قصة مسلسلة - أبو حمادة


شارك بالموضوع
emad hanna
مشاركات: 60
اشترك: أكتوبر 23rd, 2002, 8:27 pm

يونيو 21st, 2006, 7:53 am

أبو حمادة



بقلم: عماد حنا



{1}



كان يسير في ظلام حاملاً معه خيبة الأيام وفشل كفاح دام أعوام... لقد خرج من بيته في جنح الظلام لعل أحداً لا يراه ممن يريدون أن ينالوا منه ...قاصداً القطار المتجه إلى القاهرة ، كان يشعر أنه يحمل أثقال ينوء عن حملها أعتى الرجال وهو الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين بعد... لذلك هو يرى في فشله أكبر فشل يمكن أن يتحمله إنسان

لم يكن من السهل على والده أن يتركه ليرحل لذلك خرج معه إلى محطة القطار... كان الولد يسير في شوارع مدينته الصغيرة كما لو كان يجري بداخله غضب ونيران تشتعل داخل صدره ... بينما يبذل الوالد العجوز كل الجهد في مجاراة خطوته السريعة... حتى وصلا إلى المحطة ... ووقف الشاب دون أن ينبس ببنت شفة ولا يحاول أن ينظر حتى لوالده المسكين... وعندما رأي القطار مقبلا تكلم أخيراً الأب محاولاً أن يثنيه عن قراره ...

- أبق يا ولدي وجرب من جديد ... أنت تعرف كم أحتاجك

لم يستطع الابن أن يمنع نفسه من تلك العواطف الجياشه تجاه والده وهو يتركه ولا يعرف ما إذا كان سيعود من جديد اليه أم لا فتقدم ناحية والده ليعانقه ... ثم قال له

- لا أستطيع أن أبق الآن يا أبتي في هذه البلد ...... وأنا الآن بعد أن سقطت تجارتي مثل البقرة التي وقعت لتستعد سكاكين المذبح في تمذيقها

- لماذا كل هذا يا ولدي ... صحيح أنه ليس بيدي مساعدتك ... ولكن بقليل من الصبر تستطيع أن تنال فرصة جديدة

تنهد الابن المصدوم وقال:

- بلدتنا صغيرة وفرصها ضئيلة ... سأجرب يا أبي من جديد في القاهرة ...

قال هذه الكلمات وأسرع الى القطار تودعه دعوات أبيه أن يعوضه الله عن سنين التعب والشقاء ... وينجح طريقه في عمل يدر عليه بدخل محترم فيستطيع أن يساهم في مصاريف البيت التي لم يعد والده قادر على تحملها.

يتبع

emad hanna
مشاركات: 60
اشترك: أكتوبر 23rd, 2002, 8:27 pm

يونيو 26th, 2006, 8:56 am

{2}

جلس صديقنا في القطار وأغمض عينيه ليسترح من عناء الأيام القليلة الماضية ... لم يكن والده أو والدته يعرفان حجم المصيبة التي هو فيها ... لقد كانت عليه آلاف مؤلفة على الرغم من أن تجارته صغيرة لا تحتاج الى كل مثل هذه الأموال ... ولكنه لجأ إلى المرابين ليحاول أن يسدد ديون صغيرة فتحولت القروش التي عليه الى جنيهات من الديون ثم تحولت الجنيهات من جديد الى الآف من الجنيهات حتى صارت كثعبان ضخم يلتف حول رقبته يريد أن يضغط عليه ليكسر عنقه بينما هو لا حول له ولا قوة

وفي غفلة من الزمن قرر أن يتوه في العاصمة الكبيرة لذلك استقل قطار الفجر حتى لا يكتشفه أي شخص ممن يحملون معهم شيكاته الخالية من الرصيد فيجرِ الى نقطة الشرطة لتكون النتيجة سنوات وسنوات من السجن.

هرب وفي يديه بضعة عناوين هي كل آماله وطموحاته ... عناوين لأصحاب شركات بعضها معروف بالنسبة له والبعض الآخر مجرد أسم سوف يطرقه... أغمض عينيه يريد تناسي تلك الحقبة من حياته ليسير القطار نحو حياته الجديدة ساعات وساعات . أناس تغادر القطار وأناس تأتي لتحتل المقاعد التي بجاوره وهو ثابت مكانه هدفه نهاية الخط ، ولم يعرف من جلس ومن غادر فالأمر لا يعنيه هو فقط ينظر الى طريقه وهدفه ينتظر بشوف محطة الوصول.

فتح عينيه بعد ساعات لم يدر عددها ليجد فتاة جميلة محجبة تجلس أمامه، وكانت تتأمله.



يتبع

emad hanna
مشاركات: 60
اشترك: أكتوبر 23rd, 2002, 8:27 pm

يونيو 29th, 2006, 5:42 am

{3}

أخذ الشاب يتأمل الفتاة فمن الواضح أن جمالها أخاز يحاول أن يختبيء خلف الحجاب ... نظر الى عينيها ليكتشف أنها تدمع ... ترى لماذا يبكي هذا الملاك الجميل الذي لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً؟ ... سؤال لم يستطع أن يكتمه وخاصة أن عينيها مثبته عليه ... مما شجعه على السؤال
- خيراً ... لماذا هذا البكاء ؟
نظرت اليه بتوجس كمن لم يتعود أن يكلم أغراب ... وللحظة بدت وكأنها تحاول أن تجد سبباً لبكاءها حتى وجدت ضالتها فقالت على استحياء
- لي أبن يعاني من آلام حادة وهو سبب ضيقي وألمي
فوجيء الشاب إذ يرى فتاه في سن البراءة متزوجة فهتف
- لك ابن؟!! لم أتوقع مطلقاً أن تكوني متزوجة
- لماذا؟ هل أنا بشعة لدرجة أنه لا تتوقع أن يرتبط بي أحد؟
من جديد انتفض الشاب يحاول أن يدافع عن نفسه من الاتهام الموجه اليه
- حاشا لله ... وجهك الملائكي يجذب الكثير من خيرة الشباب ... لكنك صغيرة جدا لذلك لم أتوقع أن تكوني ارتبطت بعد.
ابتسمت الفتاة ابتسامة خفيفة ومدت يدها لتمسح دموعها ، فأشرق وجه الشاب عندما رأى ابتسامتها ونسي كل ما به من مشاكل وقال لها
- هكذا أفضل... ليت ابتسامتك الجميلة هذه لا تفارقك ... أريد أن أرى تلك الابتسامة دائما ... أنها تنسيني الهموم كلها.
اتسعت ابتسامة الفتاه وقالت
- وهل لديك هموم، وأنت بهذه الوسامة والرجولة؟! لا أخالك تعاني من أي مشاكل
رفع الشاب وجهه وضحك بصوت عال ثم قال لها
- سيدتي ... إن كل مشاكل الأرض تركزت في شخصي المتواضع
ابتسمت الفتاة من جديد ثم قالت بخجل واضح
- لم أتعرف على اسمك
- جرجس ... وأنت؟
- أمينة ... تستطيع أن تناديني أم أحمد ... أو أم حمادة إذا أردت
وسكت الكلام فترة طويلة ولكن جرجس لم يستطع أن يبعد نظرات الاعجاب لها ... الطريق لم يزل طويلاً حتى نهاية الخط فاسترخى جرجس قليلا دون أن يرفع عينه عن ذلك الملاك الذي امامه.
***


يتبع

emad hanna
مشاركات: 60
اشترك: أكتوبر 23rd, 2002, 8:27 pm

يوليو 3rd, 2006, 7:32 pm


{4}

القطار يسير في اتجاه القاهرة وأم حمادة تنظر من النافذة ثم ترجع لتنظر إلى رفيق رحلتها ثم كسرت حاجز الصمت من جديد وقالت
- وأنت ... هل أنت متزوج ؟
- سيدتي ... الزواج رفاهية لا قبل لي بها ... أني أذهب الى القاهرة أبحث عن عمل أستطيع من خلاله العيش
- ستجد ضالتك بمشيئة الله ... هل فكرت في السفر للخارج
- كلا ... لا أعرف أحد يمكنه أن يساعدني ويعطيني عقد عمل في الخارج .
قالت في رنة استياء واضح
- زوجي تركني منذ ثلاث سنوات كاملة وذهب إلى الامارات
ثم ابتسمت ساخرة واسترسلت
- يقول أنه يريد أن يصنع مستقبلاً لحمادة فتركني أنا وحمادة ومن يومها لا نرى الا أمواله .
- هل يرسل لك أموالاً بانتظام
- كثيراً .. لقد فتح لي حساب في البنك وكل شهر أجد الرصيد قد زاد ولا أعلم ماذا ينوى أن يفعل بكل هذه الأموال
- زوجك شاطر
- في جمع الأموال فقط ... لم أجد معه أي متعة في رفقته ... ولم يدرك أن الزوجة تحتاج إلى أكثر من المال ... ألست معي؟
لم يقتنع جرجس بالفكرة، فطوال السنوات الماضية كان المال هو شغله الشاغل ... فقال
- المال عزيزتي يسدد كل الاحتياجات
- أنت مخطيء يا عزيزي ... المال لا يشبع المشاعر والأحاسيس ... ولا يعطي الأمان والطمأنينة ... أنني كنت أتمنى أن أكون في رعاية رجل يحميني ويهتم بي ... يدخل على كل يوم ويرعاني ويرعى ابني ... حتى ولو بإيراد قليل
لوى جرجس شفتيه ولم يرد أن يخالفها الرأي فقال
- ربما معك حق
قالها وسكت من جديد ولكنها أرادت أن تستمر فقالت
- عزيزي ... إذا تزوجت لا تترك زوجتك تحت أي ظرف ... رافقها فهي بالتأكيد ستحتاج إليك وإلى وجودك بجانبها
- الزواج بعيد عني كثيراًُ هذه الأيام
- من يدري ؟
نظر جرجس من نافذة القطار، لقد وصل الى محطة البدرشين عندها انتفضت أم حمادة وقالت
- ها قد وصلت
- ستنزلين هنا؟ ... لماذا لا تستمرين الى القاهرة
- هذه محطتي ... لماذا لا تجعلها محطتك أنت أيضا؟

وبنظرة خاصة وجد جرجس نفسه يحمل ثيابه ويحمل حقيبة أم حمادة نازلاً من القطار خلفها في أول تغيير للخطة التي رسمها لنفسه ... لم يصل جرجس إلى القاهرة ولكنه أكتشف أن محطة وصوله قبل ذلك ... وتلك كانت البداية.
***

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر