صراع الأجنحة في الداخل الإيراني .. رفسنجاني و نجاد

يهتم بعرض ومناقشة جميع القضايا السياسية سواء المحلية أو العربية أو العالمية، وكذا عرض ومناقشة أبرز الأحداث والعناوين الإخبارية.
شارك بالموضوع
عيسى العوام
مشاركات: 2
اشترك: إبريل 2nd, 2007, 7:26 am

إبريل 3rd, 2007, 7:51 am

يستطيع المراقب لتطور السياسة الإيرانية الداخلية خلال فترة الشهرين الماضيين أن يلحظ صراعاً متزايداً بين الأجنحة السياسية الداخلية في إطار رسم معالم المرحلة القادمة التي تستعد إيران لمواجهتها.
و في هذا الإطار يبدو أنّ أسهم الرئيس أحمدي نجاد قد بدأت بالهبوط نزولاً بعدما استنفد أوراقه كاملة خلال الفترة التي أمسك بها بزمام الأمور في إيران، في حين أخذت تميل لصالح رئيس مصلحة تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني. هذا التحول انعكس إقليمياً على الأوراق الإيرانية الإقليمية في لبنان و فلسطين و العراق؛ إذ ساد جوّ من التهدئة و محاولة استدراك الموقف بانتظار ما تؤول إليه المساومات مع الولايات المتّحدة الأمريكية في الملفات العالقة بينهم، و في مقدّمتها الملف النووي الإيراني.
من هذا المنطلق فإن الدور المرسوم لرفسنجاني لم يأت من فراغ أو صدفة؛ فالرجل يوصف بثعلب السياسة الإيرانية، و دوره يقترن دائماً بوجود إيران في دائرة المأزق أو الأزمة، و الاتجاه السائد يشير إلى أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية يستعد للتخلي عن نجاد لصالح رافسنجاني في المرحلة المقبلة، و قد ظهر ذلك جلياً من خلال الحملة التي شنّها رافسنجاني على نجاد مؤخراً على محورين.
يتمثّل المحور الأول بالتركيز على إخفاق نجاد في تحقيق أي من وعوده للداخل الإيراني حين وعدهم بـ"المال و النفط على الموائد" كما قال، و إذ بهم يفقدون حتى "رغيف الخبز" المتبقي، خاصة بعد إقرار عدد من العقوبات الاقتصادية على إيران، و وجود نيّة لتشديدها مستقبلاً إذا لم تستجب؛ فالدخل الإيراني -و على الرغم من أنّه ارتفع كثيراً و بشكل هائل جداً نتيجة ارتفاع أسعار النفط- إلاّ أنّه لم ينعكس إيجاباً على الشعب. فبعد (18) شهراً تقريباً من خطط نجاد الاقتصادية و توليه الحكم، تشير المؤشرات الاقتصادية إلى تراجع للاقتصاد الإيراني نحو الأسوأ؛ إذ تكشف المؤشرات المالية عن انخفاض قيمة الأسهم في السوق المالية عمّا كانت عليه سابقاً، و عن ارتفاع معدل التضخم إلى 12% (من المرجح لها أن ترتفع إلى 14 أو 15% قريباً جداً)، و عن زيادة عجز الميزانية إلى ثمانية مليارات دولار، وفقدان سوق الأسهم لأكثر من 50% من حجمه الكلي السابق ، فضلاً عن تراجع الاستثمارات الأجنبية بنسبة 22% بسبب انتشار الفساد والبيروقراطية والسياسات المتشددة للحكومة، و التي دفعت البنوك الخاصة و الحكومية إلى خفض فوائدها رغماً عن إرادتها.
و وفقا لآخر الإحصائيات الرسمية يعيش 40% من الشعب الإيراني تحت خط الفقر، وتتراوح نسبة البطالة بين 20% بشكل عام، و30% بين خريجي الجامعات. و وفقاً للناطق باسم السلطة القضائية، جمال كريمي، فإن (600) ألف مواطن إيراني يدخلون السجن سنوياً.ً
هذه المعطيات و الأرقام جعلت من إيران و سياساتها و خطّها هدفاً ممتازاً لهجمات رافسنجاني و تيّاره داخل السلطة، فقام الأخير بتأليف "خلية أزمة" لمتابعة الوضع الاقتصادي المتردي، و التحذير من عواقب السياسة الحالية، و في هذا الإطار حللت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) في تقرير لها نُشر مؤخراً-و يتألف من (100) صفحة- الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعقوبات الدولية المنتظرة على إيران، و قد حذّر التقرير من "ضعف بنية الاقتصاد الإيراني و هشاشة الوضع المالي"، و أن الحظر "سيضعف الاستقرار الاقتصادي للبلاد، ويؤدي إلى الإضرار بالاستثمار الخاص، كما ستجد إيران نفسها "مجبرة على تعديل أولوياتها الوطنية، وتخصيص القسم الرئيس من مواردها لمنع حدوث تدهور في الظروف المعيشية لقسم كبير من السكان".
أما المحور الثاني الذي يعمل رافسنجاني على التركيز عليه فهو المحور السياسي للرئيس نجاد و أبعاده الإقليمية و الدولية، خاصّة في شقّه المتعلّق بالملف النووي الإيراني، و هو من أجل ذلك شكّل "لجنة متابعة أزمة" تضمّه إلى جانب الرئيس السابق خاتمي و عدد من المسؤولين، في محاولة للتوصل إلى تسوية مع الولايات المتّحدة الأمريكية تخرج إيران من مأزقها الحالي و عزلتها القائمة. و في هذا الإطار فإنّ رافسنجاني لم يخف هجومه المباشر على الرئيس نجاد، و من جملة ما ذكره "أن يخرس البعض لسانه عن التصريحات التي لا نتيجة لها سوى استفزاز الأعداء".... "علينا أن نكون أكثر حذراً؛ فالأمريكيون مثل نمر جريح، ويجب عدم الاستهانة بهم". و مثله ذكر خاتمي منتقداً الرئيس بشكل غير مباشر بقوله: "أرجو أن يجيدوا إدارة الموقف. نحتاج بشدة إلى التحلي بالصبر والتفاهم، وألاّ تحركنا العواطف".
لقد كان لمثل هذه الانتقادات أثرها بحيث دفعت نجاد إلى القيام بجولة على دول عربية عديدة، في محاولة منه للالتفاف على مساعي مناوئيه داخلياً، و إيصال رسالة لهم بأنّه لا يعدم التواصل مع الآخرين. لكنّ الحقيقة هي أن هذه الزيارات لم تُترجم إلى الآن عملياً بسياسات واضحة، و إنما مثّلت تراجعاً تكتيكياً للمشروع الإيراني نتيجة الضغوط الإقليمية و الدولية، في انتظار تبلور معالم واضحة للتوجه المستقبلي الإيراني أو الأمريكي، و هو الأمر الذي أبقى التفاعل السياسي الإيراني الداخلي مشتعلاً طيلة الشهرين الماضيين.
هذا الصراع الحاصل إن لم نصنّفه في باب التوزيع الممتاز لأدوار اللاعبين السياسيين الإيرانيين و للسياسية الإيرانية التي تتراوح بين التصعيد و الليونة، و التي اعتادت إيران أن تلعبها سياسياً و دبلوماسية في فترة ما بعد الثورة الإسلامية، فإنّه على الأقل مؤشّر على أن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية قد أعطى "ضوءاً أخضر" لرافسنجاني من أجل لعب دور شبيه بالدور الذي لعبه في فضيحة (إيران-جيت) التي جاءت بتكليف أيضاً من المرشد الأعلى آنذاك، و قائد الجمهورية آية الله الخميني.
فهل سيكون رافسنجاني رجل المرحلة من جديد، و يتوصّل مع أمريكا إلى تسوية على ما درجت عليه سياسية البازار الإيراني، أم أن الحسابات الخاطئة للرئيس نجاد ستتغلب على منطق التسوية، و تدخل البلاد و المنطقة في دوّامة جديدة؟

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر