الحياة مع يسوع

خاص بالايمان المسيحي شرحا وتفصيلا وتعريفا بالسيد المسيح والكتاب المقدس والكنيسة
المسيحية إلخ...

مراقب: ELIYA ALGHYOR

شارك بالموضوع
ELIYA ALGHYOR
مشاركات: 55
اشترك: أغسطس 1st, 2008, 3:35 pm

أكتوبر 28th, 2008, 6:14 pm

الحياة مع يسوع

الأرشمندريت توما بيطار

باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين.

يا إخوة، كان ربّنا، أحياناً كثيرة، يخاطب التلاميذ والناس بالأمثال. فالمثل يعبِّر بشكل قصصي عن حقيقة ليس من السهل أن يُعبَّر عنها بكلام مُرسَل، بكلام عادي. لأن هناك قصّة في المَثل فهو يوحي، وبالتالي يعطي جوّاً معيّناً للفكرة التي يريد ربّنا أن يمرِّرها لنا.
هذا المثَل الذي سمعتموه في قراءة إنجيل اليوم يتكلّم على إنسان ربّ بيت. المقصود به الآب السماوي. هذا غرس كرْماً، والكرم هو الشعب العبري أو الشعب الإسرائيلي. إذا كان ربّنا قد غرس هذا الكرم، فهذا معناه أنّه قد جعل نعمة خاصة وبَرَكة خاصة في هذا الشعب، لأنّه أراد أن يكون الشعب العبري رسولاً له إلى كل الأرض، إلى كل الأمم. وحوَّطه بسياج. ما معنى ذلك؟ لماذا يضع الواحد منا سياجاً؟ لكي يحمي أرضه من الخنازير واللصوص. الحامي هنا ربّنا. والشعب العبري كان قليل العدد. كانت هناك شعوب أكبر منه وأقوى منه في ذلك الزمان. لكن اختار ربّنا هذا الشعب الصغير لكي يُظهِر فيه قوّته. ربّنا لا يعمل في الأقوياء بل في الضعفاء، لأنّ الأقوياء، إذا انتصروا، يقولون إنّ هذا من قوّتهم. أما الضعفاء، الذين يعرفون أنفسهم أنّهم ضعفاء، فحين ينتصرون فهم يعرفون أنّهم قد انتصروا بقوّة ربّنا لا بقوّتهم. إذاً، إذا كان ربّنا قد أحاط هذا الشعب بسياج، فهذا معناه أنّه كان هو حاميه وحافظه.
وحفر فيه معصرة. إذا كان ربّنا قد أعطى الكثير للشعب العبري، فهو يطالبه أيضاً بالكثير. لأنّ مَن يُعطى كثيراً يُطالَب بأكثر. إذاً، حفر في الكرم معصرة. ماذا يطلب الله؟ يطلب عصيرَ الكرمة، أي النبيذ. والنبيذ، كما نعرف، هو ما اتّخذه الربّ يسوع المسيح وقال عنه: "هذا هو دمي الذي يُسفَك عنكم لمغفرة الخطايا". بكلام آخر، المطلوب أن نقدِّم عصارة الكرمة، أي الثمرة التي نقدِّمها إلى الله، بمثابة دم أو مادّة دم ليسوع المسيح. بكلام آخر، الشعب العبري مدعو لأن يصير جسد المسيح، كنيسة المسيح.
وبنى برجاً وسلَّمه إلى عمَلة وسافر. لِمَ يبنون البرج العالي؟ هذا تتمّة للسياج. لأنّهم كانوا يبنونه قديماً لحماية أنفسهم من الغزوات، فكان الناس يختبئون فيه. كان البرج كتلة حجرية مرتفعة يدخل الواحد إليها من الخارج. ومتى دخل إلى الداخل وأقفل، يصبح من الصعب أن يدخل أحد غيره إليه. فالبرج يؤمِّن الحماية وهو بمثابة مخزن. فالذين يحتمون في البرج قادرون على أن يدافعوا عن أنفسهم من خلال فتحات ضيّقة في البرج. أي أنّه حين يكون هناك سياج وبرج، فهذا معناه أنّ الإنسان تكون قد تأمَّنتْ له الحماية الكاملة بحسب مقاييس الزمن القديم.
