإنسان من قتل وتدمير وحروب ومن الكوارث الطبيعية التي يوقعها الله بالبشر من زلازل وإعصارات, فماذا عن الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد هذا ... ؟ أم أن الجميع سيمرون تحت ذات المظلة ؟؟؟
صورة

صورة


إن الله تعالى في القرآن الكريم لم يذكر أبداً أنه عادل, علماً أن السلف قد قالوا أن واحداً من أسماء الله الحسنى بأنه عادل, فأين العدل في كل هذا ؟
الإنسان الملون الأسود والأصفر والأحمر والأسمر والأبيض وإختلاف الألوان هل هذا عدل عندما يبدأ الإنسان بظلم نفسه من اجل لون بشرته :
(ومن الناس والدواب والانعام مختلف الوانه كذلك انما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور )35-28
(يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير )49/13
حتى أن الإنثى والذكر ليسوا متساويين وفي بعض البلدان يعاملون الأنثى معاملة البهائم ومعاملة الدون فأين العدل في هذا ؟
وقالت إمرأة عمران في خطابها التالي :
(فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) 3/63
ناهيك أن هناك الأعرج والأكتع والأعمى فهل يستوي الأعمى مع البصير والله يعلم أنهم لا يستوون؟
(قل هل يستوي الاعمى والبصير افلا تتفكرون )6/50

وهناك الأبله والذكي والمعتوه والعبقري والمسكين فهل هناك عدل في هذا ؟

وهناك الأبن اليتيم, والإبن المحروم من العطف والإبن الذي يولد وفي فمه معلقة من ذهب وهناك الفقير, وهناك من يولد وهو مريض بمرض خبيث وهناك من هو إبن زنى فما ذنبه هو إن أخطأت أمه وأبيه وهناك من يولد في أثناء المجاعات الكبرى.
صورة

الجوع
صورة
مرض التوحد

صورة
الأعمى

أين العدل والله لم يقل ولو مرة واحدة في القرآن أن الله عادل فمن أين قيل عن الله انه عادل وما هو مصدرهم ؟
قال الله تعالى :
(ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما )4/40
وقال أنه يعامل بالقسط :
(شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم )3/18
إن الله لا يظلم أحد إختار هذا الإنسان مصيره ولم يظلمه الله ولكنه هو الذي ظلم نفسه فحق عليه العذاب, ولكي نفهم كيف ظلم الإنسان نفسه قبل أن يولد يجب على كل إنسان ان يتذكر عصيانه في (المستقر الأول) وسبب طرده من هناك فإن تذكر فهم , وبسبب جهله وعدم طاعته وعصيانه قد تم طرده من مستقر الهناء إلى مستقر الشقاء.
(فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون )9/70
(ولو ان لكل نفس ظلمت ما في الارض لافتدت به واسروا الندامة لما راوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون )10/54
فكيف يقضى بين الناس (بالقسط) والعذاب يأتي على الجميع الصغير والكبير ؟
يجب علينا أن نتذكر قوله تعالى :
(وقلنا يا ادم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)2 / 35
وربط ظلم الإنسان لنفسه بمصيره هنا في عالم التوبة هنا في(المستقر الثاني), وربطه أيضاً بقوله (وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ).
والكافرون بما أنهم لا يروا عدل الله فيزيدهم هذا كفراً فيكفروا بالنشور أي بعودة من لم تكتمل عليهم وتحق عليهم كلمته فإنهم يؤمنون بأن هي حياة واحدة وان كل من يموت لا يعود فيحيى حياة جديدة, ونشر جديد فيقولون :
(ان هي الا موتتنا الاولى وما نحن بمنشرين )44/35
هل هذا يعني أن هناك موت ثاني وربما أكثر !
وبعضهم يتخذ بعض الألهة التي تؤمن بالنشور ولكنهم لا يؤمنون بالله تعالى خالقهم الأول:
(ام اتخذوا الهة من الارض هم ينشرون ) 21/21
قد نفهم هذه الآية بأكثر من معنى :
1. الألهة التي يتخذها الإنسان (من الأرض... من الخلق... مما خلق الله...) وهذه الألهة هي التي تنشر الناس أي تعيد خلقهم من جديد, يؤمن بهذه الديانة المصريون القدماء و بعضاً من البوذيين والدروز.
2. أي أن الآلهة ذاتها التي يتخذها الإنسان والتي تموت (الطاغوت) فتعود فتخلق من جديد في جسد جديدة فيتخذوها الهة ويبحثوا عنها ليعرفوا من هي, ويؤمن بهذه المعتقدات الكثير من الأديان الهندية والصينة القريبة من البوذية ومن الأديان العربية هي الديانة العلوية التي تؤمن (بسليمان الراشد الإله) الذي يموت جسده ليعود فيخلق من جديد في جسد آخر.
ولنفهم معنى كلمة النشور نجد أن الله تعالى يمثلها لنا بإعادة إحياء الأرض الميتة من جديد بإرسال ماء الغيث عليها:
(وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) 42/28
(والذي نزل من السماء ماء بقدر فانشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون )43/11
ويذكرنا الله تعالى ويشبه هذه العملية بخروجنا نحن البشر :
(واتخذوا من دونه الهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا )25/3

إن الأديان جميعها تؤمن باليوم الآخر وتؤمن بالحساب ولكن أين العدل في الحساب إذا كان الإنسان تختلف طبيعية حياته من واحد إلى آخر فهناك من يولد عربي مسلم من أب وأم ينفقان عليه بكل إستطاعتهم ليعلموه كل ما لديهم من أخلاق ودين وأعراف, وهناك ملايين من البشر من الذين لا يتكلمون العربية, وملايين منهم أيضاً من الذين حرموا من الأب أو الأم أو كليهما, ومنهم أيضاً من وُلِدَ من أب أو أم مجرمين كفرة فسقة, أو أنه يتيم الأب و الأم, أو أن ظروف حياته كلها وكأنها الجحيم, كأطفال الإنتفاضة أو الإحتلال أو العبودية, فأين العدل في هذا ؟
كيف يفسر الله لنا أنه يعامل الناس (بالقسط) والتي فسرت بمعنى العدل ؟
كيف يفسر الله لنا أنه لا يظلم مثقال ذرة ونحن نعلم أن كل إنسان له ظروفاً مغايرة ومختلفة عن الآخر في الجمال أو المال أوإنسان قبيح مشوه بليد ولد هكذا فكانت حياته جحيماً ولم يفلح فيسقط في قاع المجتمع, أومخلوق جميل راح ضحية الإعتداء فقتل واغتصب ونهب فكان جماله نقمة فأين العدل ؟

صورة
طفل في السادسة أغتصب وقتل.

صورة
طفلة في الرابعة عشر حامل بإبن الخطيئة.

صورة
مظاهرات لحماية حق الإجهاض وقتل الجنين.

حتى لو تخيلنا أسرة رائعة تتألف من أب وأم وأبناء كلهم يعملون فينفقون أموالهم في الخير لهم وللجميع, فوقعوا في مصيبة المرض الخبيث أو اتى عليهم الزلزال فأخذهم جميعاً وترك أصغرهم يتيماً ذهب ليعيش في الملجأ.

(ومن الناس والدواب والانعام مختلف الوانه كذلك انما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور )35-28
(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا )4/9
(اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية )4/77
الخلاصة :

هل الله عادل في التوزيع؟ :
1. للمال.
2. والجمال.
3. والجاه.
4.والجنس.
5. والصحة.
6. والذكاء.
7. والظروف الإجتماعية.
8. والمصائب.
صورة

صورة


لكن الله لا يظلم الإنسان مثقال ذرة والله بريء مما اختار الإنسان لنفسه, من معصية أو إيمان ومن خير وشر, ومن اتباعه لشهواته وملذاته دوناً عن الحب والخير لوجه الله, ولكن هذا الإنسان الذي اختار بنفسه يجب أن يكون :
بالغاً.
عالماً.
مدركاً.
على دراية برسالة الله.
لم تجبره الظروف القاسية على الإنصياع.
يؤكد الله لنا ان نعم الله كثيرة في الأية التالية :
(واتاكم من كل ما سالتموه وان تعدوا نعمت الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار )14/34
(وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الله لغفور رحيم ) 16/18
إن نعم الله كثيرة فهو من خلق لنا الشمس والقمر وهو من خلق لنا الليل والنهار, وهو الذي خلق لنا البحر والشجر والجبال, وهو الذي رفع لنا السماء من دون أعمدة, وهو الذي زين لنا السماء بمصابيح, وهو الذي حلل لنا الطيبات, وهو الذي خلقنا من ذكر وأنثى وهو الذي...... الخ.
وإن الذي يحاول أن يكفر بهذه النعم فإنه يظلم نفسه, ولكن ماذا عن الأشياء الأخرى والتي تعد من النقمات, والتي شرحناها فليس كل البشر أيتام, وليس كلهم بهم مرض, أو عاهة أو سبب إجتماعي قد يدفع بهم إلى الرذيلة والتشرد والسرقة والقتل, والكره..... الخ. وليس كلهم يعيشوا حتى يبلغوا سن الأربعين, وليس جميعهم سواسية كأسنان المشط حتى تنطبق عليهم قاعدة واحدة.
وهل من العدل أو القسط أو من عدم الظلم بأن يموت الإنسان في عمر الورد في العاشرة أو الخامسة أو الثامنة عشرة فيذهب هؤلاء إلى الجنة من غير حساب, وتعيش أنت إلى عمر الثمانين فتحاسب على كل همزة ولمزة, فأين العدل؟

صورة

صورة

لهذا يقول الله :
(ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ )80/21-22
أي أنه تعود النفس فتولد في جسد ثانية ليكتمل عليها ما اكتمل على الجميع ولتمر بذات الظروف لتذهب إلى الحساب.
وإذا نظرنا إلى الآيات في سورة الكهف التي تصف الطفل (النفس الزكية) التي قتلها الرجل الصالح هل قتله لأنه طفل سيمضي إلى الكفر أم لأنه كافر وعاصي ومازال طفلاً, هل دخل الشيطان إلى ذاته ولن يخرج حتى لو أراد الله أن ينجيه منه وهل هناك طريقة أخرى غير قتله لخلاص أبويه من هذا الطفل تعالوا لنقرأ ما جاء في هذه الآيات :
( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا )18/74-76

(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) 18/80-81
فالطغيان والكفر ليس من الطفل وإنما من الحالة الإجتماعية الخاصة جداً للأبوين الذين لم يكن لهم الجاهزية الكافية لتربية هذا الطفل, وكلمة يبدلهما الله خيراً منه, زكاة وأقرب رحماً فما دخل الزكاة وقرب الرحم بالموضوع ... ؟
الزكاة لها علاقة بالمال, وقرب الرحم لها علاقة ببقاء الأم والأب في ذات المكان مع بقية العائلة فلا يضطر الأب والأم إلى الهجرة وإنقطاع صلة الرحم فيما بينهم لأنه إن حصل هذا لوقع الأب والأم المؤمنين بالإرهاق في الحياة والهجرة والغربة لبلاد الكفر والطغيان, وإن النفس الزكية لهذا الطفل يمكن أن تعاد وتنتشر وبعدها تدخل إلى الحساب, وإن تفاسير السلف لهذه القضية نراها قد حكمت على الطفل بالكفر والطغيان, علماً أنه مازال طفلاً لم يقع بعد بأي معصية تجبره بالذهاب إلى الجحيم فهل يعقل أن الله الذي لا يظلم مثقال ذرة أن يبعث بهذا الطفل إلى جهنم لأنه كان سيرتكب المعاصي, عندما يكبر, لأن الملك الذي نزل عليه وهو في بطن أمه فقدر الله له (سعيد أم شقي) كافر أم مؤمن, وهو في يومه الأربعين داخل الرحم, فلماذا خلقنا الله ولماذا يحاسبنا الله على أمور كتبها الله لنا وقدرها لنا حتى من قبل أن نأت إلى هذا العالم ؟
إن الله لا يتدخل أبداً بسبب أن الحياة بعد البعث هنا في (المستقر الثاني) اساساً هي إمتحان من أجل التوبة, وأن سبب الشر الموجود هنا أساسأ هو نتيجة عصياننا وظلمنا لأنفسنا وخروجنا عن وصية الله لنا من عدم الإقتراب من شجرة الفاكهة, التي أكلنا منها في (المستقر الأول).
أما بالنسبة للإنسان الذي مازال يعيش هناك في (المستقر الأول) فإمتحانه يكمن في اتباع وصية الله بأن لا يقرب تلك الشجرة المجهولة, وطاعة الله ووئد الفضول من ذات الإنسان الفضولية أساساً.

