حوار بين مسلم ومسيحي


شارك بالموضوع
emad_fk1979
مشاركات: 106
اشترك: مايو 8th, 2006, 3:33 pm
المكان: مصر
اتصل:

يوليو 13th, 2006, 3:59 pm

حوار بين مسلم ومسيحي
صديقي و صديقتي مسلماً كنت أم مسيحياً
أدعوك لقراءة هذا الحوار بصدر رحب وذهن منفتح واضعاً نصب عينيك أنني وقت إجراء هذا الحوار أو حتى كتابته لم أكن أسعى للانتصار لفكري أو الغلبة ، فلسنا في ساحة حرب، حتماً ستسفر عن ضحايا كثيرين ، بل نحن جميعا علي اختلاف معتقداتنا وأفكارنا و ألواننا وطبقاتنا ، جميعنا تشغلنا قضية واحدة ، لا بديل عنها ، و هي البحث عن المصير المجهول الذي حتما ينتظرنا بعد الموت ، جميعنا نبحث عن حل لمعضلاتنا المزمنة ، نبحث عن النور الذي نهتدي به في ظلمات العالم الحالكة السواد، والتي يبات فيها الحليم حيران ، لكن طوبى لذاك الذي يجد الفرصة لاقتناء قبس من هذا النور ويمسك به ويعض عليها بنواجذه حتى يوم الرب، ومهما اختلفت طرق البحث ووسائله إلا أن الغاية تبقى واحدة لدى كل منا ، وإن كانت الأقدار قد شاءت أن يتخذ البعض لنفسه خندقاً يقبع فيه بعيداً عن الآخرين ويضع يده في تأهب على زناد بندقيته الموقوتة ليغتال من يخرج عن خندقه، إلا أن هناك أناس مازالوا يقفون حيث وضعهم الله ولم يحجبوا أنفسهم عن العالم، بل عايشوه وعاشوا فيه وبدلاً من أن يضعوا أيديهم على الزناد، فضلوا أن يمسك كل منهم بغصن الزيتون في يد ومشعل مضيء في اليد الأخرى ليضيء الطريق لكل تائه في برية الحياة ، ليرشده نحو طريق النجاة، ذاك المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة، أقول لك ولكي، عليك أن تقتنص الفرصة وتبذل قصارى جهدك لتلقي البندقية عن يدك ، وتأتي لنسير معاً حاملين أغصان الزيتون ومشاعل النور لننشر السلام في كل ربوع الأرض ، لنكون شربة ماء لظمآن،خبز الحياة لكل جائع .
لذلك صديقي .. وصديقتي أطلب منكم بقلب تغمره المحبة الصادقة عديمة الرياء أن تتوب عن كل عمل شرير صغيراً كان أم كبيراً،عالماً أن الله يسر بتوبة الخاطئ أكثر مما يسر بعمل البار
1-أن تقبل إلى الله ليس خوفاً منه أو تحاشياً لعقابه بل محبة فيه لأنه أحبنا أولاً .
2- أن تتوجه إلى الله من كل قلبك وكل فكرك وكل قدرتك فتصلي له ، ليس كمن يحمل أثقالاً يريد أن يضعها عن كاهله ، بل كحبيب يريد الوصال مع حبيبه
3- أن تعرف أن الحياة مع الله ليست عبئاً ولا نيراً ولا فرضاً نقوم به مكرهين ، بل الحياة مع الله هي شراكة تامة كأب لابنه .
البــداية
ذات يوم من أيام شهر يونيه عام 1997 ، طلب مني أحد الأصدقاء مقابلة رجل دين من دولة عربية شقيقة كان يقيم بالقاهرة للحصول على الدكتوراه من جامعة الأزهر ، في علوم الشريعة وأصول الدين ، وأخبروني أنه يريد أن يعرف المسيح فسررت جداً لأنني من طبيعتي أن أرحب بمثل هذه العقليات المستنيرة بصرف النظر عن قبوله فكر ما أو رفضه،لكن أن يعطي عقله مساحة للتفاعل مع الثقافات الأخرى المعاصرة فهذا مؤشر يدعو للتشجيع والاحترام لأننا نحيا في عالم من تغييب العقول اعتقاداً أن من يطلق لعقله العنان فحتماً سينساق إلى الهلاك ، وتحدد يوم المقابلة،وكانت الساعة المتفق عليها هي الثانية عشرة تمام انتصاف الليل،وعلى حد ما وصل إلى علمي أننا كنا ذاهبون لمقابلة رجل واحد في مكان قريب من القاهرة ، لكن كانت هناك عدة مفاجآت أهمها أنني عندما وصلت إلى مكان المقابلة حيث كان يقيم هذا الرجل غير المصري ، لم أجده وحده كما قيل لي بل وجدت ستة أشخاص تتدلى لحاهم على استحياء حتى تبلغ صدورهم في منظر يثير الرعب لأول وهلة لمن لا يدري عنهم شيئاً،همس صاحبي في أذني بحياء ورهبة عارضاً عليّ أن ننصرف ، وكان الضيف قد طلب منا أن ننتظر خارجاً بضعة دقائق حتى يعد المكان وخلال هذه الدقائق أخذنا فرصة صلاة ووضعنا المقابلة بين يدي الرب ؛ فإن كانت لمجده فليعطنا سلام وإن كنا لن نمجد اسمه فيها فليصرفها عنا،وما هي إلى لحظات حتى شعرت بقوة تدب في أوصالي وتزيل الخوف من نفسي فهمست في أذن صاحبي قائلا سأقابلهم حتى لو كانوا أمة كاملة ، لأنني أشعر أن الله سيتمجد في هذه الجلسة ، وجدت نفسي أمام مجموعة تريد أن تقنع الشاب المسيحي بالإسلام ، ونحن لا نعارض ذلك إن ثبت أن الإسلام هو الطريق.
بعد أن أعد صديقنا المكان طلب منا الدخول ومن هنا بدأ الحوار التالي الذي أسجله كما هو بالحرف الواحد ، وكانوا قد طلبوا أن يسجلوا الحوار على شريط كاسيت لكنني رفضت ولهذا حرصت على تدوينه بمجرد عودتي إلى منزلي في السادسة صباحاً .
أثناء الدخول قلت لهم: مساء الخير .
لم يجب عليّ أحد .
قلت ثانية مساء الخير ورفعت صوتي قليلاً .
لم يجب أحد .
قلت للمرة الثالثة مساء الخير يا رجال.
ولما لم يجب أحد هممت بالرجوع وقلت لصاحبي : أعتقد أننا لسنا المدعوون ، أو دخلنا مكاناً آخر غير الذي يجب علينا أن ندخله ، فقال أحدهم أبداً أتفضلون هو ده المكان .
قلت: فلماذا لم ترودوا تحيتي لكم ؟
قال : لأن رسول الله علمنا تحية أفضل مما قلت وهي تحية أهل الجنة ألا وهي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قلت : أنت تقول علّمنا أي علمكم أنتم المسلمون،هل نسيت أننا مسيحيون ولا ينطبق علينا ما ينطبق عليكم خاصة في الأمور الدينية ؟ ثم أنني أعلم تماماً هذه التحية وكنت أود أن أقولها لكم ، لكن خشيت أيضاً ألا تردوا عليّ السلام عملاً بالحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم ويقول لا تسلموا على أهل الكتاب ولا تردوا عليهم السلام وضيقوا عليهم الطرقات ، فرأيت أن استخدم تحية تخرجك من هذا المأزق ، لكنك لم ترد وأنت بذلك قد خالفت نصاً قرآنياً يقول " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " 86 النساء ،كذلك قولك أن تلك تحية أهل الجنة، فهل يعني هذا أنكم قد غيرتم رأيكم فينا ،وجعلتمونا من أهل الجنة ونحن مسيحيون ولم نعد من أهل النار؟ (ابتسم صديقي ولم يعلق)
قال صديقي : هل أنت مسيحي ؟
أجبته : إلى الآن لم تعلم أنني مسيحي ؟ نعم أنا كذلك قال : هل أنت متزوج ؟
قلت :لماذا تسأل ؟
قال :لأنك لا تضع الدبلة الذهبية في إصبعك كما يفعل معظم إن لم يكن كل النصارى ؟
قلت :الحقيقة أن معظم أصدقائي في العمل مسلمون لا يلبسون الذهب وهو عندهم حرام ، ولاحظت أنهم يشمئزون منها فرأيت ألا أستفزهم خاصة وأن الدبلة ليست بالشيء الهام عندنا ،فهي ليست أمرا كتابياً بل هي عادة لذا رأيت أن أسلك حسب وصايا المسيح ولا أكون سبب عثرة لأحد فالإنجيل يقول " لا بد وأن تأتي العثرات ، ولكن ويلٌ للذي تأتي بواسطته. [1]
وبعد قليل دخل واحد منهم وهو يحمل في يده 8 زجاجات مياه غازية وضعها فوق صينية متواضعة ووقف أمامي قائلاً :تفضل
مددت يدي اليسرى بدون قصد لأتناول واحدة من الزجاجات فسحب الصينية نحوه وقال ثانية : تفضل، مددت يدي وتكرر نفس ما حدث ، فقلت مازحاً : هل تريد أن تعطني الزجاجة أم لا ؟ قال : نعم أريد لكن خذ بيمينك،قلت لماذا ؟ قال لأن رسول الله قال تيمنوا فإن الله يحب التيمن، قلت مرة ثانية تكرر ما حدث بخصوص الخلط بين النصوص العامة والخاصة،فهو يقول لكم ولا يقول لنا،أم أنك لا تدري الفرق بين العام والخاص من النصوص ؟.
ورغم ذلك لا مانع لدي أن آخذ بيميني، فماذا يحدث لو أخذت بيساري؟ قال تكون قد خالفت سنة نبي الله .
قلت : هل تعتقد أنني لم أخالف سنة نبي الله إلا في هذه فقط ووافقته فيما عداها ؟
قال : أنت أعلم بنفسك مني .
قال صديقي :لماذا أنت مسيحي ؟
قلت : لأنني على يقين بأن المسيحية هي الطريق والحق والحياة و قد وجدت الخلاص فيها ؟
قال : وهل أنت مقتنع بدينك المسيحي ؟
قلت : المسألة ليست اقتناع فقط بل هي أهم وأكبر من ذلك .
قال : إذن فما هي ؟
قلت : هي الحياة الأبدية التي تنتظرني بعد الموت
قال : وما هي الحياة الأبدية هذه ؟
قلت : هي أشبه بل تفوق ما تسمونه عندكم بالجنة .
قال : وهل المسيحية هي التي تؤدي إلى الحياة الأبدية ؟
قلت : ولماذا لا ؟
قال : لأن الله يقول في القرآن " إن الدين عند الله الإسلام " @ ، وقال أيضاً " ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " $وبناء على ذلك فلا خلاص إلا عن طريق قبول الإسلام والإيمان بمحمد رسولاً.
قلت : إذن ما مصير غير المسلمين ؟
قال : بكل أسف هم في النار .
قلت : حتى المسيحيين ؟
قال : ليس فقط المسيحيين ، بل كل من هم على شاكلتهم ممن أبى أن يقبل الله رباً ومحمد نبياً والقرآن دستوراً لكن لماذا المسيحيون بالذات ؟
قلت :أعتقد أنني سمعت هذا الكلام كثيراً لكن كان عند تلقين الموتى قبل دفنهم ،فهل يصلح للأحياء أيضاً ؟
قال : لا داعي للسخرية لعل الله يشرح صدرك للإسلام .
قلت : صدقني ليست سخرية واعتقد أنك قد قرأت هذا ورغم ذلك فإني أعتذر إليك عن هذا لكن اخبرني هل سيدخل المسيحيون النار أم لا ؟
قال : أعتقد كلامي واضح ، وليس بحاجة إلى تفسير
قلت : نعم كلامك واضح ولكنني أريد أن الفت انتباهك إلى شيء هام .
قال : ما هو ؟
قلت إذا كان النص يقول أن من يدين بدينٍ غير دين الإسلام فلن يقبله الله منه، وجزاءه أنه من الخاسرين الذين هم طبعاً في النار،والإنجيل يقول أن من يقبل المسيح ويؤمن به ويعتمد على اسمه يخلص من الجحيم ، والقرآن يقول في الآية 46 من سورة العنكبوت "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " فإذا كان إلهنا وإلهكم واحد فلماذا يعطيكم جنة بشروط غير التي أعطاها لنا ؟
قال :لقد استثنى النص الذين ظلموا منكم أي من أهل الكتاب فهم خارج نطاق الحوار أو الوعد الإلهي وإنما هذا الوعد قائم للذين هم على ما كان عليه الأنبياء موسى وعيسى ولم يحرفوا كلام الله .
قلت : إن الاستثناء خاص بالمجادلة بالتي هي أحسن والتي نسختموها بآية السيف، فلم يعد هناك حوار سوى بالسيف أو الجزية أو الإسلام ، وهو لا يعني أن أهل الكتاب حتى الذين ظلموا هم تحت إرادة إله غير إلهكم ؛ وإلا لما كان له الحق في أن يديننا ويتركنا لإلهنا يديننا حسب فكره وعمله .
قال صديقي : ألا ترى أننا أكثر مصداقية منكم،فنحن نقبل رسولكم ولا تقبلون رسولنا نؤمن بكتبكم ولا تؤمنون بكتبنا فأي الفريقين أفضل إن كنتم تعدلون ؟
قلت : في الحقيقة إنكم تخدعون أنفسكم وتخدعون الناس جميعاً عندما تقولون ذلك ، لأنكم في الحقيقة لا تعلمون ما بهذه الكتب ، وتجعلون الإيمان بهذه الكتب ضروري لتحقيق الإسلام طبقاً للنص " آمن الرسول بما أنزل أليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " [2] وفي نفس الوقت تحرمون على المسلمين مجرد لمس هذه الكتب استناداً إلى ما فعله محمد مع عمر بن الخطاب عندما وجد بيده صحف من التوراة أهداها له صديق يهودياً،فبالله عليك هل تدعي الإيمان بشيء لا تعلم ماذا به أو ماذا يقول ؟ ألا يحق بي هنا أن أقول أنكم تقولون ما لا تفعلون وينطبق عليكم حكم قرآنكم الذي يقول "يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "،وأنت مثلاً كفرد من المسلمين هل تعلم ما بداخل التوراة أو الإنجيل أو حتى المزامير التي لم تتطرقوا إلى تحريفها ؟ وفي الجانب الآخر رغم ما يمتلئ به القرآن من هجوم شرس ونقد وتجريح في التوراة والإنجيل فإننا كمسيحيين لم ولن نمنع أي مسيحي من دراسة أو قراءة الإسلام بما فيه من قرآن وسنة ، لأن الكتاب المقدس يعلمنا أن نفتش الكتب لأن فيها لنا حياة ، فأي الفريقين أحكم إن كنتم تعقلون ؟
قال صديقي : إننا لو وجدنا الكتب الأصلية التي تركها المسيح وموسى لآمنا بها وألزمنا كل مسلم أن يخضع للنص القرآني ويؤمن بها ، ولكن حيث أن هذه الكتب حرفت وبدلت وتغيرت فلا يجوز لأي مسلم أن يضيع وقته في أمور من صنع البشر نعلم مسبقاً أنها لن تؤدي به إلا إلى الضلال والضلال المبين .
قلت : إذن فأنتم تعطلون العمل بهذه الآية من القرآن وعليه فإن قرآنكم لم يكن دقيقاً عندما أمركم بالإيمان بها وهو يعلم أنها غير صحيحة ، ولو أن الأمر كذلك وكتبنا محرفة فلماذا أنزل الله الأمر بالإيمان بها ؟
أما بخصوص التحريف ، فأرجوا أن تنتبه إلى ما أنزله ربكم عليكم من آيات وتحكم بناءَ عليها .
قال :وما هي هذه الآيات ؟
قلت :صديقي العزيز هناك نص قرآني يقول"ونزعنا من كل أمة شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" [3]فهل لديك برهان على ما تقول ؟ وهل عند سيادتكم ما تثبتون به صدق ادعائكم ؟
قال صديقي : اتفق معك من حيث المبدأ ، لكن أريد أن أقول شيء : هناك أمور معروفة بالضرورة والإيمان بها من الثوابت ولا تحتاج إلى براهين ، ومن هذه الأمور وحدانية الله التي جعلتموها ثلاثة ، فهذا يعني أن ما بين أيديكم لا علاقة له بالله إطلاقاً لأنكم ؛ تنسبون إلى الله صفات لا يجوز أن نصفه بها .
قلت :هل تقصد أننا بنسبنا هذا التثليث الذي تدعيه نكون قد حرفنا الكتب ؟
قال : بالطبع ، وهل هناك أكثر من ذلك يمكن أن نطلق عليه تحريفاً ؟
قلت : مع أنني لست أوافقك على مسألة الثلاث آلهة هذه لأننا نعبد إلهاً واحداً لا شريك له ، لكن أقول لك إن جعلك وصف الله بصفة لا تليق من الثوابت التي تعد دليلاً على التبديل والتحريف ، فأنا أقول لك هل يجوز أن ننسب إلى الله التبديل والنسيان،والمكر ، والغواية ؟ لقد نسبتم إلى الله النسيان والتبديل والرجوع عما يقول في آية سورة البقرة " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها وهناك علم كامل حول الناسخ والمنسوخ في القرآن ووصفتم الله بالمكر في 14 موضع أذكر منها اثنين للتذكرة فقط ويمكنك باستخدام المعجم استخراج باقي النصوص " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين "[4]والثانية " قل الله أسرع مكرا " [5]، ونسبتم إلى الله الغواية في قوله " رب بما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم "[6] وقوله على لسان نوح "ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم "[7] ونسبتم إليه الإضلال في قوله "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يُضله يجعل صدره ضيقاً "[8] فهل يحق لي أن أقول أنكم حرفتم القرآن ؟
قال : لكننا نقبل عيسى ونوقره ونقدره ، ونضعه في المكانة الملائمة له التي حددها الله في القرآن ، لكنكم لا تقبلون محمد ، هل يمكن أن تقول لي لماذا ؟ مع أنه مبشر به في التوراة والإنجيل ؟
قلت : قولك ينقصه الكثير من الدقة والمصداقية ، فإن كنتم حقاً تقبلون المسيح فينبغي أن تقبلوه كما هو في الإنجيل ، لا كما صورتموه في قرآنكم ، وعندئذ يمكنك أن تطلب مني أن أقبل محمد ، فهل تلزمني بقبول محمد الذي صنعتموه ، ولا تقبل أنت المسيح كما هو في الإنجيل ؟
قال : لو علمنا أن الإنجيل حق من عند الله لقبلناه .
قلت : رغم ذلك فنحن لا نتجاهل محمد كمصلح اجتماعي نجح في تغيير صورة وخريطة المنطقة بأثرها كذلك نحن نقبل محمد كرجل ذكي خارق الذكاء استطاع تكوين ما يشبه الإمبراطورية ووضع فكراً ما زال موجوداً حتى الآن ، لكن بخصوص العلاقة اللاهوتية أو التواصل الإلهي فلا نعرف عنه سوى أنه إنسان عادي كان يخطأ ويصيب وبحاجة إلى عفو ومغفرة الله .
لقد خرجت إلى هذه الحياة ووجدت من حولي الكثير من الاتجاهات الفكرية والأديان فكنت أفكر أي طريق ترى هو الطريق الصحيح؟ فدفعني ذلك إلى الإطلاع على الكثير من جوانب الدين أو الفكر الإسلامي دون حرج أو تحفظ ، وكان عليك أو عليكم أن تسلكوا نفس المسلك ، لكن لا أدري لماذا تصمون آذانكم وتغمضون أعينكم عن الأفكار أو الأديان التي سبقت دينكم ؟
قال : ألاحظ أنك تستعمل لفظ الفكر والدين هل يعني هذا أنك غير مقتنع بالإسلام كدين ؟
قلت : لا أخفي عليك ؛ نعم فالإسلام ليس دينا بل هو أقرب من أن يكون فكرا ، منه أن يكون ديناً
قال : وما هو الفرق بين الفكر والدين ؟
قلت : الفرق كبير جداً ؛ فالفكـر هو من صنع البشـر ينبع من خواطرهم وأحاسيسهم وتقديرهم الذاتي للأمور وبناء على ذلك يشرعون ما يرونه ضروري لإحداث الضبط والربط بين من يقتنعون بهذا الفكر ، فيسنوا لهم القوانين ويحرموا عليهم ما يعتقدون أنه يضر بأمن وسلامة المجتمع أو الدولة ، ومن أمثلة ذلك الفكر الاشتراكي والفكر الماركسي والفكر الديمقراطي ، وقد ينجح أحد هذه الاتجاهات الفكرية في الوصول بالمجتمع إلى الرفاهية أو الاستقلال أو التكافل الاجتماعي إلا أننا لا يمكن أن نقول أنها أديان ، لأن الدين هو علاقة ترابط وانسجام مع الله وكلمة دين تأتي من دَيِن بفتح الدال وكسر الياء وهي تعني أننا جميعاً مدينون أمام الله .
قال : أين إذن مكانة الإسلام من هذا التقسيم ؟ هل هو دين أم فكـر ؟
قلت : أرى أن نؤجل الرد على هذا إلى وقت لاحق حتى لا ينتهي الحوار من حيث لا نريد وتفسد العلاقة بيننا مبكراً
قال : أريد أن أسألك ســؤالاً
قلت : تفضــل
قال : لماذا لم تسلم ؟
قلـت : ولمـاذا أسلم ؟
قـال : لكـي تدخل الجنة ؟
قلـت : ومن يضمن لـي ذلك ؟
قـال : الله
قلــت : في أي موضع يمكنني أن أجد هذا الضمان ؟
قــال : القرآن مليء بوعود وضمانات الله بشأن ذلك
قلـت : أيـن ؟
قـال : في قوله تعالى " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين " 1 ،
" ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة . . " 2 ، " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا . . . . وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون " 3 ، "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون"4 أليست كل تلك ضمانات تؤكد وعد الله .
قلـت : إنك لم تفهم ما أعنيه بالضمانات ؛ فالمسألة ليست نصوص تتحدث عن الجنة وتثير العواطف وتلهب المشاعر لكن عند التدقيق والتنفيذ تتغير النصوص وتتبدل الأقوال .
قـال : ماذا تقصد بذلك ؟
قلـت : مثلاً بخصوص النص الأول نجد أمر من الله بالمسارعة والتنافس على الجنة التي أعدها للمتقين والسؤال هنا من هم المتقون الذين يستحقون الجنة ؟
قـال : المتقون هم المسلمون المؤمنون بالله ورسوله
قلــت : ما هو الإيمان بالله ورسوله ؟
قـال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
قلــت : لكن هناك من شهد بما تقول ورغم ذلك دخل النار؟
قـال : من ؟
قلــت : المنافقون : لقد كانوا يؤمنون بالله وبمحمد وكان محمد يصلي على من يموت منهم ورغم ذلك قال الله في سورة النساء آية 145 " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "
قــال : لقد كان المنافقون ينطقون بالشهادتين بألسنتهم فقط دون قلوبهم .
قلــت : هذا تحميل للنص فوق ما ينبغي وتخصيص له بلا قرينة،فالله يعلن أن الجنة للمتقين ولم يحدد ما إذا كان المقصود هو النطق باللسان أو غيره ، ويؤكد ذلك أن النص الثاني الذي ذكرته في سورة غافر يقول أن من يعمل صالحاً وهو مؤمن يدخل الجنة وهذا يضعنا أمام شرطين لدخول الجنة وليس واحد،فبدلاً من أن يكون المطلوب لدخول الجنة الإيمان فقط نجد أنفسنا هنا أمام شرط آخر وهو ضرورة أن يعمل الإنسان صالحـاً مما يعني أن الإيمان بالله ورسوله لا يدخل الجنة، والدليل على ذلك أن إبليس كان يؤمن بالله ويعرفه حق المعرفة،وكذلك فرعون آمن بالله وأهل الكتاب كما تطلقون عليهم يؤمنون بالله ورغم ذلك قلتم أنهم سيدخلون النار .
قـال : إن لك نظرة تشاؤمية شديدة مما يعوق اقتناعك بما أقول وهذا يطغى على كل تفكيرك مما يجعلك تنظر للأمور بما تراه أنت وليس بما يراه غيرك .
قلــت : صدقني إنها ليست نظرة تشاؤمية بل هي نظرة غاية في الواقعية ، وقد تكون من أكثر النقاط التي شغلت تفكيري هي تلك ، مما يجعلني أشفق على الكثير من المسلمين في ذلك .
قــال : تشفق عليهم في ماذا ؟
قلــت : أشفق عليهم في أنهم يطاردون شبح اسمه الجنة ولا يعرفون طريق الوصول إليه،هل هو بالعمل أو بالإيمان أو بالإسلام أم هو مجرد حظ عظيم كما جاء في سورة فصلت آية 35 .
قــال : إن الأمر واضح كوضوح الشمس لكنكم كعادتكم تجعلون أصابعكم في آذانكم وتحرفون الكلام عن مواضعه لكن ما أقوله لك أنني قد بلغتك والله على ذلك شهيد .
قلــت : وأنا أشهد أنك قد بلغتني لكن بلاغك غير دقيق وليس لما فيه صالح الناس وعليك أن تفتح قلبك وأذنك للحق إن كنت تبحث عن الجنة الحقيقية .
قــال : إن كان هناك من عليه أن يبحث فهو أنت لا أنا لأنني قد هداني الله وقلت ربنا الله واستقمت على طريقه .
قــلت : هل يعنى ذلك أنك إذا مـت الآن (بعد عمر طويل) ستدخل الجنة ؟
قــال : ولم لا ؟
قلــت : أريد جواباً محدداً .
قــال : هذا في علم الله .
قلــت : هذا ليس جواباً ولكنه هروب من الجواب ، ربما لأنك لا تعلم حقاً أين ستذهب أو أنك لا تؤدي الحد الأدنى المطلوب لتلك الجنة،لكنني أستطيع أن أخرجك من هذا المأزق إن أردت ؟
قــال : أي مأزق هذا ؟
قلــت : أولاً إنك لو قلت إنك ستدخل الجنة تكون قد أخطأت لسببين الأول إن ذلك يعني أنك تزكي نفسك أي تضع نفسك في موضع البر والتقوى وهذا حرام من قوله " فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى " النجم 32 ، والثاني أنك تقحم نفسك في أمور غيبية لا يعلمها إلا الله ، " قل لا يعلم من في السموات ومن في الأرض الغيب إلا الله " .
قــال : لو صح ما تقول ما هو اعتراضك عليه ؟
قلــت : إنكم تبنون كلامكم على حادثة مشهورة تؤول عليها كل نصوص الجنة والنار ، وهي قول أبي بكر " والله لو أن إحدى قدماي في الجنة والأخرى في النار ما آمنت مكر الله " # وبناء على ذلك ترفضون الحديث عن المصير، رغم أن محمد قد كسر هذا الظن عندما بشر أصحابه العشرة بالجنة وكذلك كل من شهد بدر حيث وقف يقول بأعلى صوته " يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فإن لكم الجنة"،وقد بنى المسلمون على ذلك حقائق كثيرة مثل عدم تكفير المتقاتلون في موقعة الجمل في زمن فتنة علي ومعاوية وقالوا ربما شهدوا بدرا .
قـال : إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس والذين يتبعون المتشابه هم من الذين أزاغ الله قلوبهم وأعتقد أنك كذلك .
قلــت : جزاك الله خيراً ، لكن اسمح لي أن أقول شيئاً أخيراً في هذا الموضوع ولن أعود إليه ثانية
قــال : تفضل
قلــت : جاء في سورة غافر آية 40 " ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة . . " وجاء عل لسان محمد " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة قال أبو ذر وإن سرق وإن زنى يا رسول الله ؟
قال محمد : وإن سرق وإن زنى ..، ثم قال .. وإن سرق وإن زنى رغم أنف أبي ذر " وهنا أسأل ، هل السرقة والزنى من الأعمال الصالحة ؟
قـال : واضح أنك تعلمت الإسلام جيدا ، لكن للأسف لم يكن هدفك هو البحث عن الله والآن هل يمكن أن أسألك ماذا تعلمت من المسيحية ؟
قلت : الحقيقة أنني لست بحاجة إلى البحث عن الله ، لأنني وجدته ، و المسألة ليست التعليم في حد ذاته ، و لكن بالطبع إن لله خطة لإنقاذنا من الهلاك و قد وجدت هذه الخطة في حياتي مع المسيح ولأنني واثق و متأكد و متيقن من ذلك فلست بحاجة إلى البحث عن أخرى ، أما بخصوص ما تعلمته من المسيحية فهو حب الناس بصرف النظر عن المعتقد والتواضع والتسامح والغفران لكل من يسيء ألي .
قال : هذا غرور لا يمنعك من البحث في الاتجاهات التي تحيط بك،لتعلم مدى صحة ما أنت عليه ؟
قلت : من منا المغرور؟ أهو غرور بالنسبة لي وتواضع بالنسبة لكم أنتم المسلمون ألا تقرءوا ما تسمعون عنه من إنجيل، حتى ولو كان خطأ ، لو أن هذه الاتجاهات أو حياتي المسيحية مجرد أفكار من صنع البشر لأصبح هناك احتمال أن يتفوق أحدهم على الأخر مما يستدعي الإنسان للبحث و التفكير في أي منها يتناسب مع ميوله و رغباته ، و لكن إن كان الأمر خاص بخطة إلهية فلو بحثنا في غيرها اعتقادا بإمكانية أن تكون أقوى أو أصح فهذا يعني أن الله لم يكن صادقاً و أميناً في الأول حتى يصحح خطأه عن طريق منهج أو برنامج ثاني لذا فنحن نؤمن أن بالمسيح قد أتم كل شئ و هذا ما يجعلنا واثقين من عمل الله الذي نلمسه حتى في حياتنا اليومية .
قال : هل يعني ذلك أنكم لا تريدون أن تعرفوا أو تقرءوا شيئاً عن الإسلام ؟
قلت : كلا . نحن مهتمون جداً بقراءة الكثير ومعرفة الكثير عن الفكر الإسلامي و إلا لما جلست الآن معك .
قال : قد تكون قراءتكم أو دراستكم لمحاولة هدم الإسلام و نقض القرآن و تشويه العقيدة الإسلامية لدى المسلمون أملاً في اعتناقهم للمسيحية .
قلت : ليس كذلك إطلاقاً ، فنحن لا نساعد على آن يبنوا بيوتهم على أنقاض الآخرين فنحن نقرأ الفكر الإسلامي لأمرين فالأمر الأول : معرفة ما هو جديد فيه قد خلت منه التوراة و الإنجيل ، و ما هي الأمور التي نسى الله أن يخبرنا عنها في التوراة و الإنجيل فتدارك ذلك في القرآن ، والأمر الثاني هو : أننا لا و لن نقف أبداً موقف الدائن أو القاضي الذي يحكم و يدين الإسلام أو غيره ؛ لكننا ندرسه لنعلم ما لا يعجبه في المسيحية أو بمعنى صحيح لنرد الهجوم الضاري و الشرس الذي تتعرض له المسيحية سواء عن طريق الكتابة أو كل وسائل الإعلام المتاحة لديكم .
قال : لقد تكلمنا كثيراً فيما لا يجب الكلام عنه على الأقل في بداية حوارنا،لكن هل تسمح لي أن يكون حوارنا أكثر صراحة و منطقية ؟
قلت : بكل سرور و أنا سأستمع جيداً لكل ما تطرحه من أسئلة .
قال : ألم يراودك يوماً رغبة في أن تعتنق الإسلام ؟
قلت : في الحقيقة :لا
قال :لماذا ؟
قلت :لأنني لست بحاجة إليه .
قال :فلماذا جئت لمقابلتي ؟
قلت :لأنك أنت الذي طلبت مقابلتنا ، لكن هل تسمح لي أن أسألك :ما هو الإسلام ؟
قال : هو دين الله الذي لا يقبل دين سواه .
قلت : لكن متى يمكن أن نسمي الفرد مسلماً ؟
قال : عندما يشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمد رسول الله و يقيم الصلاة ، و يصوم رمضان ، و يؤتي الزكاة و يحج البيت إن استطاع ذلك .
قلت : هل ذلك هو معنى الإسلام ؟
قال : نعم .
قلت : هل يعني ذلك أن كل من يصوم رمضان و لا يحج و لا يشهد بأن محمد رسول يكون غير مسلم ...؟
قال : بالضبط كذلك ، لأن ذلك ثابت في حديث جبريل المشهور والذي يرويه البخاري و مسلم .
قلت : ترى لو ثبت أن هناك مسلمون لم يؤمنوا بمحمد و لم يصوموا رمضان و لم يحجوا فهل يقبل منهم ذلك ويعدوا مسلمين ؟
قال : هذا مستحيل و لا يمكن أن يحدث .
قلت : لا أسأل عن استحالة حدوث ذلك ، و لكن أسأل عن رأيك عندما تعلم ذلك ، فقد حدث و سأثبت لك ذلك لكن أسأل عن رأيك عندما تعلم ذلك ؟
قال : إن من يقول ذلك فهو كاذب أفاق .
قلت : حتى إذا كان الله هو القائل ؟
قال محتداً : أسكت و لا تقل ذلك فهذا افتراء منك لا أقبله و لا يحق لك أن تفتري على الله بهذه الصورة السافرة .
قلت : هل لديك رغبة في أن تسمع أدلة على ذلك ؟
قال : أي أدلة تلك ؟
قلت : أدلة من القرآن .
قال : هل القرآن يقول أن من لا يشهد أن محمد رسول الله مسلم ؟
قلت : نعم .
قال : مستحيل .
قلت : إذن أستمع للنصوص دون شروحات .
قال : و ما هي هذه النصوص ؟
قلت :
1) أولاً جاء في سورة يونس أية 72 النص الأتي
{ فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله و أمرت أن أكون من المسلمين …} من هذا النص يتضح لنا أن نوحاً كان مسلماً و لم يكن قد بُعث محمد و لا كان قد عرف صوم رمضان إذ بين محمد و نوح آلاف السنين
2) جاء في سورة البقرة 131، آل عمران 67 عن إبراهيم { ..إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين..}
{ ما كان إبراهيم يهودياً و لا نصرانياً و لكن كان حنيفاً مسلماً} ، أي أن إبراهيم كان مسلماً رغم أنه هو الذي طلب من الله أن يرسل رسولاً في العرب ( محمد ) قبل بعث محمد بآلاف السنين .
3) جاء في سورة الزاريات 76{ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} وهذا يدل على أن قوم لوط الفجار كانوا مسلمين ، لأن الله لما أراد إنقاذ من آمن من أهل لوط أمر بإخراج كل المؤمنين من الديار التي سيهلكها فلم يجد فيها مؤمنين، بينما وجد بيتاً فقط من المسلمين وبإضافة البعد التاريخي بين محمد و لوط إلا أننا نجد هنا استعمال لفظ الإسلام في وصف الفجار.
4) جاء في سورة البقرة 132،133{ ووصى بها إبراهيم بنيه و يعقوب يا بني إن الله أصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون } { ....قالوا نعبد إلهك و إله آبائك ...و نحن له مسلمون } .و هذا يعني أيضاً أن إسماعيل و أسحق كانا مسلمي،و على نفس المنوال واختصاراً للكلام و الوقت،نجد أن القرآن يثبت الإسلام ليوسف في سورة يوسف 101 ويثبت الإسلام لموسى في سورة يونس أية 84،ويقول أن سليمان كان مسلماً في الآية 33 من سورة النمل ، وأن بلقيس حاكمة اليمن وشعب اليمن قد أسلموا في سورة النمل أية 44 ويقول كذلك أن الأعراب مسلمين رغم أنه قال انهم أشد كفراً ونفاقا ، وأيضاً فرعون كان من المسلمين في أية 90 من سورة يونس وأخيراً وليس أخراً الجن أنفسهم كانوا مسلمين في أية 14 من سور الجن ، وكل هؤلاء بدون شك لم يدركوا محمداً أي لم يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ولم يصوموا رمضان ولم يحجوا البيت ، لأن البيت لم يكن جاهزاً في أيام نوح ولوط وهود ، صالح ، ثمود،فكيف يكونوا مسلمين؟ إضافة إلى ذلك أنه يصف بنى إسرائيل بالإسلام وكذلك أصحاب عيسى بن مريم
[ النصارى ] ثم يعود وينفى عن إبراهيم كونه يهودياً أو نصرانياً ، فأي إسلام إذن ذاك الذي تتكلم عنه وما هي صفته وطقوسه ؟
قال : إن ذلك لا ينفى أن كل الناس كانوا مسلمين
قال : أن الإسلام ملة إبراهيم وقد ورثها محمد كابن لإسماعيل فأصبحت كل المسكونة تدين بالإسلام وقد جاء محمد على نفس المنوال مكملاً لرسالة الإسلام التي بدأها نوح وتلاه إبراهيم .
قلت : لكنك قد ربطت معنيين مختلفين للإسلام في آن واحد وأطلقت عليهما ديناً ، وهذا تصنيف غير واقعي وغير منطقي
قال : كيف ، وماذا تعني بذلك ؟
قلت : أعني أننا نتكلم عن الإسلام الشرعي الذي قلتم عنه أنه دين الله ومن لا يقبله هو من الخاسرين ، وليس عن الإسلام اللغوي ؛ فالإسلام اللغوي حسب ما جاء في لسان العرب و المختار يعني التسليم و الخضوع لأوامر الآمر ونواهيه بدون اعتراض ، وحسب هذا المعنى فلا مانع أن يكون كل من اليهود و النصارى وغيرهم مسلمين ما أطاعوا الله ، لكننا نتكلم عن الإسلام الشرعي الذي جاء به محمد وفرضه على الناس بل و قاتل من أجل فرضه على العالم .
قال : لكنكم لستم طائعون الله ؟
قلت : على أي أساس حكمت ذلك الحكم ؟
قال : لأنكم رفضتم أوامره ولم تخضعوا له .
قلت أي أوامر تلك التي رفضناها ؟
قال : مثلاً يقول الله { ألا نعبد إلا الله و لا نجعل له شركاء ....} و أنتم قد خالفتم ذلك باتخاذكم المسيح إلهاً من دون الله.
قلت : إنك تحكم علينا حسب ما جاء في القرآن و هو كتاب مقبول لديكم أنتم ، ولا يعد مبدأ نركن عليه في أحكامنا فلدينا كتابنا الذي جعلتموه مصدراً لتوثيق ما تشكون فيه من أخبار نبيكم (وإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك [9]) ، والأولى أن تحتكم إلى مصدر يلقي قبول كلاً منا ، وإلا لأصبح من حقنا أن ندينكم حسب الإنجيل في قوله [ من أمن و أعتمد خلص و من لم يؤمن يدن ..] و بذلك تكونوا تحت الدينونة لأنكم لم تلتزموا بنص في إنجيل أنزله الله ، و تقبلوا المسيح و تعتمدوا .
قال : حقاً قلت ، كان علينا فعلاً أن نؤمن به ، لكن القرآن ألزمنا بالإيمان و قبول التوراة و الإنجيل التي أنزلها الله على موسى و عيسى ، ولم يلزمنا بالإيمان بالتوراة و الإنجيل التي كتبها اليهود و النصارى بأيديهم كما جاء في قوله { ويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ....} ( البقرة 79) .
قلت :أولاً النص لم يحدد من هم الذين كتبوا الكتاب بأيديهم؟ هل هم اليهود أم النصارى؟ كذلك لم يحدد ذلك الكتاب هل هو التوراة أم الإنجيل ؟ إنكم لا تملكون معيار محدد أو قالب معين بناء عليه يمكن تصديق ما تقولون ، أم أنك و جميع المسلمين تحكمون على التوراة و الإنجيل بالتحريف ليس إلا لأنها لم تتفق مع ما لديكم من أفكار و مبادئ ...؟
قال : لماذا يرفض المسيحيون إنجيل برنابا دون باقي الأناجيل ؟ أليس لأنه قد كشف ما أخفيتموه و أعلن صراحة صحة ما قاله القرآن ،سواء عن عيسى كرسول فقط و محمد كنبي آت بعده ....؟
قلت : و هل تقبلون أنتم هذا الإنجيل ؟
قال : و لماذا نرفضه ؟
قلت : هذا يعني أنك تقبله.
قال : ليس المهم أن أقبل أو أرفض لكن السؤال هو لكم أنتم ما هو سبب رفضكم لهذا الإنجيل بالذات ؟
قلت : واضح أن سيادتكم لم تقرأ هذا الإنجيل أو حتى تعرف مضمونه اللهم إلا ما يؤيد وجهة النظر الإسلامية الرافضة للاهوت المسيح . أليس كذلك ؟ ورغم ذلك أريد أن أذكر حضرتكم بقاعدة أصولية هامة خرجت من عندكم أنتم أي من جذور الفكر الإسلامي وهي ( ما تطرق إليه الاحتمال لا يصح به الاستدلال ) بمعنى أنه لو أن هناك مثلاً كتاب مثل الجامع الكبير من أحاديث الرسول وهو كتاب يحتوي على أحاديث منسوبة إلى الرسول غير صحيحة وصلت إلى حد إباحة اللواط إلا أن هذا الكتاب مرفوض من قبل المسلمين و لا يعدونه حجة وليس المهم أن نعرف السبب لكن علينا احترام ذلك وعدم الاستعانة بهذا الكتاب لانتقاد الإسلام وبناء على تلك القاعدة رفض مجمع البحوث الإسلامية بنفسه الاعتراف بإنجيل برنابا كمصدر مسيحي ليس من هذا الباب فحسب بل لأنه في أحد فصوله يقول أن محمد هو المهدي المنتظر مما يعد انقلاباً خطيراً في الفكر الإسلامي . إضافة إلى ذلك سوف أكتفي بما قاله علماء الإسلام وليس المسيحيون عن هذا الإنجيل لأن بيان أخطاء هذا الإنجيل ومناقشتها أمر يحتاج إلى كثير من الوقت وأنا شخصياً أنصحك بقراءته لتعرف لماذا هو مرفوض ليس فقط من المسيحيين بل ومن المسلمين؟ ، و إليك ما قاله المسلمون عنه :
1 ) قال الطبري : أنه لا يعرف لدينا سوى أربعة أناجيل فقط كتبها حواريو المسيح وأتباعه الذين أرسلهم للبشارة في الأرض ومنهم أربعة كتبوا الأناجيل وهم [ يوحنا و مرقس و لوقا و متى ]
( تاريخ الطبري ج 1 ص103 ) .
2) قال المسعودي : أما الذين نقلوا الإنجيل فهم أربعة [ لوقا ، مرقس ، يوحنا ، متى ] ( مروج الذهب للمسعودي ج1 ص312 ) .
3) قال الشهرستاني : أن أربعة من الحواريون اجتمعوا وجمع كل منهم جمعاً سماه الإنجيل وهم
[ متى و لوقا ومرقس ويوحنا ] وذكر أجزاء من آيات من متى و يوحنا ( الملل و النحل للشهرستاني ج1 ص100) .
فهؤلاء تحدثوا عن الأناجيل ولم يأت ذكر لأي واحد منهم عن إنجيل برنابا ، ولو صح أن هناك إنجيل لبرنابا لما تركوه أو تجاهلوه خاصةً وهم يبحثون عن ما يهدم العقيدة المسيحية ويلغي لاهوت المسيح ، هل علمت الآن لماذا نرفض جميعنا ( مسلمين ومسيحيين ) إنجيل برنابا ؟
قال صديقي : أني أحترم أقوال المسلمين و رغم ذلك فلماذا لا يكون رفضكم لإنجيل برنابا تدعيماً و تأكيداً لما أدخلتموه على التوراة و الإنجيل من تحريف و تبديل حتى أن ، النبي كان يحذر المسلمين مما وصلت إليه النصارى من إطراء المسيح حتى عبدوه فقال عن أبن عمر “ لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى أبن مريم بل قولوا عبد الله و رسوله " رواه البخاري و مسلم "
قلت : يبدوا أنك تأبى إلا أن يتطور النقاش بيننا إلى صورة أعمق مما قد يبدوا من سيرها حتى الآن،و هذا لا يغرني شخصياً وأنا سعيد بذلك لكن هل لديك الاستعداد لأن تصغي بانتباه لمناقشتنا ؟
قال : طبعاً و إلا لما جلسنا هكذا
قلت : هناك إصرار من جانبك على أن اليهود والنصارى قد حرفوا التوراة والإنجيل وعندك أدلة على ذلك من نصوص مختلفة من القرآن ، لكن أريد أن أطرح عليك سؤال قد يقرب المعنى : ترى متى تم تحريف التوراة و الإنجيل ؟ هل قبل الإسلام أم بعد الإسلام ؟
قال : هذا لن يفيدنا في شئ سواء قبل أم بعد لكن المهم أنه قد حدث تحريف .
قلت : بالنسبة لي مهم جداً أن أعرف متى تم التحريف حتى أكون دقيقاً في إجابتي لك .
قال : حقيقةً لا أدري أهو قبل الإسلام أم بعده كل ما أعرفه أنه قد حدث فقط تحريف أما متى ، و كيف فهذا لا يعنيني في شيء.
قلت : لنفترض أن التحريف حدث قبل الإسلام : هنا سوف أذكر لك بعض النصوص التي أنزلها الله على محمد بخصوص التوراة و الإنجيل
1. الأنعام 91 { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدىً للناس قل الله ...}
2. ??المائدة 68 { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة و الإنجيل ...}
3. المائدة 43 { كيف يحكمونك و عندهم التوراة فيها حكم الله ...}
4. المائدة 47 { و ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه و من لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك هم الفاسقون }
5. الأنعام 154 { ثم أتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن وتفصيلاً لكل شئ وهدىً ورحمة ...}
تلك خمس نصوص ليست هي كل ما في جعبتنا لكن اخترتها لنناقش مبدأ التحريف الذي تتزعمونه كلكم للتوراة و الإنجيل ،مع ملاحظة أن تلك النصوص قالها محمد نفسه في سور قرآنية أي لا يرقى إليها أي شك ولم نقلها نحن و السؤال هنا : ترى لو أن اليهود و النصارى قد قاموا بتحريف كتبهم كما تقولون قبل الإسلام أي بعد المسيح في الفترة ما بين 50 و 60 م لماذا لم يخبر الله محمد بأن كل ما هو متداول الآن محرف و ليس صحيحاً ؟ و أنه ليس من عند الله ؟ فالآية الأولى فيها إقرار و اعتراف بأن ما يعرف بأسم التوراة و الإنجيل هما من عند الله .
• و الآية الثانية فيها أمر لأهل الكتاب من اليهود و النصارى بأن يقيموا ما في التوراة و الإنجيل ( ليس ما في القرآن ) و إن لم يفعلوا ذلك فليسوا على شئ [ حتى لو أقاموا القرآن ] فهل يعقل أن يأمر الله أهل الكتاب بالالتزام بكتب قد تحرفت ؟
• والآية الثالثة أعظم بلاغة من سابقتها إذ أن الله يستبعد أن يتحاكم أهل الكتاب لمحمد ؛ ذلك لأنهم عندهم حكم الله، و هنا نسأل هل يعني ذلك أن ما كان لدى محمد ليس فيه حكم الله؟ والسؤال الثاني لو أن أهل الكتاب حرفوا كتبهم وعلم ذلك الله لألزمهم بالتحاكم إلى محمد لأن لديه الكتاب المهيمن .
• الآية الرابعة تحكم على أهل الإنجيل بالكفر و الفسق إن هم رفضوا التحاكم للإنجيل،فهل يعني ذلك أن هذا الإنجيل الذي يكفر من لم يحكم به كان محرفا ً؟ كذلك ألا يمكن القول أن محمداً كان عليه أن يترك أهل الإنجيل ليحكموا بالإنجيل حتى لا يقعوا في الكفر ولا يفرض عليهم القرآن ؟
• الآية الخامسة فيها أخبار و شهادة عن أن التوراة التي أنزلها الله على موسى مفصلة وهي تتميم لكل شئ مما يعني عدم حاجة اليهود لأي شئ غيرها ، و هي مفصلة و ليست محرفة ...
فبعد ذلك هل يمكن القول بتحريف التوراة و الإنجيل قبل الإسلام ؟
قال : إذن فقد تم تحريفها بعد الإسلام
قلت : هل أنت متأكد من ذلك ؟
قال : نعم لا بد أن يكون هناك تحريف و إلا لما قال القرآن ذلك،و نحن لا نشك في مصداقية القرآن .
قلت : نحن الآن أمام قضية جديدة وحتى نفهم الحوار
أقول : كانت التوراة و الإنجيل صحيحتان حتى مجيء الإسلام و حتى لا يلتزم اليهود و النصارى بالإيمان بمحمد قاموا بتحريف كتبهم .. أليس كذلك ؟
قال : هو هذا بالضبط .
قلت : إذن كان لابد لمحمد أو غيره ممن خلفوه في قيادة المسلمين أن يكون لديهم الكتب الصحيحة ليعرضوها على أهل الكتاب ليثبتوا صدق دعوى التحريف .
قال : ربما لم تكن هناك نسخ ، و النبي كان أمي .
قلت : كلا ! كانت هناك نسخ في يد ورقة بن نوفل و عمرو بن نفيل و سجاح بنت حبيب [ السيرة الحلبية ] و تلك النسخ كانت بالعبرانية و بالعربية ، و إن قلت إن محمد كان أمياً لا يعرف الكتابة والقراءة فأقول لك إن كان كذلك فلماذا أو كيف عرف التحريف ..؟
قال : قد يكون الله قد أخبره بذلك .
قلت : كان لا بد أن يخبره الله بمصدر و نوع التحريف و مواقعه .ولا ينزل عليه آيات تمدحها
قال : لم يكن هذا هو هدف الله من نزول القرآن .
قلت : و أي هدف ترى أهم من ذلك و هل كان هدف القرآن الكلام عن بقرة بني إسرائيل و حديث الإفك ، و زيد بن حارثة،و تحريم العسل الأسود على زوجاته .....
قال : أنك أخذت تغير مجرى الحوار و تتجه نحو مهاجمة القرآن و هذا لا يسرني .
قلت : إنما أردت أن أسوق لك أمثلة من القضايا التي أسهب فيها القرآن و بيان أي منهما أهم من إثبات تهمة التحريف فقط لا غير .
قال : لكن هذا كله لا ينفي أن يكون اليهود و النصارى قد ارتكبا جريمة تحريف التوراة و الإنجيل .
قلت : هناك واقعة معروفة و صحيحة سأذكرها لك في هذا الصدد و أرجو أن تتمعن فيها جيداً : جاء في تفسير أبن كثير لسورة المائدة في تعليقه على الآية 42 ، 43 روى البخاري عن زيد أبن اسلم عن أبن عمر قال : أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله إلى القف ( مكان يجتمعون فيه ) فأتاهم في بيت المدارس ، فقالوا يا أبا القاسم إن رجلاً منا زنى بامرأة فأحكم فيه وكانوا قد وضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها ثم قال : ائتوني بالتوراة . فأتى بها ، فنزع الوسادة من تحته و وضع التوراة عليها و قال : آمنت بك و بمن أنزلك ( أبن كثير ج2 ص58) هذه الرواية تتكلم عن أية نزلت في المدينة أي نزلت بعد 13 سنة من مبعث محمد و هنا أسألك : إن محمد قد أمسك بالتوراة كلها كما هو ثابت في الرواية و ليس أية منها و شهد و آمن بها و هي غير محرفة . إذن فنحن نقتدي به كما تطلبون ، و إن كان قد أمن بها و هي غير محرفة فمتى تم التحريف ؟ الواضح أنه لا قبل و لا بعد ؟
قال : مهما قلت و مهما بلغت روايتك فلن أتراجع عن رأيي في أن التوراة و الإنجيل الحاليتين محرفتان .
قلت : هكذا بدون برهان ؟
قال : برهاني الوحيد ما يوجد بها من نصوص و تجديفات على الله الواحد الأحد الفرد الصمد .
قلت : هل يمكنك أن تحدد لي أين تلك التجديفات ؟
قال : من كثرتها لا أستطيع حصرها بل بالأحرى فهي كلها تجديف و شرك و افتراء على الله .
قلت : حاول أن تتذكر و لو مسألة واحدة حتى يمكنك أن تقدم لي دليل لتبعدني عن هذا التجديف و الشرك فيكون لك أجراً .
قال : مثلاً تقولون أن الله هو المسيح و القرآن يقول { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح أبن مريم ...} (المائدة 17،72) ألا يعد ذلك تحريفاً و تجديفاً على الله و خروجاً عن صراطه المستقيم ؟ .
قلت : هل يمكنني الإجابة على هذا السؤال ؟
قال : على ماذا تجيب هل تريد تأكيد زعمكم هذا ؟
قلت : نعم،لكن بنصوص ذكرتموها أنتم في كتبكم .
قال : كيف ؟
قلت : إنكم تفهمون القضية فهماً خاطئاً،إذ تعتقدون أننا نحن النصارى الذين أعطينا الصبغة اللاهوتية للمسيح إعجاباً به و تقديراً لأعماله ، و لذلك يحذركم محمد من أن تعجبوا به فتؤلهوه كما فعلت النصارى .
قال : هذا بالضبط ما حدث .
قلت : إذن فأسمح لي أن أشرح ذلك لك .
قال : تفضل .
قلت : إن لاهوت المسيح حقيقة أزلية و ليس مجرد صبغة ألقاها عليه النصارى كمكافأة و تقديراً لأعماله الإعجازية التي عملها وهذا هو الخلاف بين القصدين الإسلامي و المسيحي ، و أعتقد أن اعتراضكم ينصب أساساً في عدم قبول أو استيعاب ظاهرة التجسد و تلك هي التي أثقلتكم و تدفعكم إلى الطعن في صحة الكتاب فأدلة ألوهية المسيح ثابتة ليست في الانجيل فقط ، بل هناك نبوات توراتية واضحة و جلية تخبر عن مولود من عذراء يكون إلها بل و حدد النص أسمه
( عمانوئيل ) الذي تفسيره الله معنا، ورغم رفض اليهود النصوص و هذا أعظم دليل على صدق ذلك ومن المسلمين من أيد ذلك مثل الزمخشري و جلال الدين السيوطي في تفسيره الجلالين إذ قال في قوله ( كلمة الله و روح منه ) أي تبعث الحياة .
قال : تقول أن هناك نصوص قرآنية تثبت لاهوت المسيح ، إن ذلك مستحيل اللهم إن كنتم قد أخذتم النصوص و فسرتموها كما تريدون كما هي عادتكم
قلت : كلا : بل إن أحببت نقلت لك النصوص كما هي ، في الحقيقة هي ليست نصوص مباشرة كما قد تعتقد ، و لكن هي مجرد حصر صفات الله و محاولة إثبات ما إذا كان المسيح قد أمتلك تلك الصفات أم لا .
قال : إن كنت تقصد المعجزات التي يعطيها الله لأنبيائه لتبرهن رسالتهم في أقوامهم فمعنى ذلك أن موسى إلهاً، و يشوع إلهاً ، و كل من عمل معجزة هو إله ؟
قلت : أنا لم أتكلم عن المعجزة و لكن أقول صفات فإنك عندما تتصف بالأخلاق فهذه سجية فيك جبلت عليها لا أن يعطيك أحد شيئاً فيغير من قدرتك مرة أو مرات المعجزة هي عمل خارق للعادة يهبه الله من يشاء من خلقة لتحقيق هدف ما و لكن الصفة هو شئ نابع من قدرتك الذاتية و ليس لأحد دخل فيها .
قال : إن كل أعمال المسيح أو ما تسميه صفات المسيح هي معطاة له بإذن الله و ليس من عنده ؟
قلت : حسناً فلنبحث أولاً ما هي تلك الصفات .
قال : لا مانع .
قلت : إن صفات الله في القرآن عديدة منها 1ـ يعلم الغيب 2ـ يخلق، 3ـ يحي و يميت، 4 ـ يشفي المرض، 5ــ يرزق، 6ـ يقول للشيء كن فيكون 7ـ كلي القدرة ، 8ـ يسيطر على البحار،
9 ـ حاكم عادل يدين الناس يوم القيامة، 10 ـ ليس لإبليس سلطان عليه . تلك بعض من الصفات التي وردت في القرآن عن الله ترى لو ثبت أن تلك الصفات قد تحققت بالكامل في المسيح ، فهل يمكن أن يكون المسيح بشراً عادياً ؟
قال : ليست كل هذه الصفات ، أو ما تحقق منها كان بإذن من الله .
قلت : أعلم ذلك ، فعندكم مثلاً قوله [ إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيها فيصير طيراً بإذن الله و أبرئ الأكمة و الأبرص و أحيي الموتى بإذن الله و أنبئكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم ] ( آل عمران 49 )
و في هذه الآيات نجد أن المسيح لم يمتلك القدرة على الخلق فقط بل على الكيفية و هي نفس الكيفية التي خلق بها أدم كما جاء في سورة السجدة 7، 8 [ و بدأ خلق الإنسان من طين ... ثم سواه ... و نفخ فيه من روحه ..] و بهذا يمكننا أن نقول أن المسيح كان يخلق بعلم, أي خلاق ، و هو نفس ما قاله القرآن عن الله في سورة يس 81 [ و هو الخلاق العليم ..] ، و بخصوص امتلاك المسيح سلطان الموت فيمكنك الرجوع إلى كتاب البداية و النهاية لأبن كثير ج1 ص84 و يصف إبراهيم الله في القرآن بقوله [ و إذا مرضت فهو يشفين ...] ، وبخصوص الرزق فيمكنك الرجوع لأبن كثير في البداية و النهاية ج1 ص72 و بخصوص قوله للشيء كن فيكون فالمرجع نفسه و ج1 ص101 ، و بخصوص سيطرته على البحار فهذا ثابت في كتاب الملل و النحل للشهرستاني إذ قال في قوله ( و كان عرشه على المال ) هو المسيح عندما أتى التلاميذ ماشياً على المياه في جوف الليل ..
( الملل و النحل ج1 ص101 ) وكون المسيح حاكم عادل فقد روى البخاري عن أبن عمر ، أن محمد قال
[ لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم أبن مريم حكماً عدلاً ...] و عدم وجود سلطان لإبليس عليه ثابت أيضاً في حديث للبخاري : روى البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول : كل أبن أدم يطعنه الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى أبن مريم ذهب ليطعنه فطعن في الحجاب : فمن عليه حجاب من إبليس من البشر؟ و جاء في كتاب إحياء علوم الدين : أنه عند ولادة المسيح أصبحت الأصنام منكسة الرأس فأتت الشياطين لإبليس و أخبرته بذلك ، فجال في الأرض باحثاً عن السبب فوجد عيسى قد ولد والملائكة صافين من حوله يسبحون له .. ، و هذا ما جاء في سورة غافر عندما يصف الله فيقول [ و ترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ...] ( إحياء علوم الدين ج3 ص 27 ) و أضيف إلى ذلك أن القرآن قد عدد أخطاء و ذنوب الأنبياء جميعهم حتى إبراهيم إلا عيسى قال عنه [ وجيهاً في الدنيا و في الآخرة و من المقريين ]
1. فقال عن آدم [ و عصى آدم ربه فغوى ] ( طه121 )
2. و عن نوح [ رب أغفر لي و لوالدي .. ] ( نوح 82 )
3. موسى [ قال فعلتها إذن و أنا من الضالين ..] ( الشعراء 20 )
4. إبراهيم [ الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ] ( الشعراء 82)
5. داود [ فظن داود إنما فتناه فأستغفر ربه ..] ( ص 24)
6. و عن محمد [ و أستغفر لذنبك ..] ( محمد 19) [ ألم نشرح لك صدرك و وضعنا عنك وزرك ] ( الشرح19) ، [ آنا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ..] ( الفتح 20 ) و أخيراً ترى هل يعطي الله واحداً من البشر كل تلك الصفات ؟ و إن حدث فما هي إذن وظيفة الله ؟
قال : من أين لك بكل هذه المعلومات ؟
قلت : من تفتيشنا للكتب
قال : و بعد ذلك كله آلم يشرح الله صدرك للإسلام ؟
قلت : لو كان الله يعلم أن في ذلك خير لي لما تأخر .
قال : و هل هو شر لك ؟
قلت : ليس بالضبط ، لكن أعني لو أن الإسلام هو الذي سيحقق لنا الرجاء المنشود فيما بعد الموت فلست أنا وحدي سأتبعه بل كل الباحثين عن الراحة بعد الموت .
قال : و لماذا لا تثق في ذلك و هناك نص صريح يقول
[ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ..]
قلت : ليست العبرة في النصوص لكن العبرة في من يقدر على مثل هذا العمل .
قال : أتشك في قدرة الله ؟
قلت : كلا لا أشك مطلقاً في قدرة الله وإلا لما كنُت مسيحياً لأن حياتنا المسيحية أساساً قائمة على قدرة الله الفائقة
قال : إذن ماذا تقول في هذا النص الذي ذكرته لك إلا بعد ذلك حافز أو مشجعاً لكل من يبحث عن حياة ما بعد الموت .
قلت : أعذرني إن قلت لك أن الإسلام قائم على مبدأ الترغيب و الترهيب وهو بعيد كل البعد عن الحقائق و الأمور المتيقنة، وكأنه يسعى جاهداً لاجتذاب أكبر عدد من الأشخاص إلى الاقتناع بالفكر بصرف النظر عن غاية هذا الفكر و ما ورائه ، فعند الترغيب يكون الكلام جميلاً سلساً سهل القبول ، وعند الحديث عن العاقبة نجده حذر كل الحذر ، و مرتبك و غير واضح المعالم .
قال : لا أفهم ما تريد ، أرجو التوضيح .
قلت : أقصد على سبيل المثال أنه عند دعوة الإنسان للإسلام نجد الأمر في غاية البساطة و مثال على ذلك : 1) من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، 2
2) حديث أبي ذر الشهير : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة قال أبو ذر : و أن سرق و إن زنى يا رسول الله؟
قال : و إن سرق و إن زنى . و في الثالثة أجاب محمد أبو ذر قائلاً و إن سرق و إن زنى رغم أنف أبي ذر .
3) قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .
4) من قال لا إله إلا الله دخل الجنة على ما كان من عمل .
5) سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
أ?) رجل قلبه متعلق بالمساجد
ب?) رجل أنفق بيمينه صدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق بيمينه . و عند القول عن العاقبة أي الأمور المتبقية فنرى محمد مثلاً يقول لا يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا و لا أنت يا رسول الله : قال و لا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ، و كذلك الحديث الذي يقول فيه أبو بكر : لو أن إحدى قدماي في الجنة و الأخرى في النار ما آمنت مكر الله ، كذلك الحديث الصحيح الذي يرويه ( صحيح البخاري : باب الجنة و النار الإمام أحمد و الحاكم في مستدركه : ) إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكاد يكون بينه و بين الجنة إلا مقدار ذراع فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار،و إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكاد يكون بينه و بين النار إلا مقدار ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة : و يستنتج من ذلك أن هناك شك و عدم ثقة لدى كل من أصحاب النار و أصحاب الجنة فلا الذي يعمل الأعمال الحسنة واثق من دخوله الجنة و لا الذي يفسق خائف من دخول النار لأن لديه أمل أن يتغير في أخر لحظة فيدخل الجنة ، كذلك لا يوجد تأكيد من المشرع ذاته فلو أن من يقول لا إله إلا الله يدخل الجنة بحق اختفت كلمات لا أدري مكر الله رحمة الله .
ت?) وعلى النقيض من ذلك نجد المسيح يقول [ كل من آمن و أعتمد خلص ] و هذا كله أنعكس على أقوال الصحابة الذين بشرهم محمد بالجنة فالمفروض أنه قد أصبح لهم يقيناً بدخول الجنة لأن الرسول لا يكذب ، إلا أننا نجد أبو بكر يشك و أبو عبيده يقول لقد هلكت والزبير بن العوام يقول لا أدري أقريب أنا من رحمة الله أم لا ، و مصعب بن عمير يقول إني
لارجو أن يشملني الله برحمته،محمد نفسه بقول عندما سأل عن ورود النار يقول : و أنا إلا أن يتغمد ني الله برحمته،و هنا نلاحظ [ تاريخ الإسلام للذهبي ج31 ص18] غياب الثقة الباعث على الأسى و الحزن الواضح من نبرات الكلام .
قال صديقي : لكنكم تشركون بالله بطريقة شنيعة عندما تقولون الآب،و الابن،و الروح القدس . و بهذا حق قول الله فيكم [ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ....] ( المائدة 73)
قلت : هذا الموضوع هام جداً و لكن شرحه لك من الوجهة الكتابية لن يكون مقبولاً لديك . لكن دعني أقرب لك معنى الأقانيم [ الآب و الابن و الروح القدس ] هذا بوجهة إسلامية مبسطة عسى أن يتضح المعنى لديك ، لكن أريد أولاً أن أقول لك إن استخدام أقانيم [ أسماء ] الآب ، و الابن ، و الروح القدس .لا يعني لدينا أن هناك إله أسمه الآب و إله أخر أسمه الابن و ثالث أسمه الروح القدس لكن هي مسميات وظيفية لإله واحد و هناك أمثلة على ذلك في الفكر الإسلامي إن أدركتها فعليك أن تدرك ما أعني كذلك
1 ــ جاء في كتاب " الكليات " لأبي البقاء و ج1 ص446 أن الله سبحانه و تعالى عِلم و عَالم و معلوم ، أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى ، أما التغاير فهو اعتباري .
2 ــ جاء في سورة الأعراف [ قل أدعو الله أو أدعو الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ] ( الإسراء 110) و هنا الاختلاف واضح في استعمال أو المغايره إذ يقول أدعو الله أو أدعو الرحمن فهل هناك إله أسمه الله، إله أسمه الرحمن ؟
3 ــ جاء في سورة غافر [ غافر الذنب ، قابل التوبة شديد العقاب ] فهل يمكن أن تتوافق المغفرة و التوبة و العقاب معاً ؟ إن ذلك لا يتحقق إلا إذا كان لله ثلاث أقانيم تعفو و تتوب و تعاقب .
4 ــ جاء في سورة الأعراف آية 179 [ و له الأسماء الحسنى ..] فمن أسماء الله الحسنى هذه 99 ومنها ( المعز و المذل و العزيز ) فهل يمكن أن يكون الله معز اً ومذلاً وعزيزاً في آن واحد؟ فكل صفة من تلك الصفات تعارض الأخرى فكيف تجتمع أذن في الله ؟
قال صديقي : إنكم تقولون أن المسيح بار و بلا خطية و مع ذلك تقولون أنه مات حاملاً خطاياكم و بموافقة إلهية ألا يعد ذلك ظلماً من الله أن يعاقب البار بخطية الآخرين و هو الذي يقول في القرآن [و لا تزر وازرة وزر أخرى ..] ( الأنعام 169) .
قلت : أولاً : طبعاً أنت نؤمن أن الله واحد ؟
قال : نعم
قلت : إذن فهل تؤمن أن الله لا تتبدل أفكاره و لا تتغير مشاعره .
قال : نعم
قلت :إنكم في معرض رفضكم موت المسيح من خلال الآية 157 من سورة النساء ،يقول ابن كثير أن الذي قتل هو شخص آخر غير المسيح حول الله صورته لتشبه صورة المسيح فينخدع الرومان فيقتلوه بدلاً عن المسيح،آلا يعد هذا ظلماً من الله ؟ أن يُقتل البريء بإرادته وبترتيب منه ؟ أم أنكم تستخدمون النص عندما لا يستهويكم الموضوع وترفضونه عندما لا يوافق هواكم ؟ وهناك حادثة أخرى أكثر وضوحاً من تلك وهي مدونة في كل كنب التفسير ، وهي ما جاء بخصوص الآية 54 من سورة البقرة [ وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى ربكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ] و قد نزلت هذه الآية عندما عاد موسى من لقاء ربه فوجد قومه يعبدون البعل فوبخهم فأرادوا التوبة إلا أن الله رفض توبتهم و أشترط لذلك أن يقتل كل إسرائيلي من يقابله،فأخذ الشعب يقتلون أنفسهم حتى وقع في ذلك اليوم أكثر من سبعون ألف قتيل ثم عفا الله عنهم و قال الله لموسى قد اكتفيت و من بقى منهم لم يقتل أصبح مكفراً عنه بدم من مات،و كان قد مات أناس لم يشاركوا في عبادة العجل و بقي آخرون كانوا ممن ساهموا في عبادة العجل ،لكن لم يقتلوا ؛ و للمزيد عن ذلك أرجع إلى تفسير أبن كثير ج1 ص92 فهذه الحادثة لا تقل دلالة عن موت المسيح حاملاً خطايا من يقبله: و هذا فكر الله الأزلي الذي لا يتغير فهل يمكن أن تقول أن الله ظلم بني إسرائيل و هو الذي يقول [و ما ظلمناهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون]
قال صديقي : إنكم تقولون إن الله هو المسيح, ترى من كان يقوم بإدارة الكون فترة وجود المسيح في القبر ؟
قلت : هذا يرجع أولاً إلى قبولك لفكرة تجسد الله من حيث الإيمان بذلك أو عدمه .
قال صديقي : كيف يتجسد الله ؟
قلت : يأخذ صورة إنسان
قال : وهل يعقل أن يصبح الله إنسان ؟
قلت : من حيث الفكر البشرى وقدرته المحدودة لا يمكن لأننا لا نستطيع أن نرقى فوق فكر الله لندرك مثل هذه الأشياء لكننا جميعاً نتفق على قدرة الله المطلقة وغير المحدودة.
قال : وما علاقة القدرة بذلك ؟
قلت : إننا إذا وثقنا وآمنا بأن الله كلى القدرة ولا يعسر عليه أمر ، وأن الغير مستطاع عند الناس مستطاع عند الله لأنتهي الخلاف،بمعنى ألا يستطيع الله من حيث القدرة أن يكون إنسان؟ أم أن هناك قوة أعلى منه تمنعه عن ذلك ؟ وعندكم حادثة مشهورة تحتفلون بها كل عام ليلة 27 من شهر رجب وهى ليلة الإسراء والمعراج التي تدعون فيها أن محمد قد أسري به من الأرض إلى سدرة المنتهى في الأفق الأعلى وعاد قبل طلوع الفجر، وحسب العقل البشرى والقياسات الزمنية يستحيل تحقيق ذلك،لكن نسبتم ذلك لقدرة الله ، فهل الله الذي فعل ذلك يعجز أن يأخذ صورة إنسان؟
ثم إن جبريل عندما أراد تعليم محمد وصحابته أمور الدين لم يستطع أن يأت إليهم بصورته كملاك جناحيه يسدان الأفق فأتخذ صورة رجل ليخبر الناس بما يريده الله فهل يقدر جبريل ولا يقدر رب جبريل ؟
قال : لكنك لم تجبني على لب السؤال وهو إن قلتم أن المسيح هو الله وأنه قد مات ودفن فمن كان يقوم بمقاليد الأمور في السماء في هذا الوقت ؟
قلت : إنك لو أدركت ما قلته لك أنفاً لوصلتك الإجابة إذا أنني حاولت أن أوضح لك أن الله قد أتخذ صورة جسد وعندما مات المسيح فالذي مات هو الجسد [ الناسوت] فاللاهوت لا يموت ، وعندكم شئ مشابه لذلك وهو الحديث الذي يرويه البخاري وأبو داود عن سعد بن معاذ [ إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيجول قائلاً : هل من سائل فأعطيه وهل من مستغفر فأغفر له،وهل من تائب فأتوب عليه .. ] وهنا أقول لك : آن الذي يقوم بمقاليد الأمور في السماء وقت نزول الله إلى الأرض هو نفسه الذي كان يقوم بإدارة الكون وقت وجود المسيح في القبر أم أن الله يتجزأ فينزل جزء إلى الأرض ويبقى الأخر في السماء؟
قال صديقي : كيف تنسبون إلى الله الولد ؟ وتقولون أن المسيح ابن الله ألا يعد هذا باطل الأباطيل ؟
قلت : إنكم دائماً تقرءون بعيون مغمضة وأذهان مسيجة فلا تدركون حقائق الأمور،وتسارعون في اتهامكم ،وهنا أريد أن أطلب منك أن تفسر لي معنى هذه الآية التي في سورة الأحزاب وبناءً على تفسيرك سأوضح لك ما إذا كنا أصحاب باطل الأباطيل أم لا؟"النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم "ما معنى أن أزواج النبي هم أمهات المؤمنين ؟ هل عائشة ولدت كل هؤلاء المؤمنين؟ وكذلك خديجة، وزينب وصفية وغيرهما من نساء النبي ؟
قال صديقي : كلا إن لفظ أمهاتهم يعني المكانة والاحترام ورفع الكلفة بينهم،وما هو إلا تعبير مجازي أريد به فضل ومكانة نساء النبي لدى المؤمنين.
قلت : إذن اللفظ له مدلولان ،حقيقي ومجازي،فعائشة وغيرها ليسوا أمهات حقيقيون لكم، بل هو تعبير مجازي فقط
ونحن كذلك نقول أن المسيح ابن الله بالمعنى المجازي،أي أن الله لم يتزوج وينجب المسيح،بل هو جوهر الله وعلى صورته وروحه،هل تقبل هذا التفسير أم لا ؟
قال صديقي :لكنكم كثيراً ما تستخدمون ألفاظ الله،والرب والآب، والإبن والمسيح نفسه وهو على الصليب كان يقول : يا أبتاه إليك أستودع نفسي "ألا يعد هذا ازدواج في شخصية الله فيصبح الله اثنان وليس واحد كما تدعون .
قلت :كلا ليس هذا ازدواج في شخصية الله كما تظن ،فعند استخدام لفظ الرب يكون هو الله المتجسد وهو نفسه الله الآب،ولا تنظر للأمور من حيث المسميات لأنك ستعاني كثيراً حتى في فهمك للقرآن كما تبين من لفظ ابن،والذي أريدك أن تفهمه ،هو أن الازدواج في الشخصية لا يعرف بالمسميات لكنه يظهر بوضوح في ازدواجية القرار ،فهل وقعت عيناك على هذا النوع في الإنجيل ؟أي هل وجدت المسيح يتخذ قراراً والله الآب يتخذ قراراً مغايراً له ؟وأريد أن ألفت انتباهك إلى آية عندكم في سورة غافر تقول :"يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم ؟
لله الواحد القهار"فهذه الآية تصور مشهد القيامة عندكم فينادي الله قائلاً :لمن الملك اليوم؟ ترى من الذي يجيب عليه ؟هل هناك إله آخر ؟ كلا فكتب التفسير تقول أن الله أيضاً هو الذي يجيب،فهل لله شخصيتان أحدهما يسأل والآخر يجيب .
قال صديقي : أليس من العار أن تتكلمون عن صلب إلهكم،وتفتخرون بذلك وتجعلون من الصليب شعاراً ؟
قلـت :إن الصليب حقيقة واقعية وواضحة وضوح الشمس حتى من خلال علماؤكم ،وهي إن كانت تمثل في مفهومكم عاراً ،فإنها بالنسبة لنا قوة الله للخلاص ،تلك القوة التي تجهلونها ،وتجعلنا نتواجد كحملان وسط ذئابكم المفترسة لكن دعني أذكر لك واقعة عندكم وأضعك أمامها وأمام الله لتحكم أي من الواقعتين يمثل عاراً،لقد كان محمد يحب غلامه زيد بن حارثة وتبناه وكان يطلق عليه زيد بن محمد أو الحب بن الحب،زوجه محمد زينب بنت جحش، وكانت امرأة جميلة، أسكن محمد زيد وامرأته بداره، وقع بصر محمد على زينب فأحبها، ولم يقدر مقاومة هذا الحب رغم تظاهره بذلك ، ولما يئس من ذلك طلب من زيد أن يطلقها،وكان يحرض كل منهما على الآخر ليجعل ارتباطهما هشاً،ونجحت خطة محمد وطلق زيد زينب وتزوجها محمد،ولأنه كان رسولاً كان لابد أن يحافظ على مكانته بين المسلمين فاستصدر وحياً يبين أن الله هو الذي زوجه ويصف الوحي الأمين هذه الحادثة فيقول عن حب محمد المكتوم في صدره " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك "ثم يقول "وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه "ثم تنتهي الخطة بالزواج المبارك من الله فيقول "ولما قضى زيد منها وطراً زوجناكها "ترى صديقي العزيز هل من العار أن يموت المسيح حاملاً خطايا العالم ؟وليس من العار أن يمد محمد بصره لزوجة صديقه؟
قال صديقي : ألا تعد مكاشفة القرآن لهذا الحدث بهذا الوضوح دليلاً على مصداقية الوحي والقرآن؟
قلت : إنها ليست مكاشفة لأن الحدث كان على مسمع ومرأى من كل نساء وأصحاب محمد ومنهم من انتقده ،فما كان منه إلا أن يبرر سلوكه ،وليس أمامه سوي الوحي ليسكت كل الألسنة التي تلومه ،تماماً كما حدث في حصار قريش له في شعب أبي طالب وطلب صحابته منه أن يطلب من الله أن ينزل عليهم مائدة كالتي نزلت على الحواريين،فقال أن الوحي أخبره "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأنفس والثمرات وبشر الصابرين "فما كان منهم إلا أن صبروا لأمر الله،أما بخصوص حادثة زواجه من زينب فقد كشفت ذلك عائشة وقالت له :والله ما أرى إلا أن إلهك يوافقك في كل هواك "[10]
قال صديقي :إنكم تبنون عقيدتكم المسيحية على وقائع لا ترقى إلى الحقائق وتصدقونها وترفضون الرأي الآخر حولها .
قلـت : هل بعد كل هذا الحوار الذي تطرقت فيه إلى كل ما خطر على بالك من قضايا مسيحية ،تصر على أننا لا نسمع للرأي الآخر ؟كذلك اعطني مثل على ذلك
قال صديقي: تقولون أن المسيح قد مات ،وهو لم يمت ،بل شُبه لهم .
قلت : ما معنى شبه لهم ؟
قال : أي لم تقتلوه بل قتلتم شخصاً آخر .
قلت : الحقيقة أننا لم نقتل المسيح ولا الشخص الآخر،إن الذي قتل هم الرومان،لكن هل لديك دليلاً على أن المسيح لم يمت ؟
قال : قول الله "وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم "
قلت :هل هذا هو دليلك ؟
قال : وهل هناك دليل أقوى من كلام الله ؟
قلت : ليست المشكلة في كلام الله إن كان كذلك ؟لكن كثيراً ما تتكلمون عن قضايا ليست حقيقية ومن نفس كلام الله،مثل قولكم عن اليهود أنهم قالوا "عزير ابن الله "التوبة 20ورغم ذلك سنرد على سؤالك من نفس الآية التي ذكرتها،فبالرجوع إلى تفسير ابن كثير لهذه الآية سنجد رواية صحيحة عن وهب بن منبه قال:أن المسيح لما أعلمه الله أنه مفارق الدنيا إلى الموت،جمع تلاميذه وصنع لهم عشاءً ،وبعد أن انتهوا قام وغسل أرجلهم ،وقال لهم من رد علي شيئاً مما فعلت فليس مني ثم وقال لهم:ادعوا لي الله الليلة أن يؤخر أجلي،وكان كلما أتى إليهم وجدهم نياماً فقال لهم : أما قدرتم أن تسهروا ساعة؟ قالوا : يا روح الله لقد كنا نسمر ونطيل السمر،لكن هذه الليلة كلما دعونا لك الله أخذنا النوم فلا نقدر ،وكان واحد من التلاميذ اسمه يهوذا قد أوشى به عند الرومان وقبض ثلاثون درهماً فجاءوا وقبضوا عليه وكان قد شبه لهم وقيدوه في السلاسل وكانوا يسبونه ويلقون عليه الأشواك ويقولون :خلص نفسك إن كنت أنت ابن الله ،ولما جاءوا الخشبة التي كانوا سيصلبونه عليه غير الله صورته ورفعه وصلبوا ما شبه لهم ،وبعد سبعة أيام ظهر لهم وكانوا أحد عشرة أشخاص وفقدوا الذي خانه،إذ شنق نفسه ومات .
تلك هي الرواية التي رواها ابن كثير مع اختلاف بعض الكلمات ويمكنك الرجوع إليها في الموضع المشار إليه .
وهنا أقول لك حسب الرواية:
أن المسيح قد أعلمه الله أنه سيموت في هذا الوقت .
أن الرواية تقول أنه قد شبه لهم قبل الوصول للصليب
الرواية تذكر أن التشبه حدث ثانية على الصليب
أن المسيح لما ظهر وجد التلاميذ 11 مع أنه من المفروض أن 2 منهم قد ماتا ،يهوذا الذي خانه والتلميذ الذي أخذ شبه المسيح .
قال صديقي : إن ديانتكم المسيحية قد فقدت مصداقيتها في كل الدول التي تدين بها إذ في تقاليدكم نوع من الإباحية وغياب الانضباط الأخلاقي مثل تبرج النساء السافر والعلاقات المشبوهة بين الجنسين وهذا واضح جداً من خلال ما يصل إلى أسماعنا من انحلال أخلاقيات المجتمع الغربي المسيحي وبدأ توجهه للإسلام ، فهل بعد ذلك يمكن القول أن المسيحية طريق الله ؟ وهل يبيح الله هذا الانحلال الخلقي الرهيب ..؟ أنى أدعوك إلى التفكير والرجوع إلى الله وقبول الإسلام قبل فوات الأوان ؟
قلت : أولاً أريد أن أشكرك على مشاعرك نحوي،لكن ما أود أن أقوله لك وللأخوة المسلمين في كل مكان في معرض ردى على سؤالك : إنكم تخطئو خطئاً ذريعاً عندما تقيمون المسيحية بسلوكيات المسيحيين معتقدين أن كتابنا المقدس قد أعطاهم سلطان لفعل ذلك، فهناك فرق بين المسيحية والمسيحيون،فليس كل من يحمل اسما مسيحياً هو مسيحي حقيقي ، وليس كل ذو جنسية غربية مسيحي حقيقي، أما بخصوص الانحلال الخلقي والذي يسببه التبرج السافر للنساء وعلاقتهم بالرجال فالكتاب المقدس لا يبيح ذلك وأدعوك لتلقى عليه نظرة لتعلم الفارق بين ما يقوله الكتاب وما يفعله الناس ، وأنكم تعرفون التبرج بكشف الرأس والماكياج والزينة وهنا سأضع أمامك بعض النصوص الكتابية لتعلم قول الكتاب في ذلك
1- بخصوص الزينة رسالة الرسول بولس إلى تيموثاوس [ كذلك أن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل لا بضفائر أو ذهب ولألي أو ملابس كثيرة الثمن . بل كما يليق بنساء متعاهدات نتقوى الله ]
[ لا تكن زينتكن الزينة الخارجية من ضفر الشعر و التحلى بالذهب ولبس الثياب .. ] رسالة بطرس الأولى
بخصوص صوت المرأة وتأثيره على الرجال : [ لتتعلم المرأة بسكوت في خضوع .ولكن لست أذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت .. ]
1 تيموثاوس 2 :11 هل بعد ذلك تستطيع القول أن المسيحية هي المسئولة عن الانحلال الخلقي أم أنها شهوات الجسد التي تتملك من الإنسان كما تملكت من أدم وأخرجته من الجنة .
قال صديقي : لكن كل ما ذكرته لم يأت على لسان المسيح بل هو كلام بولس وهذا لا يمكن الاحتجاج به .. ؟
قلت : إن لديكم شيئان للتشريع هما القرآن ، والسنة فتقولون إن القرآن كلام الله وهذا من حقكم ، لكن لماذا تعطون السنة نفس القوة والسلطان اللذان للقرآن رغم أن السنة هي أقوال محمد الذي يقول عن نفسه " ما أنا إلا بشر مثلكم "وهو يصيب ويخطأ، فهل الله يماثل محمد ؟
قال : كلا : لكن القرأن قال عن السنة [ إن هو إلا وحي بوحي ]
قلت : الإنجيل عندنا يماثل القرأن عندكم والرسائل عندنا تماثل السنة عندكم وهى أيضاً كتبت بإرشاد الروح القدس وأعتقد أنك لمست ذلك من خلال ما ذكرته لك من نصوص منها .
قال صديقي : إن كتابكم يتعامل مع الجريمة بمنتهى اللين وكأنه يعطى للمجرم الضوء الأخضر لارتكاب جرائمه مما يساعد على انتشارها،وهذا الذي قصدته من سؤالي السابق أيضاً فتتعاملون مع الخمر بالقول لا تسكر، والسرقة،لا تسرق،الزنى ، لا تزن ،فقط تستعملون اللفظ لا ، ولا عقاب ؛ فهل يمكن أن يحقق مثل هذا السلوك في المجتمع المسيحي ما نريده من الاستقرار والأمان لكل مواطن ... ؟
قلت : سؤال وجيه جدا ، لكن أبدأ إجابتي بسؤال بسيط سوف أستكمل بعده إجابتي : ترى هل حققت الحدود والعقوبات في الإسلام هذا النوع من الاستقرار والأمان في المجتمع الإسلامي ؟
أعود فأجيب على سؤالك : إن المسيحية بشكل عام هي حياة لا مبادئ وقوانين ، فالله ليس قاض يجلس بالسوط في يد والحلوى في يد أخرى ، فمن يطيعه يعطه من الحلوى ومن يعصاه يضربه بالسوط فهناك بيت شعر قرأته يقول :
تعصى الإله وأنت تزعم حبه
إن المحب لمن يحب مطيع
وقال المسيح كذلك في إنجيل يوحنا 14 : 15
" إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي " ، كذلك مكتوب أنه
" ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس " الواقع يقول والشواهد تشهد أن الحدود والعقوبات في الإسلام لم تمنع الجريمة ، ولم تحقق الاستقرار والأمان وهاهي حوداث الاغتصاب للأطفال والقتل والدعارة والرشوة والسرقة التي تطالعنا بها صحفكم الإسلامية المبجلة خير دليل على ذلك مع ملاحظة أن 80 % من مرتكبي هذه الجرائم مسلمون، ويعيشون في مجتمعات إسلامية لكن إذا كنت تقصد غير ذلك من عدم ارتكابها أو الإعلان عنها في بلدان معينة مثل السعودية بدعوى أن السعودية هي الوحيدة التي تطبق الدستور الإسلامي فهذا غير صحيح بالمرة ولك أن تعرف أن عدم الإعلان عن جرائم هناك مثل هتك العرض والزنى في مثل هذه البلدان ليس معناه اختفاءها ولكن للأسف هو عدم القدرة على إثباتها او عدم توافر شروط لزوم العقاب
قال صديقي مقاطعاً: ماذا تريد أن تقول ؟
قلت : بكل أسف الحدود والعقوبات الإسلامية لم تضع حداً للجريمة أو تمنعها كما تتخيل ، بل قد وضعت أساساً لتدعيمها .
قاطعني ثانية : هل دعمت الحدود في الإسلام الجريمة ؟ إزاي؟
قلت : تأخذ مثال على كل واحدة من تلك الجرائم التي تمس المجتمع ونناقش موقف الإسلام منها .
قال : حسناً ماشى .
قلت : بالنسبة للسرقة : جاء في سورة المائدة : 38
[ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ... ]
جاء في تفسير أبن كثير أن القطع كان معروفاً قبل الإسلام وأول من عمل به قريش وأول من قُطعت يده هو " دويك " مولى بنى مليح بن عمرو من خزاعة ، وكانت قريش لا تشترط أن يكون المسروق كبيراً أم صغيراً .
جاء الإسلام ووضع حماية للسارق وحصانة له ،فوضع شروط للقطع لم تكن معروفة من قبل بأن حدد كمية أو حجم المسروق الذي يستوجب القطع ، وهذا في علم الفقه يعنى ثغرة يمكن من خلالها تمرير الجريمة بدون عقاب .
قال صديقي : لكنه من عدل الله أنه لا يريد أن تقطع يد من يسرق مثلاً درهماً،ومن هنا جاء تحديد أن يكون حجم السرقة بالقدر الذي يمكن أن تقطع اليد به .
قلت :ليس المهم في حجم أو مقدار ما سُرق ، فالنص المتعلق بالسرقة من النصوص العامة التي تؤخذ على عمومها دون تحديد ، فما دامت السرقة وقعت فلا بد من قطع اليد ، وإن كان القطع في القليل ظلم فأنتم الذين وضعتم النص وحددتم العقاب،لكن قام محمد باستحداث شيئاً لم ينزله الله ، أسماه النصاب أي القدر المسروق الذي يستوجب معه قطع اليد،مما أتاح للناس أن يسرقوا ما يشاءون وعند العقاب يحدث التأويل في حجم السرقة هل يستوجب الحد أم لا ؟ وهنا تضيع العقوبة ويفوز السارق بما قد سرق تحت مظلة وحماية إسلامية
ثانياً الزنى : إن تعامل الإسلام مع الزنى في منتهى الغرابة وهذا يفسر سبب انتشار الزنى بعد الإسلام عنه قبل الإسلام ويقول أحد المؤرخين وهو الأزرقى في كتابة تاريخ شبه الجزيرة العربية (غير المنقح) [ إنه رغم وجود عقوبة الجلد لغير المحصن والرجم للمحصن فإن انتشار الزنى بالجزيرة العربية قد زاد ازدياداً مطرداً ] ج5 ص 314 ، ولننظر معاً إلى ما يقوله القرآن في سورة النور آية : 2
[ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ... ] هذا هو الحد أو العقوبة وكانت معروفة عند قريش فكل من يمسك في زنى كان يجلد بمجرد تسليمه للوالي أو الحاكم إلا أن الإسلام قد أعطى للزاني حصانة لتدعيم زناه،هل تعلم كيف ؟
لقد أشترط على توافر أربعة شهود عيان للزاني حتى يمكن توقيع العقوبة عليه،وهنا أسألك تخيل أن رجلاً من الحاشية الملكية لدولة ما زنى ورآه كثيرون،هل يجرأ أن يتقدم منهم أربعة للشهادة ؟ أعتقد لا
ولم يقف الإسلام عند مجرد اشتراط وجود الشهود بل زاد من حمايته للزاني أن توعد كل من يبلغ عن جريمة زنى رآها بعينه بالعقوبة التالية [ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة .. ] ومن هنا قد يزني الزاني أمام شخص أو أثنين أو حتى ثلاثة وهم يتفرجون عليه تحت حماية الشريعة الفراء،ذلك لأنه لا يوجد لهم رابع حتى تكتمل شهادتهم .
ثالثاً القتل : كان معروفاً عند قريش حزمهم وصرامتهم في القصاص أو ما نسميه نحن بالثأر وكان يعد عار لكل من قتل له رجلاً ألا يقتل القاتل ، لكن عند قدوم الإسلام تبدل الحال فأصبح القتل مثل هواية صيد الطيور وذلك كله تحت مظلة الحدود الإسلامية وقد قسم الإسلام الناس إلى فريقين مسلمون ، كفار ، فالكافر يقتل دون أدنى مسئولية تطبيقاً لقوله
1- { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر}
التوبة : 29
2- { وقاتلوا المشركين كافة .... } التوبة : 36
3- { قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم ... } التوبة : 12
أما بخصوص المسلم فلا يحل لمسلم أن يقتل المسلم ، بل أعتبر القرآن ذلك خطئاً [ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ] ترى بعد ذلك كله هل يمكن أن تقول أن الحدود والعقوبات في الإسلام تحقق أو يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار ؟
قال صديقي : أريد أن أسألك : هل الخمر في المسيحية حلال أم حرام ؟
قلت : الكتاب يقول لا تسكر وهو هنا أعم وأشمل من مجرد تحريم الخمر،إذ حرم السكر سواء بالخمر أو غيره حتى لا توجد ثغرة كالتي تركها الإسلام عندما ركز كل اهتمامه على الخمر تاركاً أشياء أخرى تحدث نفس السكر الذي تحدثه الخمر، فانتشرت وأصبحت عادة وعرفاً كالمشروع شرعاً مثل نبات القات المنتشر في اليمن وبعض البلاد الأفريقية ولا يوجد دليل لتحريمه .
قال : إذن فهناك تحريم للخمر مثلاً ؟
قلت : نعم ( لكن ليس بالمفهوم الاسلامي ، لان كل ما يدخل الفم لا ينجسه ) والنص يقول " لا تسكر بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح "
قال : أعرف أن عندكم ما تسمونه التناول الذي تقيمونه في الكنائس أسبوعياً وفي هذه المناسبة تشربون الخمر وتقولون أنها دم المسيح ، وتأكلون خبزاً وتقولون إنه جسد المسيح فهل هذا منطق يقبله الله ؟
قلت : لقد سبق ولفت نظر سيادتكم ألا نحكم على المسيحية من خلال السلوكيات الغير صحيحة وكذلك الأخبار ، ولذا أسألك هل ذهبت إلى الكنيسة لترى ما يتم فيها في وقت التناول ؟
قال : لا
قلت : إن ما تسميه شرب خمر هذا لا يتعدى سوى سنتمتر واحد أو أثنين على الأقل ، وفي معظم الأحيان يكون عصير عنب غير مخمر،ولو افترضنا أن ذلك خمراً ، فأننا لا نشربه كما تبالغ لكننا نتناوله وكلاهما واحد،فالذي أريد أن أقوله هو أننا نفعل ذلك امتثالا لأمر الرب [ افعلوا ذلك لذكرى ] قال : هل يأمركم أن تفعلوا المنكر؟أريد أن أقرب لك المعنى بحادثة مألوفة في القرآن آلم يقل الله { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله .... إلا بالحق ... } الأنعام 151 ، لكنكم ترجمون الزاني حتى يموت وتقتلون من يترك الإسلام،وقتل أبو بكر مانعي الزكاة .
قال : لكن هذا كان عقاباً وهو حق الله .
قلت : إنه ليس عقاباً ولكن تسمونه" حداً " لأننا إذا قلنا عقاباً لكان الزاني الذي يرجم ويموت كافراً،وهذا ما يخالف قول محمد عندما صلى على الفامدية التي زنت ورجمها فمتى ماتت قال : { والله إنها قد تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم } البخاري باب التوبة حد من 531 وهنا أسال هل يجعل الله من حدوده أو عبادته أن نقوم بما نهينا عنه ؟فإذا كان الله قد حرم القتل ، فلماذا يجعله عبادة له وحداً من حدوده ، ألا ترى أن الأمرين متشابهين ؟
قال صديقي : ألا ترى أن المسيحية تعيد البشرية إلى عالم الوثنية الممقوت والذي حاربه الله على مدار التاريخ من خلال كل الأنبياء وأخرهم محمد، وذلك بما تدخلونه في ديانتكم من عبادة الأحبار والرهبان والصليب والأوثان،والصور ، والتماثيل التي تملأ جدران كنائسكم وقد ذكر ذلك القرآن في قوله : "اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أرباباً دون الله “ التوبة : 31 ، وقول النبي : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد
قلت : أولاً أريد تصحيح بعض المعلومات لديك وهى لفظ الأحبار،لم يعرف عند النصارى بل هو لقب لرجل الدين اليهودي ثانياً :إننا لا نعرف المساجد ولا نعرف أن أحداً من اليهود أو النصارى قد دفن موسى أو يشوع في قبر من القبور وتقولون عن عيسى انه دفن في قبر واتخذ النصارى قبره مسجداً ،الحقيقة أنا لا أدري من أين تأتون بهذه المعلومات ؟ بل على العكس من ذلك فالكثير من الأنبياء لا يعرف قبره حتى الآن
أعود إلى الإجابة عن سؤالكم ،بخصوص أن المسيحية دعوة لعودة الوثنية من خلال عبادة الرهبان،الصور، التماثيل لكنني أولاً أريد تحديد معنى " عبادة الرهبان " ؟
قال : إنكم تقابلونهم في الطرقات فتركعون وتقبلون أيديهم وأرجلهم،وهل هناك عبادة أكثر من ذلك ؟
قلت : طبعاً ،والذي قال ذلك نبيكم محمد في تعقيبه على قول عمر بن الخطاب له عند الآية السابقة، إذا قال عمر :يا رسول الله أنهم لم يعبدوهم ؟ فقال محمد: ألم يحلوا لهم الحرام ويحرموا عليهم الحلال ؟ فقال عمر نعم قال محمد : تلك عبادتهم ما رأيك في ذلك؟ فما تراه رغم أننا لا نقره فهو لا يحمل معنى العبادة كما ادعيت، ورغم ذلك سأجيبك على ما سألت، وأكرر أنكم تخطئون عندما تقيّمون المسيحية بالتصرفات غير الكتابية،فكل ما ذكرته سيادتكم لا يمكن إنكاره وفي نفس الوقت لا يمكن اتخاذه سنداً لتقييم المسيحية من حيث الصحة أو دون ذلك،ما هو إلا مجرد تصرفات فردية ليس لها دليل من التوراة ولا من الإنجيل،بل يقول الكتاب"لا تصنعوا لكم أوثاناً ولا تقيموا لكم تمثالاً منحوتاً أو نصباً ولا تجعلوا في أرضكم حجراً مصوراً لتسجدوا له "لأني أنا الرب ألهكم …. ] [11] أما اعتبارك أن هذه الأمور دليل على الوثنية فبكل أسف أقول لك إن الإسلام له الدور الريادي في ذلك وإن كنت لا تعلم فسأحدد عدة أماكن تستطيع أن ترى من خلالها أين الوثنية؟ هل هي في المسيحية أم في الإسلام ؟ فالحسين أمامك لترى كيف يتم السجود عند الضريح الفضي وكيف يتم تقبيل القضبان والبكاء عليها والدعاء للحسين وليس لله،وكذلك النذور التي تنذر للحسين وليس لله،والعجيب أنك عندما تسأل أحد عن مبررات ذلك يجيب عليك بالقول" قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى "[12] والقربى هم أهل بيت النبي أي أقاربه،كذلك قوله" ألا أن الأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " وحديث محمد" من أذى لي ولياً اذنته بالحرب يوم القيامة " البخاري كتاب صفة أولياء الله م2 ص 98 ، وكذلك الحال في السيدة زينب التي ترى داخلها نصوص قد نقشت لتبين فضلها ،حتى إن الداخل للضريح لا يحق له أن يستدير عند الانصراف،وتجد هنا تقبيل أيدي وأرجل الأولياء وشفاعتهم محتجين في ذلك بقوله { وابتغوا إليه الوسيلة } .
ينبغى ان يطع الله اكثر من الناس

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: لا مشتركين و 1 زائر