وسلَّمَه إلى عمَلة. لاحظوا كلمة عمَلة، أي شغّيلة. مَن هم هؤلاء؟ الشغّيلة هم الكتبة والفرّيسيّون والكهنة ورؤساء الكهنة وأمثالهم. هؤلاء سوف يعملون في الكرم الذي هو، كما قلنا إسرائيل. وسافر. كان وضْع ربّنا معنا أو مع إسرائيل كوضْع المسافر. السفَر هنا هو إفساح في المجال لهذا الكرم أن ينمو ولهؤلاء العمَلة الشغّيلة أن يشتغلوا، حتى يعطوا ثمراً وحتى يمكن لهذا الثمر أن يعطي العصارة.
فلمّا قرُبَ أوان الثمر أرسل عبيده إلى العمَلة. إذاً، سافر وتركهم يعملون، وأعطاهم الوقت الكافي. لذلك يقول: لمّا قرُبَ أوان الثمر. ربّنا يعرف أيضاً متى يكون الوقت المناسب ليُطالب بما يكون قد أعطانا إيّاه. الله يعطينا ثمّ يطالب. ويُطالب بالثمر في أوانه. لا يمكن لأحد أن يقول إنّ ربّنا ظالم وإنّه يطالب بما يريد في وقت مبكِّر. ربّنا يُعطي كلّ إنسان، وقد أعطى إسرائيل، وقتاً كافياً حتى تثمر. الله عارف بدقائق الأمور وتفاصيلها. لا يمكن لأحد أن يحاججه ويقول له: لا، أنت مخطئ، أنت ظلمْتَني! إذاً، لمّا قَرُب أوان الثمر أرسل عبيده إلى العمَلة، الشغّيلة، ليأخذوا ثمره. كان المطلوب من العمَلة أن يزرعوا وأن يعتنوا بالزرع. بكلام آخر، من خلال التعليم ومن خلال الرعاية، كان المطلوب أن يجعلوا هذا الكرم مثمراً بالثمار التي يرتجيها صاحب الكرم، أي الله الآب. وما هي الثمار التي يطالب بها ربّنا؟ نعطي مثلاً، والمثَل يشير، والإشارة هنا إلى ثمار من هذا النوع. المحبّة هي من الثمار، اللطف من الثمار، وكذلك الحنان والتوبة والإحسان والرأفة والرحمة. كل هذه ثمار إلهيّة يطلبها ربّ الكرمة من الكرمة. وعلى العمّال أن يعملوا لكي يعلِّموا الناس كيف يحبّون وكيف يرحمون وكيف يتوبون وكيف يكونون لطفاء وأُمناء ومستقيمين. الله يُطالِب العمَلة بأن يتمِّموا هذا العمل. فلما أراد ربّنا أن يُطالِب بالثمر أرسل عبيده. لاحظوا أنّ الذين يعملون في الكرم أسماهم شغّيلة، أما الذين أرسلهم ليحصِّلوا الإنتاج فسمّاهم عبيده. مَن هم عبيده؟ هؤلاء هم الأنبياء والرسل. فكيف عاملهم العمَلة؟ من المفترض بالعمَلة أن يسلّموا العبيد الانتاج وكأنّهم صاحب الكرمة بالذات. بدل ذلك أخذوهم وجلدوهم وقتلوهم ورجموهم، أي عاملوهم اسوأ معاملة. علامَ يدلّ هذا الأمر؟ يدلّ على أنّ العمَلة يعتبرون أنّهم متسيِّدون على هذا الشعب، على هذه الكرمة، وأنّه لم تَعُد لهم علاقة بربّ الكرم وليسوا، في نظر أنفسهم، مطالَبين بتأدية الحساب لربّ الكرم. أحياناً كثيرة يعتبر الخادم أو الكاهن أنّ الخراف التي يرعاها هي له، فيتصرّف بها كما يريد، على ذوقه. فيُعطي هذا ولا يعطي ذاك، يذهب لزيارة هذا ولا يذهب لزيارة ذاك. هنا مجموعة يحبّ هو أن يعلِّمها فيعلّمها وهناك مجموعة أخرى لا يهتمّ بأمرها فلا يسأل عنها. الكهنة ورؤساء الكهنة يتصرّفون، أحياناً كثيرة، وكأنّ الكنيسة مُلْك لهم. الكنيسة هي لربّ الكرم. هي للربّ يسوع المسيح، وهم مُقامون عمَلة وعليهم أن يكونوا أمناء وأن يؤدّوا الحساب في أوانه. فمَن لم يحسَب حساباً أنّه سيبذل نفسه ويتعب لأجل نموّ الكرم، أي لأجل نموّ الكنيسة، فلا يليق به أن يكون خادماً لها، شغّيلاً فيها.