الله خلق الإنسان فضولي, فمنهم من رضى ومنهم من حاول أن لا يرضى, فقرر أن يعرف ما هو سر هذه الفاكهة, وأين يختفي الجميع ؟
أراد أن يعلم هل يصبح الإنسان ملاكاً خالداً كما قال له إبليس.؟

هذا هو سر ما حصل, وما يحصل, ولماذا الله لا يتدخل.
ولهذا يرسل الله لنا الأنبياء والرسل ليعلموننا أنه الحل الوحيد للعودة إلى جنة الخلد هي شيئان لا ثالث لهما :
1- الإيمان بالله غيباً وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
2- العمل الصالح (والعمل هو الجهد المبذول في الحصول على الأكل والشرب واللباس, والمأوى).

إن المؤمن سيقع في الإشراك لذات الأسباب :
الأكل والشرب واللباس والمأوى, سيأتي الشيطان ليقدم هذه الأشياء للإنسان من أجل ضلاله, ولكي يتخفى الشيطان وراء حجابه يجب أن يأتي ومعه جمال ومحبة وروعة مابعدها روعة ليغوي بها الإنسان.

العلاقة الجنسية بين الجنسين هي نشوة ونقطة ضعف لدى الإنسان, يفتقدها الإنسان بعد الزواج وتصبح عادية تماماً حتى أن المتزوجين الذين يدخلون في عقدهم الثاني لا يذكرون مدى نشوتها الرائعة التي بدأت في أيامها الأولى, ولكنهم لا يزالون يتكلمون عن القبلة الأولى ولمسة اليد الأولى والعملية الجنسية الأولى.
فيأتي الشيطان ليريهم أن الزنا مع العشيقة والعشيق لهي تجدد دائم لهذا الشعور الذي لا ينتهي إلا إذا رغب الزناة بالزواج الفعلي, والإرتباط من أجل الأطفال والحياة, عندها فقط يقف الإنسان ويقول (أين ذهبت النشوة) فيعود إليها بعلاقة جديدة لأنه قد أدمن على النشوة ولم يكن يهمه الشخص الذي يمارسها معه حتى وإن تحولت إلى الجنس المثلي الذي أصبحوا يطالبون باعتراف به رسمياً في معظم البلدان العلمانية اليوم.
صورة

زواج الرجال في معظم البلاد الغربية قد أصبح حقاً شرعياً.

ثم ياتي الشيطان فيري الإنسان كيفية الحصول على المال بالغش والخداع والكذب والرياء والإضرار وتجارة الممنوعات, فيري الإنسان أنه يستطيع أن يحصل على أضعاف مايريد من مال إذا أراد أن يبيع ضميره للشيطان فيفعل.

إن الله يرى هذا ولكنه لا يتدخل للأسباب التالية :
قال الله تعالى لنا إذا أكلنا من الشجرة سيحدث التالي:
1- سيجوع الإنسان ويعرى ويتعب.
2- سيكون الشيطان له عدو, وسيصبح الإنسان عدو للإنسان.
3- ستصطدم الإنسانية بعضها ببعض بحروب ومجاعات.
4- سيتخذ الإنسان بعضه سخرياً وسيستعبد بعضه الآخر.
5- سيفرق الإنسان بينه وبين أخيه الإنسان ويميز بين الرجل والمرأة والأسود والأصفر والأبيض والفقير والغني والقوي والضعيف.

السؤال الذي يطرح نفسه :
ماذنب الإنسان :
1.الطفل الجائع, اليتيم, الذي يموت صغيراً, ابن الزنا.
2. المرأة المظلومة, المغتصبة, الضحية.
3. العبد (الرق)
4. المعاق, السفيه, الأعمى, والأطرش, الأخرس, الكسيح, المريض.
5. المسروق, المقتول, المغشوش.
6. الأسود, الأحمر, الأصفر, الأبيض, الأسمر.
7. البوذي, اليهودي, المسلم, المسيحي, اللاديني.
8. المقتول أو المشوه بالكوارث الطبيعية.

إن سببه هو أنه إلتهم مذاق الشجرة حتى ملئ منها البطون قبل أن يأتي إلى عالم التوبة هذا (المستقر الثاني), الذي هو هنا في هذه الحياة, وبما أن الجنة فيها مراتب كثيرة للمتقين والمؤمنين والمقربين المقربين, وهكذا هي أيضاً في جهنم فمنهم من حق عليهم غضب الله ومنهم من أصبحوا بغضب على غضب ومنهم من يذيقهم الله ضعف الحياة وضعف الممات, ومنهم من هو أسفل السافلين, وهنا على الأرض, "أرض التوبة" الناس أيضاً ليسوا سواسية لأنهم أتوا إلى هنا بأسباب مختلفة موزعة على درجات ومدرجات الحياة, بقسط إلهي لا مثيل له, لو أننا عرفنا ما هو سبب توبتنا هنا في عالم التوبة لبطل العجب.

هل الحب والمحبة هي طريق النجاة ؟
الحب والمحبة هي خلاصة التوبة والرجوع عن الخطيئة والإيمان الكامل والقيام بالعمل الصالح والإبتعاد عن الشيطان.
والحب هو شعور داخلي لا ينعكس على الواقع إلا بالأعمال.

1.إن الحب وحده قد يختفي وراء النشوة الجنسية لدى الزاني المدمن على الجنس.
2.إن الحب وحده قد يكون واجهة للشر يأتي من أجل الأطفال والنساء والأبرياء وكأنه يأتي ليدمر الشر الذي يعذب به الأطفال (كما يفعل الشيطان اليوم في العراق, ليظهر المحبة للشعب من جهة واضحة ويسرق خيرات البلاد من جهة مستترة, يأتي ليعطي إسرائيل حقها في الوجود, ويموت آلاف أطفال الفلسطينيين الأبرياء يومياً بعذر مخاض وأوجاع حرية وديموقراطية فكرة شعب الله المختار ووعدهم بأرض الميعاد.
3.الحب وحده يأتي بين الأديان ليحرفها جميعاً ويرمي الإنسان في وادي الإشراك بين الله الحبيب والإنسان المحبوب, فيصور صورة التساوي بين الإثنين.
هل الله يحب الإنسان حباً آخر غير محبته للذباب, فالله خلق الإنسان وخلق الذباب, لكن الذباب حشرات أما الإنسان فهو: إبن الله بالروح, وهنا يبدأ طريق الإشراك, إن كنا نحن أبناء الله, هل هذا يعني أننا سنصبح ألهة هناك في ملكوت أبينا السماوي.
4.الحب وحده ممكن أن يكون القناع الذي يختفي وراءه الشيطان من أجل ضلالة الإنسان (حب الرياء والنفاق).
(ثم قفينا على اثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم واتيناه الانجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رافة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فاتينا الذين امنوا منهم اجرهم وكثير منهم فاسقون ) 57 / 27

عندما ينبع الإيمان والعمل الصالح من ذات الإنسان العاقل ومن تلقاء ذاته, وبغض النظر عن موقعه الجغرافي أو بعده الزمني الفاصل بينه وبين الأنبياء فينتش عن ذلك الإيمان وذلك العمل البسيط الصالح براعم الحب الجميل , الذي لا يدنسه الغش والخداع, بعيداً عن الكذب والسرقة والقتل والإيذاء.
عندما يعلم الإنسان أنه في أرض التوبة, عندها سيفكر بالتوبة وسيضاعف أمله بالجنة والثواب, وسيحثه هذا الإبتعاد النفور التام من الشيطان عدوه الأول, عندها سيبتعد الإنسان عن شياطين الإنس الذين هم عدوه الثاني, ومن هنا يبدأ طريق التوبة.

الكلام الجميل والنثر الرائع والرسم بالألوان أو بالكلمات كله من طرائق الإنسان للتعبير, فهذا كله جميل ولكن على الإنسان أن يعلم أنه هنا فقط من أجل شيء واحد فقط, هو التوبة, ومن خلال التوبة يمكن أن يبدع الإنسان ويمكن أن يكتب أروع القصائد, ولكنه بجميع قصائده يجب عليه أن لا ينسى أنه تائب.

الإنسان الذي لا يرغب بالتوبة يفعل كل شيء, يذوب بالنشوة الجنسية إلى حد الثمالة وإلى غير حد فيدخل في العلاقات الجنسية المثلية, ثم يدخل بها مع الحيوانات والبهائم ثم يتمادى ويتمادى إلى أبعد الدرجات, هكذا الإنسان الذي لا يرغب بالتوبة تراه ينام مع الشيطان ويأكل مع الشيطان ويرتدي ما يلبسه الشيطان.

نحن هنا لأن جميعنا مخطئين وليس بسبب خطأ آدم وحواء أجبرنا إلى الدخول إلى عالم الشقاء, وإنما بسبب عصياننا نحن جميعاً, طردنا جميعاً من (جنة البعث المستقر الأول) وسنذهب إلى جنة الخلد إذا اعترفنا بخطأنا الذي ما زلنا ننكره, لكنه حصل ولهذا نحن هنا فالله لم يرسلنا إلى هذا العالم بسبب خطيئة آدم وحده فكلنا آدم وكلنا حواء وكلنا مخطؤون. فأين التائبون.
(قل اغير الله ابغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) 6/164
سألني أحدهم أنه لا يذكر أبداً أنه كان هناك (في المستقر الأول) وأنه لا يذكر أنه قد أكل من الشجرة, وأنه لا يذكر حتى طعمها, وأنه لا يصدق أنه كان هناك ومن أجل خطيئته أتى إلى هنا.
قلت له التالي :
1. إن كلمات الله للإنسان هي للذكر أي للتذكر, لأن النفس التي تخلق أو تنشر في الإنسان تخلق بشكل طفلٍ لا تعلم شيئاً.
2. الطفل الوحيد الذي أتت نفسه وهي تذكر تماماً مهمتها ونطقت وهي في المهد هي نفس النبي عيسى عليه السلام
قال الله تعالى :
(ذلك نتلوه عليك من الايات والذكر الحكيم ) 3 / 58
(افمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى انما يتذكر اولوا الالباب )13 / 19
(ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا ) 17 / 72
(ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ) 3/46

ولكن إن لم نتب فإلى أين ؟
سنذهب إلى تعاسة مابعدها تعاسة وإلى جحيم مابعدها جحيم وإلى عذاب ما بعده عذاب, وسيكون هناك طبقات فالمذنب الذي أكل مال اليتيم لن تتم عقوبته مثل من قتل نفساً ولن تكون عقوبته كمن زنى, ولم تكون عقوبته كمن ذبح بلداً كاملاً كالعراق من أجل نهب كل خيراتها وتعذيب كل أهلها, فهناك طبقات وهناك قسط ما بعده قسط, لأن الفرق بين العدل والقسط كبير, حيث أن العدل هو التوزيع بالتساوي أما القسط فهو التوزيع حسب ظلم الإنسان نفسه لنفسه.
(اليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا انه يبدا الخلق ثم يعيده ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون ) 10/4
(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين ) 21/47
والإنسان الذي يخلق هنا على أرض (المستقر الثاني) في مجاعات السودان أو في رفاهية البلاد الإسكندنافية, هل يستوي هذا مع ذاك ؟
إن السجين الذي ينام في زنزانة ويأكل الطعام إنه أفضل ممن يموت جوعاً في دارفور, فكيف للإنسان أن يتذكر ما حدث له في الحياة السابقة من دون نذير ومذكر ؟

كيف للإنسان أن يعلم أنه يجب عليه الصحوة والتوبة لينال جنة الوعد ؟
قراءة النص من جديد بشكلة الصافي الخالي من كل الإضافات الإنسانية التي وضعت في جميع العصور المتأخرة يجب التأكد منها.

وسام الدين اسحاق
مشاركات: 66
اشترك: إبريل 30th, 2008, 8:26 pm
المكان: California
اتصل:

مارس 30th, 2009, 10:32 pm

[center]البعث[/center]

لقد جاءت كلمة البعث في القرآن 57 مرة 19 × 3
ولقد جاءت لتدل على معان كثيرة مثل :
بعث الله رسولاً أو ملكاً, أو بعث الإنسان من منامه, حتى أنها أتت في بعث من مات موت مؤقت لمدة من الزمن, كقصة أهل الكهف أو كالذي مات لمدة 100 عام هو وحماره فبعثه الله من جديد, و أتت أيضا في بعث الحكم والعذاب والغراب, وأتت أيضاً في معنى البعث في يوم القيامة أي في المستقر الأخير عالم جنة الخلد أو عالم الجحيم والذي يحدده يوم الحساب ويوم الدين.
لنبدأ الموضوع بتعريف معنى الهبوط :
1- الهبوط:
قال الله تعالى :

( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ )
وقال أيضاً :
(قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ *)
نرى أن الله قد استخدم كلمة الهبوط في الآية الأولى لطرد إبليس نهائياً من المستقر الأول, ونرى أن الله استخدمها في الآية الثانية عندما طرد آدم وإبليس معاً إلى المستقر الثاني, ونحن نعلم أنآدم في المستقر الأول قد كان

إن موضوع هبوط إبليس وآدم إلى المستقر الثاني, نراه قد أتى بالشكل التالي :
علماً أن معاهدة الإنتظار كانت مرتبطة بيوم البعث كما شاهدنا :
(قال انظرني الى يوم يبعثون قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ )
فإن الطرد والهبوط إلى المستقر الثاني لم تلغي المعاهدة المبينة أعلاه, هي فترة زمنية أخرى موازية لذات الزمن الموجود في المستقر الأول لأن يوم البعث لم يحدث بعد لكلا المستقرين, أي أن ذرية الإنس والجن مازالوا موجودين في كلا المستقرين.
(وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا)72/6

تحديداً لزمن هذا الحوار نرى أنه قد حدث في المستقر الأول عندما فسق إبليس عن أمر الله, رافضاً السجود لآدم ونرى أن ذلك قد حدث قبل وقوع آدم في معصية الله بزمن طويل بالنسبة للإنس والجن, وهو بدء زمن الصراع, ودخولهم في مرحلة الإغواء في المستقر الأول والذي نجم عنها عصيان آدم لأمر الله,وبعدها طردوا جميعاً وحدث الهبوط والبعث الأول:
(فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين )
وهكذا تم إنتقال مسرح الحياة إلى المستقر الثاني بالخروج الأول, حيث أنه لم يخرج كلياً من حياة الإنسان كما نرى فما زال وجوده هنا في المستقر الثاني متعلقاً بيوم البعث القادم والذي سيغير المسرح كلياً :
(يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)
(وان الساعة اتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور) 22/7
(ثم انكم يوم القيامة تبعثون) 23/16
(يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا احصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد) 58/6
إن خروج وطرد العصاة والغاوين من المستقر الأول وبعثهم في المستقر الثاني لا يلغي فترة إنتظار إبليس إلى (إنظرني إلى يوم يبعثون) أي أن يوم البعث لم يكتمل شروطه كاملة رغم أن الهبوط قد حدث, ولكنه لم يشمل ذلك الهبوط جميع ذريات الجن والإنس وإنما كل من وقع في غواية الإنسان من الجن وكل من عصى الله من الإنس في المستقر الأول, أي سلالة آدم وإبليس هناك في المستقر الأول :


يجعلنا نزيل الحيرة عن قراءة الآيات التالية :

(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)
( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ )
نلاحظ أن الله استخدم عبارة "الهبوط" في طرده لإبليس, كما استخدمها مع آدم حين وقع في عصيانه :


فإن طرده وهبوطه إلى المستقر الثاني إلى يوم البعث, ولكن عندما ننظر للمكان على أنه مستقر أول وثاني سنكتشف عندها أن يوم البعث الذي حدده الله هو يوم القيامة بالنسبة لكلا المستقرين المتوازيين زماناً, وأن البعث الذي حدث في المستقر الثاني قد شمله الخروج والهبوط الأول, وليس الخروج النهائي, فإبليس بقي في المستقر الأول إلى أن عصى آدم ربه ثم خرج هو وآدم وزوجه إلى المستقر الثاني ومازال الإنتظار قائم للخروج الثاني والنهائي إلى عالم اللعنة التي وعدها الله إبليس وكل من تبعه من الإنس.
(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )
(قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم اجمعين )7/18

2- الجن من الملائكة:
نحن نعلم من التسلسل الزمني لقصة حوار الله مع ابليس, والتي حصلت مباشرة بعد أن أمر الله جميع الملائكة بالسجود لآدم, والله طلب من الملائكة فقط ولم يطلب من السموات والأرض والجبال علماً أن الله قد خاطبها وعرض عليها الأمانة في مكان آخر من الكتاب فرفضت ذلك العرض:
(انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا )33/72
فالله أمر الملائكة فقط فسجدت إلا واحد منها هو الجن (إبليس) وهذا دليل على انه من الملائكة وهذا دليل أيضاً على أن الملائكة هي مخلوقات مخيرة قررت طاعة الله :
(ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين )41/11

وإبليس والذي هو من"الجن", والمغرور بذاته رفض أن يسجد بسبب كونه "خيراً منه" , فقد ظن ابليس أن النار خيراً من الطين,:
(قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) 7/12
نرى أن الله قد غضب على إبليس فوراً ونوى طرده من الجنة مباشرةً:
(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ )
يعتقد بعض المفكرين أن خروج إبليس ليس خروجاً من مكان آدم وزوجه, وإنما خروجاً إليه من مكان تجمع الملائكة.
أي أن خروج ابليس قد تم فعلاً عندما قال الله له :
( قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ * ) 7/12-19
ولكن الذي ينقض هذا الإدعاء هو طلب إبليس الإنتظار والتريث في الطرد إلى وقت معلوم بالنسبة له ولله, وموافقة وقبول الله لتلك الفترة من الإنتظار, كما سنرى بعد قليل, ولأن الله قد أمرإبليس بالخروج مرتين المرة الأولى كانت فيها أمر بالخروج واللعنة إلى يوم الدين بسبب عدم السجود ورافقتها طلب إبليس بالبقاء إلى يوم البعث فقبل الله طلبه وسمح له بالبقاء إلى اليوم المعلوم, والثانية ليس فيها أي طلب وإنما أتت بشكل قرار بعد أن نفذ إبليس إغواءه للإنسان فتم طرده وإخراجه إلى عالمنا هذا مع آدم وحواء والذي دعاه الله بالهبوط كما سنرى.
ولكن بعد أن تم الإقتراب من الشجرة ماذا حدث ؟
( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ )7/20-25

من عملية الهبوط هذه نستنتج مايلي :
أولاً : لقد تبدل حال آدم وزوجه بالأشياء التالية:
1. اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُون
2. فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى

إن العداوة قد بدأت فعلاً في الجنة (المستقر الأول) بين آدم وإبليس, ونراها قد استمرت هنا في هذا العالم أيضاً, ولكننا يجب أن نتذكر أنه قد أصبح يدعى شيطان وعدو الإنسان من لحظة رفضه للسجود "لنا", ومنذ زمن عزله عن مجموعة الملائكة مباشرة, وقد حدد الله لنا نوعه الملائكي وأنه من (الجن) دوناً عن البقية.
الروح, الملك, الجن, اليد, الأذن, العين, الجند.
سألني أحد الأصدقاء السؤال التالي :
ما هو برهانك أن إبليس قد كان من الملائكة ؟
إن الجواب على هذا التساؤل بسيط فالله كان قد أمر الملائكة فقط للرضوخ والسجود لآدم, كما نرى ولم يقل الله أنه أعطى الأمر للملائكة ثم لإبليس وبعدها أبى إبليس السجود, والسبب الثاني أن حجة إبليس كانت في صميم ونوع خلقه كما رأينا, بقوله أنه من نار, وأن الإنسان من طين, ولكان جوابه التالي : (أنا لست من الملائكة خلقتهم من نور وخلقتني من نار, هم من طلبت سجودهم لآدم وأنا لست منهم).

أما الشقاء والعري والجوع والضحي فهذه الصفات بدأت هنا لأن أوصاف الجنة التي طرد منها آدم كانت غير ذلك كما شاهدنا في الآيات السابقات.

ولكن ماذا حدث لوعد الله لإبليس بالإنتظار إلى يوم يبعثون بدلاً من يوم الدين ؟
ولماذا تم طرد الجميع إلى عالم "حياة الدنيا" المستقر الثاني.

من هنا نجد أن نظرية طرد إبليس من مكان تجمع الملائكة إلى عالم آدم وحواء هي نظرية من دون برهان, لأن أمر الله للملائكة وفكرة رضوخهم لآدم والسجود له أساساً هي دليل وجودهم معاً وقربهم والزمن مازال قبل المجيئ إلى هذا العالم.
أما جملة الله الثانية المكررة في الآية التالية :
(قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) 7/18
فهي أمر طرد مستقبلي له ولمن سيتبعه من البشر بشكل المذؤومين والمدحورين إلى المستقر التالي وليس الثاني لأن الفرق شاسع كما سنرى, وإن استمر الإغواء والعصيان في عالم التوبة (المستقر الثاني) ولن يرجع الإنسان عن معصيته فسيكون أمراً بطرد من سيتبعه من العصاة فقط, أما الشياطين الذين طردوا إلى عالم الدنيا(المستقر الثاني) فجميعم يشملهم ذلك البلاغ .
وأن الإنتظار إلى يوم البعث الثاني هو في كلا العالمين, فكل من يقع في العصيان في المستقر الأول يموت فيبعث في المستقر الثاني, وكل من ينجوا من العصيان يموت فيبعث في المستقر الثالث ولا داع لبعثه في المستقر الثاني (عالم الدنيا) أما بالنسبة لنا نحن فالبعث مرتين الأولى حدثت عندما بعثنا في هذا العالم لنحصل على فرصتنا الثانية, والثانية والأخيرة هي في يوم البعث واالتي ستصادف يوم الدين, وهذا ما يجعل يوم البعث ويوم الدين ويوم القيامة بالنسبة لنا نحن هي ذات اليوم :
(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)
ومن بعد أن درسنا حالات البعث المذكورة في الكتاب الـ 57 مرة يتبين لنا أن هناك نوعين من البعث :
1. بعث في عالم الدنيا.
2. بعث في يوم الدين.

ماذا عن ذرية إبليس التي مازالت تعيش في المستقر الأول هل وقعت جميعها في الفسق عن أمر الله ؟ :
( وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ) 72/ 11 -15
ذرية "الجن" الصالحة هذه هي فقط ذرية إبليس في المستقرالأول وأن ذريته التي طردت إلى المسقر الثاني لن ينجوا منها أحد.
أما الإنسان الذي هبط إلى المستقر الثاني فما زال عنده فرصة النجاة والتوبة قال الله تعالى :
(فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم ) 2 / 37
وأن الإنسان الذي يبعث هنا على الأرض سيمر بذات التجربة (كلمات الرب) والتي مر بها آدم قال الله تعالى :

(من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) 17/15

وهذه الآية مستمرة هنا في (المستقر الثاني) وإلى يوم الدين, فالله لن يعذب من لم يستقبل الرسالة في حياته, ولهذا يبداً الله بإعادة الخلق والنشور.
وأخيراً أود أن أجيب على تساؤل آخر في الموضوع والسؤال هو التالي:
لماذا قال الله إهبطوا منها ولم يقل إنزلوا منها ؟
أولاً يجب علينا أن نعلم أن عالم المستقر الأول وعالم المستقر الثاني يشتركان بذات الزمان أي أن هذه اللحظة الموجودة في المستقر الثاني يوازيها ذات اللحظة في المستقر الأول وأن كلاهما لم يبلغان يوم القيامة, وأن دليل توازي المستقرين هو أية إستراق السمع والتي تم شرحها في هذا الكتاب في بحث التوبة.

عالم الخلد

إن النظرة السلفية لعالم الجنة تصور لنا الموضوع على أنه ملهى كبير كل شيء فيه مباح الخمر مباحة والرقص مباح والنوم من 70 حورية في وقت واحد مباح والرجال فيها يعولون على صهوتهن جميعا في متعة وشهوة أبدية وبلا أي حد أو حدود, يكاد يفقد فيها المرء نفسه متوغلاً في اللا محدود من الشهوات والملاذ اللامتناهية.
أما حقيقة عالم الخلد فهو المكان والمستقر الجديد للإنسان بعد هذه الحياة فهو بالنسبة لنا ولكل الذين كانوا في المستقر الأول ولم يقعوا في خطيئة العصيان التي وقعنا بها نحن قبل هبوطنا وطردنا إلى مستقر عالم الدنيا بعالم الجنة (جنة الخلد) أو عالم الجحيم (جنهم) وهو عقاب كل من أتاه نذير ولم يسمع له ولم يبالي بالإيمان والبدء بالعمل الصالح, أو وقع في فخ الإشراك والذي لا يغفره الله أبداً :
(ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما)4/48
ولكن الله يعلمنا بآيتين في القرآن بأن موضوع الخلد مربوط ببقاء المستقر وزواله أي أن الخلد ليس أبدياً وإنما يرتبط بوجود ذلك الكون الجديد فإن زال زال الخلد معه :
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ *وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) 11/106-108
والكلام هنا عن سموات وأرض غير السموات والأرض هنا في هذا المستقر, وإنما تلك السموات والأرض هي تنتمي لذلك العالم الجديد (عالم الخلد).
والفرق بين حياتنا هناك وحياتنا هنا أننا هنا نكرر حياتنا بالنشور, أما هناك فلا نشور وإنما حياة واحدة خالدة بخلود ذلك المستقر, أما أين سيكون مصير الإنسان بعد ذلك فعلمه عند الله ولم يعلمنا الله به بعد.
أما ما طبيعة الوجود في عالم الخلد (الجنة) وما الذي يقوم به الإنسان هناك وكيف يعيش فقال الله تعالى أن الأحوال التي عاشها الإنسان هنا في هذا العالم ستزول (العري والجوع والشقاء والعداوة والمرض والكئابة والحزن والموت ) كلها ستزول
فاللباس قال عنه من سندس واستبرق, والأكل قال عنه كل ما تشتهيه النفس من لبن وعسل ورمان وفواكه, أما الشقاء والعمل والكدح فهو غير موجود لأن جميع الطرائق في الخلق قد تم سجودها للإنسان المؤمن الفائز لتلك النعمة الجديدة فالملائكة جميعها وبطرقها السبعة ستعمل من أجلنا نحن البشر الفائزون بتلك النعمة, وأن ذلك المستقر الجديد ستختفي فيه العداوة بين الناس وسيزول المرض والموت والكئابة وبدلها الله بالسعادة والحياة الخالدة, ولا داع للزواج والإنجاب طالما الحياة خالدة فلن يكون هناك إنثى وذكر في تلك الحياة لأن هذه الصفة موجودة فقط في عالم النشور, وإن كان هناك زواج وإنجاب أطفال للمع سؤال بذهن الجميع وهو التالي :
إن كان هناك أطفال في الجنة لوجب وجود أطفال في جهنم, وإن كان هناك أطفال في عالم الجنة والنار فلماذا ولد هؤلاء الأطفال من دون أي تجربة كما خلقنا جميعنا في المستقر الأول والثاني ؟
وإن كان هناك أطفال يولدون في جهنم فلماذا حق عليهم العذاب من دون أي ذنب ؟
وبما أنه ليس هناك نسل في عالمي الجنة والنار فلن يكون هناك علاقات جنسية وما نشعر به اليوم هنا في هذا العالم بهذه الرغبة الهائلة في الزواج والإنجاب لن نشعر به هناك ولن يكن هماً لنا تماماً كما يفكر النبات هنا في حياتنا اليوم هل ترى شجرة تضاجع شجرة أخرى ؟ وهكذا سنكون نحن, قد يختلف معي الكثير لأنهم في رغبة في الزواج من أجمل الحوريات كما وعدتهم أحاديث الرسل المنقولة عن هذيان المفسرين السلفيين, ولكنني أقول لهم (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) فعبارات (حور عين , وغلمان) أتت من أجل رفاهية الإنسان هناك ولم تأتي بمعنى الزواج والإنجاب وتفريغ الشهوات الجنسية التي ستتوقف مع أول إطلالة لنا في ذلك العالم الجديد.

عالم الجحيم
أما عالم النار فهو في منظور السلف أيضاً كي للوجوه, وصب حديد مصهور في البطون والآذان والعيون, ولهيب يحيط بالجلود, وفقاعات الألم المحترقة, وغليان الدم في الوريد, وشهيقٌ يدخل معها غاز السموم, وزفير تخرج معه النفس بعذاب ما بعده عذاب, طعامها زلقم, وشرابها حلقم, والموت فيها مطلوب, ولكنه غير مجلوب.

ومن بعد قراءة كتاب (عالم التوبة) نستنتج أننا أساساً قد كنا في جنة البعث (المستقر الأول) ولم نكن فيها عراة جياع ولم يكن لنا فيها عدو وزعيم ولم يكن فيها (خيار وفقوص) أي تفرقة بين :
1.صغير وكبير.
2.أسود وأبيض.
3.أنثى وذكر.
4.قوي وضعيف.
5.ذكي وغبي.
6.غني وفقير.
7.مؤمن وكافر.
ولقد كانت كلمات الله المجازية لنا قبل أن نأكل من الشجرة :
لا تأكل من الشجرة وإلا ذهبت إلى مكان آخر ستجوع فيه وتعرى.
(الجوع والعري).
ثم قال له : اهبط إلى الأرض وسيصبح لك أعداء فيها.
(جوع وعري وأعداء) لاحظ معي أن الله كان يتكلم مع أهل (المستقر الأول) بكلام مجازي ليصف لهم المستقر الثاني (الأرض التي نعيش فيها نحن اليوم).
وقال له أنك سوف (تشقى) لنضيفها إلى الجوع والعري والعداء ثم يقول (لا تظمئ فيها ولا تضحى).
فنحن نظمئ للشراب كله الماء والنبيذ والعصير ونشرب لتونا من الماء والعصير, فكان ظمئنا, أما (الضحاء, والضحى) ؟
وضَحَّى فلان غنَمه أَي رعاها بالضُّحى. قال الفراء: ويقال ضَحَّتِ الإِبلُ الماءَ ضُحىً إِذا وَردَتْ ضُحىً؛ قال أَبو منصور: فإِن أَرادوا أَنها رَعَتْ ضُحىً قالوا تَضَحَّت الإِبلُ تَتَضَحَّى تَضَحِّياً.
أي أن الإنسان سيعطش وما لديه من غنم وماعز وبقر وجمال سيجوعون وسيعطشون فهو من يضطر على القيام بهذه العملية وستصبح على عاتقه إذا أراد أن يدعي إمتلاكه لهذه الأنعام.

هذا يعني ان في عالمنا اليوم عالم الدنيا (عالم التوبة) العالم الذي سيطرد منه كل من أكل ويأكل وسيأكل من تلك الشجرة:
وصف الله لهم عالمنا هذا كجهنم حيث (نعرى ونجوع ونشقى ونظمئ ولنا فيها أعداء وأنعامنا فيها بحاجة إلى مأكل ومشرب) وأما السابعة فهي المستقر والمتاع إلى حين.

وإذا أردنا أن ننظر إلى كلام الله المجازي الذي يصف الله به أرضنا وقارناه بما يصوره الله لنا مجازياً في التصورات السبعة التالية لجهنم التي ستأتي بعد هذه الحياة للمنافقين والكافرين:
المنافقين والكافرين في جهنم جميعا
1. لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون
2. يصلاها مذموما مدحورا
3. لا يموت فيها ولا يحيى
4.لهم فيها مهاد ومن فوقهم غواش
5. ان عذابها كان غراما
6. ذلك الخزي العظيم
7. وغضب الله عليهم ولعنهم

(وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا حتى اذا جاؤوها فتحت ابوابها وقال لهم خزنتها الم ياتكم رسل منكم يتلون عليكم ايات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) 39/71
فتأملوا وحاولوا أن تستنتجوا المعاني المجازية ..........

كما أن البشر والناس هنا في هذا العالم قد وجدوا ماوعدهم الله حقاً من جوع وعطش وعمل وكدح وشقاء فكذلك سيكون وعد الله حقاً علينا في إنتقلنا إلى المستقر الأخر, يقول الله :
(ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين )7/44

نتيجة الكتاب:
إن الله قد أعلمنا أننا إن وقعنا في خطيئة العصيان سيطردنا إلى عالم الجوع والعري والشقاء من أجل الطاعة والعودة عن العصيان فقال الله في الطاعة ما يلي:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ

قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ

قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ

أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ

قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ

أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ

وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ

وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ

وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ

رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ

وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ

وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ

وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ

يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ

إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ

وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ

وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ

مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ

فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ

وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ

قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ

تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ

إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ

فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ

وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ

فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ

الشعراء (69-110)

من تلك الآيات تعرفنا على أمر مهم جداً يطلبه الله منا دائماً, وهو العودة عن العصيان والدخول في الطاعة, ويقول سبحانه أيضاً :
(من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بالسنتهم وطعنا في الدين ولو انهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم واقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا ) 4/46

فالمطلوب منا هو الطاعة المخيرة حتى نرث الحياة الأبدية أما العصيان فهو سبب وجودنا هنا في المستقر الثاني وسيكون سبب ذهاب الذين مازالوا يصروا على العصيان, وعدم الرضوخ لله والطاعة له.

والسلام على من اتبع الهدى وسار على طريق المؤمنين.

أخوكم وسام الدين اسحق
قراءة النص من جديد بشكلة الصافي الخالي من كل الإضافات الإنسانية التي وضعت في جميع العصور المتأخرة يجب التأكد منها.

أنيس محمد صالح
مشاركات: 479
اشترك: مارس 21st, 2008, 4:00 pm
المكان: أفغانستان
اتصل:

مايو 12th, 2009, 5:41 pm

جهد رائع تشكرون عليه أخي الأستاذ الرائع وسام الدين إسحاق أهنئكم عليه.
بإنتظار الأجزاء الأخرى من الكتاب
تقبل تقديري وإحترامي

وسام الدين اسحاق
مشاركات: 66
اشترك: إبريل 30th, 2008, 8:26 pm
المكان: California
اتصل:

مايو 24th, 2009, 10:09 am

أخي واستاذي الكريم أنيس محمد صالح.


أشكر لكم قدومكم وقراءتكم للكتاب, وأتمنى منك أن تقرأ موضوع الكتابة العربية على هذا الرابط :

http://1234t.maktoobblog.com/9/%D8%AA%D ... %84%D8%AC/


أسف لطول اسم الرابط ولكن الأمر ليس بيدي.


مع فائق إحترامي وشكري لكم


أخوك وسام الدين اسحق
قراءة النص من جديد بشكلة الصافي الخالي من كل الإضافات الإنسانية التي وضعت في جميع العصور المتأخرة يجب التأكد منها.

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر