الزمن في القرآن الكريم (5) - الخلود

مراقب: Hatem

شارك بالموضوع
Hatem
مشاركات: 520
اشترك: سبتمبر 10th, 2002, 8:50 pm

ديسمبر 2nd, 2003, 10:00 pm

<u><center><font size=+3>الزمن في القرآن الكريم (5)
</font></center></u>

<u><center><font size=+2>مفهوم الخلود في القرآن الكريم .</font></center></u>
إن حديث القرآن عن الآتي ، أي الزمن الغيبي، غالبا ما يقترن بما يمكن أن يؤطره هذا الزمن من الأحداث وذلك لكي يكون له وجود ملموس، ويخرج عن دائرة التجرد، من ذلك حديثه عن زمن الخلود. والخلود هو تبري الشيء من اعتراض التغيير والفساد و"الخلد اسم للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته، فلا يستحيل ما دام الإنسان حيا استحالة سائر أجزائه، وأصل المخلد الذي يبقى مدة طويلة ومنه رجل مخلد، الذي يبقى مدة طويلة، ومنه قيل مخلد، لمن أبطا عنه الشيب، والخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي عليها، من غير اعتراض الفساد عليها" ومنه نريد بزمن الخلود الزمن الذي يواكب رحلة الخلد هاته ويؤطر ما تحفل به من أحداث سواء في الجنة أو في النوع من الزمان، هناك أسئلة تطرح نفسها حول هذا الزمن بإلحاح، وتستدعي أجوبة مختلفة ومتعددة، ومن هذه الأسئلة : ما مقدار زمن الخلود في الجنة أو النار ؟ هل هو زمن دائم لا ينقطع ؟ أم أن له مدة محددة في علم الله ؟ وإذا قلنا بأنه زمن دائم فهل يكون حينئذ مشاركا لله تعالى في أبديته ؟ وهل يمكن أن يكون الزمن في الآخرة من نوع الزمن (المطلق ) الذي لا يقاس ولا يوصف بقبل ولا بعد، لأنه لا توجد آلات قياس به ؟

ونحن نرى لأن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة ، لن تولد إلا أسئلة أخرى تفقر الموضوع بقدر ما تغنيه ، لأنه كما قال حلمي عبد المنعم صابر :" توجد كثير من التساؤلات حول هذا الزمن يطرحها الذهن البشري أمام هذا الغيب المكنون وكل ما يمكن قوله بخصوص هذا الزمن،أنه زمن غيبي لا نعلم عن حقيقية أمره شيئا" .

غير أن ذلك لا يمنع من استعراض بعض الملامح المميزة لهذا النوع من الزمان ، والتي تناولتها آيات كثيرة من القرآن الكريم ، يقول تعالى : " إن الذين آمنوا وعملوا لصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا فيها لا يبغون عنها حولا" ويقول أيضا في سورة الزخرف:" إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهو فيه مبلسون" .

وقد اتفقت الأمة – كما حكى ذلك ابن حزم – كلها على أنه لا فناء للجنة ولا نعيمها، ولا النار ولا عذباها، إلا جهم بن صفوان، وأبا الهذيل العلاف وقوما من الروافض.

وقد انبرى ابن حزم للدفاع عن أمر الخلود في الجنة أو النار وأورد عدة براهين يثبت فيها ذلك ويرد فيها على النافين للخلود من ذلك قوله :" إن الله تعالى إنما يعلم بالأشياء على ما هي عليه، لأن من علم الشيء على ما هو عليه ، فهو جاهل به، وعلم الله عز وجل هو الحق اليقين على ما هي معلوماته عليه، فكل ما كان ذا نهاية ، فهو في علم اله ذو نهاية، ولا سبيل إلى غير هذا البتة وليس للجنة والنار مدد غير متناهية محاط بها، وإنما لهما مدد كل ما خرج منها إلى الفعل فهو محصى محاط بعدد، وما لم يخرج إلى الفعل فليس بمحصى، لكن علم الله تعالى أحاط أنه لا نهاية لهما" .

ثم استعرض ابن حزم الآيات القرآنية التي استند إليها الرافضون لأمر الخلود في الجنة والنار، وما إتيان : الأولى قوله تعالى: " كل شيء هالك إلا وجهه" الثانية قوله تعالى :" أحصى كل شيء عددا " .

أما عن الآية فيرى أن الله تعالى إنما عني الاستحالة من شيء إلى شيء ، ومن حال إلى حال، وهذا عام لجميع المخلوقات دون الله تعالى، وكذلك مدد النعيم في الجنة والعذاب في النار، كلما فنيت مدة أحدث الله عز وجل أخرى، وهكذا أبدا بلا نهاية ولا آخر وأما عن الآية الثانية فذهب إلى أن اسم الشيء لا يقع إلا على موجود، والإحصاء لا يقع على ما ذكرنا إلا ما خرج إلى الفعل ووجد بعد، وإذا لم يخرج من الفعل فهو لا شيء بعد ولا يجوز أن يعد شيئا، وكل ما خرج إلى الفعل من مدة بقاء الجنة والنار وأهلهما فمحصى بلا شك ، ثم يحدث الله تعالى لهم مددا أخر، وهكذا أبدا لا نهاية ولا آخر.

يقول ابن حزم : " : " وقالوا : هل أحاط الله تعالى علما بجميع مدة الجنة والنار أم لا ؟ فإن قتلتم لا جهلتم الله وأن قتلتم نعم جعلتم مدتها محاطا بها، وهذا هو التناهي نفسه "

فالجنة والنار هما العاقبة التي لا بد أن تنتهي إلى إحداهما حياة الانسان، وهي عاقبة أخيرة ودائمة لا عاقبة من بعدها . فنعيم الجنة باق خالد لا نهاية له، وعذاب جهنم باق لا نهاية له والآيات التي توضح هذه الحقيقة في كتاب الله تعالى متعددة ، غير أن صاحب التفسير الكاشف حمل مفهوم الخلود على غير معناه الظاهر، وجعله من قبيل الزمان الطويل، وهو ما لم تؤيده مجموعة من الأحاديث، فعن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينادي منادي أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تباسوا أبدا" فذلك قوله عز وجل :" ونودوا أن تلك الجنة أورتتموها بما كنتم تعملون" .

غير ان هذا القول قد يصح من وجوه إذا لم يبق على عمومه، فالذين يستقرون خالدين في عذاب الله تعالى، إن هم إلا الكافرون بمختلف فئاتهم، من مشركين، وملاحدة و من لا يؤمنون بسائر الأنبياء.أما العصاة من المؤمنين بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر فمصيرهم مهما طال عليهم العذاب إلى مغفرة الله وجنته.
قال تعالى :" خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك" أي إن جميع الأشقياء خالدون في النار إلا من شاء الله منهم أن لا يخلدوا فيها وهم العصاة من أهل الإيمان، والتوحيد كما دلت على ذلك الأدلة الكثيرة الأخرى، وجميع أهل الإيمان خالدون في الجنة، إلا من شاء الله منهم أن يتعذب في النار إلى أمد قبل ذلك وهم أولئك الذين غمرت حياتهم بالمعاصي والأوزار من المؤمنين ولم تكتب لهم الشفاعة أولا. قال البوطي :" وإنما لم يات الاستثناء بصيغة، إلا من شاء ربك كما كان يقتضي ظاهر الاستثناء لأن المراد من المستثنى منه العدد المجرد لا الأشخاص بأعيانهم حتى يراعي فيهم العقل، وذلك كقوله تعالى:" فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" فقد عبر عن النساء بما، عندما كان الملاحظ، فيهن العدد لا الشخص" .

إن وجود الله مع الزمان أو قبل الزمان لم تحسم أبدا على مستوى النص بقدر ما حسمت في مستويات أخرى من التأمل الفلسفي حول طبيعة العالم، وما إلى ذلك مما هو متداول في المذاهب الفلسفية التقليدية.

هذا لا يعني بطبيعة الحال أن القرآن لم يحدث أي تأثير في تصور العرب للزمان و طريقة تعاملهم معه. لقد كان الإسلام انقلابا في حياة الأمة العربية، كان يقظة فكرية، خطابا ربانيا يحاول تكييف سلوك الإنسان طبقا فيما قبل لقد كان من المفروض أن يكتسب العربي وعيا أخر بالزمن من خلال التربية الدينية والخلقية والفكرية التي بشر بها القرآن الكريم. لقد ظل التأثير الذي أحدثه القرآن في التصور العام لمعنى الزمان مرتبطا بموقف القرآن ككل من جملة البنيات الفكرية والسلوكية التي حاول تغييرها أو تحطيمها، فمن طبيعة هذا الموقف يمكن للباحث أن يستشف مقدار الوعي الجديد بالزمن الذي حاول القرآن ترسيخه في ذات العربي والمسلم بوجه عام.

وهكذا فقد كانت قد تبلورت فكرة الشاعر الجاهلي ومفادها إن وجوب الحياة واستمراريتها للشرفاء الحالمين تقول الخنساء.:
<center> أن الزمان وما يفني له عجب *** أبقى لنا ذَنَباً واستؤصل الراس </center>

فهي ترى أن الزمن يسير على غير المعقول وعلى غير ما ننتظر من استمرار الحياة للرؤوس وذوي الشرف، وأصحاب المجد، وسلبها من الأذناب والعامة.

كما أن النابغة يرى أنه ما دام ممدوحه النعمان قد مات، فليس لأحد من الناس أن يرجوا الخلود، وكأننا به يقرر أن من يستحق الخلود والحياة قد مات، فليس لمن لا يستحقون الحياة، أن يأملوا في الخلود يقول النابغة:
<center> إن امرأ يرجو الخلود وقد رأى*** سريرا أبي قابوس يغذي به عجز.</center>
"إذا كانت السعادة الحقيقية لا تكون إلا مع الإحساس بالخلود وعدم انقطاع العيش، فإن ما يتمخض عن الإحساس بالتناهي، واستحالة الخلود يدفع الإنسان إما إلى الإغراق في طلب اللذة، أو الإغراق في زهد العيش، والعزوف عن الحياة، أو التوسط بين هذين الطرفين المتناقضين وقبول الواقع وتحقيق الذات بأسلوب معتدل" .

ويقول عبيد بن الابرص:
<center>تزود من الدنيا متاعا فإنه *** على كل حال خير زاد المزود.</center>
ولقد كانت نظرة الشاعر الجاهلي للخلود، نظرة تتلخص في أن هذا الخلود يعتبر امتدادا للعمر الإنساني، في الوقت الذي يمثل الخلود في نظر المسلم على سبيل المثال الحياة الخالدة المستمرة بعد الموت. والقرآن الكريم نفى في أكثر من موضع كل إمكانية للخلد في هذه الدنيا يقول عز من قائل :" ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد فإن مت فهم الخالدون"

قال الرازي في تفسيره :" وفيه ثلاثة أوجه " إحداهما" أن أناسا كانوا يقولون أن محمدا لا يموت، فنزلت هذه الآية وثانيها : كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون بموته، فنهى الله عنه الشماتة بهذا، أي قضى أن لا يخلد في الدنيا بشرا....
وثالثها يحتمل أنه لما ظهر أنه عليه السلام خاتم الأنبياء جاز أن يقدر مقدر أنه لا يموت إذ لو مات لتغير شرعه فنبه الله تعالى على أن حاله كحال غيره من الأنبياء عليهم السلام في الموت"

<u> وبصورة أكثر تحديدا فالخلود من حيث طبيعته، ينقسم إلى قسمين خلود في الزمان، وخلود خارج الزمان </u>، فالأول : يقتضي التفاعل والتعالق بين العناصر الموجودة داخل هذا الإطار الزماني، والثاني يقتضي استقلال هذه العناصر بعضها عن بعض، مع انعدام للحركة والتبدل، والتغيير.

والمفهوم الأول يقودنا إلى إطار زماني غني بالتصورات والمضامين التجريبية، وكما أشرنا إلى ذلك فقد أنكر بعض العلماء هذا النوع من الزمان منهم الجهم بن صفوان بدليل أن الزمان يجب أن يكون محدودا من طرفين ، فالزمان الذي تكون له بداية، لابد أن تكون له نهاية في الأخير.

ويرى هنتر ميد أنه توجد على الأقل ثلاثة أنواع مختلفة من التجربة تندرج تحت لفظ الخلود وهي :

<u>- الخلود البيولوجي :</u> وكل ما يعنيه هذا النوع أننا نبقى بعد موتنا في أشخاص أبنائنا وأبناء أحفادنا، خلال الأجيال المختلفة... والأجدر أن يطلق عليه إسم " الاستمرار" بدلا من " البقاء" .

<u>- الخلود الاجتماعي :</u> ويعني استمرار وجودنا بعد الموت في ذكريات أسرتنا وأصدقائنا .. أي أن الأفراد الذين يقدمون للمجتمع أكبر الخدمات هم الذين يقدر لهم بقاء اجتماعي أطول.

<u>- الخلود الأخلاقي:</u> فالشخصيات التي تقضي حياتها في كفاح من أجل الأخلاق وفي سعي إلى تحقيق الخير الاجتماعي، ولا يمكن أن تكون نهايتها الوحيدة سوى القبر"

وهذه التصورات تبقى بعيدة، عن ملامسة المفهوم الحقيقي للخلود الذي ما فتئ القرآن الكريم يركز عليه ويدعو إلى العمل لبلوغه و الذي حاولنا طرحه في هذا البحث المتواضع.
<center>------------------
</center>
<FORM METHOD=POST ACTION="http://www.ushaaqallah.com/ubbthreads/d ... hp"><INPUT TYPE=HIDDEN NAME="pollname" VALUE="1070402439Hatem">
<p>رأيك في هذا المقال:
<input type="radio" name="option" value="1" />ممتاز.
<input type="radio" name="option" value="2" />جيد جداً.
<input type="radio" name="option" value="3" />جيد.
<input type="radio" name="option" value="4" />مقبول.
<input type="radio" name="option" value="5" />غير مفيد.
<INPUT TYPE=Submit NAME=Submit VALUE="أرسل رأيك" class="buttons"></form>

شارك بالموضوع
  • معلومات
  • الموجودون الآن

    الاعضاء المتصفحين: Google [Bot] و 1 زائر