فأَرسل صاحب الكرم عبيداً آخرين. أي أنّ ربّنا يُطيل أناته، هو يُعطينا الفرصة تلو الأخرى لكي نتأدّب ونرعوي ونعود إلى رشدنا. أرسل عبيداً آخرين أكثر من الأوَّلين، فصنعوا بهم كذلك. بالعكس، لأنّ ربّنا لم يؤدّبهم مباشرة، ازدادت نفوسهم قسوة وصاروا يعاملون صاحب الكرم بإعراض أكبر، غير مبالين به. هذا، طبعاً، يشير إلى ما حصل في التاريخ. كما قلنا، العبيد هم الأنبياء والرسل. وبالفعل فإنّ اليهود قتلوا كل الأنبياء الذين أُرسِلوا لهم من قِبَل الله، من قِبَل صاحب الكرْم. اضطهدوهم أو قتلوهم أو عاملوهم أقسى معاملة، ولم يكونوا مستعدّين إطلاقاً لأن يقبلوا كلمة هؤلاء العبيد أي كلمة هؤلاء الأنبياء.
بعد ذلك ماذا سيصنع ربّ الكرمة؟ في الآخر أرسل إليهم ابنه قائلاً سيهابون ابني. سوف يخافون من ابني إذا أرسلتُه إليهم. هذه هي الإشارة إلى يسوع، إلى ابن الله المتجسّد. فبدل أن يخافوا الله، قال العمَلة فيما بينهم: هذا هو الوارث، هلمَّ نقتله ونستولي على ميراثه. يسوع المسيح لم يعمل أي شيء إطلاقاً إلاّ محبّةً بإسرائيل ومحبّةً بهذا الشعب الذي أُرسِل إليه. قال للفرّيسيّين والكتبة ورؤساء الكهنة: "مَن منكم يبكِّتني على خطيئة". أي مَن منكم يقول عني إنّي قد صنعت خطيئة واحدة ضدّ الله وضدّ هذا الشعب. بعد ذلك قال لهم: لِمَ لا تؤمنون؟ إنْ كانوا قد رأوا أنّ الإبن هو صالح، فمن المفترَض أن يؤمنوا به. لكنّهم، بسبب قسوة قلوبهم، رفضوا الابن وأسلموه إلى الأمم ليموت. هذا كلّه يدلّ على أنّ الله لا يترك طريقة إلاّ يتّبعها حتى يفسح في المجال لكل الناس أن يخلصوا، لأنّ إرادة ربّنا هي لخلاص الناس، أي للحياة الأبدية للناس. ربّنا يقول القليل والكثير ويُرسِل إلينا أناساً بطريقة أو بأخرى. ويسوع المسيح يكلّمنا دائماً، لا فقط في الكنيسة أو في قراءتنا لكلمته في الكنيسة. الله يعمل في حياة كل واحد منا. لا أحد منا إطلاقاً خالٍ من عناية ربّنا. الله يعتني بكل واحد منا شخصياً. لذلك في الدينونة سوف نكتشف أنّ يسوع قد جاء إلينا ولم نتعرَّفْه لأنّ قلوبنا كانت قاسية. قد يكلّمنا ربّنا أحياناً بأبسط الناس، وأحياناً أخرى يكلّمنا مباشرة. نحن نعرف من سِيَر القدّيسين أنّ يسوع كان يظهر أحياناً بصورة شخصية للناس. كان يظهر أحياناً كإنسان فقير أو كإنسان بسيط. هذا لنقول إنّ الله ضَنين بكل واحد منا، وهو يرحم الجميع من دون استثناء. ولكن فقط الذين يستجيبون لكلمته ينتفعون من رحمته. هذا الكلام قيل لليهود، لكنّه ينطبق علينا نحن أيضاً. هذا الكلام الذي تسمعونه، وكذلك الكلام الإلهي الذي من الممكن أن تسمعوه في أي وقت كان، بمجرد سماعكم له فقد أصبحتم مسؤولين عنه ومطالَبين به. فلا يمكن لأحد أن يقول لربّنا: أنا لم أكن عارفاً. لأنّ الواحد منا إذا صنع وصيّة واحدة بأمانة لله، فإنّه يتعلّم، شيئاً فشيئاً، أن يصنع كل الوصايا. الحقيقة أنّه إذا لم يكن الواحد منا أميناً لربّنا، فلا يمكنه أن يكون أميناً لأيّة وصيّة من وصاياه. الموضوع ليس أبداً أن أرحم الناس دون أن أصوم أو أصلّي كثيراً. لأنّه لو كان الواحد منا أميناً في رحمة الناس، يرحم الناس بصدق وأمانة، فلا يمكنه إلاّ أن يتعلّم الصوم والصلاة. لأن كل الفضائل المسيحيّة هي كالمسبحة مربوطة بخيط واحد. وهذا الخيط هو الأمانة في حفظ الوصيّة. يكفي الواحد منا أن يكون أميناً في وصيّة واحدة حتى يجد نفسه أميناً في وصايا أخرى أيضاً. مثلاً، الإنسان الذي لا يسرق أو الذي لا يزني والذي يحافظ على عفّة نفسه والأمين في تعامله مع الناس، هذا سيجد نفسه، بصورة تلقائية، لا يكذب وأميناً في تعامله مع الناس ومُحافظاً على نقاوة نفسه وفكره. الخطيئة تبدأ في الفكر. فإذا كان الواحد أميناً حقاً في وصيّة من الوصايا، فهذا يجعله أميناً في وصايا عديدة. ومَن يتمِّم ولو وصيّة واحدة، هذا سوف يجد نفسه أنّه في علاقة مباشرة وشخصية مع يسوع المسيح. ربّنا خاطبنا بالكلمة. قال: مَن يحبّني يسمع كلامي. أي أنّه إذا سمع الواحد كلمة ربّنا، فهذا معناه أنّه يحبّه. مَن يُطِع الوصيّة يدخل في علاقة محبّة مع يسوع. وبمجرّد أن يدخل الواحد منا في علاقة محبّة مع يسوع، فسيجد نفسه، بصورة تلقائية، مائلاً إلى الصوم والصلاة وإلى كل وصيّة أخرى من الوصايا التي يوصي بها يسوع المسيح. مَن منكم يحبّ زوجته ولا يميل إلى التعبير عن محبّته لها في كل مناسبة. إذا لم يأتها بوردة فهو يقول لها كلمة جميلة. يقول لها: يا حبيبتي! وإذا لم يقل لها كلمة جميلة ولم يقدِّم لها وردة، فهو يأتيها بهديّة. وإذا لم يأتها بهديّة وجلس إلى المائدة ليأكل، فحتى لو كانت الطبخة قد احترقت قليلاً، فإنّه لا يشاء أن يجرحها. لماذا؟ لأنّ المحبّة لا تجرح إنساناً. إن كان الواحد منا يحبّ فهو يتعلّم أن لا يجرح أحداً. لا يعود يهتمّ بذوقه هو وبمزاجه هو وبما يريحه هو، بل يهتمّ كيف يريح حبيبه، كيف يعبِّر عن محبّته لحبيبه. ومَن يحبّ يسوع يصنع هكذا. مَن يحبّ يسوع هو مَن يعيش ولو وفقاً لوصيّة واحدة. يدخل في سياق محبّة يسوع ويتعلّم، بعد ذاك، أن يسعى إلى رضى الله في السرّ وفي العلن. يهمّه أن يكون الحبيب يسوع راضياً عنه، لأنّه يودّ أن يعبِّر عن مودّته، عن محبّته ليسوع في كل مناسبة. هكذا يصنع الإنسان الذي يحبّ والذي يسلك في الوصيّة.
إذاً، الله يعطينا دائماً كل ما نحتاج إليه. المهم أن نسلك في أمانة معه حتى نحبِبَه وحتى، إذا ما أحبَبْناه، نعرفه كما هو ويكون لنا نصيب معه.



عظة حول متّى 21: 33 – 42 ألقيت في دير مار يوحنا – دوما، في26 آب 2007
+ غيرة غرت لربِّ الصباؤوت +

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر